«صوموا تصحوا»
  • غاية الصيام الوقاية
  • بالأضداد تظهر الأمراض
  • الصيام صحة الجسد والنفس
  • محوري الصيام

__

لا شك أن غاية فرض صيام رمضان هي التقوى، فإن أردنا أن نعلم سرَّ الصيام فلا بدّ لنا من فهم ماهيّة التقوى لأنها الغاية. فالتقوى صحيحٌ أنها كلمة واحدة لكنّها بحرٌ واسعٌ من المعاني لو مسّها العقلُ وأدركها، أو أدرك بعضاً من معانيها لتغير السلوك بقدر ما يدرك هذا العاقل، فيتحول من إنسانٍ ذي فهمٍ واحدٍ للحياة وحقائقها، معتمدٍ على الظنّ والحرص، إلى إنسانٍ ذي فهمٍ يقينيٍّ يسير على الصراط المستقيم، فيعمل الأعمال وهو متأكدٌ من نتائجها، وينظر إلى الأشياء ويتفهم ماهيتها ووظائفها، ويسمع الأصوات فيدرك مراميها وألغازها. ومن يُعمل حواسّه ضمن هذا المنهج من التدبر والتفكر ويضبط معطياتها بعقله؛ يرقى. ولنتذكر بعضاً من معاني التقوى، فالتقوى هي اجتناب ما يؤذي وعدم ترك المفيد النافع، فالذي يتقي البرد يستخدم النار والمدافئ والثياب السميكة التي تقيه أذى البرد، والذي يتقي الحر يستخدم الثياب الخفيفة ووسائل التكييف والتبريد. وهذا نموذج لتفادي واتقاء القوى السلبية في الأشياء، وأما القوى الإيجابية فعلى الإنسان العاقل أن يقي نفسه من خسارتها بأسلوبٍ معاكسٍ لما سبق من اتقاء الأمور السلبية.

فمثلاً الغنى والفقر ضدّان، للأوّل مستلزماته وعناصر لحيازته، وعندما تُفقد هذه المستلزمات والعناصر يظهر الآخر (الفقر) تلقائياً. فالكفر يظهر بغياب الإيمان وإن خشيتَ من الكفر فعليك بالإتيان بعناصر الإيمان، وإن تركت عناصر الإيمان فستحصل على الكفر حتماً، والنفاق يظهر بغياب الصدق.

ولنعد الآن إلى صلب الموضوع ألا وهو الصيام، فإنْ قصدنا به الصيام عن الطعام والشراب فنحن نصوم عن الطعام والشراب لإدراكنا بأن الله لا يريد بنا ضررا، وأنه ربنا الذي خلق لنا نظاماً جسدياً عظيماً يريد منا الامتناع عن الطعام والشراب كي ترتاح أجسادنا من تراكمات الطعام والشراب، وتتحرّر أعضاؤنا من ترسباتٍ سُميّةٍ لا فائدة منها كالشحوم وغيرها. وكي يُشعرَنا بأنّ هناك أناسٌ جياعٌ يعانون كما نعاني وقت الصيام. فهو إدخالٌ في تجربةٍ تترسب خبرتها في عقولنا كي نتوجه للفقراء والمحتاجين  بما منَّ الله علينا به من نعم.

أمّا إنْ قصدنا الصيام الروحي المعنوي؛ أي الابتعاد عن التعاطي السلبي في دائرة الأخلاق والذي يُظهر فينا شروراً وترديًّا في القيم إن لم نُعمل قوانا النفسية الداخلية بشكلٍ صحيح، فيبدو علينا الغضب عندما لا نتحلى بالصبر والحلم، وتظهر فينا الأنانية عندما نترك الغيريّة، ويظهر فينا الأنا عندما تعمى أبصارنا عن رؤية العظيم خالقنا.

ومن هذا نعلم علم اليقين بأنّ ربنا ما أراد بنا إلّا خيراً وهذا لَعِلمٌ أدركه أبسط العباد بفطرتهم وبراءتهم منذ فجر الإسلام عندما سمعوا كلام الله عز وجلّ:

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

وبعبارة أخرى، إنّ الله لا يريد لهم الجوع والعطش والعناء، بل يريد أن يجهزهم الصيام للسفر الروحي

  ..يُرِيدُ اللَّهُ بِكُم الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُم الْعُسْرَ.. .

وبعد تطوّر البشرية في مجالاتٍ كثيرة، ونضوج العقل البشري وإدراكه كثيراً من سنن الله تعالى وقوانينه، وصل الإنسان إلى اليقين بأنّ الصوم والزكاة والحجّ وكل ما أُمِر به هو لإيصال البشرية وجعلها جسداً واحداً متآلفاً، رغم كلّ الاختلافات الفكرية والنفسية وإلى آخره.. إلى هدفٍ واحدٍ ألا وهو عبادةُ وحبُّ إلهٍ واحدٍ قدّر لهم ولذريّاتهم كلّ خير،  وحذّرهم مما هو شرٌّ عليهم وعلى نسلهم من بعدهم، فيقول رسول الله : “صوموا تصحوا” هي الصحة الكاملة حتماً الجسدية والنفسية.

وربما يكون بعض المسلمين، قد فهموا منذ البداية أنّ الصيام وغيره من الأحكام واجبٌ عليهم وفرض يؤدونه إلى الله تعالى لمصلحتهم، ففهموا وأدركوا بأنّ الإسلام ما جاء إلا بالخير للبشرية، ولم يأت بضرائبَ تُجبى وأعباءَ تُفرض.

فلنعد أيها الإخوة إلى أركان الإسلام وأركان الإيمان، ولندرسها جيداً ونتفكّر بها يوماً بعد يوم، عسى الله أن يفتح علينا آفاق علومها والتي توحدنا، فنصبح كجسدٍ واحد يسير نحو هدفٍ واحد، ألا وهو طاعة ربنا.

إذاً فالصيام يؤدي غَرَضَهُ فيما لو أدرك الصائم الغرض من الصيام وأدرك محوريه الرئيسيين ألا وهما:

  1. المحور المادي: الإقلاع عن الطعام والشراب.
  2. والمحور الروحي والمعنوي: الابتعاد عن الفحش والرفث وكلّ السيئات.

وبهذا تقوم قائمة الصيام ويصح عند الله تعالى ويؤجر عنده بأن يعطيه النتائج الطيبة لعمله الطيب وهو جزاؤه، وهنا ينطبق على هذا الصائم قول الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.

أما إن اقتصر صيامه على المحور الأول (التوقف عن الطعام والشراب) دون إدراك المحور الثاني فالحاصل هو ما يلي:

أولاً: عن ابن عمر عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال رسول الله :  “رب قائم حظه من قيامه السهر ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش”. (كنـز العمال 7491)

وحديث: عن ابن عباس قول رسول الله “إياكم والبطنة من الطعام، فإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على آخرته”.  (كنـز العمال  6309)

ثانياً: رغم هذا الصوم الشكلي عن الطعام والشراب ففي الحقيقة يحصل العكس تماماً:

فبدل أن ينحل الجسد في رمضان، نرى أغلب الصائمين قد ازداد وزنهم فيه، ونذهل عندما نلاحظ التفنن بألوان وأنواع الطعام في هذا الشهر والإسراف فيه، حتى أنّ الأُسَر تحسب لقدوم هذا الشهر حساباً موفورا، وأنّ الحكومات في الدول الإسلامية ترزح تحت عبء تقديم الخدمات وتغطية الأسواق، وتستورد ما لذّ وطاب لتأمين الحاجيات المتزايدة فيه، بدلاً من أن يكون مصدر أمنٍ وتوفيرٍ غذائيين.

ثالثاً: هنا ندرك معنًـى متجسداً قائماً أمامنا من معاني حديث رسول الله : “سيأتي على الناس زمان ما يبقى من القرآن إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه، يتسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة، وإليهم تعود.” (كنـز العمال)

اللهم أصلح حال أمّة سيدنا محمدٍ ووفق أتبـاع سيدنا أحمد وسدّد خـطاهم كي يستـطيعوا إعـادة المفاهـيم الصحـيحة للإسلام إلى صدور وقلوب المسلمين كافّة، وإلى إظهار جمال وعقـلانية دين الإسـلام الذي أجـلاه بيـان إمام الزمـان حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعـود (ميرزا غلام أحمد القادياني) .

Share via
تابعونا على الفايس بوك