الخلافة الإسلامية الأحمدية

الخلافة الإسلامية الأحمدية

مها دبوس

نبدأ أولا بطرح السؤال: ماذا تعني كلمة (خلافة)؟

لقد أجاب القرآن الكريم على هذا السؤال الهام. جاء في القرآن الكريم أنه عندما أراد الله أن يخلق سيدنا آدم قال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 31).

وكلمة (خَلَفَ) التي اشتُقت منها كلمة (خلافة) تعنى: جاء بعد أو حَلَّ محل. وهذا يعني أن الله قد خلق سيدنا آدم بغرض تعيينه مندوبا عنه في الأرض حتى يطبق الشريعة الإلهية ويسود النظام والسلام والعدل في الكون. ولذلك خلق الله الإنسان في أحسن تكوين حتى يتمكن  من الرقي إلى منزلة روحانية سامية، وقد فضله على كل الكائنات الأخرى وسخرها جميعا في خدمته.

وحتى يتمكن الإنسان من حمل أعباء هذه المسؤلية العظيمة التي ائتمنه الله عليها، كان عليه أولاً أن يتحلى بالمعرفة الإلهية. وبالطبع لم يكن بمقدوره تحقيق ذلك دون الإدراك الكامل والمعرفة الحقيقية بخالقه، لذلك كان من الضروري أن يعرِّف اللهُ بنفسه الإنسانَ بخالقه وفي هذا الصدد نقرأ في القرآن الكريم : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا (البقرة:32)، وكلمة (أسماء) تعني أسماء الله الحسنى؛ أي الصفات الإلهية، كما جاء في مكان آخر في القرآن الكريم: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (الأَعراف: 181). وبهذا يتضح أن الله بنفسه زوّد الإنسان بمعرفة الصفات الإلهية حتى يتعرف الإنسان على خالقه ويدرك وجوده ويلمسه وينعم بالقرب منه.

وتحقيقًا لهذا الغرض منح الله حرية الإرادة للإنسان، ووهبه القدرة العقلية التي تمكنه من استيعاب الصفات الإلهية. ثم علمه هذه الصفات. وأنعم الله على الإنسان بقدرات طبيعية عظيمة، ومنحه القدرة على الابتكار والإبداع حتى يتمكن من التقدم بلا حدود وحتى يرتقي إلى أعلى الدرجات الروحانية، ليظهر الصفات الإلهية في شخصه بحيث يصبح كالمرآة التي تعكس هذه الصفات، وبذلك يصبح مؤهلا وقادرا على تحمل المسئولية العظيمة التي أسندت إليه.

ولكن بالطبع احتاج الإنسان إلى هداية الله وتوجيهاته حتى يتمكن من الاستفادة الكاملة من قدراته الطبيعية التي وهبها الله له لكي يتمكن من استخدام كفاءاته على أحسن وجه. ولذلك أرسل الله الهداية إلى الإنسان عن طريق الوحي.

وسنّة الله هي أن يختار أولا إنسانا مناسبا ليكون المندوب عنه في الأرض، ويعلمه ويهديه إلى الطريق الصحيح الذي يمكنه من بلوغ أعلى الدرجات الأخلاقية والروحانية حتى يتحلى بصفاته ويصبح صورة من خالقه. وبذلك يصبح بأقواله وأفعاله أسوة صالحة وكاملة لبني البشر ليقتدوا به ويسيروا على نهجه. ثم يعيّنه الله رسولا له إلى الناس، ليعرفهم غاية خلقهم وحياتهم ويهديهم ويسمو بهم إلى أعلى الدرجات الأخلاقية والروحانية، باتباع مثله الطيب، ويكونوا جماعة تستحق كوحدةٍ واحدة أن تصبح المندوبة عن الله في الأرض. ثم بعد ذلك يكلف الله هذه الجماعة بمهمة تقويم بقية الناس وهدايتهم وبث النور الإلهي في العالم.

إذن فمعنى ذلك أن الخلافة هي النعمة التي يهبها الله لقوم أو جماعة مكونة من أفراد متبعين للهداية الإلهية الحقيقية، وبالتالي يمنحهم الله القوة والعزة والسيادة على بقية الشعوب حتى يمكنهم تطبيق الشريعة الإلهية وترسيخ وحدانية الله في الأرض.

وعلى مر العصور بعث الله أنبياء كثيرين من أجل القيام بهذه المهمة، ولم يترك أبدا البشر في حالة موت روحاني. فكلما خيّم الظلام على العالم وفقد الناس علاقتهم الروحانية بخالقهم، بعث الله الأنبياء بين مختلف الشعوب لتقويمهم وإصلاحهم، وأوحى إليهم بتعاليمه وشرائعه، أي دينه، حتى يعرف الناس ربهم ويتعلموا عبادة خالقهم وتكون لهم علاقة حية معه، وبالتالي يُبعثوا من موتهم الروحي ويرتقوا ويسموا إلى أعلى الدراجات الروحانية، وتتجلى فيهم صفات الخالق تعالى، ليصبحوا مؤهلين ليكونوا خلفاء الله على الأرض.

ولقد بعث الله هؤلاء الأنبياء إلى أقوامهم فقط، وكانت الأديان والشرائع الإلهية التي جاءوا بها مناسبة لأوقاتهم وظروفهم المحيطة. فكلما تطور الإنسان على مر الزمن وتوسعت آفاق عقله كلما احتاج إلى تعاليم إضافية لهدايته. وعندما وصل الإنسان إلى المرحلة النهائية وبلغ ذروة تطوره، كان من الطبيعي أنه يرسل الله إليه الشريعة النهائية الكاملة التي يهتدي بها البشر حتى آخر الزمن. وكان من الضروري أن توكل هذه الأمانة المقدسة إلى إنسان جدير بحملها تتوفر فيه كل صفات الكمال. وكان سيدنا محمد المصطفى هو وحده القادر على القيام بهذه المهمة، لأنه كان ذلك الإنسان الذي تحلى بطباع وأخلاق نبيلة، وكان ملتزما بالمبادئ والقيم العليا، وكانت فيه كل الصفات الكريمة الضرورية لحمل هذه الأمانة. وبمجيء الرسول أنزل الله القرآن الكريم الذي يحتوي على الشريعة الكاملة النهائية وهي تعاليم دين الإسلام.. الدين الكامل والهداية النهائية للبشر.

ولم تكن رسالة الإسلام إلى شعب معين أو لزمن محدد، ولكنها عالمية تخاطب كافة البشر في كل العصور. ويحتوي القرآن الكريم على الهداية الإلهية التي يحتمل أن يحتاجها الإنسان في الوقت الحاضر وفي كل العصور المقبلة، ويحتوي أيضا على أنباء عن المستقبل ووعود من الله ، بعضها تحقق والبعض الآخر منتظر تحقيقه.

وبما أن الإسلام دين الله الكامل النهائي، فقد وعد الله المسلمين أن يمنحهم القيادة الروحانية والمادية في العالم. ويقول الله تعالى في كتابه الكريم

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 56).

وهذا وعد من الله للمسلمين المؤمنين المخلصين الذين يعملون الصالحات بأنه سيجعلهم خلفاءَ من بين الذين سبقوهم، وذلك لتحقيق الأهداف الأساسية المذكورة في الآية، وهي تمكين الدين، وإقامة الأمن ، والاستقرار بين المسلمين. وحتى يتحقق هذا الوعد أَمَرَ الله المؤمنين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله في جميع الأمور. وعندما تتوفر فيهم هذه الشروط سينعم الله عليهم بنعمة الخلافة وسيتمكنون من نشر دينهم في العالم، حتى يسود الإسلام وتكون له العزة والرفعة والغلبة على كل الأديان، وأهم من كل شيء، تسود وحدانية الله في الأرض.

ولقد وعد الله المسلمين هذا الوعد في وقت لم يزل فيه الإسلام وليدا ضعيفا في المهد، وكان العرب يعبدون الأوثان في كل أنحاء الجزيرة العربية، وكان المسلمون قلة يجاهدون من أجل البقاء، ومع ذلك تحقق هذا الوعد في سنوات قليلة.

ومع أن الوعد كان للمسلمين كأمة، إلا أن نظام الخلافة اتخذ شكلا ملموسا بأن أصبح بعض أفراد الأمة الإسلامية خلفاء للرسول ، ممثلين أمة الإسلام ككل، وبذلك تجسدت الخلافة فيهم وأصبحوا رمزًا لوحدة المسلمين وتضامنهم. ولقد بدأت الخلافة الإسلامية بعد وفاة الرسول ، حيث انتخب المسلمون أول خليفة له، سيدنا أبوبكر الصديق . وكان الإمام والقائد الأعلى للمسلمين. واستمرت الخلافة بين المسلمين ما داموا على إيمانهم وقيامهم بالإعمال الصالحة حسب شريعة القرآن الكريم. وفي هذه الأثناء لم ينتشر الإسلام في بلاد العرب فحسب، ولكنه انتشر في كل أركان الأرض المعروفة في ذلك الوقت.

ولكن على مر السنين، نسِيَ المسلمون تعاليم دينهم، وبدأ الفساد يدب في معتقداتهم، وحادوا عن طريق الإسلام الصحيح، ولم يبق فيهم ذلك المستوى من الإيمان والعمل الصالح الضرورين لاستمرار نعمة الخلافة الراشدة بينهم، وبالتالي فقدوا القيادة الروحية الدينية، وخسروا هذه النعمة العظيمة.

ولكن بما أن الرسول هو خاتم الأنبياء وهو الذي اصطفاه الله لهداية البشر أجمعين حتى آخر الزمان، كان يجب أن تستمر خلافته بشكل أو بآخر في العالم.

كان لابد وأن يتحقق وعد الله، ولذلك استمر الله بعنايته في بعث المجددين من بين المسلمين، وكانوا مثل الخلفاء للرسول ، وكانت مهمتهم الأساسية هي تقويم المسلمين وتصحيح معتقداتهم التي فسدت بمرور الوقت وهدايتهم إلى طريق الإسلام الصحيح. ولكم مع مرور الزمن ساءت حالة المسلمين وبلغ فسادهم ذروته، وفقدوا كل قوتهم وسيادتهم في العالم، وأصبحوا أشتاتا لا يجمعهم رأي، ولا يوحدهم هدف، وانشقوا وتفرقوا واختلفوا حتى على تعاليم دينهم. فلاقوا كل مذلة، ووقعوا تحت سيطرة الشعوب الأخرى التي استعمرتهم، ولذلك كانوا في أمس الحاجة إلى مصلح خاص ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، ويعيدهم إلى طريق الإسلام الصحيح الذي ابتعدوا عنه، وليوحد صفوفهم حتى يستعيدوا قوتهم وعزتهم، وينهضوا ليعيدوا مجد الإسلام الحقيقي إلى العالم مرة أخرى.

  • وقد شهد عصرنا هذا المصلح الروحاني العظيم في شخص المهدي والمسيح الموعود، سيدنا أحمد . ولكونه الخادم المخلص للرسول ، فقد أصبح صورة مطابقة له، ولذلك عيّنه الله لإحياء دين الإسلام ورفع شأنه وإقامة شريعته، ولتبيلغ رسالة الإسلام إلى كافة شعوب الأرض وتوحيد العالم كله تحت رايته. لقد أصلح معتقدات المسلمين الخاطئة، وعرّفهم بخالقهم، وعلّمهم كيف تكون لهم علاقة شخصية بالله ، وأسس بأمر من الله، الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1889، وهي الجماعة التي تؤمن ايمانا كاملا بالله وبرسوله ، وتجاهد من أجل نشر دعوة الإسلام في كل أنحاء العالم، وتقوم بالأعمال الصالحة طبقا لما جاء في القرآن الكريم. وبذلك فقد زرع بذرة شجرة الخلافة الأحمدية…

(ملحق)

الخلافة الراشدة الثانية

سيدنا حضرة الحاج مولانا نور الدين                                          

هو أول خلفاء الإمام المهدي والمسيح الموعود ، تم اختياره عن طريق الانتخاب بعد وفاته عام 1908.

ولد حضرته سنة 1841م في مدينة (بهيرة) بمحافظة سرجودا، باكستان الآن. تعلم القرآن الكريم من أمه الفاضلة وخرج متجولا في الهند لطلب العلم، ثم أتى الحرمين الشريفين، وتتلمذ لكبار العلماء، وأشار الناس إليه بالبنان في العلم والورع والتقوى والتوكل. كان طبيبا حاذقا، واتخذه (مهراجا كشمير) طبيبا خاصا به.

وسماه سيدنا المهدي والمسيح الموعود (صدِّيقًا) لورعه وتقواه وصدقه في حبه ونصره للدين. في فترة خلافته غرس حضرته حب الأخلاق النبيلة والمثل العليا في نفوس أفراد الجماعة. تُوفي في 13 مارس 1914م.

سيدنا حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد

هو ابن سيدنا المهدي وخليفته الثاني. ولد في 12 يناير 1889م حسب بشارات تلقاها حضرة والده قبل ولادته، وكذلك بحسب نبوءات الكتب السابقة ونبوءة سيدنا المصطفى عن المهدي: (يتزوج ويُولَدُ له)

درس حضرته في قاديان، وتعلم القرآن والحديث من سيدنا              

الخليفة الأول. تشرف بمنصب الخلافة في ريعان شبابه، في 14 مارس 1914م. كان حضرته حازما حليمًا قائدا جريئا، خطيبا بليغا، ومفسرا مبدعا لا يدرك شأوه. أنشأ في الجماعة مؤسسات ودوائر عديدة، وفي عهده نقل مركز الجماعة من قاديان إلى ربوة (باكستان) وقت انقسام الهند عام 1947. تحت قيادته انتشرت الدعوة الأحمدية في مختلف بقاع العلم بسرعة فائقة.

بقي في منصب الخلافة حوالي 52 سنة حافلة بجلائل الأعمال. لقي ربه في 8 نوفمبر 1956م.

سيدنا حضرة الحافظ مرزا ناصر أحمد رحمه الله تعالى

هو ابن الخليفة الثاني، وانتخب خليفة ثالثا بعد وفاة أبيه. ولد بقاديان في 16 نوفمبر 1909م. حفظ القرآن في صغره، وتخرج من جامعة أكسفورد بانجلترا. تقلد منصب مدير كلية تعليم الأسلام بقاديان فور عودته من إنجلترا.

وصار رئيسا لمجلس خدام الأحمدية المركزية (تنظيم فرعي لشبان الجماعة) في 1939، ورئيسا لمجلس أنصار الله (تنظيم فرعي لكبار السن في الجماعة) في 1954م.

امتدت فترة خلافته إلى 17 عام، قاد فيها الجماعة بهمة وثبات.. رغم سيل عارم من الابتلاءات والمحن. قام بعدة مشاريع منها مشروع (نصرة جيهان) للنهوض بالشعب الأفريقي تعليميا وطبيا. لقي رفيقه الأعلى في 8 يونيو 1982م.

سيدنا حضرة مرزا طاهر أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

هو ابن الخليفة الثاني، تم انتخابه كخليفة رابع بعد وفاة الخليفة الثالث. وُلد حضرته في 18 ديسمبر 1928 بقاديان، درس بها، ثم في لاهور، ثم في لندن. خدم الجماعة قبل الخلافة بإخلاص نادر، وشغل مناصب عديدة منها منصب رئيس مجلس خدام الأحمدية المركزية، ومنصب رئيس مجلس أنصار الله، ومنصب مدير (الوقف الجديد)، وهو مشروع لتربية أبناء الجماعة خاصة في قرى باكستان.

حضرته طبيب حاذق بالعلاج المسمى HOMEOPATHY ويعالج المرضى مجانا.. بدون تمييز بين شعبهم ودينهم. بمجرد أن شرَّفه الله بمقام الخلافة نفخ في نفوس أبناء الجماعة روحا وحماسا شديدين لنشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والقدوة الطيبة، وبإنشاء علاقات شخصية مع الآخرين. فحققت الجماعة ازدهارا سريعا مما جعل عدو الجماعة الدكتاتور الباكستاني ضياء الحق يصدر قانونًا غاشمًا فريدًا في نوعه .. لسلب الحرية الدينية والحقوق الإنسانية الأساسية للمسلمين الأحمديين، وحرمانهم من التمسك بشعائر دينهم الإسلام، وذلك في سنة 1984. فاضطر حضرته أيده الله تعالى للهجرة إلى إنجلترا.. كي يتمكن من القيام بأعباء منصبه بعيدا عن المؤامرات. وحضرته يقود الآن جماعته العالمية في 120 بلدا من مقره المؤقت بلندن. ولقد أهلك الله تعالى عدو الجماعة بعد مباهلة حضرته له. حفظه الله تعالى ورعاه وأيده بنصره العزيز.

  • …. أو الإسلام الحقيقي، والتي سيجتمع حولها كل من أراد التقرب من الله . وليس المقصود بها توحيد المسلمين فقط، ولكن غرضها الأساسي هو توحيد كل البشر تحت راية الإسلام الحقيقي، ليكونوا تحت قيادة خليفة واحد وإمام واحد حتى تتجلى وحدانية الله على الأرض.

وبعد وفاة المهدي والمسيح الموعود ، انتخب المسلمون الأحمديون خليفته الأول مولانا نور الدين وبذلك عادت الخلافة الإسلامية الحقيقية إلى العالم مرة أخرى بين أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية. وخلفه حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد ، ثم حضرة مرزا ناصر أحمد ، ونحن الآن بفضل الله تعالى في عهد خليفته الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد إمامنا الحبيب أطال الله عمره وأيده بنصره العزيز. والمسلمون الأحمديون هم وحدهم في العالم المتمتعون بهذه النعمة العظيمة اليوم.. نعمة الخلافة الإسلامية الراشدة. والخلفاء الراشدون المهديون يتميزون بصفات خاصة. إن الله نفسه هو الذي يعينهم بمشيئته، ومع أن الخليفة يُنتخب من قبل المسلمين إلا أن هذا الانتخاب يتميز بصبغة روحية خاصة، لأن الله نفسه يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، فهو مالك القلوب، وبذلك فإنه يوجه هذا الانتخاب ويسوق الخلافة إلى من يشاء حسب إرادته ومشيئته .

وبدعوات هؤلاء الخلفاء ومجهوداتهم التبشيرية، يرسخ الدين. ومن سماتهم الاتزان وثبات الجأش والطمأنينة بالرغم من الاضطهاد الذي يتعرضون له. وهم دائما صابرون عند الشدائد. يواجهون المشاكل والمحن بعزيمة قوية نادرة ويقبلون عليها بشجاعة وإقدام. وبتأييد الله وعنايته يتحملون أعباء فوق طاقة البشر العاديين. ويواصلون عملهم ببسالة ولا تثبط همتهم أبدا ولا تثني عزمهم بالصعوبات التي تعترض طريقهم. وهم حماة الشريعة الإلهية، يتصرفون بموجبها وعلى ضوء ما جاء فيها، ويعبدون الله وحده، ولا يخشون إلا هو عندما ينفذون أحكام شريعته، ولا يخافون لومة لائم عند تطبيق شريعة الله.

إن الخلافة من أصول الدين الإسلامي وتفرضها الشريعة الإلهية، وقيامها ضرورة أساسية للحكومة الإسلامية، لأن نظام الخلافة في الإسلام هو الأداة الرئيسة التي قضى الله أن يحقق بها وعده المتعلق بالمستقبل الباهر والنصر النهائي للإسلام. إنها نعمة إلهية عظيمة. وبها يتحقق التماسك والتضامن بين المسلمين، وتتوحد مصالحهم وأهدافهم ومثلهم العليا بحيث يكون هناك اتفاق وانسجام بينهم. ولكن بالطبع إن الخليفة وحده لا يستطيع أن يقيم الخلافة في الأرض. إنه يحتاج إلى أتباع مخلصين مطيعين حتى يتحقق ذلك. وإذا لم يقدر المسلمون هذه النعمة العظيمة حق قدرها بطاعتهم ومساندتهم لخليفتهم فإنهم سيفقدون هذه النعمة الإلهية العظيمة، وعلاوة على ذلك سيجلبون غضب الله على أنفسهم، أعاذنا الله من ذلك. لقد شدّد القرآن الكريم على هذه النقطة وذكر أنه من أجل قيام نظام الخلافة في الإسلام يُشترط على المسلمين أن يطيعوا الله ورسوله، ونجد ذلك في الآية التي سبقت وعدَ الله للمسلمين بإقامة الخلافة بينهم، فيقول الله تعالى:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النور: 55).

ومن هذا يتضح لنا المنزلة الحقيقية للخليفة في الإسلام، فبكونه خليفة لنبي الله، يجب أن يطاع طاعة تامة بكل إخلاص وحب.

ولقد أوصى الرسول المسلمين بالتمسك بسنته وطاعة الخلفاء الراشدين المهديين فقال:

“مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا” (سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة).

وقال أيضا :

“مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي” (صحيح البخاري، كتاب الأحكام)

وليس المفروض على أتباع الخليفة أن يطيعوه هو شخصيا فحسب، بل عليهم أيضا أن يطيعوا المندوبين عنه وكل من عينه الخليفة أو وكّله للقيام بمهمة أو وظيفة معينة في المجتمع الإسلامي.

إن عدم طاعة الخليفة يعني عدمَ طاعة الله الذي أقام هذا الخليفة بنفسه. ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة لنا عندما روى قصة إبليس الذي أبى أن يسجد لآدم عندما أمره الله بذلك. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (ص: 72-79)

ومن هذه الآيات يتضح لنا أن صفة الشيطان التي تميز بها إبليس هي أنه رفض أن يسجد لآدم الذي خلقه الله واختاره أن يكون خليفته في الأرض، كما ذكر في الآية: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 31)

وبالطبع إن السجود هنا معناه الطاعة والإذعان والخدمة بإخلاص. وهذا يتضح من قوله تعالى:

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (البقرة: 59).

وبالتأكيد إن السجود هنا لا يعني السجود الجسماني، ولكن الطاعة والإذعان والامتثال لمشيئة الله تعالى. وبالتالي فإن عدم طاعة إبليس لآدم هي التي جعلته مرجومًا ومنبوذًا وملعونًا. وهذا نفسه هو ما يمكن أن يحدث لأي إنسان إذا تمرد على خليفة الله المعاصر أو عصى أوامره أو أوامر المندوبين عنه في أي مكان، لأنه بذلك سيكتسب هذه الصفات الشيطانية التي اتسم بها إبليس. كما قال الله تعالى لإبليس:

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (ص: 86)

أي إن من اتبع مثل إبليس سيكون له نفس المصير. لذلك فمن واجب كل مسلم مخلص لدينه أن يتمسك بالخلافة ويعتصم بها ويبقى على صلة وطيدة بخليفة الله الحقيقي ولا ينفصل عنه أبدًا، وذلك بطاعته وخدمته بإخلاص؛ لأنه مندوب نبي الله على الأرض. وبالتأكيد إن هذا سيقوي صلة المسلم نفسه بربه. وإذا فعل كل مسلم ذلك فإن هذا سيوحد صفوف المسلمين ويجمع شملهم حتى يصبحوا وحدة واحدة مترابطة متماسكة تجذب إليها الآخرين وتدعوهم إلى الانضمام إلى صفوفها، وتدريجيًا يتجمع كل البشر تحت لواء الإسلام.

لقد قضى الله أن تتجلى وحدانيته وتعالى في العالم. وبمشيئته سيتحقق الغرض السامي الذي خلق الإنسان من أجله. ولذلك فإنه سيمنح المملكة والسيادة في العالم لأتباع الدين الإسلامي الحقيقي حتى يصبحوا قادة شعوب الأرض. إنها إرادة الله ومشيئته، ولا يمكن لأي إنسان رد قضاء الله. ما دامت الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قائمة بين المسلمين كقوة فعالة، فإنهم سيتقدمون في السير وسيحرزون نجاحًا بعد نجاح.

اللهم وفقنا للقيام بواجباتنا تجاه جماعتنا على أحسن وجه حتى تظل معنا هذه النعمة العظيمة التي أنعمت بها علينا ونظل دائماً في خدمة إمامك المهدي المسيح الموعود خادم حبيبك المصطفى رسول الله ، وحتى تعود للإسلام العزة والرفعة والكرامة مرة أخرى. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك