لا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!

لا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!

التحرير

  • تعظيم شعائر الله
  • الحظ في الصيام
  • هل فات الأوان بفوات رمضان؟
  • الأحق بفرحة العيد

__

من انشغل قلبه بغير الله وكانت نفسه مُوغِلَةً في حُبِّ العاجِلَة وأَدْرَانِهَا أنَّى لهُ أن يُعَظِّمَ شعائر الله ويتهيّأَ لاستقبالها أو يُقَدِّرَهَا حقَّ قَدْرِهَا!

.. ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب (الحج: 32).

فهنيئا للمؤمنين الصادقين شهر الصيام، العاكفين في الصَّوامع والحُجُرَات، السَّاجدين والقائمين بمناجاة الرّحمان، اللاّهِجَة شِفَاهُهُمْ آناء اللّيل وأطراف النّهار بتلاوة القرآن. وتَعْسًا لِقَوْمٍ ناَفَقُوا فيه فامْتَطَتْ نفوسهم فيه صَهْوَةَ الشّيطان بالملاهي والمقاهي وصُنُوفَ الدَّوَاهِي، وشَنَّفُوا آذانهم بِسَمَاعِ عَذْبِ الألحان، مُمْسِكِينَ عن الفُرقان..! فنشكو إلى الله ربّ العالمين مَن ظلموا شهر رمضان بمسلَك التَّبَابِ، وانصبغوا بصفات الأنْعَامِ والدّواب، لا يَبْتَغُونَ في أيامه الـمَعالي الرُّوحانية ولا المعَارِفَ القُرْآنيَّةَ، على المسلسلات والفوازير ساهرين، وعلى أسِرَّتِهِمْ مُسْتَلْقِينَ نائمين، أَلَا بُعْداً لِقَوْمٍ غافلين!. ليس لَهُمْ حَظٌّ مِنْ صِيَامِهِم إلا الْجُوعُ وَالْعَطَش ولا مِنْ قِيَامِهِمْ إلاَّ السَّهَرُ والتعب. فالصِّيَامُ الحقُّ هو الذي يحفظ فيه الصَّائِمُ البَطْنَ ومَا حَوَى، و الرَّأْسَ و مَا وَعَى، ويَذْكُرَ الموت والبَلىَ، ويَسْتَعِد للآخرة لِلِقَاءِ المولى.

سَبَقَ السَّابِقُونَ بالفَضْلِ والصِّيَامِ وَوَصَلَ الواصِلُونَ بِوِصَالِ رَبِّ الأنام. بَقِيَ الأَجْرُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَحَانَ قِطَافُ الثَّمر. أما الغافلون فذهب شَهْرُهُم في لَذَّةِ المنْكَرَاتِ، وانْقَضَى في حَلَقَاتِ المسلسلات، وَفَرَغَتْ جُعْبَتُهُمْ مِنْ قَهْقَهَةِ الفَوَازيرِ والنِّكَاتِ، وَبَقِيَ لـَهُمْ فَضَالَةُ الإثْمِ وَالوِزْرِ وأنواع الخَطِيَّات! وَلَعَمْرِي إنَّ هَذا لمن المُحْزِنَاتِ المُبْكِيَاتِ! فَرُحْمَاكَ رُحْمَاكَ يا رَبّ الكَائِنَاتِ بالغافلينَ والغافِلاَتِ!. فهنيئاً لهم دُمُوعُ النَّدَامَةِ يوم القِيَامَةِ حيثُ لا تَنْفَعُ الحَسْرَةُ والـمَلاَمَة.. وهنيئاً لهَمُ السَّيْرُ في مُقَدِّمَةِ رَكْبِ الخاسِرِينَ، والسَّبْقَ إلى مَوَارِدِ المحرومينَ. هنيئاً لهم الـمُؤَخِّرَة بما نَسوا يوَم الآخرة، وهنيئاً لهم التَّخَلُّفُ عَنْ لُقْيَا الأنبياءِ بما كانوا يخالفون الأتقياء، فهنيئاً لكم يا معشر الأشقياء!.

فعلى الصائمين المستَرشِدِينَ أن يَعْلَمُوا أنَّ رمضانَ يدعونا إلى بَدْءِ رِحْلَةِ التَّغَيير على مدى العُمْر.. رِحْلَة الإقلاع عن عَوَائِدَ تَعَوَّدْناَها… وَعَوَائِقَ قد تَفَنّنَتْ في صَدِّنَا عن السَّيْر إلى الله.

فَمَنْ أَحَقُّ النَّاسِ فَرَحاً بالعيد بَعْدَ أيَّامِ الصيام المعدودات، التي فيها الجنَّةُ زُيِّنَتْ فَشُرِعَتْ، والجحِيم فيها غُلِّقَتْ فَأُخمِْدَتْ، والشَّيَاطِينَ فيها صُفِّدَتْ فَرُجِمَتْ، والنُّفُوس فيها خَشِعَتْ فَسَكَنَتْ، والأعْيُنَ فيها دَمَعَتْ فَبَكتْ، والهِمَمَ فيها سَجَدَتْ فاقتَرَبَتْ، والأكُفّ فيها رُفِعَتْ فَتَضَرَّعَتْ، والأَلْسُن فيها لهََجَتْ فَذَكَرَتْ، والبطُون فيها جَاعَتْ فَصَبَرَتْ، والصَّدَقَات فيها أَطْعَمَتْ وَكَسَتْ، والذُُّنُوبَ فيها كُفِّرت فَمُحِيَتْ.. فسبحان من جعل فيها كُلَّ عُسْرٍ يُسْراً ومع كُلّ ظلامٍ نُوراً، ففكروا في مَنْ هُو أَحَقُّ بنُزُول هذه المائدة في يوم الجائزة!، لِتَظْهَرَ عَلَيْكُم حقيقة الزُّمَرِ الفَائِزَة!. فتفكّر يا مَنْ تَحَلَّى بِفَهْمٍ ولا تَرْكَن مِنْ يَقِينٍ إلى وَهْمٍ، وَتَعَوَّذْ بالله مِنْ عَثَرَاتِ قَوْمٍ مَا اغْتَنَمُوا شَهْرَ الله، فَتَمَايَلُوا عَلَى الذُّنُوب وَنَسُوا فيه الرَّب المعبود. وقد بَشَّرَ المصطفى أن مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. فَمَا صَامُوا إيماناً وما احْتَسَبوُا إيقاناً! بَلْ انْتَقَلَتْ ذُنُوبُهُم إلى عَادَاتٍ مُهْلِكَاتٍ ولحقوا بالهالكين. ما اختاروا طريق الأبرار، وما انتهجوا سبيل الأخيار، وما سَعَوْا إلى الحقّ نادمين.. فَارَقوُا مَوَاسِمَ الخير، و هذه الأيَّام الغُرّ، واللَّيَالي الزُّهر، التي بَشَّرَ الله فيها عِبَادَهُ بالخيرات والمسَرَّاتِ، وما عَلِم هؤلاء الفَارِغُونَ اللَّاهُونَ أنَّهم يَسْتَبْدِلُونَ الذي هو أدنى بالذي هو خير. فعلى الصائمين المستَرشِدِينَ أن يَعْلَمُوا أنَّ رمضانَ يدعونا إلى بَدْءِ رِحْلَةِ التَّغَيير على مدى العُمْر.. رِحْلَةِ الإقلاع عن عَوَائِدَ تَعَوَّدْناَها… وَعَوَائِقَ قد تَفَنّنَتْ في صَدِّنَا عن السَّيْر إلى الله، وإيثار ما يحبُّه ويرضاه.. وعلائِقَ قد قَطَعَتْ علينا طريق الوَصْلِ.. فالتفَتَتْ قلوبُنَا وانْشَغَلَتْ بغير الله، فآثَرَتْ العَاجِلَ على الآجِل..!!

فيا غُرّة شهر رمضان، اجعل أسماءنا في طيّ صفحات سِجِلِّك مع الفائزين برضوان الله، المستحقين استحقاق وَعْد الرحمان، رحمةً في أوَّله ومغفرةً في وَسَطِه وعِتْقاً مِنَ النَّار في آخِرِه. ربَّنا ونجِّنا من أولئك الأشقياء الذين حَرموا أنفسهم من بركاتك ونَعْمَائِكَ، فَاسْوَدَّتْ قلوبهم بمُعاداة القرآن وظهور أيَّام الحق والفرقان.. ربَّنا وأدخلنا الْجَنَّةَ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ عبادُك الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة. لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُم. ربَّنَا وَحَقِّقْ أَمَانِينَا المؤمِنَة وتَقَبَّل دَعَوَاتِنَا وَوَادِعْ نُفُوسَنَا الآمِنَة المُطْـمَئِنَّة.. اللهم آمين وصلِّ اللهم على سيـدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك