كلام الإمام

إن مذهبي هو أن الله تعالى قد أعطاكم لهدايتكم ثلاثة أشياء؛ أوّلها القرآن الكريم.

أقول والحق أقول لكم إن الذي يُعرض عن أصغر حكم من أحكام القرآن السبعمئة فإنه بيده يسدّ على نفسه باب النجاة. إن القرآن هو الذي قد فتح سبل النجاة الحقيقية والكاملة، أما ما سواه فليس إلاّ ظلًا له، لذلك فاقرأوا القرآن بتدبّر، وأَحِبّوه حبًّا جمًّا، حبًّا ما أحببتموه أحدًا، لأن الله تعالى قد خاطبَني وقال: “الخيرُ كلُّه في القرآن”. وإنّ هذا لهو الحق، فوا أسفًا على الذين يقدّمون على القرآن الكريم غيرَه. إنّ مصدرَ فلاحِكم ونجاتكم كلّه في القرآن. ما من حاجة من حاجاتكم الدينية إلا وتوجد في القرآن. إن القرآن لَهُو المصدِّق أو المكذِّب لإيمانكم يوم القيامة. لا كتابَ سوى القرآن تحت أديم السماء يمكن أن يهديكم بلا واسطة القرآن. لقد منَّ الله عليكم منّةً عظيمة إذ أعطاكم كتابًا مثل القرآن.

أقول لكم صدقًا وحقًا إنّ الكتاب الذي يُتلى عليكم لو تُلي على النصارى لما هلكوا، وإنّ هذه النعمة والهداية التي أوتيتموها لو أوتيها اليهود مكانَ التوراة لما كفرتْ بعضُ فِرَقهم بيوم القيامة. فاقدروا هذه النعمة التي أوتيتموها. إنها لَنعمة غالية. إنها لَثروة عظيمة! لو لم يأت القرآن لكانت الدنيا كلها كمضغة قذرة. إن القرآن كتاب لا تساوي جميعُ الهدايات الأخرى إزاءه شيئًا. إن روح القدس الذي نزل بالإنجيل ظهر في صورة حمامة؛ وهي حيوان ضعيف وعاجز تستطيع حتى الهرّة اختطافه، لذلك ظلّ النصارى يتدهورون ويزدادون انحطاطًا يومًا بعد يوم، حتى لم تبق فيهم روحانيّة، لأنّ مدار إيمانهم كله كان على الحمامة. أما القرآن فقد تجلّى روحه القدس الذي جاء به بهيئة عظيمة ملأت بكيانها العالَمَ بأسره من الأرض إلى السماء. فشتان بين تلك الحمامة وهذا التجلّي العظيم الذي هو مذكور في القرآن الكريم أيضًا! إن القرآن قادر على تطهير الإنسان في أسبوع واحد إنْ لم يكن هناك إعراض ظاهري أو باطني. إنّ القرآن قادر على أن يجعلكم مثل الأنبياء شريطة ألا تفرّوا منه. أيُّ كتاب سوى القرآن علّم قرّاءه منذ البداية هذا الدعاء وأراهم بارقة الأمل هذه؟ أعني قوله تعالى:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ،

أي: أَرْشِدْنا إلى سبيل نعمائك التي أرشدتَ إليها الأولين من المنعَم عليهم من النبيين والرسل والصدّيقين والشهداء والصالحين. لذلك فارفعوا هِمَمَكم، ولا تردّوا دعوة القرآن، فإنه يريد أن يهبكم النعم التي وهبها للأولين.

أما الذريعة الثانية لهداية المسلمين فهي السُّنَّة؛ أي أعمال النبي التي قام بها تفسيرًا لأحكام القرآن المجيد. فمثلاً لا يُعرف من القرآن المجيد بظاهر النظر عددُ ركعات الصلوات الخمس، فكَم منها في الصباح وكَم منها في مواقيت أخرى، ولكن السنّة فصَّلتْ كل ذلك تفصيلا.

إن الحديث ذريعة ثالثة للهداية، لأن الأحاديث تفصّل لنا شيئًا كثيرًا من أمور الإسلام التاريخية والأخلاقية والفقهية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أكبر فائدة للحديث هي أنه خادم القرآن وخادم السنّة. إن الذين لم يُعطَوا حظًا من أدب القرآن فإنهم يعتبرون الحديث حَكَمًا على القرآن كما فعل اليهود بأحاديثهم، ولكننا نعُدّ الحديث خادمًا للقرآن والسنّة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك