إيمان النبي صلى الله عليه وسلم بصدق القرآن الكريم أقوى وأثبت من رواسي الجبال

إيمان النبي صلى الله عليه وسلم بصدق القرآن الكريم أقوى وأثبت من رواسي الجبال

حضرة الحاج مرزا بشير الدين محمود أحمد (رضي الله عنه)

حضرة الحاج مرزا بشير الدين محمود أحمد (رضي الله عنه)

الخليفة الثاني للمسيح الموعود (عليه السلام)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْـسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْـتَهْزِئُون (هود: 9)

شرح الكلمات:

أمّـة: الأمة: الجماعةُ؛ الجيلُ من كل حيّ؛ الطريقةُ؛ الدينُ؛ الحينُ (الأقرب).

حاق: حاق به يحيق حَيقًا وحُيوقًا وحِيقانًا: أحاط به. حاق بهم الأمرُ: لزمـهم ووجـب عليهم. حاق بهم العذابُ: نـزل وأحـاط. (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى: كما أن الناس مخدوعون عن الحياة بعد الموت كذلك هم مغترون عن عذاب الدنيا؛ فإذا تأخر عنهم العذاب طفقوا يثيرون شتى الاعتراضات، مع أنهم لو أعملوا الفكر لأدركوا بكل سهولة أن الدنيا ما دامت دار ابتلاء واختبار فلا بدّ أن يمنحهم الله بعض المهلة قبل أن يسحقهم بعذابه، إذ لو لا المهلة والتأخير لم تعد الدنيا دارَ اختبار بل صارت دارَ جزاء.

الغريب أن أهل الدنيا ينكرون وجود الدار الآخرة من جهة، ومن جهة أخرى يطالبون بالعذاب الحاسم على عداوتهم للرسل، وهكذا يعترفون – من حيث لا يدرون – بضرورة دار الجزاء.

وقد أشار بقوله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون إلى أنهم ليسوا جادين في مطالبة العذاب، وإنما هدفهم الاستهزاء والاستخفاف. ولكن استخفافهم هذا يرتد عليهم وبالاً إذ يتسبب في تعجيل العذاب.

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَـانَ مـِنَّا رَحْمـَةً ثُمَّ نَزَعْـنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُـورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنـَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسـَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهـَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفـَرِحٌ فَخُور (هود: 10 – 11)

شرح الكلمات:

يئوس: اليئوس كصبور: القنِطُ (الأقرب).

كفور: اسم المبالغة من كفر يكفر نعمة الله وبنعمة الله كفورًا وكفرانًا: جحدها وسَتَرها، وهو ضد الشكر (الأقرب).

نَعْماء: النعماءُ: اليدُ البيضاء الصالحة. (الأقرب).

ضرّاء: الضرّاء: الزمانةُ (أي القحط)؛ الشدةُ؛ النقصُ في الأموال والأنفس؛ نقيضُ السرّاء (الأقرب).

السيّئات: السيئة: نقيضُ الحسنة (الأقرب). والحسنة يعبَّر بها عن كل ما يسرّ من نعمة تنالُ الإنسانَ في نفسه وبدنه وأحواله، والسيّئةُ تضادُّها. (المفردات).

فرِح: اسم المبالغة من فرح يفرح الرجل بالشيء: انشرح صدره بلذة عاجلة؛ بَطِرَ (الأقرب).

فخور: اسم المبالغة من فخر يفخر الرجل: تمدَّحَ بالخصال وباهَى بالمناقب والمكارم من حسبٍ ونسبٍ وغير ذلك، إما فيه أو في آبائه (الأقرب).

التفسـير:

إنّ الأمم المبتعدة عن نور الوحي الإلهي تتملّكها وجهتا النظر الخاطئتان هاتان. فبالرغم من أنهم يرون بأم أعينهم أن الدنيا في تقلُّب دائم ومستمر، إلا أنهم لا يفكرون في أسباب هذه التقلّبات ولا يتلقون منها درسًا، بل يستسلمون فقط للحالة التي تطرأ عليهم. فإن أصابتهم مصيبة استولى عليهم القنوط، وإن أصابتهم مسرّة تملَّكَهم الزهو والغرور. ذلك أنهم لم يدركوا أن الدنيا دار الابتلاء، وأن الله تعالى يختبر الإنسان ويرى كيف يكون ردّ فعله في حالتَي الفرح والترح، وأنه من خلال هذا الاختبار يطوّر الله أحوال الإنسان الروحانية حتى تصل ذروتَها وكمالها. والذي لا يدرك هذه الخُطة الإلهية فإنه عندما يمرّ بأي من الحـالتين فإنه لا يتّعظ بها، بل يصير منفعلاً مستسلـمًا لما هو فيه.

إِلاَّ الَّذِينَ صـَبَرُوا وَعَـملُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (هود: 12)

التفسـير:

أي أن المؤمنين لا يسلكون كهذا السلوك. فلا يدَعون الحزن يغلبهم ولا يسمحون للفرح أن يصرعهم، وإنما يتحكمون في أنفسهم ويضبطونها في كل حال. فلا يصيبهم هلعٌ ولا جزع ولا قنوط حينما يحل بهم بلاء، بل يبدون عليه صبرا وجلدًا، ويصمدون له بشجاعة وبسالة، ساعين لإزالة أسبابه بكل همّة وعزيمة. وعندما تأتي عليهم أيام الفرح والسرور والنعم فلا يستبد بهم الزهو والغرور، وإنما يزدادون بها صلاحًا وتقوى، ويهتمّون بأن يشاركوا غيرهم فيها، ويصنعون بهم المعروف أكثر.

وبقوله تعالى أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ، يخبر بمـا سيناله المؤمن من جـزاءٍ ملائمٍ.  فبما أنه يصبر على الأذى والشدة، وأن هذا الأذى يترتب على أخطائه أو ضعفه البشري، فلذا يكون جزاء صبره الغفران عن أخطائه وتقصيراته البشرية. ثم بما أن المؤمن لا يزهو ولا يتباهى عند الفرحة والنعمة بل يزداد بها تقوى وصلاحًا، فلذا يزيده الله أيضًا فضلاً وعطاءً.

الله تعالى يختبر الإنسان ويرى كيف يكون ردّ فعله في حالتَي الفرح والترح، وأنه من خلال هذا الاختبار يطوّر الله أحوال الإنسان الروحانية حتى تصل ذروتَها وكمالها.

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (هود: 13)

شرح الكلمات:

لعلّك: لعلّ: طمعٌ وإشفاق (من المخاطِب). و(لعلّ) وإن كان طمعًا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارةً طمع المخاطَب، وتارةً طمعَ غيره. فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون: (لعلّنا نـتّبع السحَرَة) فذلك طمعٌ منهم، وقوله في فرعون لعلّه يتذكر أو يخشى فإطماع لموسى مع هارون، ومعناه: فقولا له قولاً لينًا راجين أن يتذكر أو يخشى، وقوله تعالى (فلعلك تاركٌ بعضَ ما يوحى إليك) أي.. يظن بك الناس ذلك (المفردات).

كنـزٌ: الكنـز ما يُدّخَرُ؛ المالُ المدفون في الأرض؛ اسمٌ للمال إذا أُحرِزَ في وعاء؛ الذهبُ؛ الفضةُ؛ ما يُحرَز فيه المال (الأقرب).

التفسـير:

لقد سبق أن ذكرت أن من أسلوب القرآن أنه أحيانًا يرد على السؤال دون ذكره صراحةً، وهذا ما فعله هنا، إذ لا تذكر هذه الآية السؤال الذي أثاره الكفار بل بدأت بالردّ عليه. لقد سأل الكفار لدى سماعهم وعدَ الله للمؤمنين لهم مغفرة وأجر كبير وقالوا: كيف تعدهم، يا محمد، بالأجر الكبير وأنت لا تملك كنـزًا وليس معك أي فوج من الملائكة ليساعدوك على ضعفك وقلة حيلتك؟ فيردّ الله عليهم ويقول معرّضًا بهم: إنه فعلاً توجُّهٌ خطيـرٌ، وسوف تضطر يا محمد بسببه أن تخفي بعض ما أوحيناه إليك من أنباء عن انتصار الإسلام وازدهاره! والمراد أنك لن تفعل ذلك أبدًا.

أما إذا اعتبرنا (لعل) في قوله تعالى فلعلك تارك .. طمعًا من العدو، فيكون للجملة معنى آخر وهو أن العدو يطمع في أن تخفي بعض كلام الله النازل عليك خوفًا من مطاعنهم هذه، ولكن طمعهم هذا عبث وباطل، لأنك “نذير”، أي رسول فقط، وعملُ الرسول تبليغ الرسالة بأمانة كما هي، دون أن يخفي منها شيئًا. وأنت لست تدّعي بأنك إله حتى تكون كنوز الكون تحت تصرفك كما يطالبون.

وأما لو قيل هنا: من أن المؤمنين الذين وُعدوا بالأجر الكبير أيضًا أناس وليسوا بآلهة يملكون الكنوز فكيف سيملكون إذن هذا الأجر الكبير؟ فالجواب إن هذا وعدٌ لهم جزاءً على صبرهم وسيتحقق لهم في المستقبل، وليس أنهم قد أُعطوه من قبل. فما كان يحق للكفار أن يطالبوا الرسول أن يريهم منذ البداية أسبابًا ظاهرة لرقيه وازدهاره، وإنما يحق لهم ذلك عند حلول الموعد، لأن وجود الأسباب والقدرة منذ البداية يعني القدرة الذاتية، وهي ميزة لا يتمتع بها أحد سوى الله جلّ وعلا.

أما قوله تعالى والله على كل شيء وكيل فأكد فيه سبحانه أن هذا كله سيقع لا محالة، وسوف تحظى يا رسول الله، بالغفران والأجر الكبير، وسوف ينـزل الملائكة الذين سوف ينجزون لك مهماتك ومشاريعك. ولن تظفر أنت وحدك بالمُلك بل سوف يناله غِلمانك ويصيرون ملوكًا أيضًا.

إنّ الذي لم يُعمِهِ التعصب عن رؤية الحق، يستطيع أن يدرك ما إذا تحققت هذه الوعود أم لا؟ ألم تذلل الملائكة كل عقبة كانت تعترض سبيل رقي الإسلام؟ ألم يظفر النبي بالمغفرة؟ أولم يجز الله أصحابه الذين صبروا على صنوف التعذيب والاضطهاد أجرًا كبيرًا.

إنه لمن المؤسف حقًا أن يستنتج بعض أعداء الإسلام من هذه الآية أن الرسول كان قد استعد للتخلي عن أجزاء من القرآن الكريم خوفًا من مطاعن الكفار! مع أن السّياق ينقُض هذا الزعم. هل من عاقل يقول بأن مطالب الكفار بإنزال الكنـز والملائكة كانت من الثقل والقيمة بحيث تخيف الرسول فيقوم بإخفاء بعض رسالات الله جلّ شأنه؟ هل يُعقل أن ينسى الرسول قول الله له: إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ؟ إذا كان الكفار يجهلون ذلك فالآية إنما تتحدث عن طمعهم هم فقط، حيث ظنوا خطأً أنه سيترك بعض الوحي خوفًا منهم، وليس أنه قد استعد فعلاً ليسقطه من نص القرآن الكريم.

ألا يتذكر هؤلاء المعترضون الجهال قول الرسول لوفد قريش عندما جاءوا يُهدّدونه أن يتصالح معهم وإلا سحقوه وأقاربه سحقًا؟ أولم يقل رسول الله لعمّه ردًا على عرضهم وتهديدهم: “والله، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته”. (السيرة لابن هشام). فكيف يستساغ إذن الزعمُ بأنه خاف مما عرض عليه الكفارحتى إنه قام لكي يخفي كلام الله سبحانه وتعالى.

ثم إننا إذا تدبرنا في الآية التالية وجدناها أيضًا تفنّد هذا الزعم الفاسد، لأنها تتحدى كل العالم أن يأتوا بكلام يماثل أيًا من عشر سور من القرآن الكريم. فإذا كان النبي   قد أصبح بنفسه – والعياذ بالله – ضحيةً للشكوك والشبهات في القرآن الكريم فكيف يُعقل أن يوجّه هذا التحدي بُعيدَ الحديث عنه كمشكّكٍ في القرآن. إن هذا التحدي القرآني يبيّن بكل جلاء وصراحة أن إيمان النبي   بـصدق القـرآن الكريم كان أقـوى وأثبت من رواسي الجبـال.

Share via
تابعونا على الفايس بوك