الافتتاحية

الافتتاحية

التحرير

الإنسان مركب من جسد وروح، جسده من تراب وروحه من الله. يقول الله تعالى: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين ، وإن الروح هي أهم شيء في الإنسان، إذ ليس الجسد إلا بمثابة الإناء الذي أودعه الله تعالى هذه الوديعة المقدسة.

فالروح أمانة كبيرة لدى الإنسان يجب أن يحافظ عليها حفاظة تامة. وإذا تمكن من المحافظة عليها استطاع الطيران في أجواء عالية من الروحانية حتى وصل إلى السماء السابعة؛ أي بلغ أقصى درجات القرب والحب لله تعالى. وإذا خان هذه الأمانة وأفسد هذه الجوهرة خسر الدنيا والآخرة، ورُدَّ إلى أسفل السافلين.

والإنسان ينسى هذه النقطة الهامة لكونه طيني الأصل وميلانه إلى المادة، فيهتم بالجسد، ويهمل الروح ولا ينتفع بها؛ أو بكلمات أخرى يهتم بالقشر ويهمل اللب ويضيعه.

ولما كان خالقه الذي صنعه يعلم علمًا تامًا ماذا ينفعه وماذا يضره، وكيف تعمل هذه الماكنة وكيف تفسد، فإنه وضع في الإنسان نظامًا يبين له معالم الطريق في الحياة، وهذا النظام هو الفطرة السليمة. وإذا تجاهل الإنسان إشارات هذا النظام فهناك نظام آخر.. نظام بعث الأنبياء والرسل الذين يميزون للناس الصواب من الخطأ، ويقودونهم حتى يخرجوا بهم من الظلمات إلى النور.

ورسل الله عندما يأتون ينظر إليهم الإنسان الغارق في المادة أيضا بعيون لا ترى إلا المادة، ولا تحاول أن تبصر نورهم الذي يسعى بين أيديهم ومن خلفهم فيقيس صدقَهم أو كذبهم بمعايير مادية وضعها من عنده، ويخترع بنفسه طرقًا للخروج من الضلال، وذلك إذا اعتبر ضلاله ضلالاً، مع أن الله تعالى هو الذي يعرف كيف تفسد هذه الماكنة (الإنسان)، وكيف تصلح. فقال الكفار للرسول :

لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ..

أي إذا كان الله يريد إنزال القرآن لهدايتنا فلم لم ينزله على عظيم من مكة والطائف، ولماذا أنزله على هذا اليتيم محمد . وهكذا حُرموا من الهداية في البداية، ومات بعضُهم على الكفر وتاب الباقون بعد أن لاقوا الهزائم والخُسران على أيدي المسلمين.

ونفس المأساة يعيشها المسلمون اليوم بعد أن لم يبق من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، وذلك حسب نبوءة المصطفى . إنهم يخترعون طرقًا من عند أنفسهم للخروج من المحن بإنشاء رابطات، اتحادات، جمعيات، جامعات ومؤتمرات…وينسون أن المصطفى أخبرهم قبل 14 قرنًا بأن أمتي عندما تقع في المحن في آخر الزمان سوف ينقذها المهدي. وها قد ظهر المهدي ودعا العالم والمسلمين خاصة إلى الركوب في سفينته ليصل بهم إلى بر الأمان، ولكنهم لا ينتبهون إليه، ويخترعون من عند أنفسهم طرقًا للخلاص من مكر الأعداء سواء كانوا من الخارج أو من الداخل، فيضيعون الأموال والأرواح معًا. فهل من مدّكر. (المحرر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك