فأصبحـت من فيضان أحمد أحمدا
  • لقد حاز حضرة مرزا غلام احمد عليه السلام على أعلى مراتب القرب الروحاني لشدة حبه للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو المهدي المنتظر والمسيح الوعود.
  • فالبعثة الروحية تقتضي أن يكون المبعوث المنتظر قد اقتبس من نور متبوعه ومطاعه.
  • كل بركة من محمد فتبارك من علم وتعلم .
  • ما أعظمك ياحبيب رسول الله وما اعظم حبك ووفائك لسيد خلق الله.

__

عظمة ووفاء حب الإمام المهدي لسيده ومطاعه سيدنا محمد المصطفى

إن رجعة نبي من الأنبياء ظاهرة مرتبطة بمعظم الأديان، ولا تخلو ديانة سماوية مثل اليهودية والمسيحية بل والإسلام من نفس هذه الآثار والظواهر.

ويتوقع أتباع معظم هذه الأديان ظهور نبيهم وعودته بجسده العنصري الذي اختفى به أو الذي غاب فيه، الأمر الذي يتعارض مع تعاليم كثير من الأديان.. وخاصة الإسلام.. التي تقضي بعدم عودة من يموت إلى هذه الحياة الدنيا.

وقد ألقى المسيح عيسى ابن مريم ضوءا على هذا الموضوع عندما سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَلِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» فَأَجَابَ يَسُوعُ: “إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَان.” (إِنْجِيلُ مَتَّى 17 : 10-13) ، فوضّح المسيح لحوارييه أن رجعة نبي من الأنبياء ليس المقصود بها عودة النبي بنفسه، وإنما هي رجعة روحية، وظهور مثيل للنبي المزمع أن يرجع، فكأنه عاد بنفسه مرة أخرى إلى هذه الدنيا.

وفي الإسلام كذلك هناك ما يشير إلى أن للرسول بعثتين. يقول القرآن الكريم:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الجمعة: 3-5)

وتشير الآية إلى أن الله قد بعث في الأميين رسولا.. وهم العرب وسيبعثه أيضا في آخَرِينَ أيضا، وهذه البعثة الثانية ليست متصلة بالأولى، حيث يصف القرآن الآخرين بأنهم لمَاَّ يَلْحَقُوا بِهِمْ ، أي أن الآخرين لم يلحقوا بعد بالعرب الأميين، أي أنه سينقضي زمنٌ ما حتى يظهر من سمّاهم القرآن بأولئك الآخَرِينَ .

لا يمكن أن يتصور أحد أن البعثة الثانية للرسول ستكون بعثة جسدية بل هي البعثة الروحية. ومعناها هنا أن يظهر أحد أتباعه الذي يكون من أخلص خدامه ومتّبعي سُنَّته، حتى إنه يبدو وكأنه ظلّه الذي انطبعت عليه صورته. ويكون هذا المبعوث المنتظر قد تفانى تماما في طاعة الرسول وخلع عن نفسه رداءها والتحف بشخصية رسول الله وتخلق بأخلاقه حتى لكأنه قد صار هو بعينه. وفي ذلك يقول عنه رسول الله : “لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي، وخُلقه خُلقي” (رواه البيهقي). ويعني الحديث أن هذا المنتظر سيكون قد تطبع بطباع رسول الله ، وتخلق بأخلاقه، واستن بسُنَّته، حتى لكأنه قد صار هو بنفسه، وكأنه قد عاد مرة أخرى إلى الحياة.

إذن فالبعثة الروحية تقتضي أن يكون المبعوث المنتظر قد اقتبس من نور متبوعه ومطاعه، واغترف من ينبوعه ونهل من منهله ولا يتأتى ذلك إلا إذا تفانى في حبه وعشقه لدرجة يمكن أن يطلق عليه اسم متبوعه وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: اسمه اسمي.

هذا رجل يحب رسولَ الله ». وكان المراد من قوله هذا أن أعظم شرطٍ لهذا المنصب هو حب النبي ، وهذا الشرط متوفر في هذا الشخص

ذلك هو المسيح الموعود والإمام المهدي.. سيدنا مرزا غلام أحمد، عليه وعلى مُطاعه أفضل الصلاة وأزكى السلام. سأذكر خلال هذه السطور جانبا واحدا فحسب من أخلاقه، وهو تفانيه في حب وعشق سيده وسيدنا محمد المصطفى .

رأى سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي في الكشف أن أهل الملأ الأعلى في خصام؛ أي أن مشيئة الله تعالى تهيج لإحياء الدين، ولكن لم ينكشف على الملأ الأعلى بعد تعيين الشخص المحيي، فلذلك هم يختلفون. وفي أثناء ذلك رأى أن الناس يبحثون عن هذا المحيي، وأتى أحدهم أمام حضرته وقال مشيرا إليه: “هذا رجل يحب رسولَ الله “. وكان المراد من قوله هذا أن أعظم شرطٍ لهذا المنصب هو حب النبي ، وهذا الشرط متوفر في هذا الشخص.

لم يكن ذلك في الرؤيا فحسب، بل في الحقيقة إن حضرته قد استهام حبّا بسيدنا المصطفى، حتى لكأنه قد أسكره ذلك الحب فصار نشوانا يفيض قلبه بالمحبة، وتنساب أحاسيسه ومشاعره على لسانه في كلمات رقيقة يُناجي بها محبوبه، فلا يهتم لانتقاد المعارضين، ولا يكترث لمطاعن المخالفين، ولا يأبه لفتاوى التكفير، فيقول في بيتين من الشعر بالفارسية صاغهما أحد الشعراء الأحمديين شعرا رقيقا باللغة العربية حيث قال:

.

إِنِّي لَنَشْـوَانٌ بعِـشْقِ مُحَمَّدٍ

مِنْ بَعْـدِ حُبِّ اللهِ جَـلَّ جَلاَلُهُ

.

إِنْ كَان هَذَا الْكُفْرَ إِنِّي لَكَافِرٌ

رَبِّي شَهِيـدٌ قَـدْ سَبَانِي جَمَالُهُ

.

وبلغ في حب النبي مقاما يقول فيه عن معارضيه ومكفريه في بيت شعر بالفارسية معناه:

يا قلبي تجاوز عن إساءات هؤلاء الناس لأنهم لا يفهمون الحقيقة. ولا يفعلون ما يفعلون إلا بدعوى الحب للنبي الكريم ، فبسبب مجرد ادعائهم لحب النبي تجاوز عن جميع إساءاتهم واعف عنهم.

كان حب النبي قد أخذ منه مأخذه لدرجة كان التلفظ بمجرد اسم النبي يثير عنده شوقا وحنينا يندر له نظير.

ويذكر أحد أنجال سيدنا أحمد وهو ميرزا بشير أحمد رضي الله عنه فيقول:

“لقد وُلدتُ في بيته ، وهذه نعمة كبرى من الله تعالى ولا يسعني أن أؤدي حق شكر هذه النعمة. لا بد لي أن أُسَلّم نفسي إلى الله يوما، فأقول مستحلفا بالله عز وجل: لم يحدث، ولا مرة واحدة، أنْ ذَكرَ حضرتُه رسولَ الله أو حتى اسمَ محمدٍ إلاّ واغرورقت عيناه. فإن قلبه.. وعقله.. وكل ذرة من ذرات كيانه.. كانت عامرةً بحبّ رسول الله ونابضةً بغرامه.”

وفي مناسبة أخرى كان سيدنا أحمد يجوب صحن مسجد صغير يتصل بداره وهو المسجد المبارك، وكان يذهب ويجيء وهو يُتمتم بكلمات بلسانه وشفتيه، وعيناه تنسكبان دموعا على خديه  وبينما هو كذلك إذ دخل المسجد أحدُ صحابته، فلمّا رآه يبكي بهذه الصورة ظن أن أمرا خطيرا قد ألمّ به، فسأله مضطربا: “ماذا حدث يا سيدي؟” فرد عليه قائلا:كنتُ أردد بيتين من شعر حسّان بن ثابت، وتمنيت لو كنت أنا قائلهما.”

والبيتان المذكوران لحسان بن ثابت قالهما في رثاء رسول الله :

كُنْـتَ  السـَّوَادَ لِنَاظِرِي

فَـعَـمِيَ عَـلَيْـكَ النَّاظِرُ

.

مَن شَـاءَ بَعْـدَكَ فَلْيَمُـتْ

فَـعَـلَيْكَ كُـنْتُ أُحَـاذِرُ

هكذا كان ذلك الإنسان الذي ملك حبُّ رسول الله قلبَه ووجدانَه، فرغم أنه تحمّل الكثير من المشاق والنوائب، وذاق الأمرّين على أيدي أعدائه الذين لم يدّخروا وسعا في إيذائه والإساءة إليه، ورغم أنه صبر على قضاء الله عند وفاة أولاده وأعزائه وصحابته، إلاّ أن مشاعر الحزن والألم تعصر قلبه عند ذكر وفاة حبيبه التي كان قد مضت عليها ثلاثة عشر قرنا.

ذات مرة كان حضرته مريضا وراقدا في سريره، وكانت زوجه تُجالسه الحجرة ومعهما والدها. وكان الجميع يتجاذبون أطراف الحديث، فجرى ذكر الحج، فقال الوالد لابنته إنه قد آن آوان استعداد السفر لأداء شعائر الحج. كان سيدنا أحمد يسمع هذا الكلام بينما كانت عيناه تفيضان بالدموع، فكان يمسحهما بكفيه ويقول: “هذا صحيح.. ولكم أود ذلك من أعماق قلبي، ولكني أفكر.. هل يمكنني أن أحتمل رؤية قبر رسول الله ؟”

هذا حديث عادي من الأحاديث الكثيرة التي تجري في البيوت، ولكن اذا أمعمنا النظر فيه رأينا بحرا زاخرا من عشق النبي . مَن مِن المسلمين الصادقين لا يرغب في أداء فريضة الحج؟ لكن لاحظوا مدى الحب الذي يكنه حضرته إذ يتصور زيارة قبر الرسول فتفيض عيناه وتذوب روحه لهذا المنظر.

لقد كان يحب الرسول حبا جما، كما كان يحب أيضا كل ما يتعلّق بمحبوبه.. فكان يحب العرب، ويحب اللغة العربية، ويحب أرض الحجاز التي شرفتها أقدام رسول الله ، بل كان يحب تراب تلك الأرض ويتمنى أن يزورها، ويجعل من ذلك التراب كحلا تكتحل به عيناه. ولقد عبّر عن هذه المحبة باللغة العربية:“السلام عليكم أيها الأتقياء الأصفياء، من العرب العَرَباء. السلام عليكم يا أهلَ أرضِ النبوّةِ وجيرانِ بيتِ اللهِ العُظمَى. أنتم خيرُ أممِ الإسلامِ وخيرُ حزبِ اللهِ الأعلَى. ما كان لقومٍ أن يَبلُغَ شأنكم.. قد زِدتم شرَفًا ومجدًا ومنْزلاً. وكافيكم من فخرٍ أنَّ اللهَ افْتَتحَ وحْيَه من آدمَ وخَتَم على نبيٍّ كانَ منكم ومِن أرضِكم وَطَنًا ومَأوًى ومَوْلدًا. وما أدراكم مَن ذلك النبيُّ! محمدٌ المصطفى، سَيِّد الأصفياء، وفخرُ الأنبياء، وخاتَمُ الرسلِ وإمامُ الوَرَى. قد ثبت إحسانُه على كلِّ مَن دَبَّ على رِجْلَين ومَشَى…..اللهُمّ فصَلِّ وسَلم وبارِكْ علَيه بعَدَدِ كل ما في الأرضِ مِنَ القطراتِ والذرّاتِ، والأحْياءِ والأمْواتِ، وبعدَدِ كلِّ ما في السماواتِ، وبعدَدِ كلِّ ما ظهَرَ وما اختَفَى، وبلّغْه منّا سَلامًا يملأُ أرجاءَ السماءِ. طُوبَى لقومٍ يحملُ نيرَ محمَّدٍ على رقَبَتِهِ، وطُوبى لقَلبٍ أفْضَى إليهِ وخَالَطَهُ وفي حُبه فَنَى.

يا سُكانَ أرضٍ أوطأته قَدَمُ المصطفى.. رحمَكُم اللهُ ورَضِيَ عنكم وأرْضَى! إنَّ ظَني فيكُم جَليلٌ، وفي رُوحِي لِلقائكُم غليلٌ، يا عبادَ الله. وإني أحِنُّ إلى عِِيَان بلادِكُم، وبَرَكاتِ سَوَادِكُم، لأَزُورَ مَوْطِئَ أقْدامِ خَيرِ الوَرَى، وأجْعَلَ كُحْلَ عَيْني تلك الثرَى.”

(الخزائن الروحانية ج5- مرآة كمالات الإسلام ص419-421)

وهناك مثال آخر على ما سبق وهو أن حضرته كان يحب آل سيدنا محمد المصطفى وأصحابه حبًا جمًا. حدث مرة في شهر المحرم أنه كان مضطجعًا في حديقة له، فدعا ابنته مباركة وابنه مبارك، وهما أصغر أولاده، وقال لهما: تعاليا أقص عليكما قصة المحرم، فسرد لهما قصة استشهاد الحسين رضي الله عنه بأسلوب رقيق أليم، وكانت عيناه تنهمران بالدموع خلال القصة فكان يمسحهما بأصابعه، وأنهى هذه القصة الأليمة بقوله:-

“إن يزيد الخبيث صبّ هذا الظلم على حفيد رسول الله فلم يمهلهم الله تعالى بل عاجلهم بعذاب شديد.”

رغم أن حضرته قد قدم خدمات جليلة للدفاع عن الإسلام، والذوْد عن شرف سيدنا محمد المصطفى ، لكنه حين كان يتقدم إلى سيده ، يخضع له كتلميذ مجِدّ.. ملكته الطاعة والاحترام نحو سيده الكريم. كان ينسب كل فضل إليه قائلا كل هذا من فضل اتّباعك، ولولاك أنتَ لما كنتُ أنا شيئا مذكورا. فكأنه كان صورة متجسدة لإلهام تلقاه من الله تعالى وهو:

 كـل بركـة من محمد فتبـارك من عـلّم وتـعلّـم.

فكتب مرة يقول ما تعريبه:

“أقسم بالله أنه تعالى كما شرّف إبراهيم واسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى والمسيح ابن مريم، بالمكالمة والمخاطبة ثم أخيرا كلّم نبينا … كذلك تماما شرّفني بمكالمته ومخاطبته. ولكن قد مُنحتُ هذا الشرف بسبب اقتدائي الكامل بسيدنا محمد . فلو لم أكن من أمته لما نلت شرف المكالمة والمخاطبة أبدا وإن كانت أعمالي مثل جبال الدنيا كلها.” (الخزائن الروحانية ج20- كتاب: التجليات الإلهية ص411،412)

يقول حضرته في أول قصيدة كتبها باللغة العربية في مدح حبيبه سيد الأنبياء:

.

يَا عَـيْنَ فَــيْضِ اللهِ وَالْعـِرْفَان ِ

يَسْعَى إِلَيْكَ الْخَلْقُ كَـالظَّمْآنِ

.

يَا بَـحْـرَ فَـضْـلِ الْمُنْعِمِ الْمَنَّـان

تَهْوِي إِلَيْكَ الزُّمـرُ بِالْكِـيزَانِ

.

لاَ شَـكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا  خَيْرُ الْوَرَى

رَيْقُ الْكِرَامِ وَنُخْـبَةُ الأَعْيَانِ

.

تَـمّـَتْ عَلَيْهِ صِفَاتُ كُــلِّ مَزِيَّة

خُتِمَتْ بِــهِ نَعْمَاءُ كُلِّ زَمَانِ

.

هُـوَ خَـيْرُ كُـلِّ مُـقَـرَّبٍ مُتَقَـدِّمٍ

وَالْفَضْلُ بِالْخَـيْرَاتِ لاَ بِزَمَـانِ

.

يَـا رَبِّ صَلِّ عَـلَى نَبِيِّكَ  دَائِمًـا

فيِ هَذِهِ الدُّنْـيَـا وَبَـعْثٍ ثَانِ

.

أُنْــظُــرْ إِليَّ بِـرَحْـمَةٍ وَتَحَنُّنٍ

يَا سَـيِّدِي أَنَا أَحْقَـرُ الْغِلْمَانِ

.

يَا حِبِّ إِنَّكَ قَــدْ دَخَلْتَ مَحبَّـةً

فيِ  مُهْجَتيِ  وَمَدَارِكِي وَجَنَانيِ

.

مِنْ ذِكْرِ وَجْهِكَ يَا حَدِيقَةَ بَهْجَتيِ

لَمْ أَخْـلُ فيِ لَحْظٍ وَلاَ فيِ آنِ

.

جِسْمِي يَطِيرُ إِلَيْكَ مِنْ شَوْقٍ عـَلاَ

يَا لَيْتَ كَانَـتْ قُـوَّةُ الطَّيَرَانِ

.

لقد مدح الكثيرون رسول الله ، وأنشد الكثير من الشعراء نعتا لخير البرية، وقرأنا الكثير من قريض البلغاء والأدباء والشعراء، ولكننا لم نر أحدا يُعبّر عن مقدار حبه بهذا التعبير، ولم نسمع همسات قلب ينبض بهذه النبضات التي يملؤها الحب والعرفان والتقدير. نقتطف بعض أبيات من قصيدة أخرى يقول فيها:

.

وَفَـوَّضَنِي رَبِّي إِلَى فَـيْضِ نُـورِهِ

فَأَصْبَحْتُ مِنْ فَيَضَانِ أَحْمَدَ أَحْمَدَا

.

وَهَـذَا مِـنَ النُّـورِ الَّذِي هُوَ أَحْمَـدُ

فِدًى لَكَ رُوحِي يَا مُحَمَّدُ سَرْمَدَا

.

وَوَاللهِ لَـوْلاَ حُبُّ وَجْـهِ مُحَمَّــدٍ

لَمَـا كَانَ ليِ حَوْلٌ لأَمْدَحَ أَحْمَدَا

.

كان حضرته يعهد كل بركة إلى الاقتداء بسيدنا محمد وإلى الصلاة عليه . كتب أحد الناس إلى حضرته يطلب منه الصيغة المثلى للصلاة على النبي فقال:

وإن أفضل كلمات الصلاة على النبي الكريم هي ما خرجت من لسانه المبارك ، وهي: “اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعلى آل إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللهم بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعلى آل محمد كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعلى آل إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”. إن الكلمات التي تخرج من فم أي إنسان تقي لا تخلو من البركة أبدًا، فما بالك ببركة كلمات خرجت من فم سيد المتقين وسيد الأنبياء ! قصارى القول إن هذه الكلمات للصلاة على النبي هي الأكثر بركةً من غيرها. وهذه الكلمات هي وِردُ هذا العبد المتواضع أيضًا، ولا يلزم فيها التقيد بعدد المرّات، بل إن ما يلزمه هو قراءتها بالإخلاص والحب وحضور القلب والتضرع إلى أن تنشأ في القلب حالة من البكاء والوجدان والتأثير ويمتلئ الصدر انشراحًا ولذة”. (مكتوبات أحمدية مجلد 1 ص 17-18)

لم يكن حضرته ينصح الآخرين بذلك إلا بعد أن جربه بنفسه وذاق من ثمراته الطيبة، فيذكر من بركات الصلاة على النبي ويقول:

“حدث ذات مرة أنني ظللت مستغرقا في الصلاة على النبي فترة من الزمن، لأنني كنت على يقين أن سبل الله تعالى دقيقة جدا، ولا يمكن الاهتداء إليها بدون وسيلة النبي ، كما يقول الله تعالى أيضا: وابتَغُوا إليه الوسيلةَ . ثم بعد مدة رأيتُ في حالة الكشف أن سقَّاءَينِ قد جاءا ودخلا بيتي، أحدهما دخل من الطريق الداخلي والآخر من الطريق الخارجي، وعلى أكتافهما قِرَبٌ من نور، ويقولان: هذا ما صلَّيْتَ على محمدٍ”. (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية مجلد 22، ص 131، الحاشية)

يقول حضرته :

“لقد حزتُ هذا الشرف بسبب اقتدائي للنبي فقط. فلو لم أكن من أمته ولو لم أقتدِ به، لما نلتُ شرف المكالمة والمخاطبة أبدا، حتى ولو كانت أعمالي مثل جبال الدنيا كلها”. (التجليات الإلهية، الخزائن الروحانية ج20 ص411-412)

إن الحب والعشق يتجلى أحيانا بصورة تضحية وفداء وإظهار غيرة للحبيب. كان حضرة مؤسس الجماعة الاسلامية الأحمدية يتمتع بكل هذه العواطف السامية بحظ أوفر.

كان ليخرام من كبار زعماء الهنادك الدينيين في الهند، وكان كذلك من ألد أعداء الاسلام، وكان لسانه البذئ لا ينفك يطعن في كرامة نبي الاسلام محمد .

اتفق أن اجتمع هو وحضرة المؤسس أثناء السفر في محطة القطار، ولما عرف ليكرام أن حضرة المسيح المحمدي بنفس المحطة أراد حسب المظاهر التقليدية أن يواجه حضرته، وكان حضرته عندئذ يتوضأ للصلاة، فحياه ليكرام بالأسلوب الهندوكي لكن حضرته لم يرد عليه، كأنه لم يره، فحياه ليكرام ثانية محولا اتجاهه، لكن حضرته سكت ولم يَرُد فلما رجع الهندوكي يائسًا ظن بعض أصحابه أن حضرته ربما لم يسمع تحية ليكرام وقال له كان ليخرام قد جاء يسلم على حضرتك، فتغير وجه حضرته وقال “إنه يسب سيدنا ومولانا (محمد ) ثم يأتي ويسلم علينا؟

كان المبشرون المسيحيون في عصره أبلغوا جهودهم منتهاها لنشر مسيحيتهم في أرجاء الهند. فبدلا من تقديم برهان صادق من الأناجيل على أفضلية ديانتهم وجدوا في الإساءة إلى الإسلام ونبي الإسلام نجاحا لتبشيرهم فقام حضرته للرد على مطاعنهم وفندها تفنيدا، غير أنه كتب عن تهم القساوسة التي رموا بها رسول الله قائلا:

“نَحَتُوا للرسول الكريم بهتاناتٍ، وأَضلُّوا خَلقًا كثيرًا بذلك الافتراء. وما آذَى قلبي شيءٌ كاستهزائهم في شأن المصطـفى، وجَرْحِهم في عِـرْض خيرِ الوَرى. ووالله، لو قُـتِّلتْ جميعُ صبياني وأولادي وأحفادي بأعينني، وقُطِّعتْ أَيدي وأَرجُلي، وأُخرجتِ الحَدَقةُ من عيني، وأُبْعِدتُ من كلِّ مرادي وأَوْني وأَرَني.. ما كان عليّ أشَقَّ من ذلك”. (دافع الوساوس، الخزائن الروحانية مجلد 5 ص 15)

ما أعظمك يا حبيب رسول الله وما أعظم حبك ووفاءك لسيد خلق الله! وما أشقى هؤلاء الذين اتهموك بالكفر والضلال! فهم لم يعرفوك ولم يتعلموا منك أشرف وأطهر مشاعر الحب، ولم يروا منك أجمل وأحلى ألوان الوداد والغرام! هل يمكن أن ينطق لسان كاذب بمثل هذه الكلمات؟ وهل يمكن أن ينبض قلب بمثل هذه النبضات؟ كلا، لا يتأتى ذلك إلا إذا تفانى أحد في حب الرسول . كان حضرته بحق خادما مطيعا ومخلصا للنبي الكريم. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك