ادعوا الله بالاسم الملائم لمطلبكم
  • من المقصودون بالذين أوتوا العلم في الآيات؟
  • ما فلسفة دعاء الله تعالى باسم الملائم لمطلبنا؟

__

قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (الإسراء 108)

شرح الكلمات:

الأذقان: جمعُ الذَّقَن وهو مجتمَع اللَّحيَين مِن أسفلِهما. وفي المثل: “مُثْقَلٌ استعانَ بذَقَنِه”، يُضرَب لمن استعان بأذلَّ منه (الأقرب). فقوله تعالى يخرّون للأذقان إشارة إلى غاية تذلُّلهم.

التفسير:

اِعلَمْ أن المراد من الذين أُوتُوا العلم ليس أهل الكتاب، لأن الكتابيين هم أول المخاطَبين في هذه السورة، وإنما المراد منه المسلمون الذين أدركوا الحقيقة من قبل، أي قبل نـزول هذه الآية، وأيقنوا بصدق الإسلام، وعلموا أن رقي العالم منوط الآن باتباع القرآن الكريم.أ

ما قوله تعالى يَخِرُّون للأذقان فاعلم أن الذقن يكون في أسفل الوجه، فالمراد منه الركوع أو السجود.

لقد عُلِّمنا هنا الطريقةَ الإسلامية لإظهار الخشوع والخضوع أمام الله تعالى. بينما نجد بعض الأمم، كالنصارى وغيرهم، يرفعون وجوههم إلى الأعلى حين ينحنون للسجود إلى الأسفل، فنجد في الصور المسيحية أنهم رسموا سيدنا عيسى ومريم عليهما السلام في حالة العبادة وقد رفعا وجهَهما إلى السماء.

وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (الإسراء 109)

التفسير:

لقد دلت هذه الآية دلالةً واضحةً على أن الآيات السابقة تضمنت وعود رقي المؤمنين، وأن “الإسراء” لم يكن مجرد خبر عن حادث، بل كان وعدًا لغلبة النبي والمؤمنين، حيث قال الله تعالى في مستهل هذه السورة سبحان الذي أَسرَى بعبده ، وهنا أيضًا قال سبحان ربِّنا ، تنبيهًا إلى أنه قد قطع هنا وعدًا برقيِّ المسلمين ونجاحهم.

كما تتضمن كلمة سبحان إشارة أخرى وهي التأكيد على انتصار المسلمين وهلاك الكفار، لأن عدم انتصارهم يؤدي إلى الطعن في قُدّوسية الله وسبوحيته .

وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (الإسراء 110)

التفسير:

لقد بين الله هنا حالة قلب المؤمن وقتَ السجود، حيث أخبر أنه يكون عند السجود في أسمى مقام الإنابة. إنه لا يسجد رياء، بل ما إن يخرّ ساجدًا حتى تُسيل عيونه الدموع من تلقائها.

كما أن من صفات المؤمن أن عبادته لا تجعله متكبرًا، بل يزيده سجودُه خشوعًا وتواضعًا.

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (الإسراء 1110)

شرح الكلمات:

لا تَجهَرْ: جهَر الكلامَ وبالكلام: أعلنَه. جهَر الصوتَ: أعلاه (الأقرب).لا تُخافِتْ: خَفَتَ بكلامه وخافَتَ به: أَسَرَّ مَنطقَه. خفَت بصوته: خفَضه وأخفاه ولم يرفعْه (الأقرب).

التفسير:

كان الحديث في الآيات الماضية يدور حول السجود والعبادة التي يُتوقع من المؤمنين القيام بها زمنَ رقيهم، أما هنا فبيّن الله لهم أسلوب الدعاء في السجود، حيث قال لهم: اُدعونا كما نعلّمكم في سجودكم من أجل تحقيق هذه الوعود وإصلاحكم.

أما تفصيل هذا الأمر الإلهي فهو كما يلي: لقد ذكر القرآن الكريم والحديث الشريف أدعية شتى مع مناسباتها، ولذلك قال تعالى هنا: فله الأسماء الحسنى .. أي لكل مطلب اسمٌ ملائم من أسماء الله تعالى، فادعوه بالاسم الملائم لمطلبكم. فحين تكون الحاجة لإثارة صفة الرحمانية فادعوه تعالى باسمه الرحمن، ونفس الحال بالنسبة لصفاته الرحيم والرزّاق والوهّاب؛ لأن كل الأسماء الحسنى هي لـه ، فادعوه بالاسم المناسب لحاجتكم. وقد جربّتُ بنفسي أن الدعاء على هذا النحو يكون مؤثِّرًا جدًّا.وليس بمستبعَد أن تكون هذه الآية ردًّا على ادعاء اليهود بمعرفة “الاسم الأعظم”.. حيث نبّه الله أن تحديد اسم معين من أسماء الله على أنه “الاسم الأعظم” خطأٌ. فعلى الإنسان أن ينادي الله تعالى باسم يناسب حاجتَه، وإذا لم يحضره ذلك الاسم المناسب وقت الدعاء فليعلم أن جميع أسمائه عظيمة، فليَدْعُه بأي منها، وسوف يستجيب الله له نظرًا إلى حالته القلبية.

أما قوله تعالى ولا تَجهَرْ بصلاتك ولا تُخافِتْ بها وابتغِ بين ذلك سبيلاً فاعلم أن الصلاة تعني العبادةَ والدعاء أيضًا، وما دام الحديث هنا يدور حول الدعاء فالصلاة هنا تعني الدعاء.

روي أن النبي مرّ بأصحاب له كانوا يدعون بصوت عال، فنهاهم عن ذلك وقال: إنكم لا تَدْعون إلهًا أصمَّ! إنه يسمع حتى حسيس النمل.

لقد نهى القرآن الكريم عن الدعاء بصوت خافت جدًّا أيضًا، ذلك أن هذا الطريق لا يساعد على التركيز. إنما ينبغي للإنسان أن يدعو بحيث يشعر بخروج الكلمات من اللسان، وهذا سيساعده على التركيز أيضًا.

فأما النهي عن الدعاء بصوت عال فقد جاء نظرًا إلى عظمة شأنه ، وأما النهي عن الدعاء بصوت خافت جدًّا فذلك نظرًا إلى ضعف الإنسان.

لكل مطلب اسمٌ ملائم من أسماء الله تعالى، فادعوه بالاسم الملائم لمطلبكم
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (الإسراء 112)

التفسير:

لقد أخبر الله تعالى هنا أنه سينجز حتمًا وعدَه الذي قطعه في كشف “الإسراء”، وأنه لن تُنشَد في الكون إلا أناشيد ذلك الإله الواحد الذي لا شريك له. لو كان لله ولد – كما زعم الذين ينتمون إلى أهل القدس – لما كان للمسلمين ولي ولا نصير، ولو كان لله شريك – كما زعم المكيون – فمن الذي كان سيهب المُلك للمسلمين. وكأنه تعالى يقول: إن كلا من هاتين الأمتين المشركتين عدو للمسلمين، ولو كان الشرك حقًّا لما أفلح المسلمون قط. ولكن ما دام الله تعالى قد جعلهم – رغم ضعفهم الشديد – غالبين على أعدائهم هؤلاء جميعًا فثبت أن الله واحد لا شريك له.

ثم قال تعالى ولم يكن له وليٌّ من الذُّلّ ، لأن الأصدقاء نوعان: صديق يتخذه الإنسان رحمةً به وإحسانًا إليه، واللهُ تعالى يتخذ أصدقاءه على هذا المنوال، إذ لا يتنافى ذلك مع عظمته ؛ والنوع الآخر هو صديقٌ يتخذه الإنسان عن عوز وحاجة ليكون له عونًا وسندًا وقت الحاجة، واتخاذ صديق كهذا ينافي عظمة الله تعالى. واختتم السورة بقوله تعالى وكبِّره تكبيرًا ، وكأنه تعالى أشار بذلك ثانيةً إلى انتصار المسلمين على أهل الكتاب، وأنه كما كان انتصار المسلمين على المكيين شهادةً على زيف أصنامهم، كذلك سيشكّل انتصار المسلمين على الكتابيين برهانًا على أن الذين قالوا المسيح ابنُ الله أو عُزَيرٌ ابنُ الله هم على الباطل؛ وأن غلبة المسلمين ستؤدي إلى انتشار توحيد الإله الواحد في البلاد كلها، وأن جميع أولئك الذين جعلوا لله ابنًا أو اتخذوا مع الله شريكًا سيُؤتى بهم تحت سيادة محمد رسول الله، وأن هذا العبد الضعيف الحيلة والقوة سوف يُعطى قوة وعزة وغلبة، ليكون هذا برهانًا على أنه تعالى أكبر وأعظم من كل القوى. هذا هو سبب انتهاء هذه السورة بقوله تعالى وكبّره تكبيرًا .

تعالوا معي نمتثل لأمر الله هذا، ونعلن: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر!

Share via
تابعونا على الفايس بوك