"أصحاب الكهف أعوان المهدي"
  • حقيقة الاختلاف بين التوقيت الحقيقي لمولد المسيح الناصري عليه السلام وبين التقويم الميلادي الحالي المعتمد.
  • واشتمال رواية “أصحاب الكهف أعوان المهدي” على نبوءة أن المسلمين المؤمنين بالمسيح الموعود يلقون ما لقيه المؤمنون الأوائل بالمسيح الناصري.

__

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (الكهف 26)

التفسير:

يخبرنا الله تعالى هنا عن طول فترة المصائب التي حلّت بأصحاب الكهف والتي اضطروا خلالها للاختفاء في كهوفهم مرة بعد أخرى. لقد امتدت تلك الفترة إلى ثلاث مائة وتسع سنين. وهذا ما يؤكده التاريخ أيضًا، حيث بدأت هذه المظالم لدى حادث تعليق المسيح على الصليب، وانتهت تمامًا حين تنصَّر الملِكُ قسطنطينُ – مؤسسُ مدينة القسطنطينية – عام 337 الميلادي كما أسلفنا (انظر الموسوعة البريطانية طبعة 1951 كلمة Church History).

وهذا التاريخ يبدو مخالفًا لما ذكره القرآن الكريم من طول فترة مصائب أصحاب الكهف، ولكنه ليس كذلك، لأننا إذا فحصنا تاريخ المسيحية وجدنا أن قسطنطين لم يتنصّر في الحقيقة عام 337 الميلادي، بل بعد 309 عامًا من حادث الصليب. والدليل على ذلك هو اعتراف الجغرافيين المسيحيين أنفسهم بوجود خطأ في التقويم الميلادي، حيث أثبت كل من المطران Ushers والدكتور Kitto في كتابه أن العام المذكور لحادث الصليب في التقويم الميلادي غلط، وأن هذا الخطأ حصل عامَ 527 الميلادي (Chronology & Daily Bible Illustrations).  إذ الواقع أن المسيح وُلد قبل بداية التقويم الميلادي الحالي بأربعة أو ستة أعوام، وعُلِّقَ على الصليب وسنُّه ثلاثة وثلاثون عامًا. وإذا طرحنا خمسة أعوام – وهي أوسط الأربعة وستة الأعوام الناقصة في التقويم الميلادي خطأً – من 33 عامًا التي هي عمر المسيح حين عُلِّق على الصليب صار عندنا 28 عامًا، وهي الفترة بين ولادة المسيح وحادث الصليب بحسب التقويم الميلادي الحالي، وإذا طرحنا 28 عامًا هذه من 337 – وهي السنة التي تنصر فيها قسطنطين- كان عندنا 309 أعوامًا بالضبط، وهي مدة اضطهاد المسيحيين عند القرآن تمامًا.

علمًا أن هذا الحساب مبني على افتراض صحة الروايات المسيحية، ولكن بقطع النظر عن صدق هذه الشهادة، لا بد لنا من تصديق بيان القرآن الكريم في كل الأحوال، لأن ما يخبره القرآن الكريم عن الكتاب المقدس يتجلى صدقه دائمًا في نهاية المطاف.

هذه الآية نصح إلهي لنا نحن المسلمين بأن لا نضيق ذرعًا بطول فترة المصائب. لقد أُوذيت جماعة المسيحيين قبلنا لمدة 309 سنين، ولكنهم صبروا، وفي آخر الأمر أكلوا الثمار الحلوة لصبرهم. فلا تتعجلوا، بل ثابِروا على العمل وتحمُّلِ المشاقّ بهمة وثبات.

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (27)

شرح الكلمات:

غيب: الغيبُ: غابت الشمسُ وغيرُها تغيب غيبًا: إذا استترتْ عن العين. واستُعمل الغيبُ في كل غائب عن الحاسّة، ويُضادُّه الشهادةُ (المفردات).

أَبْصِرْ به وأَسْمِعْ: كلاهما فعلُ تعجُّبٍ، والمعنى ما أَشَدَّه بصيرةً وما أَكْثَرَه سماعًا.

التفسير:

لقد أخبر بقولـه تعالى قُلِ اللهُ أعلمُ بما لبِثوا أن تواريخ المسيحيين ستتعارض مع بيان القرآن هذا – كما سبق ذكره – فلا تثقوا بقولهم، لأن الله تعالى يعلم أنهم على خطأ. وبالفعل أكدت البحوث فيما بعد خطأهم.

ورب قائل يقول هنا: إن قوله تعالى قُلِ اللهُ أعلمُ بما لبِثوا يوهم أن البيان السابق خطأ؟ والجواب: لو كان البيان السابق مما قاله الكفار لكان هذا الاعتراض في محله، ولكن الله تعالى لم ينسبه إلى الكفار، فثبت أن البيان السابق هو من الله تعالى وأن الجملة التالية جاءت تأكيدًا لـه، والمراد أن الناس سيختلفون في مدة مكوث أصحاب الكهف، ولكنهم سيكونون على خطأ والصحيح ما ذكرناه آنفًا.

أما قولـه تعالى أَبْصِرْ به وأَسْمِعْ فيعني أن الصحيح هو ما أخبر الله به، لا ما يقوله الناس.

كما أن قولـه تعالى أَبْصِرْ به وأَسْمِعْ ما لهم مِن دونه مِن وليٍّ ولا يُشركُ في حكمه أحدًا يعني أن الله تعالى أعلم بأحوال الناس، فإنه ينصرهم ما تنـزّهوا عن رجس الشرك، أما إذا وقعوا في الشرك حُرموا من نصرته .

وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (28)

شرح الكلمات:

اُتْلُ: صيغة الأمر مِن تلا يتلو الكلامَ تلاوةً: قرَأه (الأقرب).

ملتحَدًا: الملتحَد: الملجأ (الأقرب).

التفسير:

لقد صرّح الله تعالى هنا لرسوله أنه لا يروي لـه هذا الحادث كقصة فحسب، بل إن هذا ما سيأتي على أمته أيضًا، وأن ما ذكر يحتوي على أخبار صادقة من الماضي، كما ينطوي أيضًا على أنباء غيبية ستتحقق في المستقبل. هذا المعنى يُفهم من قوله تعالى لا مبدِّلَ لكلماته ، إذ لو لم يكن في ذلك أي نبأ عن المستقبل لما قال الله تعالى لا مبدِّلَ لكلماته ، حيث لا مجال لتبديل أحداث الماضي. فهذه الجملة إذًا تؤكد ما ذهبت إليه في تفسيري هذا. مما يعني أن الذين اعتبروا الآيات السابقة قصةً من الماضي فحسب كانوا على خطأ، والحق أن بعضها تروي لنا أحداث الماضي، وبعضها تنطوي على أنباء مستقبلية تتعلق بالذين سيكونون أمثال أصحاب الكهف في المستقبل.

وهناك دليل آخر على أن هذه الآيات تنطوي على أنباء المستقبل، وأن الغاية من ذكر هذه القصة هي التنبؤ بأن جماعة من المسلمين ستمرّ بأحوال مماثلة، بمعنى أنهم أيضًا سيتعرضون للاضطهاد لإيمانهم بكلام الله تعالى. فقد ورد في رواية: أخرج ابن مردويه «عن ابن عباس قال، قال رسول الله : «أصحاب الكهف أعوانُ المهدي» (الدر المنثور: سورة الكهف). وهذا لا ينفي وجود أصحاب الكهف في الماضي، لأنه سبق أن أخبرنا ابنُ عباس نفسُه في رواية سجّلناها من قبل أنه رأى عظامَ أصحاب الكهف، إنما المراد من ذلك أنه سيأتي على أتباع المهدي ما أتى على أصحاب الكهف، وأنهم سيؤذَون مثلهم لإيمانهم بكلام الله تعالى.

هذه الآية نصح إلهي لنا نحن المسلمين بأن لا نضيق ذرعًا بطول فترة المصائب. لقد أُوذيت جماعة المسيحيين قبلنا لمدة 309 سنين، ولكنهم صبروا، وفي آخر الأمر أكلوا الثمار الحلوة لصبرهم. فلا تتعجلوا، بل ثابِروا على العمل وتحمُّلِ المشاقّ بهمة وثبات.

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (29)

شرح الكلمات:

واصْبِرْ: الصبرُ: تركُ الشكوى مِن ألم البلوى لغير الله لا إلى الله، فإذا دعا اللهَ العبدُ في كشف الضر عنه لا يُقدَح في صبره. وقال في الكليات: الصبر في المصيبة، أما في المحاربة فشجاعةٌ. وصبَر الرجلُ على الأمر:نقيضُ جَزِعَ.. أي جَرُؤَ وشَجُعَ وتجلَّدَ. وصبَر عن الشيء: أمسكَ. وصبَر الدابّةَ: حبَسها بلا عَلَفٍ. وصبَرتُ نفسي على كذا: حبَستُها، وتقول: صبَرتُ على ما أَكرَهُ، وصبَرتُ عما أُحِبُّ (الأقرب).

الغداة: البُكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، والجمعُ الغُدُوُّ (الأقرب).

العَشِيّ: آخرُ النهار؛ وقيل: من صلاة المغرب إلى العَتَمة (الأقرب).

وَجْهَه: الوجه: نفسُ الشيءِ. والوجهُ من الدهر أوَّلُه. والوجه: سيّدُ القومِ؛ الجاهُ؛ الجِهةُ؛ ما يتوجه إليه الإنسان مِن عملٍ وغيرِه؛ القصدُ والنيّةُ؛ المرضاةُ (الأقرب).

لا تَعْدُ: عدا يعدو فلانًا عن الأمر: صرَفه وشغَله. وعدا الأمرَ وعن الأمر: جاوزَه وترَكه (الأقرب).

أَغْفَلْنا: غفَل عنه: ترَكه وسها عنه. وأغفلَ الشيءَ: بمعنى غفَل عنه (الأقرب).

الهوى: العشقُ يكون في الخير والشر؛ إرادةُ النفسِ؛ الـمِهْوِيُّ محمودًا كان أو مذمومًا، ثم غلَب على غير المحمود، يقال «فلان اتّبعَ هواه» إذا أُريدَ ذمُّه (الأقرب).

فُرُطًا: الفُرُط: الظلمُ والاعتداء؛ الأمرُ المجاوَزُ فيه عن الحد؛ الأمرُ المتروك؛ كان أمرُه فُرُطًا وقيل إسرافًا وتضييعًا (الأقرب).

التفسير:

لقد زادت هذه الآية المعنى الذي بيّنتُه جلاءً. ذلك أن الخطاب هنا ليس موجَّهًا إلى الرسول ، بل إلى كل قارئ للقرآن يدرك ذلك الزمنَ، وإلا فكيف يقال للرسول أن يكون مع الذين يصلّون بالغداة والعشي مع أنه هو الذي كان يصلّي بالناس ليلاً ونهارًا؟

فالحق أن الخطاب هنا موجه بالتأكيد إلى مسلمي ذلك العصر الذين سيرون أن الإسلام لن ينهض ثانيةً إلا بالأخذ بالأسباب المادية، فالله تعالى يأمرهم أن لا يقعوا في مثل هذا التفكير الخاطئ، بل عليهم أن ينضموا إلى جماعة تكون قائمة على الإسلام إبّانَ غلبة الشعوب المسيحية، ويصلّي أفرادها لربهم بالغداة والعشي، يرجون فضله بالدعاء والابتهال، ليجعلهم غالبين على الأعداء.

ثم يقول ولا تَعْدُ عيناك عنهم أي لا تصرِفوا، أيها المسلمون، أنظارَكم عن هذه الجماعة العابدة إلى غيرها. لا شك أنكم ستجدون فرص رقي الدنيا وزينتها خارج هذه الجماعة، لكن لن تظفروا برضوان الله تعالى إذًا. فلا تحتقرُنّ هذه الجماعة المتواضعة في الظاهر من أجل المطامع الدنيوية، ولا تتّبعُنّ خطواتِ الذين يكونون غافلين عن ذكر الله والتبليغ، ويريدون إصلاح الناس بالقوة، ويكونون مصابين بمرض الإفراط والتفريط وهوى السياسة.

كما نبّه الله تعالى هنا إلى أن المصائب ستحل بالمسلمين في ذلك العصر لأسباب ثلاثة: الأول غفلتُهم عن العبادات؛ والثاني الحبُّ المفرِط لأموال الدنيا؛ والثالث الانغماس في الملذات. فعلى المؤمن في ذلك الوقت الانشغال بالعبادة، والرغبة عن المال، والإنفاق في سبيل نشر الدين بعد قضاء حاجاته الضرورية.

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (30)

شرح الكلمات:

سُرادق: السُّرادق: الفُسطاطُ الذي يُمَدّ فوق صحن البيت؛ البيتُ من الكُرْسُف؛ الغبارُ الساطع؛ الدخانُ المرتفعُ المحيطُ بالشيء (الأقرب).

المُهْل: اسمٌ يجمَع معدنيّاتِ الجواهرِ كالفضّة والحديد ونحوهما؛ القَطِرانُ الرقيقُ؛ السمُّ؛ ما يتحاتُّ من الخبز من الرمادِ؛ القَيحُ؛ صديدُ الميّتِ خاصةً؛ ما ذابَ من صفرٍ أو حديد؛ الزيتُ وقيلَ دُرْدِيُّه (الأقرب).

يَشوي: شوَى اللحمَ: جعَله شِواءً. (الأقرب).

مرتَفَقًا: ارتفق الرجلُ: طلَب رفيقًا؛ استعانَ؛ اتّكأَ على مرفقٍ وقيل على مِخَدّة. ارتفقَ الإناءُ: امتلأَ. ارتفق القومُ: تَرافقوا في سفر. والمرتفَق المتَّكَأُ (الأقرب).

التفسير:

قولـه تعالى وقُلِ الحقُّ من ربكم يعني أن ما أخبرناكم عن رقي المسلمين ودمار هذه الشعوب واقع حتمًا. وهذا أيضًا يؤكد جليًّا أن هذا البيان القرآني نبأ يتعلق بالمستقبل.

ثم يقول الله تعالى فمَن شاء فليؤمِنْ ومَن شاء فليكفُرْ .. أي لا يجوز الإكراه في أمور الدين. كل واحد حرٌّ في أن يختار ما شاء ليتحمل بنفسه مسؤولية عمله، ولكن لا يمكن إجباره على الإيمان.

وفي هذا إشارة إلى أن ذلك الزمن لن يكون زمن الجهاد بالسيف، بل يكون زمن التبليغ. ومن واجب المسلمين عندها أن يَعرضوا الحق على الناس، وهم مخيرون في أن يقبَلوه أو يرفضوه، ولكن لا تجوز محاربتهم لهذا الغرض.

ومن المحتمل أن يتساءل هنا أحد: كيف تزول حالة ضعف المسلمين بدون الحرب والقتال؟ فأجاب عليه بأن الله تعالى سيهيئ من عنده الأسباب لذلك، وسيحيط بالأمم الأوروبية عذابُ حرب دائمة وكأنها قد خيّمت حول ديارهم؛ وكلما حاولوا وصرَخوا من أجل السلام صُبَّ على وجوههم الحديدُ والمهلُ المغليّانِ؛ أي أنهم سينادون بالسلام، ولكن لن تكون النتيجة إلا القنابل والقذائف، ولن تبقى بلادهم صالحة للإقامة، بل ستصبح مرتفقًا سيئًا.

ومن معاني الارتفاقِ التعاونُ والترافقُ، وعليه فالمراد من الآية أن هذه الشعوب ستنشئ الصداقات مع الأمم الأخرى، ولكنها ستُسفر عن الحرب لا السلام.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (31)

التفسير:

أي لن تكون لهؤلاء المؤمنين العاملين الصالحات نتيجة إيمانهم شوكةٌ في الظاهر، إلا أن أعمالهم الصالحة هي التي ستهيئ السلام للعالم شيئًا فشيئًا.

أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ( 32)

شرح الكلمات:

يُحلَّون: حلَّى المرأةَ: أَلبَسَها حَلْْيًا (الأقرب).

ثيابًا: الثياب جمعُ الثوب وهو اللباس مِن كَتّانٍ أو قُطْنٍ وصوفٍ خَزٍّ أو فِراءٍ (الأقرب).

سُنْدُس: السُنْدُس: ضربٌ من نسيج البَزِّ أو مِن رقيقِ الديباج. وفي الكليات: هو نَمارِقُ من حريرٍ (الأقرب).

إستبرق: الإستبرق: غليظُ الديباجِ معرَّبٌ (الأقرب).

الأَرائِك: جمعُ الأريكةِ وهو سرير منجَّدٌ مزيَّنٌ في قُبّةٍ أو بيتٍ (الأقرب).

التفسير:

ربَّ معترضٍ يقول هنا: لقد وُعدوا بأسورة من ذهب مع أن لبسها حرام للرجال؟ والجواب أنه إذا كان الحديث هنا عن نعم هذه الدنيا فالمراد من لبسهم الأسورة الذهبية أنهم سيُعطَون الحكمَ والمُلك، لأن الملوك في القديم كانوا يلبَسون الأسورة الذهبية. فالآية نبأ بأن الله تعالى سيجعل المسلمين ملوك العالم. أما إذا كان الحديث عن نعم الآخرة فبما أن كل نعمة فيها روحانية، فليس المراد أنهم سيُلبَسون هنالك أَسْوِرةً من ذهب، وإنما هو إشارة إلى ما سيتمتعون به في الآخرة من تشريف وتكريم.

بمعنى أنهم أيضًا سيتعرضون للاضطهاد لإيمانهم بكلام الله تعالى. فقد ورد في رواية: أخرج ابن مردويه «عن ابن عباس قال، قال رسول الله : «أصحاب الكهف أعوانُ المهدي» (الدر المنثور: سورة الكهف). وهذا لا ينفي وجود أصحاب الكهف في الماضي، لأنه سبق أن أخبرنا ابنُ عباس نفسُه في رواية سجّلناها من قبل أنه رأى عظامَ أصحاب الكهف، إنما المراد من ذلك أنه سيأتي على أتباع المهدي ما أتى على أصحاب الكهف، وأنهم سيؤذَون مثلهم لإيمانهم بكلام الله تعالى.

أما قولـه تعالى مِن سُنْدُسٍ وإِستبرقٍ فيعني أن الإنسان كما يشعر بالراحة واللذة بلبس الحرير في هذه الدنيا، كذلك سيُمنَح هؤلاء في الآخرة لباسًا روحانيًّا يُشعرهم باللذة والراحة.

وقد يكون المراد أن هذه الثياب الحريرية ستعطى لمن يلبسها؛ أي النساءُ، وذلك كما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله بعَث إلى عمر بحلَّةِ حريرٍ، فجاءه عمر يحملها وقال: يا رسول الله، أعطيتَنيها ولبسُ الحرير حرام على الرجال؟ فقال النبي : يمكن أن تكسوها امرأتَك (مسلم: اللباس).

أما قوله تعالى نِعْمَ الثوابُ فيعني أن النعم التي سينالها المؤمنون الصادقون بالقرآن الكريم لن تؤدي بهم إلى الهلاك، بل ستبعث على السلام والراحة.

أما قوله تعالى وحسُنتْ مرتفَقًا فهو إيماءة إلى أن الصداقات التي ستنشأ وفق تعليم القرآن الكريم لن تؤدي إلى الحروب بل إلى السلام؛ لأن أساسها النصح والإخلاص، لا المطامع الشخصية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك