القرآن وأَلف باء العلومِ
  • ما يصيب الأفراد من أسقام نفسية يصيب المجتمعات أيضا.
  • القرآن وحي الله الذي أثبت مرارا، ولا زال، انسجامه التام مع الحقائق العلمية.

__

النهل من معارف الوحي المتنزل على أنبياء الله تعالى ومحدَّثيه يضعنا أمام اعتقاد، أو لنقل “فرضية”، مفادها أن ما ينتاب الفرد من أسقام نفسية لا بد وأن المجتمعات معرضة له كذلك، ولكن على نطاق أوسع، وهذا مكمن الخطورة، فعلاج مجتمع كامل ليس بنفس بساطة علاج فرد واحد، كما أن الطهي لإطعام محفل كبير ليس كالطهي لإطعام نفر قليل. ولقد عُنيت كلمات الوحي بعلاج الأسقام النفسية على كلا المستويين دون تمييز بينهما، ذلك لأن الداء هو نفسه والدواء هو نفسه كذلك في الحالين كلتيهما، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

والناظر إلى واقع الأمراض النفسية في هذا العصر يجد الاكتئاب هو الباب المؤدي إلى أغلبها، لذا كان من تدبير الحكيم العليم أن حضّر لهذا الداء دواءه سلفًا، حتى قبل أن تدرك البشرية ماهية المرض النفسي أصلاً، بل كان المريض النفسي قديمًا يعامل على أنه ضحية تـَـلـَـبُّس الجن، كما هو شائع في العديد من المجتمعات في هذا العصر، ويُرجِع مؤرخو العلم بدايات علم النفس التجريبي إلى أواسط القرن التاسع عشر، حيث كانت العلوم النَّفسيَّة من قبل جزءًا من علم الفلسفة قبل أن تستقل بذاتها منذ أقل من قرنين من الزمان. نستنتج من هذا أن الوحي الإلهي كان ولا زال السباق نحو آفاق المعارف الجديدة في شتى المجالات، أفلا يتضح من هذا الاستنتاج ومقدماته، على الأقل، شيء من قيمة الوحي الإلهي، والذي ينبغي أخذه على محمل الموضوعية من قِبل أصحاب النزعة المادية؟! فمما يؤسف له أن هؤلاء الماديين طالما يتلقفون القطع الأدبية الإنسانية بالتقدير والتبجيل، ويسارعون إلى بحثها وتمحيصها، بينما نراهم لا ينحون نفس المنحى إزاء ما يعلن عن نفسه بوصفه وحيًا إلهيًا؟! مع أن كلمات ذلك الوحي تعلن في أكثر من مناسبة اتفاقها والكشوف العلمية المتوصل إليها، على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى:

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت: 54).

هذا وقد تصدر القرآن الكريم في الآونة الأخيرة تصنيف جامعة «هارفارد» الأمريكية كأفضل كتاب للعدالة في العالم، حيث وضعوا على مدخل مكتبة كلية الحقوق الترجمة الإنجليزية لآية من سورة النساء:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا .

وفي هذا المقام نود أن ندعو ذوي الاتجاهات المادية بشكل خاص إلى إعادة النظر في مسألة القيم العليا التي يشتمل عليها الوحي الإلهي عمومًا.

وجدير بالذكر أن عظمة وجمال نموذج نوبل عبد السلام لا يتجلى في مجرد نيله الجائزة، وإنما في إرجاعه الفضل في نيلها إلى القرآن كنقطة انطلاق في أبحاثه العلمية..

ومجلة التقوى بطريقتها الخاصة، وبصفتها لسان حال الأحمدية، أي الإسلام الحقيقي، بالعربية، تُعنى بإظهار الانسجام الجامع بين العلم والوحي، فينتقي فريق تحريرها خطابًا فريدًا لحضرة إمام الوقت، الخليفة الخامس للمسيح الموعود ، بمناسبة عقد أول مؤتمر للجمعية الإسلامية الأحمدية للبحوث (AMRA) والذي استقطب وفودًا من تسع دول حول العالم، وكان حدثاً مشهودًا بين فيه حضرته خلال كلمته تهافت القول بالتعارض بين الحقائق العلمية والنص القرآني، مشيرًا إلى إقرار العديد من العلماء والمؤرخين الغربيين بهذا الصدد، وداعيًا أبناء جماعته إلى إحياء نموذج الدكتور محمد عبد السلام وتكراره، كأول مسلم على الإطلاق حصل على جائزة نوبل في مجال علمي (الفيزياء)، وجدير بالذكر أن عظمة وجمال نموذج نوبل عبد السلام لا يتجلى في مجرد نيله الجائزة، وإنما في إرجاعه الفضل في نيلها إلى القرآن كنقطة انطلاق في أبحاثه العلمية.. إننا لا نسعى أبدًا من وراء هذا القول إلى ترويج ما يدعوه البعض بمواضيع الإعجاز العلمي، وإن كنا نشهد بحقيقة الإعجاز القرآني، ليس فقط من الناحية العلمية بل ومن كافة النواحي، إنما اختلافنا مع ظن بعض دعاة الإعجاز أن القرآن كتاب علوم طبيعية يتضمن تفاصيلها وتشعباتها..

هذا ويلي كلمة حضرته في هذا العدد مادةٌ مقاليةٌ تعنى بإبراز حقيقة انسجام الإسلام مع الحقائق العلمية، ما اكتُشف منها وما لم يُكتشَف بعد، من منطلق أن القرآن قول الله المسطور، والكون فعل الله المنظور، ولا بد من اتفاق قول الله تعالى مع فعله، إذ صدرا من المصدر ذاته.

نسأل العليم الحكيم تعالى أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويجعل منا وأبنائنا نماذج تظهر على أيديهم عظمة الإسلام كما أظهرها ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك