لا سلام إلا بطاعة أمير السلام
التاريخ: 2007-06-01

لا سلام إلا بطاعة أمير السلام

  • جوهر السلام في الإسلام
  • عبادة الله وتوحيده
  • الإحسان إلى الوالدين
  • الإحسان إلى الأقارب
  • الإحسان إلى اليتامى والمساكين
  • الإحسان إلى الجيران
  • توسيع دائرة العلاقات الطيبة
  • الإحسان إلى كل ذو روح
  • هذا وإلا المذمة

__

بعد التشهّد والتعوّذ وتلاوة سورة الفاتحة تلا أمير المؤمنين حضرة مِرزا مسرور أحمد قول الله تعالى:

وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ الله لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا (النساء:37)

في الخطبة الماضية تناولت موضوع إفشاء السلام في البيوت وتبادُل التحيات بين الناس التي عن طريقها يمكن لرسالة الله تعالى، رسالة السلام، أن تشيع، ويمكن لتحية السلام من الله تعالى أن تنتشر فـيسود السلام من هذه التحيات.. وهذه رسالة الله تعالى أن من يفش السلام؛ فإنه يفتح أبواب السلام لنفسه وأهله أيضًا.

وكما أخبرتكم من قبل أن رسالة السلام التي جاء بها الإسلام تحمل في أحشائها جنين السلام العالمي أيضًا.. وكذلك بيّنت لكم في الخطبة الماضية أنه لا بد من إفشاء السلام في البيوت وتبادل إلقاء السلام بين الناس في المجتمع.. وكذلك ذكّرتكم بنصيحة الله تعالى ورسوله بإفشاء السلام عند حضور المجالس. وهكذا يتحقق الأمن والسلام في المجتمع.. ويصون الإنسان نفسه والمجتمع من الأذى.

إذ يجب علينا بعد انتسابنا إلى من سمَّاه الله تعالى “أمير السلام” أن نهتم ونعتني بتقوية الصلات مع الأقارب.. وألا نسيء إلى هذا الإمام الذي دُعيَ من الله تعالى “أمير السلام”.

واليوم إن شاء الله تعالى أتناول الموضوع ذاته من زاوية أخرى،  فقد ذكر الله تعالى في الآية الكريمة من سورة النساء التي بدأت بها الخطبة، مجموعة من النصائح إذا عمل المؤمنون بها فـسوف يسود الأمن والسلام يقينا المجتمعَ كلَّه، وينتفع الناس من ذلك الأمن وهذا السلام.. وسوف يتلقَّى السلام كل من ذُكِرَ في هذه الآية.

ففي هذه الآية الواحدة قد ورد أحد عشر تعليمًا تُوجّه الناس نحو ديار الحب والسلام والصلح وتعلِّمهم كيف يسكنونها.. فإذا عمل الناس بها لأمكنهم أن يخلقوا مجتمع السلام.

أول هذه التوجيهات والنصائح هي:

  وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ..

أول أمر هو أداء حقوق الله تعالى.. عبادة الله تعالى وألا يُشرَك به شيء. إن المسلم يكون مسلمًا حقًا عندما يدرك هذا المطلب الأساسي للإسلام الذي من أجله خُلِقَ الإنسان. فبدون نيل هذا الهدف وتحقيقه لا يمكن أن يتولد فينا المغزى الحقيقي للإسلام، ولا يمكن للمرء أن يدرك صفات الله تعالى. وإذا لم يدرك المؤمن صفات الله تعالى، ومنها صفة السلام؛ فلا يمكن له أن ينعم بالسلام. فيجب أن يضع كل مؤمن هذا الأمر الأساسي – أي عبادة الله تعالى – نصب عينيه لكي يدرك حقيقة السلام والأمن الحق، ومن ثمَّ ينعم بهما هو ومن حوله.

فإذا فهمتم وأدركتم هذه الحقيقة ونلتم هذا الهدف أو كان نيله هو شغلكم الشاغل؛ فعندئذٍ عليكم أن تبذلوا الجهود في تأدية حقوق العباد الواردة في هذه الآية. وهذا الإحسان الذي تقومون به تجاه بعضكم بعضًا؛ سوف يكون سلامًا يعم كل المجتمع. ثم إن للأمر الأخير في هذه الآية علاقة دقيقة بالله تعالى والناس في المجتمع أيضًا.

والآن.. أتناول الأمور الواردة في هذه الآية التي لها علاقة بكل طبقة من طبقات المجتمع، وهي نصائح تضمن الأمن والسلام لكل طبقات المجتمع وكل فردٍ فيه.

أولاً يقول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..أي يجب عليكم أن تُحسنوا إلى الوالدين وأن تحافظوا على سلام الوالدين وأن تحفظوهما من كل شرٍ؛ وهذا هو الحق الواجب لهما بعد عبادة الله تعالى. وذلك لأن الآباء والأمهات هم الذين تحملوا الصعاب والمشاق من أجل سلامتكم وراحتكم..والآن بعد أن كبرتم؛ فإن عليكم أن تؤدوا حقوقهم. جاء في سورة الإسراء:

  إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (الإسراء:24)..

بل وأن ندعو لهما: رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (الإسراء:25).. فهذا الدعاء يجب أن يثير عواطف الرحمة تجاه والديكما وتكون هذه الأدعية ناشرة للسلام تجاههما.

وفي سورة الأحقاف يـقول الله تعالى:

  وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الأحقاف:16).

إنه لا يمكن أن يكون الإنسان بارًّا بحق ومطيعًا بصدق ومسلمًا مخلصًا إلاَّ إذا عمل بالأوامر الإلهية وامتثل للأحكام الربانية تمامًا. ومن هذه الأوامر والأحكام الإلهية أن يُحسن إلى الوالدين وأن يتذكر رحمتهما به وأن يحاول أن يرد بعضها إليهم.. وكذلك يجب أن يشكر تلك النعم التي أنزلها الله تعالى عليه عملاً بقوله تعالى:

  رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ..

أي أن تدعو الله تعالى أيضًا أن يوفقك للأعمال الصالحة وأن تدعو أيضًا لأجيالك القادمة بالصلاح. وتذكروا أنكم لكي تدعو لوالديكم دعاءً يقبله الله تعالى ولكي تتركوا من بعدكم ذرية صالحة؛ فإن عليكم أن تكونوا أنتم أولاً صالحين لكي تربّوا أولادكم على الصلاح وتتركوهم صلحاء، فـيدعوا لكم أنتم أيضًا كما تدعون أنتم لوالديكم. ولا تكونوا كذلك الولد الذي تربى على السرقة وعندما حان وقت إعدامه عقابًا على جرائمه طلب أن يرى أمه وعندما جاءت قطع أذنها .. وعندما سُئل: لماذا فعلت هذا؟ قال إنها كانت هي السبب فيما وصلت إليه لأنها هي التي شجعتني على السرقة.

فهذه الآية الكريمة تلفت انتباهنا، آباءً وأبناء، إلى أهمية أن ندعو لبعضنا بعضا.. وهذه الأدعية سوف تجعل كلاًّ من الأبناء والآباء ناشري سلام.

ليس هذا فحسب بل يقول الله تعالى أنه يجب أن تحسنوا إلى الأقارب أيضًا.. وبهذا الإحسان يولد السلام والأمن في مجتمعكم. هناك أقارب الدم من ناحية الأم أو الأب.. وهناك أقارب من ناحية الزوج أو الزوجة أيضًا.. وتقع المسؤولية على كل جانب وعلى كل فريقٍ أن يؤدي حقوق الفريق الآخر. ولقد نبهت الآية الكريمة إلى ضرورة الإحسان إلى هؤلاء جميعًا..ليس فقط تجاه الأقارب الذين تربطكم بهم علاقات طيبة وتحبونهم ويحبونكم؛ بل أيضًا مع أولئك الأقارب الذين لا تحبونهم ولا يعجبونكم.. فهؤلاء أيضًا يجب أن تحسنوا إليهم،  لأن الإحسان واجب تجاه كل ذي قربى.

كذلك يجب أن يحسن الزوج إلى أقارب زوجته وأن تحسن الزوجة إلى أقارب زوجها.. وهذا الإحسان سوف ينشر السلام. كثيرا ما تتولد الخصومات في البيت حين لا يحترم أهل الزوج أهل الزوجة أو العكس. وكما أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين؛ فقد أمر بالإحسان تجاه أهل الزوجة وأهل الزوج، لأن الاعتداء أحيانًا يكون من قِبل أهل الزوج وأحيانًا أخرى يكون من أهل الزوجة.. فهذه نصيحة للجميع.

إن مجتمعنا – المجتمع الإسلامي الأحمدي – مأمورٌ من الله تعالى ورسوله الكريم بنشر السلام وإفشائه.. لذا يجب ألا ننسى ذلك أبدًا في مجتمعنا. فبعد أن صدّقنا وآمنا بإمام الوقت، وبعد أن علمنا الطرق المختلفة لنشر السلام وبعد أن أخبرنا أنكم إذا كنتم تريدون أن تكون لكم علاقة بالله تعالى؛ فيجب أن تحرصوا على العلاقات الطيبة فيما بينكم وأن تمتثلوا لأوامر الله تعالى. هنا يجب أن نفكر ونتدبر.. أننا إذا كنَّا نواجه المعارضة في هذا الزمن بسبب إيماننا بإمام الزمان حيث يعاني بعض منا من قِبل أقاربه بسبب الأحمدية، فيقطعون علاقاتهم به، حتى أن بعض الآباء يمارسون القسوة على أولادهم بسبب الأحمدية ويطردونهم من البيوت.. فكم حريّ بالأحمديين أن يهتموا بأداء حقوق الأقارب الأحمديين. إذ يجب علينا بعد انتسابنا إلى من سمَّاه الله تعالى “أمير السلام” أن نهتم ونعتني بتقوية الصلات مع الأقارب.. وألا نسيء إلى هذا الإمام الذي دُعيَ من الله تعالى “أمير السلام”. فإذا لم نعتنِ بذلك ولم نُحسن إلى الأقارب؛ فكيف يمكن أن نُحسن إلى الذين يسيئون إلينا وليسوا من أقاربنا.

تصل إليَّ بعض الأخبار التي تجعلني مضطربًا:  فـأنا أدرك من ناحية أي انقلابٍ كان المسيح الموعود يريدنا أن نحُدثه في أنفسنا؛ ومن ناحيةٍ أخرى أرى تصرفات البعض رغم أنهم من المسئولين في الجماعة وأتلقى الشكاوي ضدهم من قِبل أهليهم. رحم الله هؤلاء.. الذين يتجاوزون الحدود، وعندما يعلم خليفة الوقت بهذا؛ يطردهم من الخدمة. ثم إنهم بعد ذلك يشتكون: لماذا حُرِموا من الخدمة؟! كان عليهم أن يفكروا في هذا قبل أن تُرفع الشكاوى ضدهم.

ثم أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى والمساكين، لأنهم من أضعف الطبقات في المجتمع وليس لهم نصير ولا أنيس.. ولا يرفع أحدٌ صوتَه مناديًا بحقوقهم. إن هذه الطبقات الضعيفة قد تتسبب في نشر الفساد وتتورط في المشاكل والسيئات لنيل حقوقها في أحيانٍ كثيرة.. وقد تتفاقم النتائج الخطيرة في نسيج المجتمع. إن فئة من هذه الطبقة اليائسة والمحرومة من حقوقها ترى أن كل ما تقوم به لنيل حقوقها هو جائزٌ، فلا يقومون بأعمال صالحة بنَّاءة في المجتمع بل يتورطون في الأعمال السيئة.

ومن هؤلاء الفقراء طائفة كثيرة الأولاد فلا يستطيعون أن يربّوهم تربية جيدة كــما يحدث في “باكستان” حيث تزدحم المدارس والكتاتيب بالأطفال.. ورغم أنهم في الظاهر يعلّمونهم الإسلام والدين؛ إلاَّ أنهم يربونهم على مفاهيم خاطئة عن الجهاد الانتحاري.. وهكذا ينشأ هؤلاء الأطفال على هذا الفهم الخاطئ للجهاد،  ويظنون أن تلك العمليات الانتحارية هي الجهاد. فـإذا تيسرت الظروف والأوضاع الصحيحة لهم من التربية والتعليم لتمّتْ صيانتهم.

في إحدى المرات عندما كنت أتجول في بعض القرى في “باكستان” صادفت بعض الأولاد الذين يدرسون في الكتاتيب.. وسألتهم عما يدرسونه.. فأخبروني أن ما يتلقونه من دراسة هو قليل، وأخبروني أنهم هنا للعمل والتدريب على صناعة الأسلحة. فما أسوأ هذا الأمر.. إن آباءهم يرسلونهم لتلقي التربية الإسلامية؛ ولكن المدرسين هنا يستخدمونهم للتعصب لــيكونوا أدوات لنشر الفساد والاضطراب في المجتمع. إن هؤلاء الآباء مساكين .. فإنهم مقتنعون أن أولادهم يتلقون تربية إسلامية دينية.. ولكنهم لا يعرفون في أي أيدٍ تركوا أولادهم. لقد تركوهم في أيدي أولئك الذين يستغلون الأطفال الصغار ويستخدمونهم للقتل باسم الدين.

ولـتفادي هذا الفساد؛ فإن على المجتمع والحكومة أن تعتني وتهتم بهذه الطبقة الضعيفة، وتلك مسئوليتهم.. وبدلاً من جرح مشاعرهم؛ يجب أن تتعاطف الحكومة والمجتمع معهم لأن هذه الطبقة حساسة جدًّا من ناحية العواطف. لذا يجب أن نصلح عواطفهم تجاه المجتمع. وهذا لن يتحقق إلاَّ إذا أحسنَّا إليهم إحسانًا كبيرًا. إن هذا الأمر إذا كان يمنحهم الاحترام من ناحية؛ فإنه في نفس الوقت يكون ضمانًا لسلام كل المجتمع. وإضافة إلى السلام فإن الذين يحسنون إلى اليتامى والمساكين فإنهم يتقربون إلى الله وينالون حبه تعالى.

عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: “أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ”، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ. (مسلم-كتاب الأدب)وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: “خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ”. (ابن ماجة-كتاب الأدب)وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: “حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ”.(ابن ماجة-كتاب الزهد)..

إن بعض الناس ينظرون إلى المساكين والفقراء بنظرة الاحتقار والازدراء وهذا أمرٌ مؤسفٌ جدًا.

بهذه المناسبة أريد أن أذكر هنا أنه بفضل الله تعالى فإن هناك نظام كفالة اليتامى في جماعتنا في باكستان وفي غيرها من البلاد، وهناك لجان لرعاية شؤون اليتامى في باكستان وفي بلادٍ أخرى وخاصة البلاد الإفريقية. تسعى الجماعة وتبذل قصارى جهدها لكفالة ورعاية الأيتام بفضل الله تعالى..وهناك صندوقٌ خاصٌ بهذا المشروع .. وعلى أفراد الجماعة أن يتبرعوا فيه حتى نقوم بسد حاجات الأيتام أكثر فأكثر. وهناك صندوقٌ آخر لتزويج الفتيات الأحمديات الفقيرات (صندوق مريم)، وهو مشروع كان قد بدأه سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله. في البداية كان هناك انتباه وتوجه خاص من قِبل الجماعة لهذا الصندوق، وساهم فيه أفراد الجماعة بكل حماس وحب.. ولكن فتر هذا الحماس الآن بعض الشيء.. لذا فإنني أوجه أنظار الأثرياء من الجماعة خاصةً بهذه المناسبة أن يهتموا بهذا الصندوق. إن حسن معاملة الفقراء واليتامى والمساكين هي التي سوف تجلب بشارة الجنة لأولئك الذين يقومون بهذه المعاملة الحسنة. وإن الله تعالى يبشر هؤلاء بدار السلام.. أولئك الذين قاموا بمحاولات لخير الناس.

بسبب استكبارهم قد رفضوا الإنسان الذي بعثه الله تعالى وبالتالي فقد حُرِموا من ذلك السلام والأمن الذي لا يأتي إلاَّ من الله تعالى. فإذا استكبرتم تجاه أحباء الله تعالى وآذيتموهم؛ فكيف تنالون أمنا أو سلاما.

ثم تنتقل الآية الكريمة إلى أهمية الإحسان إلى الجيران: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ .. أي الجيران المسلمين وغير المسلمين.  الإحسان ينبع ابتغاءَ وجه الله تعالى. إن العبد الذي يحاول نيل رضا الله تعالى يُعرف من خلال تصرفه ومعاملته الحسنة مع جيرانه سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

عَنْ عَائِشَةَ  رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: “مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ”.(البخاري-كتاب الأدب)..

هذا يبين أهمية الإحسان إلى الجيران دائمًا. إن المجتمع الذي لا يتعامل فيه الجيران بالحسنى يفتقد إلى الأمن والسلام. إن الجار هو أول من يلقاه الإنسان عند الخروج من بيته.. فإذا بادرتموهم بالسلام من أعماق قلوبكم؛ فإنهم بلا شك سوف ينجذبون إليكم. ولكن لا توجد في هذا المجتمع الغربي أهمية الجيرة والجيران كما في الإسلام. إن من جمال هذا الدين وحسنه.. أنه لا يترك صغيرة ولا كبيرة لنشر السلام والخير في كل حدب وصوب إلا وجّه أنظارنا إليها. فإذا قمتم بتوصيل رسالة السلام إلى جيرانكم وأنشأتم  أواصر الحب والوئام معهم، ثم رأى هؤلاء الناس أن الأحمديين يلقون تحية السلام النابعة من عاطفة الحب والود؛ فإنهم يفرحون.. بل في بعض الأحيان يستغربون لأنهم غير معتادين على ذلك. لا شك أن فطرة كل شخصٍ ترتاح وتقتضي أن يتلقى من الآخرين معاملة حسنة.. وهي فطرة هؤلاء الناس أيضًا. إن هؤلاء الناس – إلا ما شذ وندر- يفرحون عندما يجدون جيرانهم الأحمديين يعاملونهم معاملةً حسنة لوجه الله تعالى لا طمعًا في شيء.

عندما وجهت أنظار الأحمديين الساكنين في الغرب أن يعاملوا جيرانهم بالحسنى؛  جاءتني التقارير مشجعة جدًّا.. وأهل الغرب الذين كانوا عادة يخافون من جيرانهم الآسيويين، زالت مخاوفهم عندما جاءتهم الهدايا منهم في الأعياد والمناسبات المختلفة وأثنوا على الأحمديين. والذين كانوا منهم يعتبرون الإسلام دينًا مدمرًا وعنيفًا عادوا وتأثروا بتعاليم الإسلام السمحة. ونحن ندعو الجيران إلى الوليمة في مسجد “فضل” أيضًا بمناسبة العيد. وعندما أقامت الجماعة الحفل آخر مرة واشتركتُ فيها.. أكدتُ على تعاليم الإسلام في معاملة الجيران.. فأظهروا فرحتهم بسماع هذه التعاليم وشكروني. ومنذ ذلك الحين فإنني أتلقى من هؤلاء الجيران رسائل وبطاقات معايدة في مختلف المناسبات. إن التعليم الإسلامي المتعلق بالجيران لا يتضمن الأمن والسلام  فقط  بل يفتح لنا المجال لتبليغ الإسلام أيضا، وهذا التعليم وهذا السلوك يزيل السموم التي قد بُثَّت في الأذهان ضد الإسلام. فلو عملنا بهذه التعاليم لزال الفساد من الدنيا. يقول المسيح الموعود ما معناه: الجيران يُعتبرون جيرانًا حتى مائة ميل أيضًا.

الأحمديون اليوم موجودون في حوالي

175بلدًا؛ فـإذا غطى كل واحدٍ منهم مسافة مائة ميل حوله بتعاليم الإسلام.. فلا شك أن كل الأفكار والتهم السيئة الشائعة عن الإسلام والتي ترددها ألسنة المعارضين سوف تزول تلقائيًا. ليس هناك اليوم مسلم يستطيع أن يقدم تعاليم الإسلام بصورة صحيحة سوى الأحمدي. وسوف نكون من المقصرين إذا لم ننتبه إلى مسئولياتنا بهذا الصدد، تلك المسئوليات التي عهد بها إلينا المسيح الموعود ؛ والتي حملناها بسبب عقدنا العهد معه .

إن الأمر الإلهي الوارد في الآية الكريمة التي بدأت بها خطبتي وتلك التعاليم التي جاءت بها، كلها تبين لنا ما قد وجب علينا من توسيع اصطباغنا بصبغة الود والعلاقات الودية، وهي الخصلة التي تنبئ عن كونكم المسلمين الحقيقيين. فإذا توسعت دائرة علاقاتكم الطيبة مع الآخرين؛ فإن المجتمع الآمن والمبني على السلام سوف يتوسع أيضًا. فإذا سألتم إلى أي مدى يجب أن نوسع هذه الدائرة؟ فالجواب أنه يجب أن تتوسع هذه الدائرة حتى تحيط بالمجتمع كله. فجلساؤكم في المجالس وزملاؤكم في العمل والتجارة، وكل من تتعاملون معهم بشكل أو بآخر يندرجون تحت هذه القائمة..أي قائمة الجيران الذين يتوقع منكم الإحسان إليهم دائمًا. كذلك يندرج تحت هذه القائمة أولئك الزائرون الذين يحضرون مختلف الجلسات..لذا ينبغي أن تحسنوا معاملتهم من منطلق هذا التعليم القرآني.

إن الإسلام يوصي المسلمين بالإحسان إلى جميع الناس.. ولن يبقى أي نوع من الانقباض في القلوب تجاه بعضنا بعضًا لو عملنا بوصيته.. فكل واحد سوف يلقي السلام بكل محبة للآخرين. ربما تحدث بعض المشاجرات في الاجتماعات الكبيرة بسبب الأعداد الغفيرة.. ولكن لو فكّر كل واحدٍ منَّا أنه لن يقوم تجاه الآخرين إلا بما فيه الإحسان.. فإن هذا سوف يكون موجبًا لنشر السلام والأمن في المجتمع وتتوطد علاقاتكم الودية والأخوية فيما بينكم.

كذلك إذا رد كل واحد السلام الذي يلقى عليه بسلامٍ أكثر حرارة؛ فإن جميع الشجارات والخصومات سوف تزول من المجتمع المسلم الأحمدي. إن الله تعالى قد أمرنا أن نرد الإحسان بالإحسان في قوله تعالى:

  هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ (الرحمن:61)..

وكذلك أمرنا سبحانه وتعالى أن نرد التحية بأفضل منها..يقول تعالى:

  وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (النساء:87)

جاء رجلٌ إلى مجلس النبي فقال السلام عليكم وجلس، فردَّ النبي   عليه قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله. ثم جاء آخر وسَّلم قائلاً السلام عليكم ورحمة الله ثم جلس، فردَّ النبي عليه قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثم جاء ثالثٌ فحيَّا النبيَ قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم جلس، فردَّ النبي عليه قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وكان هناك صحابيٌ في المجلس فسأل النبي لماذا رددت على الشخصين الأولين بأحسن مما سلموا ولكن رددت على الثالث بمثل سلامه فقط. فقال النبي ما معناه: فيما يتعلق بالأولين كان هناك مجال أن أرد عليهما سلامهما بأحسن منه.. أما الثالث فقد أحسن السلام فرددت عليه بمثله. هذه كانت أساليب سيدنا رسول الله في إلقاء السلام ونشر السلام.

ثم حثت الآية على الأمر الإلهي بالإحسان إلى الصاحب بالجنب.. والمراد بالصاحب الجنب أولئك الذين يعملون معكم، وزملاؤكم في العمل أو الذين يعملون تحتكم.. فيجب أن تحملوا عواطف الخير تجاه هؤلاء جميعًا.. كما يجب أن تحملوا عواطف الخير تجاه رؤسائكم أيضًا. كذلك يجب أن تحسنوا إلى زملائكم في السفر ولو كان السفر لفترة وجيزة. فهذا ما يريده الله تعالى من عباده.. ألا تصدر منهم أي بادرة تسبب نشر الفساد مهما كان ضئيلا؛ بل يجب أن تنشروا الأمن والسلام فقط دائمًا.

ثم  يمتد الأمر بالإحسان إلى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .. يقول المسيح الموعود ما معناه: إن جميع ذوي الروح الذين هم في قبضتكم يجب أن تحسنوا إليهم.

فهذا هو أمر الإسلام:  أمر بحفظ شرف الرقيق مـمن تحت أيديكم، وإكرامهم.. وعدم الإساءة إليهم، بل أوجب ونهى عن تكليفهم ما هو فوق طاقتهم، وأمر بإعانتهم في الأعمال الشاقة والإحسان إليهم. وإذا طلبتم منهم أمرا صعبا فيجب أن تعينوهم وتساعدوهم عليه. هذه هي التعاليم التي تؤدي إلى إقامة مجتمع آمن وسليم.. وتجلب مشاعر المحبة بين الجميع حتى بين الأجير وسيده. أما إذا طُلِبَ من الأجير أكثر مما يطيق فإنه لن يشعر بحب نحو سيده.

ثم يقول الله تعالى في نهاية الآية الكريمة التي نحن بصددها:

  إِنَّ الله لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا ..

فالذي لا يعمل بأوامر هذه الآية فإنه مختالٌ فخورٌ.. وهذا الشخص لا ينال حب الله تعالى ولا ينال حب عباده الصالحين. مثل هذا الشخص المتكبر؛ وبسبب تكبره فإنه يتبع أثر الشيطان الذي أنكر الأمر الإلهي ورفضه بسبب تكبره.

وفي هذه الأيام أيضًا.. إنه نفس التكبر الذي يمنع الناس من الإيمان بالمسيح الموعود . وهو كذلك نفس التكبر الذي يمنع الناس من أداء حقوق العباد.. تلك الحقوق التي قال الله تعالى أنكم إذا لم تؤدوها حل عليكم سخطه. إن المتكبرين مهما ادّعوا أنهم أهل أمن وسلام، فإنهم لن يفلحوا في إقامتهما أبدًا، لأنهم بسبب استكبارهم قد رفضوا الإنسان الذي بعثه الله تعالى وبالتالي فقد حُرِموا من ذلك السلام والأمن الذي لا يأتي إلاَّ من الله تعالى. فإذا استكبرتم تجاه أحباء الله تعالى وآذيتموهم؛ فكيف تنالون أمنا وسلاما؟

وعندما يجعل رضاه تابعا لمرضاة الله تعالى؛ فإن الله الذي هو عليم بذات الصدور يحفظه وينـزله من على الصليب حيًّا ويخرجه من النار سالما. ولكن هذه الآيات يراها فقط أولئك الذين يؤمنون بالله تعالى حق الإيمان.

فبفضل الله تعالى نحن السعداء أن وفقنا الله تعالى إلى معرفة ذلك الإمام.. لذا علينا أن نمعن الفكر في هذه الأمور، وأن نحاول القيام بالأعمال الصالحة بالمعنى الحقيقي للكلمة حتى لا يصيب أحدٌ منا سخط الله تعالى ويُحرم من النِعم التي ينعم الله تعالى بها على المؤمنين.. والبشارات التي بشَّرهم بها. علينا أن نخضع أمام الله تعالى ونستعين به ونحاسب أنفسنا.. وإن قصرنا في الماضي؛ فــيجب أن نطلب رحمة الله تعالى ومغفرته وستره.. فالله تعالى رحيمٌ وكريمٌ وهو الذي يغفر الذنوب بفضله. يجب أن نطلب رحمة الله تعالى حتى نتلقى رسالة السلام من الله تعالى وتحيط بنا مغفرته.

يقول المسيح الموعود ما معناه: المؤمن يكون حسينًا.. كما أن الشخص البسيط إذا أُلبِسَ حلية يصبح أجمل.. فإن الإنسان إذا دخل فيه الإيمان الحقيقي ينال معرفةً وتنفتح عين معرفته.. فعندها يصلي ويعطي الصلاة حقها ويتبرَّأ من الذنوب وينفر من المجالس السيئة.. ويجد في نفسه حماسًا ودافعا لإظهار جلال الله تعالى. فإن هذا الحماس يجعله مستعدا لأن يُعلَّق على الصليب مثل المسيح .. أو راضيا أيضًا بأن يُلقى في النار لوجه الله تعالى مثل إبراهيم .. وعندما يجعل رضاه تابعا لمرضاة الله تعالى؛ فإن الله الذي هو عليم بذات الصدور يحفظه وينـزله من على الصليب حيًّا ويخرجه من النار سالما. ولكن هذه الآيات يراها فقط أولئك الذين يؤمنون بالله تعالى حق الإيمان.

وفقنا الله تعالى أن نكون كاملي الإيمان وأن يُلقي علينا دائمًا نظرة الرضا وأن يخرجنا جمـيعًا من نيران سخطه تعالى.. وأن نشـاهد دائمًا تجليات حبه تعالى ورحمته ومغفرته وتأييده.. آمين

Share via
تابعونا على الفايس بوك