إرم.. قبيلة عربية  من قبائل عاد  تميزت بالقوة والمنعة
  • قوم عاد إرم وذكرهم في التاريخ
  • طريقة الأنبياء في دعوة أقوامهم
__
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُفْتَرُونَ (هود: 51).

التفسـير:

يقول: إن الواقع يؤكد أنه لا إله إلا الله، وإن العقيدة الوثنية مجرد افتراء.. أي أنه ليس هناك أي برهان ولو ضعيف على صحة عقيدة الإشراك بالله تعالى، حتى يقال بأن المشركين قد أخطأوا الفهم، إنما الواقع أنهم يقلِّدون آباءهم في عقائدهم تقليداً أعمى.

يرى الباحثون الغربيون أنه لا أثر لوجود قوم باسم عاد أصلاً. ويقولون: إن ما عثرنا عليه من عبارات قديمة في الجزيرة العربية لا يشير إلى أي قوم قديم باسم عاد، بل كل ما نعرفه منها هو أن الشعب السومري هو أقدم الشعوب هناك، وكانوا أول الحاكمين للمنطقة. ثم تلاهم الشعب السامي الذين نبغ فيهم شخص يدعى حمورابي، وكان نبيّاً بُعث قبل الميلاد بألفي عام، وقبل موسى بست مائة عام، وكانت تعاليمه مشابهةً لما ورد في التوراة، حتى قال البعض منهم: إن تعاليم التوراة منقولة عن تعاليم حمورابي.

يجب أن يتوقف هنا أهل الكتاب ممن يرمون القرآن الكريم بتهمة سرقة التعاليم من صحف الأولين وقفةَ تأمل وتدبر!

ويرى الباحثون في الغرب أيضاً أن القرآن إنما ذكر قصة عادٍ بناءً على ما كان يتناقله العرب من قصص وأساطير لا أساس لها إذ لم يجد هؤلاء الباحثون الغربيون أية آثار لقوم باسم عاد.

ولكن هذا خطأ منهم، ذلك أن الأمم تُذكَر باسمين: باسمٍ شعبي واسمٍ قَبلي. فمثلاً “الآريون” اسم شعبي مشترك يطلق على الطوائف والقبائل الهندية التي منها قبيلة (غُبتا). فلو أنهم عثروا على آثار لقبيلة “غبتا” هذه، ثم قالوا بأننا لم نجد أي أثر للشعب الآري وإنما وجدنا آثار قوم آخرين فلا شك أن قولهم هذا يعتبر غباءً منهم. كذلك أرى أن (عاد) اسم شعبي أُطلق على عدة قبائل، وكل قبيلة منها كتبت اسمها على اللوحات والنقوش إبّان غلبتها وحكمها، ولكن كل واحدة منها كانت تنتمي لقوم عاد.

أي أننا نخص بالذكر هنا إرمَ من بين قبائل عاد الذين كانوا يبنون مباني فخمة شامخة، وكانوا من القوة والمنعة بحيث لم تؤتَ مثلَها بعدهم أيةُ قبيلةٍ عربية أخرى…

يخبرنا القرآن الكريم أن عاداً جاءوا قبل ثمود، وإننا وإن كنا لا نجد فيه أي اسم مشترك للأمم السابقة لثمود، إلا أننا نستطيع القول – قياساً على ما أسلفتُ – بأن اسمها المشترك هو عاد. والتواريخ القديمة تذكر كلمة (عاد). فمثلاً ورد في التواريخ اليونانية القديمة اسم قبيلة عاد حيث تقول: كانت هناك قبل الميلاد قبيلة حاكمة على اليمن اسمها (Adramitai) (أرض القرآن جـ 1 ص183).

و”عاد” هذه مذكورة في القرآن الكريم باسم “عاد إرم” حيث يقول الله تعالى ألم ترَ كيف فعل ربك بعادٍ إرمَ ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد (الفجر: 7-9). وحيث إن الجزء الأخير من الكلمة وهو (itai) تأتي في اليونانية للدلالة على كون الكلمة اسماً، لذلك فالاسم الحقيقي لهذه القبيلة هو (Adram) التي أصلها (عاد إرم) كما جاء في القرآن الكريم.

ويرى بعض الكتّاب الأوروبيين أن المراد من الكلمة (Adramitai) منطقة حضرموت (العرب قبل الإسلام جـ 1 ص62).

ولكن هذا غير صحيح، لأن حضرموت اسم لمنطقة وليس لقبيلة، ولأن حضرموت مذكورة على حدة، وبصورة صريحة، في كل المصادر اليونانية واللاتينية، ولكنهم لم يطلقوا عليها في أي مكان اسم (Adramitai)، وإنما سمّوها (Adramotitai) باليونانية، و(Chatramotitai) باللاتينية.  إذن فلا يصحّ أبداً أن نأخذ (Adramitai) بمعنى حضرموت، ظناً أن علماء التاريخ والجغرافية لم يطلقوا عليها اسمها الشهير القديم، وإنما اخترعوا لها اسماً جديداً في تلك المناسبة خاصةً!

وهناك دليل أكبر من ذلك على خطأ هذا الزعم، فإن نفس هذا المصدر الذي وردت فيه كلمة (Adramitai) قد ذَكَرَ تاريخ حضرموت ذكراً منفصلاً، مما يعني أن مؤلفه أيضاً يرى أن الاسمين هما لمسمّيين مختلفين (العرب قبل الإسلام جـ1 ص62).

لقد ذكر القرآن الكريم تاريخ (عاد) كالآتي:

1 – قال الله تعالى ألم ترَ كيف فعل ربك بعادٍ* إرمَ ذاتِ العماد* التي لم يُخلَقْ مثلها في البلاد (الفجر: 7 – 9). أي أننا نخص بالذكر هنا إرمَ من بين قبائل عاد الذين كانوا يبنون مباني فخمة شامخة، وكانوا من القوة والمنعة بحيث لم تؤتَ مثلَها بعدهم أيةُ قبيلةٍ عربية أخرى. والثابت تاريخياً بما لا يدع مجالاً للشك بأنه كانت لقوم عاد حكومة قوية استمرت حتى إلى ما قبل الميلاد بخمسة قرون. (أرض القرآن جـ 1 ص125).

وقد برهن علماء الألسنة على وجود لغة باسم (الآرامية) التي كانت كلماتها مشابهة جداً للغة العبرانية، وأنها كانت لغة شعب (إرم)، وكانت لهم حكومة عظيمة بعد حكم الساميين. لقد نشروا سلطانهم على العراق وفلسطين والشام والمنطقة الكلدانية، بل يرى بعضهم أن عاداً قد بسطوا سلطانهم على مناطق أبعد من ذلك أيضاً. (الموسوعة البريطانية، تحت Semetic Languages).

فثبت من الآية الآنفة الذكر أن القرآن الكريم إنما يتحدث هنا عن قبيلة (إرم) من شعب عاد، وقد أسلفت أن الأثريين قد عثروا على قبيلة باسم (إرم).

2 – قال الله لهم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح (الأعراف: 70). وهذا يبين أن زمنهم كان ما بعد قوم نوح مباشرة. مما يدلّ على أن الشعوب السامية المذكورة في التاريخ، التي كانت حاكمة قبل (إرم)، أيضاً كانت جزءاً من عاد.

3 – قال الله لهم: أتَبنون بكل ريعٍ آيةً تعبَثون (الشعراء: 129).. أي أنكم تبنون في كل مكان عالٍ بنايات وتماثيل. وهذه علامة أخرى لقوم عاد، إذ كانوا متعودين على بناء العمارات التذكارية في الأماكن المرتفعة. وبالفعل فإنها لا تزال هناك في الجزيرة العربية بنايات فخمة منذ أزمنة سحيقة (أرض القرآن ج1 ص93).

بل لقد شاهدتُ بنفسي في اليمن أثناء سفري إلى أوروبا مع بعض رفاقي بعضاً من هذه المباني الشاهقة فوق تلال مرتفعة على بعد عدة أميال من عدن. وكانت بها بِرك وأحواض.

4 – وقال الله تعالى فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنـُهم (الأحقاف: 26). يتبين من ذلك أن معظم تاريخ هذه الأمة قد طواهُ الدهر، إلا بعضاً من آثار المباني الفخمة.

5 – وقال الله تعالى مشيراً إلى موقع وطنهم واذكرْ أخا عادٍ إذ أنذر قومه بالأحقاف (الأحقاف: 22). والأحقاف هي تلال رملية طويلة (المفردات)، وتُطلق في مصطلح العرب على منطقتين ذواتي ماءٍ وخضرة مجاورتين للصحراء، وعند هبوب الرياح الرملية تتكون فيها تلال رملية. تقع إحداهما في جنوب شبه الجزيرة وتسمّى الأحقاف الجنوبية، وتبدأ من اليمن ما بين صنعاء وعدن، وتمتد إلى الشرق فالشمال. وثانيتهما الأحقاف الشمالية، وتبدأ من بُصرى وتمتد إلى الجنوب حتى برية العراق.

ومن المحتمل أن تكون المنطقة قبل العذاب خالية من التلال الرملية، ولكن رياح العذاب حملت من الصحراء الرمال التي غطت أهل المنطقة وتاريخها. ومن الممكن تماماً أنه لو أُزيلت الرمال لظهرت من تحتها آثار تلقي على تاريخهم مزيداً من الضوء.

6 – لقد أخبر الله تعالى عن هلاك عاد بقوله وأما عادٌ فأُهلكوا بريحٍ صرْصَرٍ عاتيةٍ* سخَّرها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانية أيام حُسوماً فترى القومَ فيها صرعى كأنهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ (الحاقّة: 7 و8). يتضح من ذلك أن ريحاً عاصفةً هبّت على عاد لثمانية أيام متتالية، فاختفت تحتها كبرياتُ مدنهم وانكسرت شوكتهم، وبدأ انحطاطهم. كما تعطي الآية انطباعاً بأن آثارهم لا تزال باقية محـفوظة تحـت غطاء الرمـال، حـيث قالت: فترى القوم فيها صرعى . كما تبين أن المنطقة سُمّيت بالأحـقاف بعد تعرضها لهذا العذاب.

يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (هود: 52)

شرح الكلمات:

فَطَر: فطَرَ الشيء يفطُرُ فَطراً: شقَّه. فطر العجينَ: اختبَرَه من ساعته ولم يخمّره. فطرَ الأمرَ: اخترعَه وابتدعه وأنشَأه. وفطر الصائم فَطراً فِطراً وفُطوراً: أكل وشرب؛ وقيل ابتدأ الأكلَ (الأقرب).

التفسـير:

لقد عبّر سيدنا هود في الجزء الأول من الآية عن غنى نفسه وبُعده عن اتّـباع الشهوات، وأما في الجزء الآخر منها فقد أعرب عن تواضعه واحتياجه إلى فضل الله جلّ شأنه. وهذا هو المقام الذي يتبوأه أهل الله تعالى. فإنهم يستغنون عن الدنيا استغناء كاملاً، ومن ناحية أخرى يخرّون على عتبة الله متواضعين خاشـعين بحيث لا أحد يبدو أكثر منهم فقراً وضعفاً.

وبقوله إنْ أجري إلا على الذي فطرني أكّد على خالص توكّله على الله، فلم يكن في شك من أجره عند الله، بل كان على يقين بأنه تعالى سيجزيه على تضحيته أحسن جزاء.

كما توضح الآية أن سؤال الناس وطلب العون منهم يتنافى مع عزة النفس والمروءة دون ريب، ولكن التوسّل إلى الله عزّ وجل لا يقدح في عزة نفس المرء أبداً، إذ إنه لا حرج من أن يمد المخلوق يد السؤال إلى خالقه. وقد أزال بذلك سوء فهم قد يتولد في قلب البعض إذ يظنون أن سـؤال العبـد ربّه أيـضاً غير لائق.

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِين (هود: 53).

شرح الكلمات:

مِدراراً: اسم المبالغة مِن دَرَّ الشيءُ يدرّ درّاً ودروراً: كثرُ. درّ العَرَق وكذا السماء بالمطر: سال. سماء مِدرارٌ: تدرُّ بالمطر. عين مِدرار: تدرّ بالدمع. ديمة مدرار: غزيرة السيَلان. وفي القرآن: يرسلِ السماءَ عليكم مدراراً والسماء هي بمعنى المطر مجازاً. (الأقرب).

التفسـير:

يبدو من الآية أن هؤلاء القوم كانوا يعيشون على الزراعة، وما كانت أراضيهم تُسقى بالقنوات أو الآبار وإنما بالمطر.

كما تنبه الآية على أن الأمة المنهارة إذا صدّقت نبيها فإنها لا تنهض نهوضاً روحانياً فقط، بل إنها تحقق رقياً مادياً أيضاً وتنال حياة جديدة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى ويزِدْكم قوةً إلى قوتكم .

Share via
تابعونا على الفايس بوك