في رحاب التفسير
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (113).

شرح الكلمات:

أسلم – سلم نفسه إلى غيره كلية (الأقرب).

وجهه – الوجه له معانٍ عديدة منها: العناية والاهتمام؛ نفس الشيء، صفحة الوجه (الأقرب). وكل هذه المعاني تنطبق هنا. فيكون معنى العبارة: أولا-من وجّه كل الاهتمام والعناية إلى الله. ثانيا – من سلَّم نفسه وذاته لله كلية ووضع يده في يد الله. ثالثا – من صوَّب وجهه إلى الله ولم ينظر ولم يلتفت إلى غيره.

محسن –الإحسان يقال على وجهين: أحدهما الإنعام على الغير.. يقال: أحسن إلى فلان والثاني إحسان في فعله، وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا، وعلى هذا قول أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه): الناس أبناءُ ما يُحسنون (المفردات).. أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملون من الأفعال الحسنة، ويكرَّمون بسبب ما يتقنونه من علم أو عمل. فالنجار – مثلا – يمكن أن يكون قادرا على شيء من الزراعة أو الحدادة.. ولكنه يسمّى نجارا لكونه يتقن النجارة أكثر من أي عمل آخر. وهكذا الحال بالنسبة للكاتب أو الطبيب وغيرهما.

فالمحسن من يكون متقنا في معرفة شيء أو في عمله. ولذلك قالوا: أحسن الشي: جعله حسنا. وفي القرآن: (الذي أحسن كل شيء خلقه) (السجدة: 8).. أي الذي خلق كل شيء، وأودعه أفضل القوى للقيام بعمله.

والإحسان أعم من الإنعام؛ إذ إن الإنعام إنما يكون على الآخرين فقط، ولكن الإحسان يكون للإنسان نفسه ولغيره أيضا. فالإحسان هو صنع المعروف لكل البشرية بلا استثناء. والإحسان أفضل من العدل أيضا، لأن العدل أن يعطي الإنسان ما عليه لا أكثر، ولكن الإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له(المفردات).

وأحسن أتى بالحَسَن، أي قال قولا حسنا، أو علم علما حسنا، أو عمل عملا أحسنه، وهو ضد أساء. وأحسنه: علِمَه جيدا. يقال فلان يحسن القراءة أي يعلمها جيدا وأحسن له وبه: صنع به معروفا. (الأقرب)

ومعنى العبارة (من أسلم وجهه وهو محسن) أنه يسلم نفسه لله تماما ويطيع رسوله حق الطاعة. فقد روي عن عائشة (رضي الله عنها) قول النبي : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (البخاري، كتاب البيوع).. أي من عمل ما لم نأمر به فعمله مردود مرفوض؛ لأن الرسول الذي جاء بكلام الله هو الأجدر بفهم هذا الكلام.

وقد ورد في الحديث أن النبي سئل مرة: ما الإحسان؟ فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تراه فإنه يراك (البخاري، كتاب الإيمان). والحق أن النبي قد ذكر هنا معيارا لمعرفة المكانة الروحانية التي يتمتع بها أي إنسان. فقد بين أنه يجب على الإنسان إتقان عبادة ربه لدرجة يستطيع بها رؤية الله تعالى، أو تستولي عليه الخشية لدرجة الشعور أنه واقف أمام ربه. إن الإنسان عندما يوجه عنايته إلى ربه ترتفع معنوياته وتتقوى.. كالجيش المنهزم عندما يرى مليكه فيتشجع ويثبت في مكانه. ولكن الإنسان إذا لم يحصل على إحدى هاتين المكانتين فلا يعد محسنا.

فقوله تعالى (من أسلم وجهة لله وهو محسن) يعني على ضوء ما روته السيدة عائشة (رضي الله عنها) أن من وجّه كل عنايته إلى الله واتبع النبي حق الاتباع. ومعناه على ضوء ما جاء في الرواية الأخرى: من وجّه كل عنايته إلى الله وبلغ من حيث الروحانية درجة كأنه يرى الله تعالى؛ أو انقاد لأوامر الله كأنه من ناحية يطيع أوامره، ومن ناحية أخرى يصل علمه إلى درجة الكمال، وعمله إلى درجة العرفان.

التفسير:

هذه الآية جواب لقولهم (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)، ويبين الله هنا أن الإسلام يعني إنشاء علاقة وطيدة بالله، وحب خلقه والعطف عليهم، وإنما الناجي من يسلم نفسه إلى ربه كل التسليم من ناحية، ولا يمد يده للسؤال إلا إليه، ومن ناحية أخرى يكون من غنى النفس بحيث يعفُّ عن السؤال من غيره، بل ويعطي الجميع بسخاء. وقد أشرت إلى نفس الموضوع في بيت من شعري، ومعناه: أعط كل الخلق، ولكن لا تمدن يديك إليهم للسؤال.

فهذه هي ميزة المحسن أن يسأل الله ما يحتاجه، ثم يسخو به على الخلق. والواقع أن الانقياد لله والتوجه إليه والشفقة على خلقه هي خلاصة تعاليم الإسلام. ولقد اعترض البعض كيف أن سيدنا المهدي والمسيح الموعود (عليه السلام) يقول في كتبه أن تعاليم الإسلام تتلخص في الانقياد لله تعالى والشفقة على خلقه (البراهين الأحمدية ج5ص29). والحق أن هذه الآية هي التي تقرر ذلك. فقوله تعالى (من أسلم وجهه لله) تتضمن معنى الانقياد لله، وقوله تعالى (وهو محسن) يعني الشفقة على خلقه. وقوله (بلى) يشير إلى أن النجاة تكون لمثل هؤلاء وليست لكم يا أهل الكتاب، فإن لهم أجرا عظيما عند ربهم.

فقول الله هذا يتضمن نكتة لطيفة، وهي أن أهل الكتاب ادّعوا بأن النجاة مخصوصة بهم، ولكن الله يبين أن النجاة ليس مدارها اعتناق على دين معين، وإنما هي في الانقياد التام لكل ما يأتي من عند الله تعالى.. وهذا هو الإسلام الحقيقي وإنكاره يحرم من النجاة.

أما فيما يتعلق بمسألة: من هو الناجي، ومن ليس كذلك؟.. فليكن معلوما أن الإسلام إنما يحكم بالنجاة كقاعدة للذين هم مصداق قول الله (من أسلم وجهه لله وهو محسن).. وإلا فالله مالك يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.. فمنذا الذي يمنعه إن أراد أن يغفر لهندوسي أو سيخي أو مسيحي أو يهودي؟

وقوله تعالى (بلى، من أسلم وجهه لله) يشير كذلك إلى أن من واجب المؤمن الصادق أن يسلم نفسه تماما لله تعالى، ويجعل حاجاته الدنيوية تابعة لحاجاته الدينية. وقد يبدو هذا الأمر تافها في بادئ الأمر، ولكن الحقيقة أن هذا هو الفارق بين الإسلام والأديان والأخرى. فالإسلام لا ينهى عن طلب العلم، ولا عن كسب المال أو التجارة أو الصناعة أو الحرفة، ولا عن توطيد دعائم الحكم، وإنما يريد له ذلك بوجهة نظر معينة.. فلكل عمل في الدنيا وجهتا نظر: إحداهما تقوم على كسب اللب من القشر، والثانية تقوم على كسب القشر من اللب. فالذي يريد كسب القشر من اللب ليس من الضروري أن ينال مرامه، وإنما يمنى بالفشل في أكثر الأحيان، ولكن الذي يحاول الحصول على اللب يجد اللب والقشر أيضا. فكل ما بذله النبي وأصحابه من جهود كانت لنشر الدين، ولكنهم لم يحرموا من نعم الدنيا. والحق أن الذين يطلبون الدين تتبعهم الدنيا كأنها أمَة لهم، ولكن ليس من الضروري لطالب الدنيا أن ينال الدين أيضا. فأحيانا لا ينالون الدين، وأحيانا أخرى يحرمون مما تبقى في أيديهم من الدين.

وقوله تعالى (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون): الخوف يكون مما يخفيه المستقبل، وأما الحزن فيكون على ما حدث في الماضي. يقول الله تعالى: إن مستقبل المسلمين مصون محفوظ، فلن يضرهم كيد الكائدين، كما أنهم لا يقلقون مما صدر عنهم في الماضي.. ذلك لأن الله لو لم يغفر لهم ما اقترفوه لطاردهم التفكير فيما ارتكبوا من الأخطاء في السنين الماضية من عمرهم. ولكن المسلم ما أن يسلم وجهه لله ويدخل في الإسلام إلا ويغفر الله له ما تقدم من ذنوبه. فماضي المؤمن لا يقلقه ولا يحزنه لأنه يصير بعد الإيمان كما ولدته أمه. لا شك أنه لو ارتكب أي ذنب بعد الإيمان فلا بد أن يدرج بقائمة أعماله، ولكن فيما يتعلق بالذنوب السابقة فإن التوبة تمحوها تماما. فخلاصة القول أن الله قد أوضح هنا أن من كان ذا صلة متينة بالله، وأحسن إلى خلقه.. فلا خوف عليه ولا حزن، لأنه يحفظ نفسه في كنف الله جل وعلا. إنما يطارد الخوفُ مَن لا يؤمن بالآخرة أصلا، فيخاف مِن الموت متمنيا طول زمن الملذات؛ إذ يعلم أنه يصير بالموت ترابا، فلن يتمتع بملذات العيش، أو يطارد الخوفُ مَن يؤمن بالآخرة ولكنه لا يعمل طبقًا لإيمانه.. فيخاف من الموت لعلمه أن الله تعالى سوف يحاسبه. ولكن المؤمن الصادق في إيمانه، العامل بحسب هذا الإيمان فلا يخاف ولا يخشى.

ثم يقول الله تعالى إن العلامة الثانية للمؤمنين الصادقين أنهم لا يحزنون. علما بأن هناك فرقا بين الحزن وبين الصدمة التي تصيب الإنسان عند ضياع شيء ما لشدة علاقته به ومحبته له. فالله لا يمنع من الشعور بالصدمة أو إظهاره. أما الحزن الذي يُنفى عن المؤمن فهو قلقه على ما صدر منه من تقصيرات في الماضي، وظنه أنه سيحرم من تأييد الله بسببها. ينفي الله عنهم هذا الحزن لأنهم يؤمنون بحب الله وقدرته إيمانا كاملا.. ويدركون أن الله لن يضيع عباده المخلصين.

الترتيب والربط:

قبل الآيتين رقم 105 ورقم 106 ذكر الله المخططات اليهودية التي دبروها بالتآمر مع القوى الخارجية. ثم بدأ من هاتين الآيتين في ذكر مخطط يهودي آخر.. وهو أنهم يحاولون تثبيط همم المسلمين، ويريدون أن يوقعوهم في خطيئة إهانة رسولهم بطريق أو آخر؛ فيحرموا هم أيضا من النعم الإلهية.

ثم بين في الآية رقم 107 أننا عندما ننسخ أي كتاب سماوي نأتي بأفضل منه، فعلى اليهود أن يفكروا جيدا: هل يجدون أي مثال لأمة نجحت من قبل في إيقاف نشر وتأثير رسالة سماوية لموسى أو لغيره من الأنبياء حتى يظنوا أنهم سينجحون الآن ضد محمد .

وتناولت الآية رقم 108 أن هذا الكتاب أنـزله ملك السماوات والأرض، فلا شك في أن عواقب معارضتهم له خطيرة للغاية.

وفي الآيتين رقم 109، 110 ذكر كيدا ثالثا لليهود كادوه ضد الرسول حيث كانوا يوجهون إليه أسئلة سخيفة، لكي يقلدهم المسلمون فيسألوا رسولهم أسئلة مثلها ويصابوا بهذا المرض، وتزول عظمة دين الله من قلوبهم شيئا فشيئا. ويحذر الله المؤمنين بأن هؤلاء قد هلكوا بسبب توجيههم أسئلة من هذا القبيل إلى موسى، ويريدون أن يجعلوكم غافلين متوقحين كافرين.

وفي الآية رقم 111 بين الله طريق الوقاية من شرهم ومكرهم.. وهو التوجه إلى عبادة الله والشفقة على خلقه.

وفي الآية رقم 112 ذكر مع اليهود المسيحيين أيضا – وهم فرع من الدين الموسوي، ولكنهم انفصلوا عنه كلية – وبين أنه إذا كان الله قد عهد عهدا جديدا لقوم جديد، وكُتُبُكم تنبئكم بهذا العهد الجديد، فكيف يمكن الآن نيل النجاة بمجرد القول إننا يهود أو نصارى؟

وفي الآية رقم 113 دحض مزاعمهم، وأخبر أن طريق النجاة هو الانقياد الكامل لله تعالى والشفقة على خلقه.

 

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحكم بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (114)

التفسير:

يقول الله تعالى إن هؤلاء الذين يعتبرونكم غير ناجين.. قد ساءت حالهم لدرجة أن اليهود يقولون إن النصارى لا خير فيهم، ويقول النصارى إن اليهود لا خير فيهم.. مع أن كلتا الفئتين تقرأ كتابا واحدا، وتدعي أنها تؤمن بالتوراة. ومن المعلوم أن اليهود لا يعدون الإنجيل -كالنصارى- من الكتاب المقدس.

لقد ذكر الله قبل ذلك ثلاث دعاوى لليهود، والآن ذكر الرابعة. والحق أن هناك شبها بين الأولى والثانية، وبين الثالثة والرابعة. فقد ذكر أولا أنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، ثم ذكر دعواهم الثانية بأن الدار الآخرة لهم عند الله من دون الناس. فهذه الثانية أكبر من الأولى، وقد دحض الله كلتيهما. وكانت الثالثة أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والرابعة أكبر من الثالثة إذ ينفون بها وجود أي خير في غيرهم حيث يدّعون ألاّ خير في النصارى، والنصارى أيضا يدعون مثل دعواهم. والحق أنه حتى من يستحق النار يمكن أن يكون فيه بعض الحسنات، ولكن وجود بعض الحسنات فقط لا يكفي ليستحق الإنسان الجنة، وإنما يدخلها من رجحت كفةُ حسناته كفةَ سيئاته. أما هؤلاء فقد تشددوا وغلوا في القول بحرمان الناس من الجنة لدرجة أن نفوا وجود أي خير في سواهم.. فيرد الله عليهم قائلا: دعوكم من الحسنات الأخرى.. وأخبروني: أليست تلاوة التوراة من الحسنات؟ وما دام النصارى يتلونها فلماذا تنكرون وجود أي حسنة فيهم؟

وفي الواقع أنه ما من دين إلا ويتضمن بعض الحقائق والمزايا، وإنما يعني قولنا (دين الحق) أنه أكثر الأديان شمولا للمزايا والكمالات، ونـزاهة عن النقائص.. وإلا فكل دين لا بد وأن يشتمل على بعض الحقائق. ولكن الأسف أن الناس عموما لا يفهمون هذه الحقيقة الأصلية، مما يؤدي إلى العداوة الدينية الشديدة.

إن الإسلام يعارض بشدة هذه الظاهرة.. ظاهرة ضيق الصدر هذه بين أهل الكتب، فهو – إلى جانب دعواه بصدقه – يعترف أن كل دين يتسم ببعض المزايا، وينصح أتباع الأديان المختلفة بألا يهاجم بعضهم بعضا هجوما أعمى، بل عليهم أن ينظروا إلى مزايا الآخرين أيضا، وألا يتعاموا ويظنوا – تعصبا بدون تحقيق وتدقيق –أن دين غيرهم كله عيوب ونقائص وأنه خال من أي خير وكمال. وقد لام الله اليهود والنصارى في هذه الآية على عداوتهم الشديدة وتعصبهم الأعمى. والحق أن الناس لو عملوا بتعليم القرآن هذا لتغيرت خريطة العالم، وانمحى أي أثر للخصومات والفسادات، واستتب الأمن والاستقرار حقا. ذلك أن أساس الخصومات الدينية إنما هو سوء الفهم هذا. فالناس يندفعون إلى مهاجمة دين آخر بدون أدنى تدبر في تعاليمه، مما يثير ثائرة البغض والانتقام في نفوس أهل ذلك الدين ضد دين المهاجمين، وهكذا يُحرمون من فرصة التدبر في دين الآخرين في هدوء وبعد عن التعصب. كل واحد يهاجم دين الغير بدون أدنى تدبر بناء على روايات أعداء ذلك الدين، ويعد عقائده غير منطقية ومجموعة أوهام غير قابلة للعمل، بل مخلة بأمن الدنيا.. ويتنفر من ذلك الدين. مع أنهم لو تدبروا في أديان أخرى بصدر رحب لوجدوا في كل دين بعض المزايا وبعض النقائص، ماعدا “دين الحق ” الذي يكون منـزها من كل عيب ومنقصة. ولا بد أن يؤدي بهم هذا التدبر الهادئ إلى أمن وأمان وحب ووئام.

لقد تفشت ظاهرة الاعتداء على أديان الآخرين في عصرنا هذا لدرجة أن أصبحت شغلا شاغلا بين الناس. مع أن نتائجه خطيرة جدا للعالم كله. وقد نبه القرآن الكريم في هذه الآية إلى التخلص من هذا العيب بصفة مبدئية.

والأسف أن الفرق الإسلامية في هذه الأيام أيضا مصابة بهذا المرض. فرغم أنها تؤمن بإله واحد، وبكتاب واحد وبرسول واحد.. إلا أنها تتبادل فتاوى التكفير على أدنى اختلاف.

وفي قوله تعالى (كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم).. يبين أنه ليس اليهود والنصارى وحدهم الذين أصابهم المرض، وإنما سائر الجهال الذين لا يعلمون علما حقيقيا يهاجم بعضهم بعضا بمثل هذه الهجمات.. أي يتناسون تماما محاسن الغير، ولا يذكرون مساوئ أنفسهم، في حين أنه لا يمكن أن يكون أحد مؤمنا بالله ومع ذلك يكون خاليا من أي خير. كيف يمكن أن يوجد في الدنيا شيء لا جدوى ولا خير فيه والقرآن يعلن أن الله تعالى لم يخلق أي شيء من دون فائدة وجدوى؟ بل لقد اعترفوا الآن بفوائد سموم الحيّات والعقارب. أفليس من الظلم في حق الله ألا نتوقع في الإنسان أي خير.

قوله تعالى (فالله يحكم بينهم يوم القيامة).. يعني أن الذين قالوا إن اليهود لا خير فيهم أو أن النصارى لا خير فيهم.. لم يصيبوا في قولهم. نعم، فيهم بعض النقائص، ولأجل ذلك بعث الله نبيه محمدا ليصلح عوجهم. والحق أن حسناتهم قلّت وسيئاتهم كثرت، ومن سنة الله عند كثرة السيئات وقلة الحسنات وتفشي الفساد في العالم أن يبعث نبيا من عنده.. لتقليل السيئات وتكثير الحسنات وليوثق العباد صلتهم بربهم من جديد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك