عاد وثمود أمتان عربيتان
  • التوحيد أصل في معتقد البشر
  • اليقين بعمل الله
  • عاقبة الطغاة الجاحدين (قوم عاد)
  • عروبية أقوام نوح وهود وصالح
  • أفضال الله على قوم صالح
__
قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (هود: 54)

شرح الكلمات:

عن: حرف جرٍّ وله تسعة معانٍ، الرابع منها: التعليل، كقوله تعالى (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ) (الأقرب).

التفسـير:

الشرير يأخذ كلمة الخير أيضًا مأخذ الشرّ. فقد استنتجوا مما قدّم لهم هود من نصح وخير بأنه يريد الحكم عليهم، فردّوا عليه بقولهم: لا يمكن أبداً أن نتخلى عن آلهتنا لما تقول وننقاد لأمرك.

ويتعجب المرء من تجاسرهم المشين هذا، فإنهم – رغم إتيانهم عملاً شنيعاً كالشرك الذي لا يستند إلى دليل ولا برهان – يطالبون سيدنا هوداً بأن يأتي بالبرهان على دعواه، مع أنهم كانوا هم أصحاب الدعوى وليس هو، لأن الشرك بالله هو الأمر الجديد الغريب وعليهم تقديم الدليل عليه. فجسارتهم محيِّرة فعلاً، حيث يقولون لمن يفنّد دعواهم بالدليل من قبل: لماذا لا تقدم لنا برهاناً على ما تقول، وكأنهم ملتزمون دائماً بالبراهين ولا يقولون شيئاً ولا يقبلون أمرًا إلا بالدليل والبرهان!

وما أشدَّ إهانتـَهم واحتقارَهم لرسولهم إذ يقولون له وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك . إنها كلمة صغيرة، ولكنها مليئة جدًا بمرارة الازدراء والاستخفاف، حيث يقولون: من أنت وما قيمتك حتى نترك آلهتنا من أجلك؟

إِنْ نَقُولُ إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ الله وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (هود: 55 و56)

شرح الكلمات:

اعتراكَ: اعتراه اعتراءً: غَشِيَه طالبًا معروفَه، واعترى فلاناً أمرٌ: أصابه (الأقرب).

التفسـير:

أي بما أنك لا تؤمن بآلهتنا فإنها قد انتقمت منك وأفسدت عقلك.

ولكن ما أروع ما يرد به سيدنا هود عليهم إذ يقول: إذا كنتم تزعمون أن أحداً من آلهتكم سخط عليّ لإساءتي إليهم وصبّ عليّ غضبه بإفساد عقلي، فها إني أقولها علنًا بأنني أعادي آلهتكم جميعًا، وأكرههم كراهة شديدةً، وأتبرأ منها تمامًا، فإن كانوا يملكون في الحقيقة شيئاً مما تعزونه إليهم من قدرات وصفات فلينتقموا مني وليفعلوا بي ما يشاؤون.

ويعني بقوله إني أُشهد الله… أنكم لم تنتفعوا مما قدّمت لكم من براهين عقلية، والآن أقدم لكم شهادة عملية من الله على صدقي، متضرعاً إليه عزّوجل أن ينـزل الآن آياته التي تفصل بين الحق والباطل.

إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتـَقِيمٍ (هود: 57)

شرح الكلمات:

ناصيتها: الناصية: قُصاص الشَعر أي حيث تنتهي نبْتَـتُه من مقدمه أو مؤخره؛ وقيل: الناصية مقدمُ الرأس؛ وقالوا: الطرّة هي الناصية، والجمع ناصيات ونواصٍ. وأذل فلان ناصية فلانٍ: أي عزَّه وشرفه. نواصي الناس: أشرافهم والمتقدمون منهم، وهذا كما وُصفوا بالذوائب، يقال: فلان ذؤابةُ قومه وناصية عشيرته (الأقرب).

التفسـير:

كان من عادات العرب أن الملك إذا انتصر على العدو عُرض عليه الأسرى فكان يأخذهم من نواصيهم يهزها تعبيراً عن غلبته عليهم. وكان من عاداتهم أيضًا أنهم إذا أرادوا العفو عن العدو جذّوا ناصيته وأطلقوا سراحه.

فالمراد من قوله تعالى ما من دابةٍ إلا هو آخذ بناصيتها : أولاً: أن كل واحد منكم خاضع لسلطان الله وغلبته، وثانياً: أن الله تعالى قد جذّ ناصية كل واحد منكم وتركه حرّاً رحمةً بكم. وهكذا نبّه الناس أنهم خاضعون لقدرته وسلطانه دائمًا، وأنهم يعيشون بمحض رحمته وعفوه، وإلا ما كانوا يستحقون العيش بالنظر إلى أعمالهم.

وأشار بقوله ربي وربكم إلى أن سيدي هو سيدكم أيضاً، فكيف أخافكم ما دمتم عبيداً لسيدي، لأن من يتخذه السيد صديقاً له لا يستطيع عبيده أن يَضُرُّوه بشيء.

وبيّن بقوله إن ربي على صراط مستقيم أمرين؛ أولهما: أن من يسير على طريق سويّ هو الذي يصل إلى ربه، بينما يتخبط المشرك هنا وهناك، فَأَنَّـى له الوصال بالله تعالى. وثانيهما: أنكم تريدون إبادتي، وذلك بدليل قوله تعالى ولا تُنظرونِ ، ولكن ربي قادم لنـجدتي على صراط مستـقيم.. أي على أقرب طريق، حيـث إن الطريق المسـقيم يكون أقرب الطرق وأسرعها.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتـَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْـرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَـيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِـيظٌ (هود: 58)

شرح الكلمات:

إن تولّوا: أصله: تتولوا. أي إن تعرضوا.

التفسـير:

يظن الجهال أنهم إذا رفضوا دعوة النبي ألحقوا به ضررًا، مع أن الواقع أن النبي رسول، والرسول لا يتضرر أبدًا، وإنما يتضرر المرسِل أو المرسَل إليه. وهذا ما يعلنه سيدنا هود هنا بأنني لست إلا رسولاً، ولا خوف عليّ أبداً، اللّهم إلا أن أقصّر في تأدية واجبي أي أداء الرسالة التي أحملها من الله تعالى لكم. فما دمت قد بلّغتكم رسالته فأنا في مأمن من أي ضرر. وأما الذي أرسلني بها إليكم فليس به أي حاجة إليكم حتى يتضرر بالرفض من جانبكم. إنما الرسالة لصالحكم أنتم، فإذا رفضتموها، فسوف تؤمن بها أمة أخرى لا محالة، وتنتفع بها وتحقق الازدهار والغلبة، ولن تضيع رسالة الله في أي حال، لأنه إذا أراد شيئاً نفّذه وحفظه. فما دام قد أراد الآن هذا الأمر وأنزل تعاليمه بواسطتي فإنه سوف ينفّذها ويحفـظها حتماً.

كما أشار بقوله إن ربي على كل شيء حفيظ أنه لن يدع أعمالكم دون حساب ومؤاخذة، بل هي مسجلة محفوظة لديه، ولا جرم أنه سوف يحاسبكم عليها.

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجّـَيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعـَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيـْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيـظ (هود: 59).

التفسـير:

إنه من سنة الله العامة أنه إذا أنزل وباءً أو أذىً عاديّاً عانى منه الجميع، سواء منهم الصالح أو الطالح دون أي تمييز، ولكنه تعالى عندما يبعث نبيًا فإنه يعامل الناس عندئذ وفق سنة خاصة. فحينما ينـزل الله جلّ شأنه أنواع العذاب إقامةً للحجة على المُسرفين، تثور رحمته بالمؤمنين بشكل غير عادي، فينجيهم من العذاب في معظم الأحيان نجاة كاملة أو جزئية، رغم عيشهم بين الكفار في بلد واحد. وإلى هذه السنة الخاصة أشار بقوله (رحمةً منا).. أي أننا أنجيناهم بفضل خاص وفق سنتنا الخاصة، لا بحسب سنتنا العامة.

وقوله تعالى (عذابٌ غليظ) يعني أنه كان عذابًا مؤلماً شديدًا للغاية لا يستطيع أحد الفرار منه.

وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (هود: 60)

شرح الكلمات:

جحدوا: جحد حقه وبحقه يجحد جحوداً: أنكره مع علمه به. جحده: كفر به وكذّبه (الأقرب).

جبّار: الجبار من صفات الله تعالى – أي الذي يجبر ويصلح – كلُّ عاتٍ متمرد (الأقرب).

عنيد: العنيد: المخالفُ للحق الذي يردّه وهو يعرفه، جمعه عُنُدٌ. (الأقرب)

التفسـير:

قوله تعالى تلك عاد إشارة إلى خطورة شأنهم أي تلك هي أحوال عادٍ الأمةِ العظيمة القوية، ولكنهم استكبروا ومالوا إلى الشر وكفروا بالحق تعنتاً وعناداً، ولم ينتصحوا لمن أتاهم برسالة خير وصلاح لهم، وإنما اتبعوا أصحاب النفوذ والمنعة من بينهم ممن كانوا يلجأون إلى الإكراه والعنف مثيرين الفتنة والفساد في البلاد مدّعين – مع ذلك – بأنهم حملة لواء الحرية في الرأي والعقيدة.

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (هود: 61)

شرح الكلمات:

بُعداً: البعد ضدُّ القرب؛ اللعنُ (الأقرب).

التفسـير:

اللعنة إذا كانت من العباد فمعناها قول بعضهم لبعض: عليك اللعنة أي الهلاك، وإذا كانت من الله فتعني الإبعاد. فالمراد من قوله تعالى وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنةً ويومَ القيامة أنهم كانوا بعيدين عن الله وهم في الدنيا، وهكذا سيكونون يوم القيامة أيضًا إذ سيُحرمون من رؤية الله وقربه جلّ شأنه.

أما قوله تعالى ألا إن عادًا كفروا ربهم فهي كلمة حكمة رائعة للغاية. فإن (ألا) أداة تنبيه، و(الرب) معناه: الذي يخلق الشيء ولا يزال يطوّره ليأخذه إلى درجة الكمال، إذن فالمراد من الجملة: انظروا ما أقبَحَ ما فعلته عاد، حيث رفضوا قول من ربّاهم، مع أن الشريف يطيع من يُحسِن إليه. ولكن المؤسف أن هؤلاء القوم قد عَقُّوا مَن أخذهم إلى هذه الدرجة السامية، وهكذا فإنهم لم ينكروا الجميل فحسب بل ارتكبوا حماقة كبرى، لأن الذي كان قد رفعهم لقادرٌ تماماً على أن يضعهم ويحطهم إلى أسفل السافلين. وهذا ما حدث بهم بالضبط، فهلكوا وبادوا عقابًا على معارضتهم لنبيهم هود .

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (هود: 62)

شرح الكلمات:

استعْمَرَ: استعمره في المكان: جعله يعمره. واستعمر الله عبادَه في الأرض: طلب منهم العمارَة فيها. (الأقرب).

التفسـير:

إن كلمة “صالح” العربية تدل دلالةً واضحةً على أن قومه ثمود كانوا أمة عربية. وبما أن القرآن يصرّح أن ثمود خلفوا عاداً إذ قال لهم: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد (الأعراف:75) فثبت أن عاداً أيضاً كانت أمة عربية.

…. عاداً وثمود أيضا أمتان عربيتان. وبما أن عاداً سُمّوا خلفاء لقوم نوح (الأعراف: 70). فثبت أن نوحاً – – أيضاً كان مبعوثاً في منطقة عربية، وكان من العرب. والتاريخ يؤكد أن مسكنه كان العراق…

وقد يقول أحد هنا بأن كلمة “صالح” قد تكون معربة من لغة أخرى. ولكن هذا الزعم ليس بسليم، لأن كل ما ورد في القرآن من أسماء أجنبية قد ذكرها كما هي دون تعريبها كموسى وهارون ويونس وزكريا وغيرها. فلا شك إذن في أن “صالح” كلمة عربية، وأن عاداً وثمود أيضا أمتان عربيتان. وبما أن عاداً سُمّوا خلفاء لقوم نوح (الأعراف: 70). فثبت أن نوحاً – – أيضاً كان مبعوثاً في منطقة عربية، وكان من العـرب. والتـاريخ يؤكد أن مسكنه كان العـراق، وأن العرب كـانوا حاكمـين على هذه المنطـقة في القـديم.

والذي أقصده من ذكر هذه الأمور بالتفصيل هو أن أدلّل على أن العربية كانت لغة الناس كافةً في البداية، لأنه إذا تأكّد لنا أن بداية النسل الإنساني كانت من شبه الجزيرة العربية فلا بد من الاعتراف أن العربية هي أم الألسنة. إن بحوث العلماء الغربيين أيضاً تؤكد أنه كانت في البداية لغة تسمى السامريّة ومنها اشتقت العربية، ثم بسبب التغييرات والتعديلات تشعبت منها لغات أخرى. كما أنهم يعترفون في بحوثهم بأن اللغة السامرية هذه كانت لـغة أهل الجنـوب من شبه الجزيرة (العرب قبل الإسلام ص33). ولكن الواقـع أن كل مـا ينـطق به أهل الجزيـرة والعراق من لغات إن هي إلا فروع للعـربية.

وقوله تعالى هو أنشأكم من الأرض… لا يعني أنه تعالى خلق قوم صالح من الأرض، لأن خلق الإنسان منها إنما كان فقط لدى خلق أول آدميّ، أما بعد ذلك فأصبح خلق الناس يتم عن طريق التناسل والتوالد. وإنما المراد من الآية أنكم كنتم أمة أرضية أي منحطة متردية وحقيرة في أعين الناس، فنهض بكم الله من الحضيض، وحقق لكم الغلبة والحكم على الآخرين، وفوّضَ إليكم مهمة نشر الأخلاق النبيلة والآداب الفاضلة. فيجب أن تسألوا الله الغفـران على تقصـيراتكم لدى أداء هذا الواجـب، لأنه مسـؤوليـة خطيرة عـظيمة، فإذا فعلـتم ذلك زادكم فضـلاً ورحمةً.

وأشار بقوله (ثم توبوا إليه) إلى كلمة حكمة عظيمة، وهي أن كل شيء راجع إلى أصله، وأن على الإنسان أن يتذكر دائماً أنه ضعيف الخلق حقير الشأن أساساً، وأن رقيه إنما يتوقف على فضل الله تعالى، فعليه أن يرجع إلى الله ويتوب دوماً، لينزل عليه فضله ورحمته مجدداً، أما إذا قطع صلته عن خالقه وربّه زَلّت قدمه بعد ثبوتها، وتردَّى إلى حالته البدائية من الضعف والهوان والحقارة.

وقوله تعالى إن ربي قريب مجيب .. لقد بيّن بكلمة قريب أنكم إذا رفضتم رسالته فإنه قادر على عقابكم فوراً، لأن جنوده قريبة سريعة لا تتأخر. ثم أردفه بقوله مجيب دفعاً لظن البعض بأنه تعالى وإن كان قريباً إلاّ أنه قد لا يتدخل في شؤون العباد، فقال: إنه لا ينسى عـباده، بل إذا ما دعاه أحد لبَّى نداءه وجاء لنـجدته فوراً.

Share via
تابعونا على الفايس بوك