صحة بيان القرآن الكريم ودقته
  • بعض الفروقات بين التوارة والقرآن في قصة موسى
  • عاقبة اتبّاع الظالمين
  • علم الآثار وأخبار القرآن
__
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (هود: 97 – 98).

شرح الكلمات:

سلطن: السلطان: الحُجة، تقول: له سلطن مبين.. أي حجة (الأقرب).

التفسـير:

انسجامًا مع موضوع هذه السورة، لا يتناول القرآن الكريم هنا من أحوال موسى مع قوم فرعون إلا ما يحمل طابع العقاب فقط. فقد تحدث هنا فقط عن الفرعونيين الذين لم يؤمنوا به فهلكوا، دون أن يتطرق إلى ذكر بني إسرائيل الذين صدّقوه فورثوا نِعَم الله تعالى.

لقد سبق أن بينتُ أن فرعون ليس اسماً لشخص معين وإنما هو لقب لملوك مصر أي لمن حكموا وادي النيل والإسكندرية قبل حكم الرومان هناك. أما بعد استيلاء الروم على الأراضي المصرية فلم يبقَ لهذا اللقب أثر، وإنما كان للملوك الرومان ألقاب رومانية خاصة.

كما لم يكن “فرعون” لقبًا لملوك أسرة واحدة، وإنما أطلق على ملوك من عدة أسر حكمت مصر لحوالي ثلاثة أو أربعة آلاف من السنين، وكان عدد ملوك هذه الأسر مختلفًا، فأحيانًا كان يظهر من أسرةٍ واحدةٍ عشرةٌ أو عشرون ملكًا.

ما أروعَ بيان القرآن وما أقربَه إلى الأخلاق الفاضلة الطاهرة، حيث يبين أن الفتاتين كانتا لا تقتربان من الماء حشمةً وحياءً.

وفرعون الذي اصطدم بموسى لم يكن من سكان مصر الأصليين، وإنما كان من أسرة أجنبية، ولذلك كان حذرًا متخوّفًا من الإسرائيليين خشية أن يتآمروا عليه مع أهل البلد الأصليين، أو يهبّوا لحربه. فقد ورد في التوراة: فقال لشعبه:” هو ذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا. هلمَّ نَحتال لهم لئلا ينموا ويتكاثروا، فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويصعدون في الأرض “(الخروج 1)

وقوله “شعب أكثر وأعظم منّا” لا يعني أنهم أكثر عددًا من أهل البلد جميعًا، وإنما المراد أنهم أكثر من عائلة فرعون وذريتها.

ووُلد سيدنا موسى في الأيام التي كان فرعون يضطهد بني إسرائيل. وهناك في التوراة أحوال أخرى لموسى منذ الولادة حتى الشباب وما بعده (سفر الخروج 3 و 4)، ولكن القرآن الكريم يختلف مع بيان التوراة في بعض الأمور ومنها:

أولاً: تقول التوراة بأن أم موسى لم تقذفه في مياه النيل، وإنما وضعته في سلّة وخبأتها بين نبات يُسمّى الحَلْفَاء على شاطئ النهر، فقد جاء فيها: “أخذت (أمه) له سفطاً من البرديّ وطلَتْه بالحُمَر والزفت، ووضعت فيه الولد ووضعته بين الحَلْفَاء على حافة النهر” (الخروج 3:2).

ولكن القرآن الكريم يؤكد أن أمه وضعته في التابوت ووضعت التابوت في النهر حيث جاء فيه: إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى. أَنِ اقْذِفيه في التابوت فاقذفيه في اليمّ فَلْيُلْقِه اليمُّ بالساحل يأخذْه عدوّ لي وعدوّ له (طه: 39 و40).

ثانيًا: ورد في التوراة أن موسى قتل المصريّ المتشاجر مع العبراني قتلاً عمدًا حيث قيل فيها: فرأى رجلاً مصريًا يضرب رجلاً عبرانيًا من إخوته. فالتفت إلى هنا وهناك، ورأى أن ليس أحد، فقتل المصريّ وطمَره في الرمل (الخروج 2: 11 – 12).

بينما يبرئ القرآن الكريم سيدنا موسى من تهمة القتل المتعمد حيث قال: فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكَزَه موسى فقضى عليه (القصص: 16). مما يبين أن موسى لكَمَ المصريَّ على سبيل التأنيب لا بنية القتل، ولكن المسكين مات بلكمة واحدة منه.

ثالثًا: وتذكر التوراة أن موسى رأى في اليوم التالي أيضًا عبرانيّين يختصمان، حيث جاء فيها: “ثم خرج في اليوم الثاني وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان. فقال للمذنب: لماذا تضرب صاحبك؟ فقال: مَن جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ أتفكّر أنت بقتلي كما قتلت المصريّ” (الخروج 2: 13 و14).

ولكن القرآن الكريم يصرح أن الخصومة في اليوم التالي ما كانت بين عبرانيين وإنما بين عبراني ومصري، كما هو ظاهر من قوله تعالى فأصبح في المدينة خائفًا يترقَّب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه. قال له موسى إنك لَغَوِيّ مبين. فلمّا أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلتَ نفسًا بالأمس إنْ تريد إلاّ أن تكون جبارًا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين (القصص: 19 و20).

رابعًا: تقول التوراة إن موسى لما بلغ ماء مدين بعد فراره من فرعون بعد حادث القتل حدث به ما يلي: “وكان لكاهن مِديان سبع بنات، فأتين واستقين وملأن الأجرار يستقين غنمَ أبيهن. فأتى الرعاة وطردوهن. فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن” (الخروج 2: 16 – 19).

بينما يصف القرآن الحادث كما يلي: ولما ورد ماءَ مدين وجد عليه أُمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان. قال: ما خطبكما؟ قالتا: لا نسقي حتى يُصدِر الرِعاءُ وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولّى إلى الظلّ فقال: ربّ إني لما أنزلتَ إليّ من خيرٍ فقيرٌ (القصص: 24 و25).

ما أروعَ بيان القرآن وما أقربَه إلى الأخلاق الفاضلة الطاهرة، حيث يبين أن الفتاتين كانتا لا تقتربان من الماء حشمةً وحياءً.

وهناك نواحٍ أخرى للاختلاف بين ما ورد في التوراة والقرآن الكريم فيما يخص هذا الحادث، منها:

أ – تقول التوراة بأن سبع بنات للكاهن وردن الماء، بينما يقول القرآن إنهما اثنتان.

ب – تقول التوراة بأنهن كنّ قد ملأن الجِرار بالماء، وأن الرعاة منعوهن من الاستقاء. ولكن القرآن الكريم يبيّن أن الفتاتين لم تقتربا من الماء حشمةً وحياءً، بل ما زالتا تذودان قطيعهما عن الماء.

ج – تزعم التوراة بأن موسى تصدى للرعاة المتخاصمين مع الفتيات، وأنجدهن وسقى لهن، بينما يعلن القرآن الكريم أنه سقى دون أن يحدث أيّ شجار بينه وبين الرعاة.

خامسًا: تصرّح التوراة بأن الله تعالى أمر موسى أن يرجع إلى مصر ويخرج بني إسرائيل من مصر دون أن يشعر فرعون بأنهم هاربون من ملكه، حيث جاء فيها: “تدخل أنت وشيوخ بني إسرائيل إلى ملك مصر وتقولون له: الرب إله العبرانيين التقانا، فالآن نمضي سَفَرَ ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا” (الخروج 3: 18). وكأن الله تعالى نفسه علَّم موسى الخداعَ والكذب! والعياذ بالله.

ولكن القرآن الكريم يخبرنا أن الله تعالى أمره أن يذهب إلى فرعون ويقول له صراحةً إنّا رسولاَ ربّك فأرسِلْ معنا بني إسرائيل ولا تعذّبهم (طه: 48).

سادسًا: قيل في التوراة بأن الله أمرَ موسى: “تطلبُ كلُّ امرأة جارتها ونزيلةَ بيتها أمتعة فضةٍ وأمتعة ذهبٍ، وتضعونها على بنيكم وبناتكم، فتسلبون المصريين” (الخروج 3: 22).

ولكن الله تعالى يصرّح في القرآن الكريم أن الله تعالى لم يأمرهم بسلب المصريين حليّهم، وإنما أخذوها بأنفسهم غدرًا وخيانةً حيث جاء في القرآن قولهم (ولكنّا حُمّلنا أوزارًا من زينة القوم) (طه: 88). وهذا يعني أنهم هم المسؤولون عن هذه الخديعة ولم يأمرهم الله بها أبدًا.

سابعًا: لقد وصفت التوراة معجزة “اليد البيضاء” كما يلي: “فأدخل (موسى) يده في عُبّه (أي جيبه)، ثم أخرجها وإذا يده برصاءُ مثل الثلج (الخروج 4: 6) أي صارت يده بيضاء نتيجة البرص.

بينما يصرّح القرآن الكريم أنها صارت بيضاء نيّرة كآية ومعجزة، دون أن يكون بها أيُّ مرض حيث قال: واضممْ يدكَ إلى جناحك تخرجْ بيضاءَ من غير سوءٍ آيةً أخرى (طه: 23).

وباختصار، فإن العقل السليم والعلم الحديث كليهما متفقان على صحة بيان القرآن الذي نزل بعد موسى بألفي سنة، وعلى كون بيان التوراة مشكوكًا فيه، رغم ادعاء أهلها أنها كانت قد دُوّنت في زمن موسى .

ثامنًا: تزعم التوراة أن هارون اعتُبر أخًا لموسى لكونه فردًا من اللاويين عشيرته، ولم يكن شقيقًا له حيث ورد فيها: “أليس هارون اللاويّ أخاك، أنا أعلم أنه هو يتكلم” (الخروج 4: 14).

ولكن القرآن الكريم صريح في أن هارون كان شقيقًا لموسى عليهما السلام، حيث جاء فيه قول هارون لموسى: يَـبْـنَـؤُمّ، لا تأخُذْ بلحيتي ولا برأسي (طه: 95) والمراد من يا يبنؤُمَّ.. يا ابنَ أُمّي.

تاسعًا: تعتبر التوراة هارون شريكاً مع بني إسرائيل في عبادة العجل، بل داعياً إلى هذا العمل الوثني المنكر حيث تقول: “فضربَ الرب الشعبَ، لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هارون” (خروج 32: 35).

أما القرآن الكريم فيبرئ ساحة هارون من هذه المعصية براءةً كاملة معلنًا: ولقد قال لهم هارون من  قبل: يا قومِ إنما فُتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتَّبِعوني وأطيعوا أمري (طه: 91).

ولا أرى حاجة لأي تعليق من جانبنا على هذه الاختلافات بين التوراة وبيان القرآن الكريم. والحق أن الكُتّاب المسيحيين أنفسهم يعترفون بوجود التحريف والتلاعب بما ورد في التوراة. فقد قالوا في الموسوعة البريطانية أَن جزءًا كبيرًا من التعاليم الحمورابية قد دُسّت إلى كتاب موسى في شكل ملخص. (الموسوعة البريطانية، كلمة موسى). كما أنهم خطّأوا بيان التوراة أنه كان لهارون ضلعٌ في عبادة العجل، واستدلوا بذلك على أن عديدًا من الأمور قد أُضيفت إلى التوراة فيما بعد.

وباختصار، فإن العقل السليم والعلم الحديث كليهما متفقان على صحة بيان القرآن الذي نزل بعد موسى بألفي سنة، وعلى كون بيان التوراة مشكوكًا فيه، رغم ادعاء أهلها أنها كانت قد دُوّنت في زمن موسى .

أما التساؤل لماذا سُمّي موسى بهذا الاسم، فتقول التوراة بأن سببه أنه انتُشل من الماء (خروج 2:10). ولكن العجيب أنها – من جانب آخر – تُنكر إلقاء أمه له في مياه النيل. ولكن القرآن الكريم يعلن ويؤيد بكل صراحة إلقاءَها له في اليم.

أما كلمة “هارون” فليس لها أي معنى باللغة العبرية. ويرى الباحثون المعاصرون أن الكلمة جاءت من إحدى لغات شمال الجزيرة العربية (الموسوعة البريطانية، كلمة Aaron). وهذا يعني أن العبرانيين في زمن موسى كانوا لا يزالون على صلةٍ بلغتهم الأصلية أي العربية التي اشتُقت منها العبرية.

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فَـأَوْرَدَهُمُ النَّـارَ وَبِئْـسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (هود: 99)

شرح الكلمات:

يقدم: قدَمَ القومُ يقدُمُ قدمًا وقدومًا: سبَقهم. قدَم فلانٌ على قرنه: شجع واجترأ عليه. قدُمَ على العيب يقدَم: رضيَ به. وقدُم من سفره: عاد. وقدم البلد: أتاه. (الأقرب).

أورَد: ورد البعيرُ وغيره الماءَ: بلغَه ودناه من غير دخول، وقد يحصل دخول فيه وقد لا يحصل. وورَدَ زيدٌ الماءَ: خلافُ صدر عنه. وأورده إيرادًا: أحضرَه الموردَ، ثم استُعمل لمطلق الإحضار (الأقرب).

الوِرد: العطَش؛ القطيعُ من الطير؛ الإبلُ الواردة؛ الجيشُ؛ النصيبُ من الماء؛ الماءُ الذي يورَد؛ القومُ يرِدون الماءَ (الأقرب).

المورد: موضعُ الورود؛ الطريقُ إلى الماء (الأقرب).

التفسـير:

يعني أن العاقل إنما يتبع أوامر من يهديه إلى الصواب وينفعه، ولكن هؤلاء الأغبياء اتبعوا فرعون الذي كانت أوامره تؤدي بهم إلى الهلاك.

وأما قوله تعالى (فأوردهم النارَ وبئس الوِرد المورود) فمعناه: ما هي الفائدة التي جَنَوْها من اتباع فرعون الذي ألقى بهم إلى النار، وبئست النار وردًا.

ولقد ذكرتُ في شرح الكلمات أن (أورد) تعني أصلا أحضرَ على المورد أي الماء، ولكن القرآن استخدمها بمعنى إحضارهم على النار‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍. ذلك ليبيّن أنهم سوف يُعطَون النار التي تدمّر الحياة عِوضًا عن الماء الذي هو سبب الحياة المادية والروحانية على السواء، وفق قوله تعالى وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ (الأنبياء: 31). وهكذا بيَّن أن جهودهم التي بذلوها لتدمير حياتهم الروحانية بدلاً من إحرازها سوف تتمثل لهم بصورة النار المدمرة في يوم القيامة.

كما يمكن أن يكون المراد منه أنهم سوف يدخلون النار فعلاً، ولكن دخولهم فيها سوف يحقق لهم ما يحققه وارد الماء، بمعنى أن دخولهم النار سوف يشفي غليلهم الروحاني كما يشفي ورودُ الماء غليل العطشان، أي أن النار سوف تكون سببًا لتطهيرهم تطهيرًا باطنيًا.

كان الناس في القديم يقومون بكيّ الحيوانات على وجهها وأطرافها، ولقد كره النبي هذه العادة كرهًا شديداً (مسلم، السلام)، إلا أنه لما وجد أنهم يكوونها أيضًا كعلاج لها من الأمراض، سمح لهم بهذا حين لا يكون منه بد قائلاً: “آخرُ الدواء الكيّ”. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم هنا بأن عطشهم سوف يعالج بالنار، وسيكون ذلك آخر علاج لتطهيرهم من أمراضهم.

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْـدُ الْمَرْفُـودُ (هود: 100)

شرح الكلمات:

الرِفد: رفَدَه يرفد رفدًا: أعطاه؛ أعانه، (يقولون): هو نعم الرافد إذا حلّ به الوافد. والرِفد: العطاءُ والصِلة. وأصل الرِفد ما يضاف إلى غيره ليعمده، وفي القرآن “بئس الرِفد المرفود” أي العون المعان أو العطاء المعطى (الأقرب).

التفسـير:

أي.. أن الإنسان إذا اتبع الشرير جلب عليه خزي الدنيا والآخرة.

واعلم أن (لعنة) لم ترد هنا كسبٍّ وشتيمةٍ، وإنما جاءت بمعناها الحقيقي أي البُعد، والمراد أنهم ما داموا قد عاشوا في الدنيا بعيدين عن الله تعالى، فإنهم سوف يُحرَمون من قربه جلّ شأنه في الآخرة أيضًا.

وقد تشير كلمة (الرفد) إلى شخص فرعون، والمراد أنهم بدلاً من أن يعودوا إلى الله مالوا إلى فرعون، واعتمدوا عليه، وما أسوأه من عمادٍ، إذ تَسبب في عذابهم، لأن عمادهم أي فرعون هَوَى بنفسه أيضًا في الجحيم التي دفعهم إليها.

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (الآية: 101)

شرح الكلمات:

حصيد: حصَدَ يحصُدُ ويحصِد حَصدًا وحِصادًا: قطعه بالمنجل. حصَدَ القومَ بالسيف: قتلهم. حصد الرجل: مات (الأقرب).

التفسـير:

يمكن أن تفسَّر كلمة (القرى) بمفهومين: الأول: أهل القرى باعتبار كلمة (أهل) محذوفة ونظيره قول إخوة يوسف لأبيهم (واسئل القريةَ التي كنا فيها) أي اسألْ أهل القرية. فالمراد من قوله منها قائم وحصيد أن بعض أهل هذه القرى (أي الشعوب) لا تزال ذريتهم قائمة باقية، وبعضها قد انقرضت أو صارت شبه منقرضة.

أما التساؤل لماذا سُمّي موسى بهذا الاسم، فتقول التوراة بأن سببه أنه انتُشل من الماء (خروج 2:10). ولكن العجيب أنها – من جانب آخر – تُنكر إلقاء أمه له في مياه النيل. ولكن القرآن الكريم يعلن ويؤيد بكل صراحة إلقاءَها له في اليم.

والمفهوم الثاني: هو القرى نفسها، والمراد من قوله تعالى منها قائم وحصيد أن آثار بعض هذه المدن لا تزال باقية بينما لم يبقَ لبعضها الآخر أي أثر. وهكذا يلفت الله الأنظار إلى حقيقة تاريخية هامة بأن بعض الشعوب التي مرَّ ذكرها آنفًا لا تزال آثارها ومعالمها موجودة باقية، بينما اندرست آثار بعضها الآخر نهائياً أو أصبحت في عالم المجهول. وإذا كان الأمر كذلك فلا يحق للمستشرقين أن يعترضوا على القرآن الكريم بحجة أنهم لم يعثروا على آثار بعض هذه الشعوب، لأنه بنفسه يعلن أنه لم يعد لبعضها آثار تعرف ولا معالم تُرى.

ولو أنهم يعثرون عليها في المستقبل فهذا أيضًا لا يقدح في القرآن العظيم لأنه يصفها بكلمة (حصيد)، والحصـيد ما قُطع بالمنجل، والمعروف أن النبـات المقـطوع بالمنـجل تبقى أصـوله محفوظـة باقية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك