المفطر الصائم  والصائم المفطر

المفطر الصائم  والصائم المفطر

ربى محمد مأمون الزايد

  • الصوم ربع الإيمان
  • الصائمون وباب الريان
  • من هو المفطر الصائم؟

__

الحمـد لله الذي أعظم على عباده المنّة.. بما دفع عنهم كيد الشّيطان وفنّه.. وردّ أمله وخيّب ظنّه.. إذ جعل الصّوم حصناً لأوليائه وفتح لهم أبواب الجنّة.. وعرّفهم أنّ وسيلة الشّيـطان إلى قـلوبهم الشّـهواتُ المستـكنّة.. وأنّ بقمعها تصبح النّفس المطمئنّة ظاهرة الشّوكة في قصم خصمها قويّة المنّة.. والصّلاة على محمدٍ قائد الخلق وممهّد السّنّة وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد..

فإنّ الصّوم ربع الإيمان لقول رسول الله الصوم نصف الصّبر، وقال الصّبر نصف الإيمان، وقال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيّه كل حسنةٍ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به. وقد قال الله تعالى:

  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (الزمر: 11).

وقال : “والذي نفسي بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك”. يقول الله عزّ وجل إنّما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصّوم لي وأنا أجزي به. وقال : “للجنّة بابٌ يقال له الرّيّان لا يدخله إلا الصّائمون وهو موعودٌ بلقاء الله تعالى في جزاء صومه. وقال : للصّائم فرحتان فرحةٌ عند إفطاره وفرحةٌ عند لقاء ربّه”. وقال : لكل شيءٍ بابٌ وباب العبادة الصّوم. وقال نوم الصّائم عبادة. وروى أبو هريرة أنّه قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنّة وغلقت أبواب النّار وصفّدت الشّياطين ونادى منادٍ يا باغي الخير هلم ويا باغي الشّر أقصر. وقد جمع رسول الله بين الزّهد في الدنيا وبين الصّوم فقال إنّ الله تعالى يباهي ملائكته بالشّاب العابد فيقول أيّها الشّابّ التّارك شهوته لأجلي الباذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي. وقال في الصّائم يقول الله عزّ وجل.. انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك لذّته وطعامه وشرابه من أجلي. وقيل في قوله تعالى

  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 18)..

قيل كان عملهم الصّيام لأنّه قال

  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (الزمر: 11)

وجميع أعمال الطّاعات بمشهدٍ من الخلق ومرأى إلا الصّوم لا يراه إلا الله عزّ وجلّ فإنّه عملٌ في الباطن بالصّبر المجرّد.. وهو قهرٌ لعدوّ الله الشّيطان ولذلك قال رسول الله إنّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم فضيّقوا مجاريه بالجوع، ولذلك قال لعائشة رضي الله عنها داومي قرع باب الجنّة.. قالت بماذا؟ قال بالجوع.

فالبداية بالجهد من العبد.. والجزاء بالهداية من الله عزّ وجل ولذلك قال تعالى:

  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت:70).

وإنّ الشّهوات هي مرتع الشّياطين ومرعاهم فما دامت مخصبةً لم ينقطع تردّدهم وما داموا يتردّدون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوباً عن لقائه.

وقد قال بعض العلماء كم من صائمٍ مفطرٍ ومن مفطرٍ صائم.. والمفطر الصّائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب.. أما الصّائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه. ومن فهم معنى الصّوم وسرّه علم أنّ مثل من كفّ عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضوٍ من أعضائه ثلاث مرّات فقد وافق العدد في الظّاهر ولكنّه ترك المهم وهو الغسل.. فصلاته مردودةٌ عليه بجهله. ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاءه مرّةً مرّةً فصلاته متقبّلةٌ إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل. ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضوٍ ثلاث مرّاتٍ فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال.

واعلم أخي المؤمن أنّ استحباب الصّوم يتأكّد في الأيام الفاضلة وفواضل الأيّام بعضها يوجد في كل سنةٍ وبعضها يوجد في كل شهر وبعضها في كل أسبوع. وقيل في قوله تعالى

  كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (الحاقة: 25)..

قيل هي أيام الصّيام إذ تركوا فيها الأكل والشّرب. وقال رسول الله : “صوم يومٍ من شهرٍ حرامٍ أفضل من ثلاثين من غيره وصوم يومٍ من رمضان أفضل من ثلاثين من شهرٍ حرام.”

وكما بدأنا بحمد الله تعالى نعود ونحمده كثيراً أنْ هدانا سبل السّلام والنّجـاة.. وأهـدانـا شـهــراً مبـاركاً.. وفّقـكم الله فيه لخير ما يرضى.. وتقـبّل منكـم وأعانكم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك