أأَمن بطش الله تعالى من يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
التاريخ: 2008-02-29

أأَمن بطش الله تعالى من يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • لماذا يُهاجم الإسلام؟! (الفرق بين المنهج والتطبيق)
  • حقيقة مبادئ الحرية عند الآخر
  • غياب مبدأ الإنصاف عند الأغيار حين ظهور الإسلام
  • الحملات الشعواء تحفز الصادقين على البحث
  • الجذور العميقة للكراهية ومظاهرها
  • الحكومات الإسلامية وتورطها في الخلل
  • القرآن بين العوام والخواص
  • نقاء السريرة شرط لفهم القرآن
  • إسداء النصح للمستهزئين قبل أن يُبطش بهم
  • استشهاد أحمدي (بشارت أحمد مغل – كراتشي باكستان)

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله  رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين (آمين)

معلوم أن أعداء الإسلام يشنّون هجمات علنية جديدة على الإسلام مؤخرا، حيث يهاجمون شخص الرسول ، كما يطعنون في تعاليم القرآن الكريم أيضا، وهم بهذه الهجمات يستهدفون الإساءة إلى الإسلام والحط من قدره.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو سبب هذه الهجمات يا تُرى؟! ولماذا يريدون الإساءة إلى الإسلام؟ الواقع أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقدم حلاًّ للتحديات المعاصرة، وكلما اطلع الناس على تعاليم القرآن الكريم مالوا إليه ورغبوا فيه. أما إذا كان بعض الناس يتنفرون من الإسلام نتيجة تصرفات بعض المسلمين فهذا أمر آخر تماما. مما لا شك فيه أن أعمال بعض المسلمين تولِّد النفور عند بعض، غير أن هذه الحملة المعادية للإسلام أو الجهود التي تُبذَل في مواجهته تجعل الذين يرغبون في الدين يتدبرون تعاليم الإسلام ويفهمونها ويفكرون فيها، تلك التعاليم التي أنزلها الله في القرآن الكريم؛ الذي يتضمن الحقائق، والتي تلائم الفطرة الإنسانية. وبالفعل إن بعضا من هؤلاء الذين لديهم ميول دينية، ويبحثون في كل دين بأسلوب محايد قد درسوا القرآنَ الكريم وتدبَّروه محاولين معرفة معانيه – مع أن ترجمة معانيه لا تُوصِل القارئ إلى دقائق المعرفة الموجودة في القرآن ولا يستطيع بها إدراك الرسالة القرآنية كما ينبغي – وإن بعض السعداء منهم يتوصلون إلى الحقيقة ويدركونها. ففي الفترة الأخير نشرت إحدى الجرائد الأردية خبرًا أن سيدة تدعى رودلي (بما أن الجريدة كانت باللغة الأردية فأعتذر إذا أخطأت في تلفُّظِ اسمها)، وقد ذهبت بصفتها صحفية إلى أفغانستان، وحيث إنهم كانوا لا يسمحون للسيدات الأجنبيات بالدخول إلى هناك، فلبست النقاب ودخلت أفغانستان متنكرة، وعملت هناك فترةً في مجال اختصاصها، ثم كُشف أمرُها وأُلقي القبض عليها، ولم يطلقوا سراحها إلا بعد أن أخذوا منها عهدًا بأنها ستقرأ القرآن الكريم. وحينما عادت إلى هنا نسيتْ وعدها، ولكنها لما اطلعت على الحملة الشعواء ضد الإسلامِ والقرآنِ تذكرتْ عهدها مع حكومة “طالبان” بقراءة القرآن، فاشترت مصحفًا ودرستْه، فأُصيبتْ بصدمة عنيفة لأنها رأت أن هناك بونًا شاسعًا فيما يتعلق بمعاملة النساء بين تعاليم القرآن الكريم وبين تصرفات “طالِبان” الذين يدّعون بأنهم العاملون بحسب تعاليمه.

أود أن أذكر هنا خبرًا مؤسفا، وهو أن أخانا السيد بشارت أحمد مُغَل، الذي كان من سكّان كراتشي، قد استُشهد في 24 فبراير حيث أطلق عليه مجهولون النارَ. وكان عمره خمسين عامًا، إنا لله وإنا إليه راجعون.

باختصار، فقد أسلمت هذه السيدة بعد دراسة القرآن الكريم والاطلاع على تعاليمه السامية. وبعد إسلامها وانتشار خبر إسلامها على نطاق واسع، عرض عليها أحد أصحاب وسائل الإعلام وظيفة في دولة إسلامية، ولعلها دولة قطر. ولأنها كانت مثقفة، وتربَّتْ في أوروبا، تمسكت في مجال عملها الصحفي بمبدأ قول الحق وإظهار الحقائق مهما كان خصْمُها كبيرا، فحصل الخلاف بينها وبين صاحب العمل، وفُصلتْ عن عملها. فرفعت قضيةً في المحكمة هناك دفاعًا عن حقها مستندةً إلى حقوق المرأة ومقتضيات العدل، وكسبت القضية. ثم توظفت في مكان آخر، فطُردتْ من هناك أيضا للسبب نفسه، فرفعت قضيةً، فكسبتها. لقد حاولت أن تثبت أن الإسلام قد منح المرأة المسلمة حقوقًا ومنح الرجل المسلم أيضا حقوقا، وعلى الحكومة الإسلامية أن تؤدي هذه الحقوق كلها. باختصار، لقد أحرزت نجاحاتٍ متتالية، وازدادت إيمانًا.

إن ما أودّ قوله من سرد هذه القصة هو أن إيمان تلك السيدة ازداد بالاطلاع على تعاليم القرآن الكريم على الرغم من أن التجارب المتعددة التي مرّت بها كانت على عكس ما قرأت، إلا أنها لم تُلق باللائمة على القرآن، بل قامت بالجهاد والنضال ضد هؤلاء الذين يخالفون أحكام القرآن الكريم.

واليوم أيضًا نجد زعماء الأديان الأخرى يلجأون إلى أساليب متدنية ضد الإسلام خوفًا من غلبته بحيث بدأ الشرفاء من أتباع الأديان نفسها أيضا يرفعون الصوت ضد هذه الأساليب الرخيصة المنحطة.

عندما تقع مثل هذه الأحداث الطيبة يصاب أعداء الإسلام بالقلق والاضطراب. وسواء أكانوا ملتزمين بدينهم أم لم يكونوا، إلا أن عداءهم السافر للإسلام يدفعهم إلى تصرفات شنيعة جدًّا. وهذا ليس بجديد، بل هو دَيْدَنُ أعداء جماعات الأنبياء على مر التاريخ. وبما أن الإسلام دين عالمي فكان لا بد أن يواجه معارضة أشد شراسةً. فعندما لم يكن مع النبي في مكة إلا عدد قليل من المسلمين كان الكافرون يسخرون منهم ويستهزئون بهم، ثم لما بدأت التعاليم القرآنية السامية تستقطب ذوي الفطرة الطيبة منهم أصيب الكافرون بالقلق والاضطراب، ثم جهروا بالمعارضة الشديدة. فسيدنا عمر كان يريد قتل رسول الله ، ولكنه لما سمع القرآن الكريم ذابت روحه، فجاء إلى النبي ليخرّ على قدميه مؤمنًا، ثم أكرمه الله تعالى لدرجة أصبح خليفة له بعد وفاة أبي بكر .

فبالنظر إلى هذه الأمور يمكن القول -جدلا- إن الكفار كانوا محقين في معارضتهم، إذ كانوا يرون أن المسلمين سيستولون على مدينتهم خلال مدة قصيرة، فيفقدون مكانتهم المتميزة التي كانوا يحظون بها بسبب مكة، وأن أجيالهم القادمة ستنفلت من أيديهم. ثم حين اتسع نطاق الإسلام وانتشر في مناطق أوسع، اشتدت هذه المعارضة أكثر، واضطر المسلمون للهجرة، فهاجر النبي إلى المدينة ووصل إليها الإسلام وانتشرت رسالته هناك، مما جعل اليهود يدركون أن أجيالهم القادمة ستنفلت منهم. ثم إن اتساع رقعة الإسلام أكثر أصاب حكومة قيصر وحكومة كسرى أيضا بالخوف والهلع، فقاما كلاهما بفتح جبهة ضد الإسلام. واليوم أيضًا نجد زعماء الأديان الأخرى يلجأون إلى أساليب متدنية ضد الإسلام خوفًا من غلبته بحيث بدأ الشرفاء من أتباع الأديان نفسها أيضا يرفعون الصوت ضد هذه الأساليب الرخيصة المنحطة.

غير أننا نحن المسلمين نظن خطأً أن كل صوت يرتفع من أوروبا ضد الإسلام هو صوت أهل أوروبا كلهم، ولكن الأمر ليس كذلك. إن هذه الفكرة ليست من الحقيقة في شيء. فليس كل أوروبي يعادي الإسلام، بل ردّةُ فعلنا تكون قاسية أحيانًا، ذلك أن عددًا كبيرًا منهم لا يشجّعون هذه التصرفات والأعمال. فمثلا لما شُنَّ الهجوم ضد النبي في الآونة الأخيرة رفع المواطنون غير المسلمين في الدانمارك أصواتهم قائلين: إن هذا التصرف منحطّ جدًّا ومنافٍ للمُثل والأخلاق. لقد أثاروا نفس التساؤل الذي ذكرته في الخطبة الماضية وقالوا: ما دام قد أُلقيَ القبض على الأشخاص الذين هددوا ناشري الرسوم المسيئة للنبي بالقتل، فلماذا نشرت الرسوم بعد ذلك؟ لقد قامت الحكومة بترحيل اثنين منهم وأعلنت براءة الثالث. ومعنى ذلك أن القضية كانت مزيفة أصلاً، ولم يكن لها أي أساس.

إذًا، فقد بدأت الأصوات النـزيهة المؤيدة ترتفع. لقد أجرت إحدى القنوات التلفزيونية مقابلة مع الداعية الإسلامي الأحمدي هناك، كما أعرب المثقفون الدانماركيون عن آرائهم. وإن سيدة دانماركية، كانت موجودة في مركز الجماعة في أثناء هذه المقابلة، قد أبدت أسفها الشديد على نشر الرسوم المسيئة للنبي ، وقالت للصحفي صراحة إنها، قبل نشره هذه الرسوم ،كانت خلال زياراتها للبلاد الأخرى تقول للناس بفخر واعتزاز إنها دانماركية، أما الآن فستشعر بالخجل عند قولها لهم بأنها دانماركية.

ثم إن التقرير الذي وصلني بناءً على طلبي من مركز الجماعة هناك يفيد بأن الشعب الدانماركي بدأ يفكر بشكل إيجابي تجاه الإسلام بصفة عامة بعد نشر هذه الرسوم مرة أخرى، وبدأ الناس يقولون علنًا إن نشر هذه الرسوم ليس إلا دعاية استفزازية فحسب، وإنْ وُجدتْ في الجرائد والإنترنت آراء متباينة، إيجابية وسلبية أيضا.

وهناك فريق مشهور يسمَّى Face Book وقد فتح موقعا على الانترنت بعنوان: “آسفون يا محمد”، وقد شارك فيه إلى الآن ما يقارب ستة آلاف شخص. فهناك عدد كبير قد اعتذروا على ما حدث. وهناك مجموعات أخرى أيضا لكن عددها ضئيل نسبيا.

لقد كتب أحدهم في تعليق له: أين تقف الدانمارك؟! فمن ناحية نرسل جيشا إلى أفغانستان والعراق لحماية المسلمين، ومن ناحية أخرى نجرِّح مشاعرهم بنشر هذه الرسوم المشينة.

وكتب أحدهم بلهجة ساخرة: إن الأخلاق والمبادئ شيء حسن. ثم قال: أشعر في هذه الأيام بخجل شديد لانتمائي إلى الدانمارك، وأشعر أن أغلبية سكان هذا البلد يشعرون بما أشعر أنا.

وكتب أحدهم: أنا أتوقع وآمل من الصحفيين الدانماركيين أن يعرفوا ما هو المفهوم السليم لحرية الرأي، وأن يحاولوا في المستقبل استخدام القلم والقرطاس والدواة بوعي ولباقة.

وكتب غيره: كل ما حدث هو استخدام سيئ لحرية الرأي.

وقد نشرت أكثر الجرائد الدانماركية انتشارا (Avisen DK) في عددها 25 فبراير 2008 تعليقًا لأحدهم قال فيه: اسمحوا لي بإبداء الرأي في مسألة نشر رسوم محمد ( ). عندي إن من الهمجية والخبث أن يطبع المرء رسومًا تسيء إلى جاره ثم يعلقها أمام بابه حيث يراها، ثم يدَّعي بدافع النفاق أنه أفضل من جاره لأنه يحبه بصفته جارا له.

وثمة تعليق آخر يقول صاحبه: إن إيذاء الجار والإساءة إليه أمر سيئ دائما. ولا بأس في تبادل الآراء عن الإسلام، أما نشر الرسوم المسيئة بهذا الشكل فليس إلا إيذاء للآخرين فحسب.

كذلك نُشر تعليق في جريدة أخرى (Kristelig Dagblad) جاء فيه: إن الخطر على حرية الضمير لا يتأتى من قبل المسلمين، وإنما هو من قبل الصحافة ووسائل الأعلام والوزراء ورجال السياسة، لأنهم ليسوا مستعدين ليعطوا المسلمين حق حرية الرأي.

وكتب أحدهم، وهو عضو في المجلس الإداري لمنظمة مسيحية، مشيرا إلى الكتاب المقدس: إن نشر هذه الرسوم المشينة يخالف تعاليم المسيحية مخالفة تامة. ثم قال: إن مثل هذه التصرفات يجب أن توصف بالحمق البحت. ثم قال: هناك مقولة دانماركية مفادها أن الله تعالى حين يهب أحدًا منصبا، فإنه يهبه العقل أيضا،  ولكن فيما يتعلق بهذه الرسوم فيبدو أن أصحاب الحل والعقد يفتقرون إلى العقل.

فهناك تعليقات عديدة من هذا القبيل، ويتبين مما اقتطفتُ منها أن عددًا كبيرا من الشرفاء لم يشاركوا في هذه الحملة المعادية للإسلام ولم يشجّعوا هذا التصرف.

إنها حملة كبيرة واسعة النطاق، ولم يشترك فيها بعض الرسّامين أو أعضاء البرلمان أو الطامعين في المناصب السياسية فقط، بل وراءها مؤامرات عميقة الجذور، وتدعمها قوى كبيرة تخاف قوةَ تعاليم الإسلام العظيمة السامية، ولا تريد أن يطلع عليها شعوبها. وهؤلاء الساسة والحكام يريدون فرض سيطرتهم باسم الدين. إن عداءهم للإسلام الذي يكنّونه منذ خمسة عشر قرنا قد بدأوا يبدونه بحسب خطة مدروسة، يشترك فيها أناس من مجالات شتى. إنهم يحاولون أن ينصِّبوا إلهًا مقابل الله الأحد ساعين لنشر الشرك في العالم، ولهذا السبب مارسوا الضغوط لإغلاق قناتنا العربية. علمًا أن في إغلاق قناتنا ضِلْعًا كبيرا للمسيحيين الذين من خلال الدول الكبيرة مارسوا الضغط لإغلاق قناتنا العربية الثالثة. فكيف يمكن أن يرضى هؤلاء بازدهار التعاليم الإسلامية الخالية من الشرك والمنسجمة مع الفطرة الإنسانية تماما. إنهم يحاولون، تحت عباءة الدين أو مظلة السياسة، أن يكونوا ربَّ العالَم ومالِكَه وإلهَه، ربَّ الناس وملِكَ الناس وإلهَ الناس.

إذن، فهذه الرؤوس الكبيرة عاكفة على نسج المؤامرات ضد الإسلام، خوفًا منهم أنه لو انتشر لما بقِي للأديان الأخرى شأن يُذكر. هذه هي أفكارهم، فليفعلوا ما شاءوا. إن انتشار الإسلام الآن قدرٌ مقدور، وسينتشر بإذن الله تعالى، لكن ليس بالإرهاب ولا بالحرب، بل بواسطة المسيح والمهدي ، وبواسطة رسالة القرآن الكريم الداعية إلى نشر الحب والوئام، وبتبليغ هذا الدين دين الفطرة. فعلى كل واحد منا أن يبذل أقصى جهده لنشر هذه الرسالة على أوسع نطاق.

إذًا، فمهما حاولت الجرائد، ومهما سعى أعضاء البرلمانات أو الحكومات، ومهما حاول زعماء الأديان الأخرى، فإن من المستحيل أن يُرَدّ ما قدّر الله وأراد تعالى تنفيذه.

إنهم يحاولون أن ينصِّبوا إلهًا مقابل الله الأحد ساعين لنشر الشرك في العالم، ولهذا السبب مارسوا الضغوط لإغلاق قناتنا العربية. علمًا أن في إغلاق قناتنا ضِلْعًا كبيرا للمسيحيين الذين من خلال الدول الكبيرة مارسوا الضغط لإغلاق قناتنا العربية الثالثة.

هناك شخص في هولندا، وكان عضوًا في البرلمان الهولندي ولكنه قد أُقِيلَ من منصبه هذا بسبب عدائه الشديد  للمسلمين وحنقه المفرط ضد الإسلام، وهو يخطط حاليا لتشكيل حزب سياسي جديد. لقد أدلى قبل بضعة أيام ببيان أساء فيه إساءة بالغة لشخص النبي . لا أريد قراءة بيانه الذي استخدم فيه كلمات بذيئة ومشينة ومسيئة إلى القرآن الكريم أيضا. وقد بلغ عداؤه للإسلام أن نشر في موقعه الخاص على الإنترنت، تلك الرسوم المشينة التي نُشرت من قبْلُ في الدانمارك، مع الثناء الكثير عليها. نفوّض أمره إلى الله تعالى الذي سيحاسبه. لقد قال في بيانه أن القرآن يعلِّم الإرهاب، لذا يجب فرض الحظر عليه، ويجب أن يُمزَّق نصفُه، والعياذ بالله.

وهذا الرجل يخطط حاليًا لإنتاج فيلم سينمائي حول القرآن. وكان ينوي إخراجه منذ فترة، ولكنه لم ينجح في ذلك إلى الآن، لأن كثيرًا من المنظمات شكته إلى الحكومة، كما بعثت الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى الحكومة رسالة بهذا الشأن. لقد سمّى الفيلم “الفتنة”. ولما سأله البعض: ما الذي ستعرضه في هذا الفيلم؟ فقال: سأعرض فيه قول القرآن للمسلمين أن اضربوا رقاب الكفار في الحرب.

وأقول ردًّا على هذا: عندما يُشنّ الهجومُ على أحد فلا بد من حرب دفاعية.

وقال أيضا إنه سيعرض فيه أن الناس يُختَطفون في أفغانستان والعراق وتُقطَع رقابهم.

يبدو أن وراء هذا كلِّه أياديَ خفيةً تنسج مؤامرة كبيرة بوحي من منظمة أو جهة كبيرة. غير أن ردودَ الفعل بدأت تظهر هناك في الدانمارك أيضا. فقد عقدت الحكومة اجتماعات مع كافة أئمة المسلمين بواسطة رؤساء البلديات. وقد بعث أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية رسائل إلى الحكومة وإلى الملكة وأعضاء البرلمان قالوا فيها صراحة إن مثل هذه التصرفات السلبية التي لا مبرر لها، ستخلّ بالأمن في مجتمعنا الآمن. وبالإضافة إلى هذه الرسائل بعثوا خطابي أيضا الذي كنت قد ألقيته من قبل في مؤتمر السلام. فأظهرَ أعضاء البرلمان وعددٌ لا بأس به من الناس ردَّ فعل إيجابي. وقال رئيس البرلمان جوابًا على رسالتنا: لقد وزّعت رسالتكم على أعضاء البرلمان كلهم. وقالت الملكةُ أيضا في رسالتها بمناسبة عيد الميلاد: لا بد من تجنب الإدلاء بأي بيانات سلبية تمسّ بأمن المجتمع وتؤذي الآخرين. ووجَّهت الرسالة نفسها إلى رئيس الوزراء أيضا.

أما هذا المدعو وايلد (Wilder) الذي كان قد بدأ هذه الحملة، فقد أرسل رسالة إلى البرلمان ضد الملكة، قال فيها إن الملكة قد أشارت في رسالتها إليه هو، لذا لا بد من وضع حدٍّ لتدخُّل الملكة في أمور الحكومة.

على أية حال هذه هي محاولاتهم، وإن الله تعالى يقيم مِن بينهم أيضا مَن يردّون عليهم. ندعو الله تعالى أن يزداد عدد هؤلاء الذين هم ذوو فطرة طيبة حتى يرتدع الظالمون عن أفعالهم الشنيعة، وإلا فإنَّ قدَرَ الله تعالى سوف يعمل عمله متى شاء، ولن يترك أحدًا دون عقاب.

لقد ألّف “دان رجردسن” – أحد القسوس في كندا – قبل ثلاثة أو أربعة أعوام كتابًا بعنوان: The secrets of Quran (أسرار القرآن) بهدف الهجوم على القرآن. إنه أيضا كتاب مليء بالحقد والضغينة. لقد أورد فيه آيات قرآنية عديدة مع ترجمة معانيها، ثم علّق عليها، وأبدى تحاذُقًا بحيث أورد في كل مكان بضعة آيات مقرونة بسبع أو ثمان من تراجم معاني القرآن المختلفة التي وجدها باللغة الإنجليزية، وأورد أيضا جزءًا من ترجمة إنجليزية لمعاني القرآن قام بها السيد شودري ظفر الله خان، ثم قال طاعنًا في هذه الترجمة: إنه ذكر شخصيات الكتاب المقدس بالأسماء المعروفة في الإنجليزية بدلاً من العربية، ولكن من المحيّر أنه لم يذكر اسم “طالوت” كما ورد في الكتاب المقدس بل ذكرها بالعربية “طالوت”، وقد فعل ذلك ليُخفي أخطاء النبي ( ) – والعياذ بالله- عن شعوب غير عربية.

الحق أن دأبنا في الترجمة هو أننا نذكر مثل هذه الأمور في الهامش، ولو كان هذا القسيس أمينا لقرأ الهوامش أيضًا في تفسيرنا باللغة الإنجليزية المنشور باسم   (Five Volumes Commentary). علمًا أني لم أستطع التأكد من هذا الأمر في ترجمة السيد شودري ظفر الله خان. ولكننا قد ذكرنا كلمات الكتاب المقدس أيضا في تفسيرنا في الهامش لدى الحديث عن داود تحت تفسير هذه الآية في سورة البقرة.

لم يتوفر لي كتاب القسيس هذا، وإنما أرسل لي بعض الإخوة أمورًا هامة منه، فلا أستطيع أن أعلق عليه تعليقا شاملا. لقد طلبت هذا الكتاب الآن، ولكن بضع صفحاته التي اطلعت عليها وفقراته التي قرأتها تعكس حقدًا شديدًا ضد الإسلام. فقد قال في موضع: يظن كثير من الأمريكان المتحررين أنه ما دام 1.3 بليون من المسلمين يؤمنون بالقرآن، فلا بد أن تكون رسالة القرآن حقًا، ولكن هذا خطأ هؤلاء الأمريكان، إذ لا صدق في الإسلام ولا في القرآن.

ثم يكتب معلقًا على الرئيس بوش: إن الرئيس بوش رجل جيّد، ولكنه، على شاكلة القادة الغربيين الآخرين، لا يعلم شيئا عن الإسلام، إذ صرح بشكل علني بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر أن هذه الحرب ضد الإرهابيين حرب صليبية.. فاعتبرها حرب دينية، وهذا يدل على سذاجته، والغريب أن أحدًا من مستشاريه لم يقدّم له أي نصيحة صحيحة.

فالنتيجة التي يريد الكاتب التوصل إليها هي أنه كان بإمكان بوش أن يعتبرها حربا صليبية، ولكن ما كان ثمة داع لأن يعلن ذلك على الملأ، لأن هذا يعطي انطباعا سيئا عن المسيحية.

فانظروا مدى البغض والحقد الذي تكنّه قلوبهم ضد الإسلام والقرآن.

ولكن ينبغي أن يتذكر أعداء الإسلام والقرآن كلهم أن تعاليم الإسلام لا بد أن تسود وتغلب في نهاية المطاف. هذا ما أعلنه الله تعالى، هذا هو قدره الذي ليس بوسع دجلهم وقوتهم وثروتهم ومواردهم أن تحول دون وقوعه.

من المؤسف أن بعض الحكومات التي هي إسلامية في الظاهر، ونسيت هدفها، هي الأخرى تعمل لإضعاف الإسلام بشكل متعمد أو غير متعمد، من أجل الحفاظ على عزتها الظاهرية؛ فقد ذكر أحد الأمريكان في كتابه أن بعض قادة البلاد الإسلامية متورطون في المآسي التي تحل بالإسلام اليوم. إن كل هذه المؤامرات تستهدف أن تجتمع الموارد والثروات كلها في يد الغرب، ويشترك فيها هؤلاء القادة المسلمون لينالوا بصفة شخصية نصيبهم من تلك الثروات، بينما لا يعرف شعبهم عن ذلك شيئا.

أما هؤلاء الذين تمتلئ قلوبهم بالأحقاد والضغائن، والذين لا يفتحون القرآن ولا يقرأونه إلا بنية الطعن فيه، والذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فلن يفيدهم تعليم القرآن شيئًا. كيف يستفيدون من هذا النبع الطاهر وقد استولى الحقد والبغض على قلوبهم واعتادوا العيش في النجاسة ولا زالوا مصرين على البقاء فيها. يقول الله تعالى في القرآن الكريم

: إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة 78-80)ويقول الله تعالى قبل هذه الآيات: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (الواقعة 76)

وقال المسيح الموعود في تفسير هذه الآيات: يقول الله تعالى:

  فلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة 76-77)

وقد جاء القَسَمُ هنا للتدليل على أن القرآن كتاب عظيم، وتعاليمه لا تنافي سنة الله، بل إن جميع تعاليمه مكتوبة في كتاب مكنون، أي في صحيفة الفطرة الإنسانية، (أي أنها تلائم فطرةَ كل إنسان.) ولا يعرف معارفه إلا المطهَّرون. (أي لا يمكن أن ينال علومه ومعارفه الدقيقة إلا الذين تطهرت قلوبهم) لقد أقسم الله -جلَّ شأنه- هنا بمواقع النجوم تنبيهًا إلى أن النجوم كما تبدو كنُقَطٍ صغيرة لكونها على ارتفاع كبير، بينما هي ليست نُقَطًا في الحقيقة بل هي ذات حجم هائل جدا، كذلك فإن القرآن الكريم بسبب رفعته وعلُوِّ شأنه خافٍ عن أعين ذوي البصيرة الضعيفة، إنما يبصره الذين قد زال الغبار عن أعينهم.

كما أشار الله تعالى في هذه الآية أيضا إلى تلك المعارف القرآنية السامية الدقيقة التي هي خاصة بعباده الخواص الذين يطهِّرهم بيده. ولا يصح هنا الاعتراض بأن تعاليم القرآن ما دامت خاصةً بالخواص من العباد فقط فكيف تجوز مؤاخذة الآخرين إذا ما أنكروها ولم يعملوا بها؟ ذلك لأن تعاليم القرآن الكريم التي هي مدار الإيمان يفهَمها الجميع بمن فيهم الكافر أيضا، (أي برغم أن تعاليم القرآن عميقة جدا، إلا أنها مفهومة لذوي أفهام عادية أيضا، وبوسع كل إنسان أن يفهمها إذا أراد)، وليست مما يظلّ خافيًا على قارئه، لأنها لو لم تكن مفهومة للجميع لظلّ أمرُ التبليغ ناقصا، (أي أن تعاليم القرآن مفهومة للجميع، إضافةً إلى أنها تحمل المعاني العميقة أيضًا، ومع ذلك فيه ما يمكن أن يفهمه الجميع، ولولا ذلك لظل أمر التبليغ ناقصا.. أي لو لم يفهمه الجميع لم يمكن تبليغ رسالته كما ينبغي) أما دقائق المعارف والحقائق فهي ليست مدار الإيمان، إنما هي لزيادة المعرفة، فلا يُرشَد إليها إلا الخواص، لأنها هي المواهب والنعم الروحانية الحقيقية التي تُوهَب بعد الإيمان للذين يصبحون كاملين في إيمانهم.” (كرامات الصادقين، الخزائن الروحانية ج 7 ص 52- 53)

ثم يقول حضرته :

إن تحصيل العلوم المادية والاطلاع على دقائقها لا يتطلب التقوى والطهارةَ، بل يمكن أن يحصل عليها حتى أخبث الناس مهما بلغ في الفسق والفجور والظلم، حتى إن أصحاب الأعمال الحقيرة مثل “كنّاسي المراحيض”ä أيضًا ينالون شهادات عالية أحيانًا. ولكن تحصيل العلوم الدينية ليس بوسع كل من هبّ ودبّ، بل لا بد لتحصيلها من تقوى وطهارة لقوله تعالى: لا يَمَسُّه إلا المطَهَّرون . فمن كان يرغب في تحصيل علوم الدين عليه أن يزداد تقوى وورعًا، وكلما تقدّمَ في التقوى انكشفت عليه لطائفُ الدقائق والحقائق.” (جريدة “بدر” مجلد 3 رقم 2 تاريخ 8 يناير/ كانون الثاني 1904 ص 3)

فالأمر الأول والأساس هو “الإيمان”، وبه وحده تتحقق كثير من الأمور، ثم إذا أراد أحد أن يزداد معرفةً فلا بد له أن يزداد تُقًى، لأن المرء كلما ازداد تقوى وطهارةً ازداد معرفةً بدقائق القرآن. ولا يُعطى فهم القرآن الكريم للذين ينظرون إليه من بعيد ولا يريدون الاقتراب منه بغضًا منهم، بل يريدون أن يُضلّوا الآخرين أيضا، لاعبين دور الشيطان الذي قال إنه سيأتي الناس من كل جهة لإغوائهم.

إذًا، فلا بد من طهارة القلب لفهم القرآن الكريم، ولا بد من ازديادها باضطراد، لأنه إن لم يكن أحد طاهر القلب فلن يفهم منه شيئا، ولا بد لمن أراد المزيد من هذه المعرفة أن يزداد تُقًى، فهذا هو المعيار لفهم القرآن الكريم. خُذوا مثلاً السيدةَ التي ذكرتُها آنفًا، فقد قرأتْ ترجمة معاني القرآن الكريم وأسلمت. لا نعرف أية ترجمة قرأتْ، وما مدى صحتها؟ غير أنها أثّرت في قلبها تأثيرًا إيجابيا كبيرًا. فلا بد لفهم القرآن الكريم من الطهارة القلبية والسعي للبحث عن دُرر المعارف الكامنة فيه، ولا بد من النظر فيه عن قرب. أما إذا قرأه أحد بنية الطعن – على شاكلة القس المذكور – فلن يجد من معارفه ودقائقه شيئا؛ شأنه شأن الجاهل الذي يرى النجوم من بعيد ويعتبرها نقطًا صغيرة من الضوء. لقد أخبر الله تعالى عن مثل هؤلاء الحمقى الظالمين الحاسدين الحانقين أن تعاليم القرآن الكريم لن تزيدهم إلا خسارا. لا شك أن فيه شفاء لكنه للمؤمنين فقط، وفيه دروس وعبر لكنها للمؤمنين فقط، ولا يستفيد منه إلا المؤمن ذو القلب الطاهر، أو ذلك الإنسانُ الذي يسعى لفهمه بذهن خال من أفكار معادية، ولا يتطهر به من الوسخ الروحاني إلا المؤمن ذو القلب الطاهر. قال الله تعالى في القرآن المجيد:

  وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا (الإسراء 83).

فعندما نسمع هذه المطاعن من معارضي الإسلام والقرآن نزداد إيمانًا لأن الله تعالى سبق أن ذكرها في القرآن عند الحديث عن معارضي الأنبياء. لقد دأب هؤلاء على اتّباع خطوات الشيطان، فيحاولون البحث عن العيوب والنقائص في القرآن الكريم. علمًا أن هذا البيان قد جاء بصدد الكفار، مما يجعله نبوءةً بأن أمثالهم سيكونون في المستقبل أيضًا ويكونون مُوغِلين في المعارضة. فبالرغم من أنهم سيكونون في الظاهر مثقفين ومتعلمين، ومواطنين لبلاد متقدمة، وزعماء دينيين وحَمَلةَ راية الأمن والسلام، إلا أنهم سيأتون أعمالاً تدل على أن مظهرهم مجرد خداع ورياء، وأنهم مرضى في الواقع، وسيزداد مرضهم. فهؤلاء القوم لن ينتفعوا من التعاليم التي جاء بها محسن البشرية .

يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

  كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر 91-94)

أي أن الله تعالى ينذر هؤلاء مِن عذاب مماثل لما أنزله على الذين تقاسموا الأمور معتبرين القرآن مجموعة مفتريات وأكاذيب.

علمًا أن هذا الإنذار ليس خاصا بأهل مكة الذين كانوا يتسابقون في إيذاء النبي ، بل هو مستمرّ وباقٍ للأبد. فبما أن النبي قد بُعث للعصور كلها فسيفعل الله تعالى بكل من يؤذي رسوله في أي عصر كما فعل من قبل. هذا ما يفعل الله تعالى على الدوام غيرةً على أحبائه. أأَمِنَ بَطْشَ الله تعالى هؤلاء الذين يستهزئون بالنبي أو الذين يعتبرون القرآن الكريم كذبًا وافتراء؟

واليوم أيضا قد قسّم الأعداء فيما بينهم مهمّاتٍ كثيرةً لشنّ الهجمات على شخص النبي وليستهزئوا به ويزدروه، حيث يحاولون النيل منه ؛ بعضهم من خلال تأليف الكتب وبعضهم بالجرائد وبعضهم بالبرامج التلفزيونية وبضعهم بالأفلام أيضا. يقولون: إن القرآن كذب وافتراء، كما قال القس الكندي وحاول إثباته. ولكن الله تعالى يقول لمثل هؤلاء: لا تظنوا أنكم ستُترَكون بلا عقاب. كلا! بل لا بد أن تحاسَبوا عليه، فإذا لم تغيّروا سلوككم فاستعِدّوا للعقاب. إننا لا نعرف كيف سيعاقبهم الله تعالى؟ فإنه المالك ويعاقب كيف يشاء، ولكن المهم أنه تعالى يبدي غيرةً لأحبائه ولشريعته، فلا يمكن أن تمر تصرفاتهم دونما مؤاخذة من عند الله تعالى. وعندما يحين وقت العقاب فلن ينقذهم منه أيُّ إله زائف. لقد أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم بتذكير الناس، وأعلن مرارا وتكرارا أن نبينا هو آخر الأنبياء المشرِّعين والقرآن آخر الشرائع. لقد ضمّنه الله تعالى أجزاءً من كل التعاليم الهامة للأنبياء السابقين، بالإضافة إلى أمور كثيرة لم تَرِد في الصحف السابقة، فَلِمَ لا تتدبرون فيه لتطهّروا به قلوبكم ولم لا تتعمقون فيه لتطّلعوا على معارفه المكنونة؟ لم لا تفكّرون أن الله عز وجل قد وعَد بحفظ القرآن، أنه هو الكتاب الوحيد الذي لا يزال محفوظا على حالته الأصلية، بدلاً من أن تُخطِّئوا مَن يرى أن إيمان 1.3 بليون مسلم بالقرآن الكريم لدليل على أنه حق وصدق. فقد سمعنا في الأيام الأخيرة أن بعضهم يقومون بالبحث بأسلوب جديد ليُثبتوا أن القرآن الكريم ليس على حالته الأصلية. وأقول: فليحاولوا كما يشاءون ولكنهم لن يستطيعوا أن يُثبتوا بطلان وعد الله تعالى. فبدلاً من اتباع طرق مُعْوَجَّة عليهم أن يُصغوا إلى هذه النصيحة القرآنية:

  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر 18)..

أي أننا قد يسّرنا هذا القرآن من أجل النصيحة، فهل هناك من يقبل نصحه؟

لقد وردت هذه الآية في سورة القمر وتكررت أربع مرات، وفي كل مرة ذُكر دمار أمة من الأمم، أولاً ذُكر هلاك عاد، ثم هلاك ثمود، ثم هلاك قوم لوط، وفي الأخير هلاك قوم فرعون. إن جميع هذه الأمم كذّبت رسل الله تعالى، فتعرضتْ لبطش الله وعذابه.

فعليهم أن لا يتجاوزوا الحدود مستغلّين رحمة الله تعالى، لأن هذا يثير غضب الله تعالى. وإنا ننصحهم شفقةً عليهم أن يخافوا الله تعالى.

إن القرآن الكريم جامع للتعاليم والشرائع كلها، ويهدي إلى أعلى درجات الروحانية، ويعلّم أسمى الأخلاق أيضا. إنه مجموعة أحكام يفهمها أصحاب العقول العادية وأصحاب الفهم العميق أيضا. كما يخبر القرآن أنكم إذا لم تفهموا منه شيئا فلا يحق لكم الاعتراض عليه، لأن هذا راجع إلى سوء فهمكم أنتم. إن تعاليمه تتوافق مع الفطرة الإنسانية، ولكن فهمها يتطلب طهارة القلب، كما يقتضي وجودَ إنسانٍ مُزِكٍّ أيضا. والجماعة الإسلامية الأحمدية تتعلم الفهم الصائب للقرآن الكريم من هذا المزكِّي في هذا العـصر، ثم توصله إلى الآخرين، فتعـالوا وخُذوا منـها هذا الفهم والمعرفة.

ندعو الله تعالى أن يلهمهم الصواب، ويجنّبهـم من المصـير الذي أنذر منه. فعليـكم أن تُكثـِروا في هذه الأيـام من الدعاء لاسيّما للأمة الإسـلامية، لأنهم لو اتحدوا من أجـل هدف نبـيل متناسـين نزاعاتهم، ومدركين مشـيئة الله تعالى، فسوف يُحـفَظون من شـرور كثـيرة، الأمر الذي سيحفـظهم من هجمـات المهـاجمين. وفّقهم الله لذلك. آمين.

——-

لقد خرج من بيته لأداء صلاة الفجر في الساعة السادسة صباحا، ولكنه لم يصل إلى المسجد، وبعد قليل جاء ابنُه وأخبر الإخوة بأن أحدا قد أطلقَ الرصاص على والدي. وأخبر أحدُ الكنّاسين الذي كان يكنس الشارع أن أشخاصًا يستقلّون دراجةً نارية أطلقوا عليه الرصاص وهربوا. لقد أصيبَ بأربع أو خمس رصاصات اخترقت إحداها رقبتَه وأصابت أخرى صدره قريبًا من القلب، فنُقل إلى المستشفى حيث فاضت روحه.

لقد بايع هذا الأخ الشهيد مع أهله عام 1988م، وكان يعمل في كراتشي. كان شجاعًا باسلاً، مساعدًا للناس ومواظبا على الصلوات، وكان يحثّ الآخرين عليها بِطَرْقِ أبوابهم وقت الصلاة ليأخذهم معه لأدائها خاصة عند صلاة الفجر. لقد اجتهد كثيرا لإنشاء المسجد في حيّ “منظور كالوني”. وقد اشترك في نظام “الوصية”. كان يقيم مؤخرًا في كراتشي غير أنه من سكّان قرية “لاتهيان والا” الواقعة في محافظة “فيصل آباد”. فبما أنه كان موصيا لذلك أدوا صلاة الجنازة عليه في ربوة حيث دُفن هناك. لقد ترك خلفه زوجته وبنتَين وخمسةَ أبناء. ندعو الله تعالى أن يرفع درجاته كثيرا، ويُلهِمَ أهلَه وأولاده الصبر والسلوان، ويوفقهم لاتّباعه في أعماله الحسنة، وأن يبطش بهؤلاء الأعداء. آمين.

قال حضرته أيده الله تعالى بنصره العزيز في الخطبة الثانية:

لقد نسيت أن أقول إني سأصلي صلاة  الغائب على الأخ الشهيد بعد أداء صلاة الجمعة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك