قصة اعتناقي الأحمدية

قصة اعتناقي الأحمدية

مها دبوس

أنا سيدة مصرية من عائلة مسلمة متدينة. وُلدت في مصر حيث نشأت وتربيت وتعلمت. وبما أن أهلي كانوا أتقياء، فقد اتبعت مثلهم الطيب. كنت أُصلي الصلوات الخمس يوميا، وأصوم رمضان، ولا أوذي أحدا، وكنت أعمل بكل ما يأمر به القرآن قدر استطاعتي. كنت دائما ألاحظ أن كثيرين قد ابتعدوا عن الدين تماما. فكان هناك من المسلمين من لا يتبعون تعاليم الإسلام، ولا يصلون، ولا يقومون بأي واجب من واجباتهم تجاه الله . وكنت ألاحظ أيضا أن بعض الناس هم مُسلمون بالاسم فقط، فهم لا يؤمنون بالدين، بل إن بعضهم لا يؤمنون حتى بوجود الله . وكنت أشعر بالقلق الشديد على هؤلاء الناس. وسبب ذلك اهتمامي بكل ما يتعلق بأمور الدين وإقبالي الشديد على قراءة كتب كثيرة عن الإسلام. وكنت دائما أحرص على دراسة آيات القرآن الكريم وفهم معانيها عسى أن أجد ما يروي عطشي ويزودني بالمعرفة الصحيحة عن الإسلام، حتى أتمكن من إرضاء هؤلاء الناس ودعوتهم إلى عبادة الله رب العالمين الذي خلقهم. بعد انتهائي من الدراسة في جامعة القاهرة تزوجت وسافرت مع زوجي إلى لندن عام 1979 حيث استقر بنا المطاف. وهناك أُتيحت لي الفرصة للتعرف على أناس كثيرين من بلاد مختلفة، وبالطبع كانوا من أتباع ديانات مختلفة أيضا. وزاد هذا من علمي بالأديان الكثيرة الموجودة في العالم اليوم. وبدأت أيضا أتعرف على كثير من معتقدات المسيحية عن طريق زوجين مسيحيين من مذهب مشهور “شهود يهوه”. كانا يزورانني بشكل منتظم بغرض التبشير بدينهما. وقد رحبت بهما وفي نيتي دعوتهما إلى الإسلام. ودارت بيننا مناقشات طويلة. ومن أجل ذلك بدأت في قراءة الكتاب المقدس وكتب أخرى عن المسيحية. وكنت أتألم كثيرا عندما أجد أن هناك من يعبد آلهة غير الله وهو خالقنا ورازقنا. وكان قلبي يقطر دما عندما أجد المسلمين غير مبالين بهذا. فقد انغمسوا في حياتهم الدنيوية، ونسُوا عبادة إلههم الواحد. وزاد هذا اهتمامي بمعرفة المزيد عن الإسلام. وقد أزعجني جدا انقسام المسلمين إلى طوائف مختلفة، وكنت أشعر بعدم الرضا عن كل ما يفعله المسلمون. فهم لا يحافظون على اتباع تعاليم الإسلام الحقيقي الموجودة في القرآن الكريم. وكانوا بذلك يتسببون في ابتعاد كثير من أهل الغرب عن الإسلام. وتوضحت لي حقيقة هامة وهي نظرة أهل الغرب إلى الإسلام والمسلمين. ولشدة أسفي رأيت أنهم ينظرون إلى الإسلام على أنه دين يعلم أتباعه الهمجية ويشجعون على قتل غير المسلمين. كان الإسلام في نظرهم دين الإرهاب وإراقة الدماء. بالطبع إن ذلك آلمني جدا، لأنني كنت أرى أن الإسلام هو دين الرحمة والتسامح والسلام، وكنت متأكدة أنه لو اطلع أهل الغرب على حقيقة الإسلام وتعاليمه الصحيحة، فلا بد أن يؤمنوا به ويتبعوه. ولذلك زاد حماسي لدعوة الناس إلى الإسلام. وكنت أحاول أن أُعرفِّ كل من حولي بتعاليم الإسلام الحقيقية، وأوضح لهم أن فكرتهم عن الإسلام غير سليمة وأن ما يرونه من تصرفات المسلمين ليس هو الإسلام الصحيح. فحذرني بعض المسلمين من التحدث عن ديني لأن ذلك قد يؤثر على عقيدتي وإيماني من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الإسلام ليس دينا تبشيريا. ولكني كنت أفكر عكس ذلك تماما. فقد كنت أشعر أن الإسلام دين عظيم ونعمة كبيرة من عند الله، وإذا كان الله قد أنعم عليِّ بهذه النعمة، ووهبني هذه الهدية الثمينة، فمن واجبي أن أشرك غيري في التمتع بها. كنت أشعر أن الدعوة إلى الإسلام نوع من الزكاة مفروضة على كل مسلم، وكنت أؤمن بأنه إذا كانت عقيدتي ستتأثر بالتحدث مع الغير عن ديني فإن هذا سيثبت أني لا أتبع الدين الصحيح!

وحدث أنه في عام 1989 أثار المسلمون ضجة كبيرة في أنحاء العالم بسبب صدور كتاب (آيات شيطانية) لسلمان رشدي. وفي هذا الوقت نفذ صبري. فبالطبع لم أتفق في الرأي مع مؤلف الكتاب ولم أرض عما كتب، ولكني في نفس الوقت لم أستطع احتمال رد فعل المسلمين الذي كان في رأيي غير إسلامي تماما. لقد ظنوا أنهم يتصرفون باسم الإسلام ومن أجل حمايته، ولكني شعرت إن الإسلام بريء مما يدعون ويفعلون. وشعرت بالأسف الشديد من أجل غير المسلمين الذين صُوِّر لهم هذا الدين السلمي بهذه الصورة البشعة. فمن المؤكد أنهم سينفرون من الإسلام بهذه التصرفات. وشعرت بالحزن الشديد على المسلمين وأحوالهم المخزية. فهم متفرقون، مشتتون في ذلة ومهانة في جميع البلاد. ونظرت حولي ولم أستطع أن أجد شخصا واحدًا متبعًا للإسلام الحقيقي بكل تفاصيله. وفكرت في أهلي وأصدقائي في مصر الحبيبة، ولكني وجدت أنهم لا يتبعون الدين الإسلامي الصحيح حتى المتدينون منهم. فمع أنهم صالحون.. يصلون ويصومون، ولكنهم لا يقومون بواجبهم الكامل تجاه الله . إنهم ضعفاء قليلو الحيلة. منهم المسلمون السلبيون، ومنهم أيضا المتزمتون بتقاليد والمبادئ ليست من الدين الإسلامي الصحيح. وبالإضافة إلى ذلك فإن أغلبهم يحتفظون بدينهم لأنفسهم، ولا يعلنون عنه ولا يدعون الآخرين للدخول في حمى الإسلام.

وفي هذا الوقت تذكرت صحابة رسول الله الذين كانوا بالفعل يتبعون الدين الإسلامي الحقيقي. كانوا أتقياء أقوياء، أشداء على الكفار، رحماء بينهم. كانوا نشطاء لا يتكاسلون ولا يتهاونون في القيام بأعمالهم الحسنة. كانوا متحدين متماسكين مترابطين. حاربوا أعداءهم كيَدٍ واحدة، واجتمعوا تحت راية واحدة، واتبعوا قائدا واحدا. وكان لهم هدف واحد في الحياة هو طاعة الله ورسول الله واتباع دين الإسلام ونشر دعوته في جميع أنحاء العالم.. رضي الله تعالى عنهم جميعا. هؤلاء هم المسلمون حقا. ولكن أين هم الآن. لم أستطع أن أجدهم حولي. لقد عاشوا قبل 14 قرنا، وهم الآن يعيشون في مخيلة الناس وكتب التاريخ فقط.

وتمنيت لو كنت ولدت في زمنهم حتى أتمتع بنعمة الجهاد في سبيل الله مع الرسول ، وحتى أشارك في نشر دعوته في العالم كله. لقد كانت رغبتي شديدة في الدفاع عن الإسلام ونشر دعوته، ولكني كنت بحاجة إلى من يرشدني. كنت بحاجة إلى من يوجهني ويفهمني التعاليم الصحيحة للقرآن الكريم. كنت بحاجة إلى من يعلمني كيف أصبح مسلمة حقيقية. وشعرت بقلة الحيلة والحزن العميق.

كان ذلك في شهر رمضان المبارك عام 1989. وابتهلت إلى الله بالدعاء، ومن كل قلبي طلبت الله أن يعيد مجد الإسلام إلى العالم.. أن يعيد الإسلام الحقيقي بكل عزته وقوته، وأن ينصره، ويكتب له الغلبة على كل الأديان الأخرى. وكان الله الرحمان الرحيم كريما جدا معي، لأنه استجاب دعائي بسرعة وفي نفس شهر رمضان. فقد كنت في عملي أتحدث مع زميل مسيحي، وأحاول إقناعه بالإسلام. وصادف أن سمعني زميل آخر مسلم وقد لاحظ اهتمامي الشديد بدعوة الآخرين إلى الإسلام. فقال لي: إني أفعل كما يفعل أفراد الجماعة الأحمدية. وآنذاك لم أكن أعرف شيئا عن الأحمدية. فسألته: من هؤلاء الناس؟ فقال لي إنهم أنا يقولون بأنهم مسلمون، ويدعون الناس إلى الإسلام، ولكنهم يؤمنون بظهور نبي بعد سيدنا محمد . وظننت أن هذه طائفة من المسلمين، ولكنهم ضلوا طريقهم تماما، وأحببت أن أعرف المزيد عنهم حتى أفهم كيف يحيد الناس بعيدا عن الدين السليم.

وزودني زميلي المسلم ببعض الكتب التي أصدرتها الجماعة الإسلامية الأحمدية، وكان قد حصل عليها من سيدة أحمدية صديقه لزوجته. وحذرني من هؤلاء الأحمديين، لأن المسلمين يعتبرونهم “كفارا”.

فتوكلت على الله، وبدأت في قراءة هذه الكتب. وكان من بينها كتاب “المقدمة لدراسة القرآن الكريم” لحضرا مرزا بشير الدين محمود أحمد. والحقيقة أني استمتعت بقراءة هذا الكتاب جدا. كانت فيه جاذبية وجمال لا يمكن وصفها بالكلمات، ولكن يمكن الشعور بهما بالقلب. وشعرت بارتياح شديد لقراءته. فقد قدم الإسلام بصورة جميلة تجذب أي إنسان يقرأه وتحببه بالإسلام وبرسوله . وقد سرد قصة حياة الرسول ودحض اتهامات المـُستشرقين بالرسول بشكل محرَّك للعواطف. وقد تناول أيضا مواضيع أخرى كثيرة وناقش نقاطا من التوراة والإنجيل. وأعجبني كثيرا المنطق الذي اتبعه المؤلف في ذلك. وشعرت أن هذا الكتاب مفيد جدا لكل مسلم يريد مناقشة الغير عن الإسلام. وسررت جدا لوجود أناس يفهمون الإسلام ويعرضونه على الناس بشكل صحيح. ولكني لم أكن أفكر أبدا في الانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، لأني لم أكن أؤمن بنبوة مؤسس هذه الجماعة. وفي الوقت نفسه تعاطفت جدا مع أهداف الجماعة، ورأيت أنه ظلم شديد أن يسمى أفراد هذه الجماعة “كفارا”، لأني رأيت أن إسلامهم أفضل من إسلام غيرهم من المسلمين. وقررت أن أناقش هؤلاء الأحمديين، عسى أن أغير اعتقادهم بهذه النبوة المزعومة، وأصحح هذه الفكرة الخاطئة عندهم.

وذهبت لزيارة السيدة الأحمدية صاحبة الكتب التي قرأتها. وكنت أراقب كل كلمة وحركة وتصرف منها عسى أن أجد أي عيب في سلوكها. ولكني وجدت أنها مسلمة مخلصة جدا بل أحسن مني بكثير. إذ لم ألاحظ في بيتها شيئا يخالف الشريعة الإسلامية، ولا في أقوالها شيئا يعارض الإسلام. وتناقشنا في مواضيع كثيرة منها موضوع حياة أو وفاة سيدنا عيسى وما حدث له وقت الصلب. وفي ذلك الوقت لم يكن لدي أي اعتقاد مسبق بالنسبة لهذا الموضوع، ولم أكن أهتم حتى بالتفكير فيه. وكنت أقول لنفسي ليس هناك أي أهمية لمعرفة ما إذا كان سيدنا عيسى قد مات أو عاش بعد الصلب فهذا لن يؤثر في إسلامي شيئا. ولكني تذكرت في ذلك الوقت أن والدتي كانت قد قالت لي مرة أن هناك بعض المسلمين الذين يعتقدون أن سيدنا عيسى سيعود إلى العالم مرة أخرى قبل يوم القيامة، ولكنها قالت بأنها لم تكن متأكدة من هذا الكلام. وكنت عندئذ طفلة، فسألتها: كيف سنتعرف على سيدنا عيسى إذا عاد فعلاً إلى الأرض؟ فأجابتني قائلة: إنه إذا ادعى أحد أنه سيدنا ولم يغير أي حرف من القرآن أو من تعاليم الإسلام، وعظَّم الله ، ومجَّد الرسول ، فلا بد وأن يكون صادقا في هذا الادعاء.

وبدأت أرتبك في تفكيري وزادت حيرتي. وقرأت كتبا أخرى للجماعة الإسلامية الأحمدية. وجذبتني بشدة كتابات مؤسس الجماعة، وأعجبتني جدا بسبب جمالها وكمالها. لقد كان حب الله وحب رسوله في كل حرف من مؤلفاته. لكن اعتقادي أن رسول الإسلام هو آخر نبي للعالم كان قويا جدا، ومنعني حتى من التفكير في احتمال صدق ادعائه بالنبوة. وكنت أقول لنفسي لو كان هذا الكلام صحيحا فلماذا لم نسمع عنه من مدة طويلة في مصر. ففي مصر عندنا جماعة الأزهر والمشائخ العلماء العظماء الذين لا يمكن أن يتفوق عليهم أحد في علمهم. وهذا طبعا حسب اعتقادي في ذلك الوقت.

وكنت أحيانا أشعر بالخوف وأخشى أن أكون قد أغضبت ربي حتى لمجرد التفكير في هذا الموضوع، لكني لم أستطع التوقف عن قراءة الكتب الأحمدية التي كانت تجذبني إليها وتشدني أكثر فأكثر كل يوم، رغم تحذيرات من كان يحيط بي من المسلمين. رغم تحذيرات من كان يحي بي من المسلمين فتذكرت قول الله سبحانه وتعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات: 7)

ومر بعض الوقت، وأخذتني صديقتي الأحمدية لزيارة مركز الجماعة الإسلامية الأحمدية (إسلام آباد) بتلفورد. والحقيقة أن هذا اليوم غيَّر حياتي كلها. رأيت أمام عيني مجموعة من المسلمين المسالمين المخلصين، المملؤة قلوبهم بالحب الحقيقي لله ورسوله . رأيت أناسًا كل غرضهم في الحياة هو إسعاد الآخرين ودعوتهم إلى الإسلام الحقيقي بطريقة سلمية وبدون استخدام السيف كما يدعي أعداء الإسلام وبعض أبنائه، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة كما يأمر القرآن. وإسلامهم هو الإسلام الذي أستطيع أن أسميه الإسلام الحقيقي الذي أتى به سيدنا محمد سيد المرسلين قبل 14 قرنًا. والتقيت بأحمديين كثيرين هناك، وتأثرت جدا وأعجبت بشدة بتفسيرهم لبعض آيات القرآن الكريم. كنت أظن دائما أننا نحن العربَ أحسن من يستطيع فهم المعاني الحقيقية للقرآن الكريم، ولكن اعتقادي هذا تغير بعد ذلك اليوم، إذ أن تفسير الأحمديين أحكم وأوضح من أي تفسير سمعته من قبل. وأحسست بحب من التقيت بهم، وشعرت بإخلاصهم وولائهم، واعتراني شعور غريب وكأنني أرى أمام عيني صحابة الرسول لأنهم كانوا يشبهونهم في نواح كثيرة. فقد رأيتهم متبعين لتعاليم القرآن الحقيقية، وكانت كلمتهم واحدة، وهدفهم واحدًا، كانوا يعملون معًا كفريق واحد، ويتبعون قائدًا واحدا، وعملهم هو طاعة الله واتباع رسوله ، ونشر دعوة الإسلام في العالم. وشعرت كأن يد الله معهم وتساعدهم وتحميهم.

عدت إلى منزلي في هذا اليوم بقلب مطمئن بأن هذه الجماعة هي التي تتبع الطريق الصحيح، وشعرت برغبة شديدة في الانضمام إليها، وأن أكون عضوا من أعضائها، ولكن اعتقادي بأن سيدنا محمد هو آخر الأنبياء كان قويا يمنعني من اتخاذ هذه الخطوة.

فاتجهت لله بالدعاء، ووجدت نفسي أردد سورة الفاتحة وأكرر آية اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ كثيرا. وبدأت أفكر بعمق في هذا الموضوع، وسألت نفسي: كيف يمكن للإنسان في قلبه هذا الحب الحقيقي لله ولرسوله أن يدعي النبوة كذبًا، والعياذ بالله؟ كيف استطاع إنسان أن يكتب مؤلفات بهذا الجمال وهذا الكمال بدون مساعدة الله ؟ كيف يمكن أن يكون إنسانًا ضالا إذا كان أتباعه قد وصلوا إلى هذه الدرجة من الإيمان والتقوى؟ نحن نقول: الشجرة تُعرف بثمارها، والله تعالى يقول في القرآن الكريم:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (إِبراهيم: 25).

لقد كان واضحًا لي بأن هذه الشجرة شجرة طيبة. ولأول مرة بدأت أفكر أن هناك احتمالاً أن يكون هذا المدعي بكونه المهدي والمسيح الموعود صادقا في ادعائه. واتجهت إلى الله بالدعاء، وطلبت من أن يهديني إلى الحق. وقضيت تلك الليلة في التفكير والدعاء. ومع طلوع فجر اليوم التالي تجلى لي نور الحقيقة واضحا كالشمس المشرقة. فقد أدركت أن الله البصير السميع العليم مطلع على كل ما يجري في العالم. ثم هو ارتضى الإسلام للناس دينًا، وهو رب العالمين الرحمان الرحيم.. فلا يمكن أن يسكت على هذا الحال الذي تردّى فيه المسلمون وما ينبغي له تعالى أن يهمل عباده بلا هداية تفصل في خلافاتهم وتنقذهم مما هم فيه.

ثم تفكرت في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أخبرت بحال المسلمين في آخر الأيام.. أيام غلبة الصليب والتثليث، تفشِّي الأخلاق الخنزيرية والمادية الشهوانية. وتذكرت وعد المصطفى الذي أخبر فيه بنزول موعود لتجديد الإسلام في نفوس المسلمين وإصلاحهم ولَمِّ شملهم وجمع كلمتهم تحت راية الإسلام. لقد سماه المصطفى ابن مريم، ووصفه بأنه (نبي الله) أربع مرات في حديث واحد مروي في كتاب من أصح كتب الحديث وهو صحيح مسلم. وفكرت لو أن خاتَم النبيين بنفسه سماه (نبي الله)، فمن يملك أن يحرمه من هذا اللقب أو يعترض عليه؟!

ولو أن هذا الموعود كان ابن مريم الناصري نفسه لأتى بنبوة جديدة، ويتعلم اللغة العربية ويحفظ القرآن ويحيط بسنة المصطفى وأقواله، ويلم بمشاكل المسلمين. وكل ذلك يتطلب وحيًا جديدًا وتعليما جديدًا وتربية جديدة. ولكن ألا يمكن لأحد من أمة المصطفى وهي خير الأمم أن ينال هذه المرتبة بدون أن يأتي بشريعة جديدة بل يخدم شريعة المصطفى ويكون تابعًا وخادمًا له.

ورأيت في الأحمدية شفاء لكل أمراض العالم الأخلاقية والروحانية. إنها المأوى للمسلمين المشتتين الضعفاء. لقد أصبحوا قليلي الحيلة، ولكن الله أسس لهم الجماعة التي سيوحَّدهم جميعا تحت راية واحدة، راية رسول الله المصطفى مرة أخرى لتكون منبع القوة والعزة والمجد لهم. إنها العلاج لغير المسلمين الذين لا يعرفون الإسلام الحقيقي. لقد أسس الله الجماعة التي ستقدم لهم الصورة الصحيحة للإسلام باتباع التعاليم الصحيحة الموجودة في القرآن الكريم. لقد أرسل الله الجماعة التي ستدافع عن الإسلام لتعيد له مجده وقوته.

كل هذا لم يكن من الممكن تحقيقه بدون إنسان تقي مبعوث من عند الله ومتلقٍ لهدايته حتى يزرع بذرة هذه الجماعة.

واكتشفت أن الله لم يترك الإسلام ينحدر وينهزم. واكتشفت أن الدعاء الذي دعوته أمامه قبل شهرين في رمضان، كان الله قد استجابه قبل مائة سنة عندما أرسل للعالم هداية الإسلام من جديد على يد سيدنا أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود ، والذي أثبت للعالم أنه من يسير على خطا الرسول ويتبع مثله الطيب، بإمكانه أن يبلغ أعلى الدرجات الروحانية. وعلمت أن معاناة الناس ناتجة من تقصيرهم في التعرف على الشخص الذي بعثه الله لهداية العالم اليوم إلى الإسلام الحقيقي، لكن الله لا يمكن أن يكون قد قصر في شيء، والعياذ بالله، عن ذلك.

وفي هذا الوقت فكرت في زوجي الحبيب وابني الوحيد الذي كان في السادسة من عمره حينذاك، وتذكرت أهلي وأصدقائي في مصر الحبيبة. كنت أعرف أن هناك احتمالاً بأن أفقدهم جميعا إذا أعلنت انضمامي إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، ولكني شعرت أن الله قد أنعم علي بنعمة كبيرة جدا بأنه أظهر لي حقيقية هذه الجماعة المباركة، وبهذه الحقيقة الجميلة التي كشفها الله لي تجلت لي رحمته الواسعة ، وشعرت بأني عاجزة عن شكره وقد غمرتني أفضاله، وشعرت أني أريد أن أقضي بقية حياتي في مساعدة هذه الجماعة لنشر دعوة الإسلام الحقيقي في العالم كله. وكنت على استعداد لأن أقدم أي تضحية في سبيل الله من أجل تحقيق هذا الهدف، ولو كنت سأفقد كل غال وعزيز لدي. والله يقول:

قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة: 24).

وبالطبع لم أكن بحاجة إلى التفكير أو الاختيار. إن المشاعر الشخصية ليس لها أي وزن. فالله ورسوله وجهاد في سبيله أعز وأغلى عندي من كل شيء آخر في الدنيا. وقرأت شروط البيعة، ووجدت أنها بحد ذاتها دليل على صدق هذه الجماعة. لقد كانت مطابقة تماما لما كنت أريد عمله في حياتي. وكنت لا أستطيع أنه أضيع أي لحظة من عمري. وعلى الفور بايعت وانضممت إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية يوم 9 يوليو عام 1989.

وفي ذلك اليوم قيل لي بأن طريق الاحمدية ليس الطريق السهل المفروش بالزهور. فشعرت بسعادة بالغة بسماعي هذا الكلام. فقد تذكرت رغبتي القديمة في أكون قد ولدت في وقت الرسول حتى أستطيع مساعدته في نشر رسالته في العالم، وأجاهد في سبيل الله. لقد أتاح الله الفرصة لي الآن كي أحقق أمنيتي. الحمد لله.

بايعت بعد عيد الأضحى بخمسة أيام، وكانت المرة الأولى بالنسبة لي أن أصلي فيها وراء إمام أحمدي، وكانت أيضا أول مرة أبكي فيها أثناء الصلاة. كنت أبكي شاكرة لله على هذه النعمة العظيمة التي أنعم بها على العالم، وأشكره على هدايته لي إليها. وكنت أبكي أيضا لأطلب المغفرة من الله، لأني لم أتعرف على هادٍ مهدي بعثه إلى العالم، ولأني لم أتبع هدايته قبل ذلك الوقت. وسُررت جدا عندما سمعت بقية خطبة العيد التي كان موضوعها بطبيعة الحال عن التضحية. فلأول مرة أسمع خطبة تدخل إلى أعمال قلبي وأفهمها في الحال. ولأول مرة أدرك الحكمة الحقيقية من الاحتفال بعيد الأضحى الذي احتفلت به مرات كثيرة قبل ذلك دون فهم أي معنى له. وفهمت معنى تقديم التضحيات في سبيل الله، وعلمت بالتضحيات العظيمة التي يقدمها المسلمون الأحمديون. واستمعت إلى قصة شهيدين كانا من أول الشهداء في الأحمدية. وكان هذا أول درس لي في الأحمدية. تأثرت بشدة مما سمعت، وشعرت برغبة قوية في المشاركة في التضحيات التي تقدمها الجماعة الإسلامية الاحمدية، حتى اتجهت إلى الله بالدعاء أن يوفقني كي أقدم كل ما أملك من أجل المساهمة في نشر دعوة الإسلام عن طريق الأحمدية في العالم. ومنذ ذلك اليوم أصبحت أشعر بالسعادة البالغة كلما واجهت أي صعوبة أو كلما فقدت أي إنسان عزيز أو شيء غال في سبيل إرضاء الله، لأن هذا يعني أن الله قد استجاب لدعائي. وفي الواقع إني لا أستطيع أبدا أن أقول إني فقدت أي شيء؛ لأن الله قد عوضني بنعم عظيمة أكثر كثيرا مما فقدت. وأنا اليوم أسعد كثيرا من أي وقت مضى، والحمد لله.

بدأت أتعلم أشياء كثيرة لم أكن أفهمها من قبل. فهمت ما معنى الخلافة الإسلامية، وعرفت أنه لا يمكن أن يعود للإسلام مجده من جديد إلا إذا اتبع المسلمون دينهم الصحيح، وأطاعوا الله ورسوله واتحدت كلمتهم. وذلك لا يتحقق إلا باتباعهم لإنسان مهدي موعود من عند الله لأمة الإسلام على لسان نبيه المصطفى حتى يعلمهم الدين الصحيح، ويعرفهم الصواب من الخطأ، ويزرع بذرة شجرة الخلافة التي اختفت من بين المسلمين، ليكون هناك دائما خليفة يتبعونه، فيزيل خلافاتهم، فتتوحد صفوفهم ويستطيعون محاربة أعدائهم.

وبالطبع كان هدفي أن أبدأ في نشر دعوة الإسلام بين الناس، ولكني تعلمت نقطة هامة جدا وهي أنه لو كان الإنسان يريد فعلا أن ينشر دعوة الإسلام فعليه أولا أن يكون متبعا لدينه تمامًا ويكون قدوة للغير، لأن “فاقد الشيء لا يعطيه”. لذلك بدأت في تقويم نفسي، وكرست كل وقتي المتاح لقراءة جميع الكتب الأحمدية التي تمكنت من الحصول عليها. وكنت أبذل كل جهدي لاتباع التعاليم الإسلامية الموجودة فيها. وبحمد الله قرأت كتبا كثيرة جدا في هذه الفترة بما في ذلك التفسير الكبير للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية المطبوع في خمس مجلدات. وقد أسعدتني جدا قراءته. فقد أضاف بُعدا جديدا لمعرفتي بالقرآن الكريم، وفتح لي أبوابا جديدة للتفكير والفهم. كنت قد قرأت من قبل كتبا كثيرة، واستمعت إلى مفسرين عظماء وهم يشرحون معاني آيات القرآن الكريم، ولكني لم أعثر أبدا على شيء مثل هذا الكنز العظيم الموجود في هذه المجلدات الخمسة.

وإلى ذلك الوقت كنت لم أتمكن من مقابلة مولانا أمير المؤمنين، الخليفة الرابع لسيدنا المهدي والمسيح الموعود ، ولكني كنت أكتب له باستمرار، وكنت أستمع إلى خطبه وأحاديثه المسجلة على الشرائط، وحاولت بقدر استطاعتي أن أتبع تعليماته بكل دقة. وتغيرت كثيرا. فبعد أن كنت أهتم بالأمور الدنيوية الفارغة بدأت أشعر أن هذه الأشياء لا معنى لها، لأنها زائلة. وبدأت تدريجيا أغير أسلوب حياتي. زادت علاقتي بالله ، واكتشفت أني لم أعرف الله أبدا كما عرفته الآن، وبدأت أراه بصورة مختلفة تماما عن ذي قبل. فمن قبل كنت أعتقد أن الله هو الإله العظيم الذي خلقنا وخلق الكون كله من أجلنا، ثم بعد ذلك انتهت مهمته، وجلس على العرش في السماء يراقب ما يحدث لنا، ويرى ويسمع عباده، ويعرف كل شيء عنهم. ولكني الآن عرفت أن الله لم يخلق الكون فقط ثم تركه لحاله، ولكنه المنعم الرازق الذي ما زال يرزق مخلوقاته، ويرسل لهم نعمًا جديدة كل يوم، ولا يمكن أن يقطع نعمة كان ينعم بها على الناس من قبل، وكما أنه يسمع ويرى فهو أيضا يتكلم، ويتكلم اليوم كما كان يتكلم في الماضي.

كنت أعتقد أن الله هو المالك العظيم الذي يجلس على عرشه عاليا في السماء، وبالرغم من أن مخلوقاته يمكنهم أن يرسلوا دعواتهم إليه، ولكن غير مسموح لهم أن يلتقوا به أو حتى يقتربوا منه. ولكن الآن علمت أن الله هو الودود الرؤوف الرحيم الذي يكلم عباده ويستجيب لدعواتهم. إن بابه مفتوح لكل من يرغب في لقائه والتحدث إليه. وهو مستعد دائما لهداية كل من ينشد التقرب منه والوصول إليه.

كنت أظن قبل ذلك أن الله هو الكائن الأسمى الذي يعيش بعيدا في السماء، ولكني اكتشفت أنه أيضا الصديق القريب الذي يعيش بالقرب من عباده وداخل قلوب المؤمنين الصادقين، وهو يشمل الكون بوجوده.

كنت قبل ذلك أصلي وأصوم كواجب أؤديه من أجل إرضاء الله، وكنت أنتهي من صلاتي بسرعة حتى أعود إلى مشاغلي في الحياة. ولكني اليوم أعتبر أن صلاتي وصيامي عبادات تساعدني على التقرب إلى الله، وهي الوسيلة التي أستطيع بها أن أوطد علاقتي به، حتى إنني عندما أنتهي من الصلاة تكون علاقتي به أقوى من قبل، وهو يظل دائما بجانبي في جميع أوقات مشاغلي طول اليوم. لقد فهمت الآن الغرض من حياتي ولا أشعر بالراحة والاطمئنان إلا بذكر الله وطاعة أوامره. وكل ما أتمناه في الحياة هو أن اقضي كل لحظة من عمري قرب الله .. أشعر أني أضعت عمري بدون فائدة، وأرغب أن أعوض هذا الوقت إن شاء الله.

بعد تسعة أشهر من مبايعتي، أنعم الله علي بلقائي الأول مع مولانا أمير المؤمنين حضرة الخليفة الرابع (أيده الله تعالى بنصره العزيز)، وهو الإمام الحالي للجماعة الإسلامية الأحمدية، وكانت مقابلة لن أنساها أبدا. رأيت بنفسي الخليفة. رأيت فيه الصورة الكاملة للأحمدية وثمار شجرة الخلافة التي زرعها سيدنا أحمد . ورأيت من خلاله وحدانية الله الذي شاء أن يوحد العالم تحت راية واحدة وقائد واحد. ورأيت فيه تحقيقي وعد القرآن للمؤمنين الصالحين بأن الله سيستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. اللهم أيده وانصره وتوِّجْ كل مجهوداته بالنجاح العظيم، يا رب العالمين.

وأخيرا أنا لا أدعي أبدا أني وصلت إلى نهاية رحلتي تجاه الله. في الحقيقة إن اعتناق الأحمدية هو فقط البداية لهذه الرحلة التي لا تنتهي أبدا، بل يمكن لأي إنسان أن يقطع مسافات طويلة ويتقدم بسرعة في هذا الطريق المؤدي إلى الله ، وذلك باتباع التعاليم الصحيحة للأحمدية، وهو الإسلام الحقيقي المنزه من الخرافات والبدعات.

الحمد لله الذي هداني إلى هذه الحقيقة الجميلة، وأدعو الله أن يشفي صدور البشر أجمعين، ويهديهم إلى هذا الطريق المستقيم. اللهم صل وسلم وبارك على رسول الإسلام الذي جاء بدين الله القيم، وكان أسوة حسنة للبشر باتباعه لتعاليم القرآن الكريم. اللهم صل وسلم وبارك على المهدي والمسيح الموعود الذي أحيا لنا تعاليم نفس ذلك الدين وبعثه من جديد، متبعًا خطوات سيده وحبيبه رسول الله خاتم النبيين، وبذلك أثبت للعالم أنه حتى اليوم يمكن لأي إنسان أن يرتقي إلى أعلى الدرجات الروحانية، ويصل إلى درجة القرب، وينعم بلقاء خالقه، الذي يقول عنه سيدنا الإمام المهدي :

“إن إلـهَنا هو فردوسنا، وإن أعظم ملذاتنا هو ربنا، لأننا رأيناه، ووجدنا فيه الحسن كله. هذا الكنز جدير بالاقتناء ولو افتدى الإنسان به حياته، وهذه الجوهرة حَريّة بالشراء ولو ضحّى الإنسان في طلبها كل وجوده. أيها المحرومون، هلموا سِراعًا إلى هذا الينبوع ليروي عطشكم. إنه ينبوع الحياة الذي ينقذكم. ماذا أفعل، وكيف أُقِرُّ هذه البشارة في القلوب؟ بأي دف أنادي في الأسواق.. بأن هذا هو إلهكم حتى يسمع الناس؟ وبأي دواء أعالج حتى تتفتح أذان الناس؟…

­إن كنتم لله فتيقنوا أن الله لكم. (الخزائن الروحانية، ج 19، سفينة نوح ص21 و22)

Share via
تابعونا على الفايس بوك