ندوة علمية لإمام الجماعة

ندوة علمية لإمام الجماعة – أيده الله بنصره العزيز

مع إخوة من المملكة المتحدة

بتاريخ29/9/1995

س3: سؤالي أيضا عن الظروف الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين في واشنطن. هناك اتفاقية تتكون من 400 صفحة.. ويبدو أن الفلسطينيين المساكين لا يدرون ما يوقعون عليه.

*حقا؟

-: نعم، فالاتفاقية تستغرق 400 صفحة.

* إنني لا أفهم كيف يمكن أنهم قرأوا 400 صفحة للاتفاقية ولم يعرفوا ما فيها. ولكن مَن قرأ أو سمع هذا الخبر عن 400 صفحة عرف كل شيء.

-: سيدي، كيف تسير الأمور؟ إنها خدعة ضد الفلسطينيين.

* أين الخدعة؟ أخبرني.

-: سيدي، إلى متى ستسير الأمور على ما يرام بسبب هذه الاتفاقية؟

* أخبرني ماهي الاتفاقية؟

-: سيدي، هي اتفاقية أمن عقدوها مع الفلسطينيين.

* إن ما اتفقت عليه إسرائيل معهم هو أن إسرائيل تعترف بدول مستقلة فلسطينية، وسوف تستمر في الحكم هكذا. هل تعترض أنت على هذا الأمر؟

-: سيدي، الاتفاقية التي تتم بين الطرفين لا يتضح لنا منه شيء؟

* أنت لم تر شيئا فماذا سيتضح لك؟ نصُّ الاتفاقية ليس أمامك ، فكيف تستطيع رؤيتها؟ هذه حالة اضطرار. ماذا نفعل إذن؟ أليس الأمر هكذا؟

س 4: سؤالي عن البوسنة. هذه الاتفاقية التي تمت مؤخرا تقول بتشكيل حكومة مشتركة بين المسلمين والمسيحين. مع أننا لم نر أنه نجحت حكومة مشتركة بين المسلمين والمسيحين. لقد زرت قبرص، وحال الحكومة المشتركة هناك بيِّن للجميع. فما رأيكم؟

ج4: انظر، إن هذه الخرائط الجديدة التي تظهر في جغرافية العالم بقطعٍ وبتر لأراضي بعض البلاد.. تشكل دليلا على أن الأمم التي حققت الغلبة في الدنيا، والتي تسمى دجالا أو يأجوج أو مأجوج.. هي نفسها لا تزال تقتطع الأراضي وتغير الخرائط وتصنع دولا جديدة. والمسلمون للأسف لم يهتموا بدراسة هذه الظاهرة. إنهم ما لم ينالوا القوة -وأنا لا أتحدث هنا من الناحية الدينية وإنما أقول من الناحية السياسية- لن يسمع أحد لصراخهم.

ماذا حدث في الكويت؟ كان الإنكليز هم الذين بتروا جزءا من العراق، وجعلوا منه دولة الكويت تأييدا للسعودية. هذا حادث تاريخي، اعترف به وذكره الكتاب الإنجليز أنفسهم. وقد ذكر الصحفيون منهم هذا الأمر أثناء حرب الخليج، وإن جريمة العراق هي أن صدام قال: “ها أنذا أسترد الجزء الذي بتروه من بلدي ولكن بدون استئذان منكم”. هذه هي جريمة صدام التي يُعاقب عليها. لماذا لم يستأذن الانجليز لذلك؟ وما كانوا ليأذنوا له بذلك.

هكذا ظهرت خرائط كل العالم. وأنتم لا تملكون أمام ذلك شيئا. ماذا حدث بأفريقيا؟ ما سبب هذه الحروب الدائرة في أماكن شتى هناك.. مثلا في ليبريا؛ وعلى حدود سيراليون: وفي رواندا: وغيرها. يظن عامة الناس خطأ أن خرائط الدول الإفريقية هكذا كانت منذ البداية حتى استعمرها الغرب. كانت خرائط هذه الدول مختلفة تماما. كانوا يعيشون معا في نظام قبائل. وكانت اللغات والقبائل هي التي ترسم حدود هذه البلاد .. حتى استعمرها الإنجليز والبلجيك والفرنسيون والبرتغال والألمان في مناطق شرق أفريقيا. كل هؤلاء عقدوا مؤتمرا في بلجيكا، قرروا فيه ماذا يجب فعله بالقارة الأفريقية. قالوا فيما بينهم: يجب ألا يدفعنا التنافس فيما بيننا إلى خطوات في شأنهم تضرنا جميعا. فاتخذوا قرارات في هذا المؤتمر، منها أن يتم تقسيم القارة بحيث لا يعيش أفراد شعب أو قبيلة معا ، وأن توضع خرائط لبلاد جديدة بحيث يعيش بعض الأفراد من قبيلة في بلد والآخرون في بلد آخر.

وهذا ما نفذوه. وهذا بالفعل ما كانوا يفعلونه من قبل. ولكن عند هذا المؤتمر اتفقوا معًا وعلنًا على أن هذه استراتيجية معقولة، ويجب أن نعمل بها دائما، وألا نتنازع فيما بيننا حول هذا الأمر. فقطعوا القارة الأفريقية قطعا عديدة، وصنعوا من هذه القطع والرقع بلادا جديدة، كما يصنع عندنا في السند لحافا يسمى (رُلّي) من رقع شتى من الثياب من هنا وهناك. ولا يزالون في قطع البلاد وترقيعها هكذا. من الذي قطع أجزاء من باكستان عند انقسام الهند الكبرى وضموها إلى الهند؟ هل نسيتم؟ هؤلاء الانجليز هم الذين بتروا أجزاء من باكستان لكي تقع كشمير ثائرة دائما؛ ولكي يبيع الغرب للدولتين سلاحه، ولتكونا قوتين عسكريتين.. بينما اعتمادها كلية على شراء الأسلحة من الغرب؛ ولكي يدمر اقتصادها تماما. ذلك بأن ينفق البلدان كل أموالهم بسبب عدواتهما على شراء الأسلحة.. حذرا من الطرف الآخر. وكلما تشابكا فرَّقنا بينهما بقوتنا قائلين: إننا لم نأمركما بالقتال، وإنما أن يكشر الواحد منكما أنيابه للآخر. لقد قمتما بتقوية أنيابكما بحيث إذا دخلتما في القتال أصبتما بجراح دامية. ولكن حَذار أن تتقاتلا بجدية. يَكفي أن يُدمي أحدكما الآخر فقط. والنتيجة أن كلّاً من البلدين قد استنزف قوته الاقتصادية كلها في تشحيذ الأنياب وتقوية البراثن. وماذا عن باقي الجسم؟ لا شيء. الباقي هو عامة الناس المساكين الضعفاء الذين يتعرضون للإهانة والإذلال في شوارع كراتشي. والجياع في السند أو البُنجاب والإقليم المجاور لأفغانستان. فهذا البتر والقطع الإنجليزي خلَّف هؤلاء الجياع. لقد حاولت مرارا شرح هذا الموضوع لقادة البلدين كليهما وعلى انفراد. وقلت لهم إنكم بدون داعٍ قد فخَّمتم وعظَّمتم بهتافاتكم الفارغة هذا العداء. ولا تفكرون أنكم بذلك تمتصون دماء العامة.وبدمائهم تمارسون زعاماتكم.

عندما تثيرون عواطفهم بهذه النعرات فإنهم لا يبالون بجوعهم وعُريهم، لأن العداوة إذا تمكنت من شخص فإنه يثور بسببها دون النظر إلى العواقب ويقول: مهما حدث فعليَّ أن أثبِتَ للناس أنني غيور على قومي. والنتيجة أن العامة في كلا البلدين قد صاروا فراخ قربان في الهند والباكستان. عندما زرت الهند في المرة الأخيرة، وكان الأستاذ أفتاب أحمد خان في رفقتي في بعض اللقاءات مع الزعماء الهنود.. وشرحت لهم ما رأيتُ من بؤس وفقر ملازم للعامة في شوارع “دلهي”، وما شاهدت أثناء سفري إلى “آغرا” قلت لهم: لماذا لا تنظرون إلى حالتهم البائسة بدلاً من رفع الهتافات باسم كشمير؟ ألا تعقلون أن كل هؤلاء العامة الذين يموتون جوعا لا دينَ لجوعهم؟ أما أنا فلم ألاحظ أي فرق بين مسلم جَائع وهندوسي جائع وسيخي جائع.نعم، رأيت الإنسانية جائعة بائسة.

تبذلون أكثر من 10% من ميزانيتكم على إثارة عواطف الشعب ضد باكستان باسم كشمير، وهذا نفس مايحدث في باكستان. النار مشتعلة في قلب كلٍّ من الطرفين.. ومن الذي يكسب من هذا؟ إنما الكاسب هو القُوى التي تسمونها عدوّاً لكم وللإسلام. ما أشدهم غباء وحمقا! تمنعُهم من أن يكونوا ألعوبة في يد الأعادي فلا يمتنعون؛ بل يعدُّونك عميلا لتلك القوى! فما العلاج للغباء؟ القرآن يقول: “أليس منكم رجل رشيد؟”، وهذا ماينطبق عليهم. الرُّشد لا يمُّسهم ولا يمر بمقربة منهم.

بياناتهم كاذبة وهمية، وما يثيرون به العامة أيضا كذب. لا يدركون أنهم لو حاولوا بناء البلد..بدلا من الإنفاق على شراء السلاح للدفاع أو الهجوم، واهتموا ببناء الاقتصاء ولو من الآن.. لصار البلد قويا في سنوات قليلة. يجب أن يكونوا أقوياء اقتصاديا؛ وبعد ذلك يمكن أن يصنعوا الأسلحة أو يشتروها. الحالة الاقتصادية الجيدة هي الحياة.

انظروا، ماذا فعل اليابانيون؟ طوَّرُوا حالتهم الاقتصادية. لقد اهتموا باقتصادهم. لم يقعوا في خصومات دينية، ولا في خلافات أخرى. وفي وقت قصير.. صارت قوتهم الاقتصادية كقوة عسكرية أيضا.

لا يمكن إنعاش الاقتصاد في هذا الزمن بدون العلم والتكنولوجيا. وكذلك إذا كان هناك العلم والتكنولوجيا فلا بد من أن يزدهر الاقتصاد؛ لأن كل واحد منهما يستلزم الآخر، ويسانده. ومثال ذلك ما حدث في اليابان. فعندما حققوا ازدهارًا اقتصاديا تحولوا فورًا إلى قوة عسكرية عندما أرادوا الحرب.. لأن المعرفة والخبرة ضرورية. كان متوفرا لديهم ذلك.. لأن الحالة الاقتصادية لا تتحسن بدون التكنولوجيا والعلم. عندما تكون الخبرات قوية.. فكل ما يحتاجونه هو أن يغيروا مجراها.. أي أن ينتجوا غيرَ ما كانوا ينتجونه من قبل. بناء على الخبرة الفنية الموجودة لديهم يحتاجون لتغيير المجرى والاتجاه فقط.. لأن العملية واحدة. إنهم ينظرون إلى اليابان، ومع ذلك لا يفهمون! ويرون كوريا، ولا يشعرون! أين الملات هناك الذين حققوا لهم هذا الازدهار؟ الواقع أن انعدام الملات بينهم سبَّب لهم الازدهار. ثم انظروا إلى سنغافورة.. كيف ازدهرت وتحولت إلى شيء آخر.

لا شك أن القوى الغربية تقوم فعلاً بقطع وبتر أراضي البلاد الأخرى. إنني لا أنكر ذلك أبدا. لقد حققوا غلَبةً سياسية، ومارسوا الفساد والدهاء والدبلوماسية التي أسميها الدجل. لقد حدث ذلك بالفعل، ولكن ليس لنا أي ذنب في ذلك. بل هذا مذكور في القرآن نفسه، وقد أنبأ الرسول أن هذا سيحدث، وحذَّرنا من هذه القوى. كما نصحنا باجتناب أمور معينة كي نتحاشى أذاهم. قال: عليكم بقراءة عشر أيات من أول سورة الكهف وعشر آيات من آخرها.

عندما نقول: انظروا، هذه القوى هي الدجال، يقول المعارضون: لا، أنتم الدجال الأعور الظالم؛ كيف يمكن أن يكون دين الإنجليز دجالا؟ وليس القساوسة أيضا دجالا؛ لم يظهر بعد حمار الدجال؛ إن الحمار لم يولد بعد! كنت اقترحت على هؤلاء المشايخ مؤخرا.. ربما في ألمانيا أو هولندا.. أن يعينوا لجنة لاستكشاف تلك الأتان الضخمة الهائلة.. التي تنفك تكبر والتي يتوقع منها أنها ستلد للدجال ذلك الحمار الضخم.. كما يعينون لجانا لرؤية الهلال؛ أو كما يقوم علماء الفلك ببناء المراصد لمراقبة ظواهر الكون. إن دور الدجال يأتي فيما بعد. ابحثوا أولاً عن حماره واقتلوه؛ ولو قتلتم حماره فماذا يمكنه أن يضركم بدون حماره؟ إن قتل الدجال يتم فيما بعد، أولا ابحثوا عن ذلك الحمار.

هؤلاء   الظالمون الجهلة، الذين أوقعوا الأمة في مثل هذه الاعتقادات الخرافية الحمقاء.. كيف يمكن أن يحاربوا هذه القوى؟ شكواك من قطع وبتر هؤلاء لبلادالآخرين حق. هذا صحيح، ولكن هذا دليل على قوتهم. والقوة لا تحارب إلا بالقوة. عليكم أن تكسبوا القوة، لا أن تضيعوا قواكم فيما لا طائل منه. لا تتحاربوا، وأنشئوا علاقات حسن جوار مع الجيران، وانصحوهم بهذه الأمور. يجب أن تتشاوروا معهم حول هذه الأمور في السر أولا، ثم قوموا بدعاية بين العامة عن هذه العملية. فهي تتطلب جهودا إصلاحية مستمرة لأربع أو خمس سنوات على الأفل لتنجح. عندئذ سوف تنالون الحرية، لأنكم في الحقيقة لستم أحرارا الآن. عندئذ سوف تبنون اقتصادكم بحرية. وبعد فترة سوف يهابونكم أنتم أيضا كما يهابون اليابان، ويبدأون في احترامكم مثلهم.

س5: حضور: نعم، يا أستاذ أشرف، لقد رأيتك أمس خارجا للتنزه. ولكنك كنت في حالة رديئة جدا. لم تكن تلبس لباسا مناسبا، ولا غطاء على رأسك.

السائل: كنت أستثقل الغطاء على رأسي.

* حسنًا، الآن لا تقدر على تحمل ثقل غطاء للرأس، ومن قبل كان يخرج وعلى رأسه طربوش طويل جميل، مع لباس ضيق في هيبة ووقار. أما أمس فنزل من السرير وخرج متنزها. تفضل بما  عندك.

– : سيدي، هناك ذكر ليأجوج ومأجوج في القرآن في سورة الكهف.

* لقد أجبت على هذا السؤال قبل قليل.

– : لا هذا سؤال آخر.

* طيب، تفضل.

-: في التوراة سُمي الروس يأجوج والانجليز مأجوج.

* ماذا ورد في التوراة عن إنجلترا؟

-: ورد عنها أنها مأجوج.

* أين ورد؟ لم يعرف أحد اسم إنجلترا عندئذ.

-: نعم، لقد ورد.

* اقرأ

-: لقد ورد هذا في التفسير.

* قُلت في التفسير. هكذا فسَّر الخليفة الثاني عبارة التوراة، فلا تنسب إلى التوراة ما لم يرد فيها ولكن فسره الخليفة الثاني. نعم، ورد في التوراة كلمة “جوج روس”، ولكن ليس فيها كلمة “يا انجلترا”.

-: لقد نقلت العبارة من التفسير.

*إنني أشرح لك أن التفسير شيء آخر. الخليفة الثاني قام باستدلال قوي في تفسيره، وقال هكذا أفسر هذه الكلمات التوراتية. وكما لا يجوز تقديم التفسير على أنه آية قرآنية، كذلك لا يجوز تقديم تفسير كلمات توراتية على أنها كلمات أصلية توراتية. كان عليك أن تقول إن هناك ذكر لـــ “جوج روس” في التوراة، وفيها إشارات استنبط منها الخليفة الثاني أنها تشير إلى إنجلترا. ماذا عندك بعد ذلك؟

-: ورد في القرآن ؟

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا

(يقول أمير المؤمنين يجب وضع الميكروفون قريبا من فمك. لماذا يرفعون الراية أمامك؟)

ويترجم الأخ الآية ويسأل: ما هو المراد من نفخ الصور هنا؟

يقول حضرته : كل انقلاب روحاني أو سياسي يسمى ساعة أو قيامه. وفي معظم الأحيان ساعة. فالإذن الإلهي لحدوث ساعة أو قيامة هو بمثابة نفخ الصور. نُفِخَ فِي الصُّورِ هنا ليس الصور الذي تسمعونه قبل الحرب، وإنما هو صور القدر الإلهي. إن قدره تعالى ينفخ صورًا أن قد حان أن تهبَّ هذه الأمم وتحارب.

السائل: هل أسأل سؤالا آخر؟

  • نعم ، تفضل.
  • س6: ورد في سورة الأنبياء: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . ويبدو من هذا أن يأجوج سوف يبقون مقيدين إلى فترة من الزمن، ثم يطلق سراحهم. فما هو زمن سراحهم؟
  • ج6: نفس هذا الزمن الذي تعيش فيه. والواقع أن هناك حقيقة تاريخية وراء قول الخليفة الثاني بأن يأجوج ومأجوج هم الروس والإنجليز.. وهي أن كل الحروب التي شنتها الأمم المسيحية ضد البلاد الإسلامية كانوا يسمونها حروبا صليبية. والأمر الواقع أن هذه الأمم المسيحية هم الذين كانوا يشنون حروبا باسم الدين للاستيلاء على بلاد الآخرين. ولقد استمروا في هذه العملية لمئات السنين. قبل فترة أذاعوا فيلما تاريخيا من إحدى القنوات عن الحروب الصليبية ضد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وصاحب الفيلم الذي أعده يعترف فيه مرارا أننا نحن الغرب، نتهم المسلمين اليوم بتهم شنيعة، ولكن الواقع أن الجرائم الهائلة التي ارتكبناها ضدهم في الحروب الصليبية لم يرتكب المسلمون حتى عشر معشارها أبدا، ولقد عرضوا كل هذه المظالم المؤلمة في هذا الفيلم.

لقد اشترك الفرنسيون في الفترة الأخيرة في هذه الحروب. ولكن الإنجليز كان فيها يمثلون أوروبا في الحقيقة. ما هي القوة الإسلامية التي كانت تقف سدا منيعا ضد هجماتهم؟ إنها الإمبراطورية التركية… التي لم تسمح لهم بالهجوم على بلاد الشرق بنفس القوة السابقة.

من الذي هدم هذا السد المنيع؟ إن الانجليز خلقوا الدولة السعودية. صنعوها ونحتوها بأيديهم. أمدوها بالمال والسلاح والبنادق .. وتأييدًا لها بتروا منطقة الكويت من العراق. وحرضوا أهل الجزيرة بأن حكام بلدكم ليسوا من أهل الحجاز، بل هم ممثلون للدولة العثمانية التركية.. وهي ليست عربية، فلماذا لا تُبدون غَيرة، وتقومون بثورة ضد حاكمكم شريف مكة -وكان من الأسرة الملكية الهاشمية الحاكمة على شرق الأردن حاليا- واطردوهم من بلادكم.

انظروا إلى مكيدتهم البارعة. فإنهم بحجة إنقاذ العرب من الأتراك.. نصحوا العرب بالهجوم على الطرق التي تربط بين تركيا والحجاز حيث مقر ممثلها الحاكم عليهم.

وعبيد الإنجليز هؤلاء.. بدون نظر إلى العواقب.. قاموا بأعمال هي إساءة وعداوة للإسلام تعصُّبًا لقومهم. وهدموا الجدار أو السد الذي أنبأ عنه القرآن أنه إذا تهدم فسوف تكثر هجمات يأجوج ومأجوج. وبالفعل، بعد انكسار الإمبراطورية التركية قام الغرب بكل قوة وشدة مهاجما البلاد الإسلامية. لم يتمكنوا من كسر هذه الإمبراطورية من قبل.. لا في أوربا ولا في أي مكان آخر، بل كانت بنيانا مرصوصا في وجوههم. لذلك كانوا يكرهون تركيا كراهية شديدة، بل لا يزالون يكرهونها، ولكن الظروف قد تغيرت الآن بعض الشيء.

من الذي كسر هذا السد؟ هذه الأسرة السعودية هي التي نقبت السد وصدعته. إنه تاريخ مفتوح معروف للجميع. ولا تهمة في هذا القول. أي إنسان عاقل من العالم لو تصفح كتابا عن هذا التاريخ لتوصَّل إلى نفس هذه النتيجة.. أي أن هؤلاء السعوديين هم الذين أحدثوا ثقبا (خرقا) في هذه الجدار. هكذا تهدم الجدار. وبعده اندفع الغرب بكل شدة على الشرق.

وحادث انهدام هذه الجدار فتح أبواب العالم العربي الإسلامي على الغرب. أما الهند فلم تكن عالما إسلاميا عند بعث سيدنا المهدي.. وإنما كان عالما مختلفا مختلطا.. يجمع أخلاطا من الأمم والشعوب.. عالما معاديا للإسلام. إن هؤلاء ينسون أن هوية المسلمين في الهند أخذت تبرز من جديد بعد استيلاء الإنجليز عليها، وإلا فقد كانت رحى المظالم تطحنهم طحنا في بنجاب وأتربرديش وغيرهما من المناطق الهندية . ولم يكن لهم قوة أمام أعدائهم في أي ولاية.

هناك حادث واحد فقط لانكسار قوة المسلمين هناك.. وهو حادث انكسار الدولة المغولية. هذا حادث تهدم جدار هناك أيضا. عند انكسار الدولة المغولية في الهند.

فهناك حادثان لانهدام سدَّين، وكان لانهدامها تأثيرات عميقة وخطيرة وبعيدة المدى. الأول هو حادث انهدام السد الذي تم في البلاد العربية، وهؤلاء السعوديون هم من هدموه.

والثاني انهدام السد في الهند. ولقد انهدم في وقت لم يكن للأحمدية وجود عندئذ. لذلك فإن اتهامات الخصوم كلها تهم كاذبة. إن سيدنا المهدي قد قال عن القائمين بثورة 1858 ضد الانجليز.. أن هؤلاء بعملهم هذا قد خانوا تعاليم الإسلام. هذا ما أشار إليه حضرته في بعض كتبه. والمؤرخون المسلمون المنصفون مثل السير سيد أحمد خان.. قد هاجموا الثوار الذين صاروا لعبة في أيدي أعداء المسلمين لمظالم الإنجليز.

عندما كانت هناك فرصة لمساعدة الحكام المغول خذلهم هؤلاء المشايخ. عندما كان السلطان فتح علي خان تيبو بحاجة إلى مساعدتهم لم يساعدوه. عندما كان هناك فرصة لإنقاذ الحاكم المسلم ولحفظ هذه الجدار.. اختفى هؤلاء المشايخ وظلوا صامتين ولم يحركوا أصبعا. أما أيام ثورة 1858 فكان تحريضهم المسلمين على الإنكليز بمثابة تعريضهم لمظالم الإنجليز. وهذا ما حدث بالفعل. يقولون: الثورة كانت جهادا فهل كان يليق بالله تعالى أن يدفعكم إلى الحرب ثم يخذلكم هكذا. الشيطان يخذل هكذا، أما الله تعالى فلا يعامل المجاهدين هكذا. في غزوة بدر وعد الله المسلمين بالتأييد. ثم لم يزل يؤيدهم إلى آخر لحظة. أما الشيطان فقد وعد الكفار أنه معهم فلا يخافوا، ولكنه دفعهم إلى الحرب ثم فر وخذلهم، كما يقول القرآن.

فأي إله هذا الذي اخترعتموه .. الذي يدفعكم إلى الجهاد بزعمكم ثم ينسحب ويخذلكم؟ فالحق الذي لا مراء فيه أنكم كاذبون. لم تكن هذه الثورة أبدًا جهادا. وإنما كانت فتنة وقعتم فيها وفسادا.. وبالتالي جلبتم على المسلمين غضبَ الحكام الإنجليز الذي كانوا يريدون أن يصبوه على شعوب أخرى، ألم يكن من واجبكم مساعدة الحكام المسلمين عندما كانت الحكومة المسلمة لا تزال قائمة؟ ولكنكم لم تحركوا ساكنا عندئذ. فالحق أنهم يزورون الحقائق التاريخية، ويتهمون الناس باطلا. لعلكم الآن قد رأيتم كيف تهدمت الجدران.

س7 : سيدي، سؤالي أو ملاحظتي هي أن أول مرة في التاريخ الإنساني أنكم عندما تخطبون يسمع الناس في كل العالم خطبتكم عبر القمر الصناعي، وتخاطبون مشاهدين ومستمعين من طبقات شتى.. لا تعرفهم أيضا. أريد أن أعرف .. كيف ومتى تعدون هذه الخطب الشيقة رغم مشاغلكم الكثيرة والكثيرة؟

ج7: بالنسبة لتحضير الخطبة فاعلموا أنني في بعض الأحيان ألقي الخطب في موضوع متسلسل.. وهذا الموضوع نفسه يدفعني إلى الإمام. ولكن في بعض الأحيان لا يكون في ذهني أي فكرة معينة قبل وقوفي للخطبة. هناك ثلاثة أمثلة لذلك من خُطبي الأخيرة. اثنتان منهما ألقيتهما في هولندا، والثالثة خطابي الأخير في الاجتماع السنوي الأخير لجماعتنا بألمانيا. وقفت للخطاب وليس في ذهني أي موضوع جاهز. لكن الله أنطق لساني هكذا تلقائيا. كنت أستغرب من توارد هذه الأفكار وتتابعها عليَّ هكذا.

إذا دعا الإنسان ربه فإنه سبحانه وتعالى يجري فيه تيارا من المعاني، ويستمر في الجريان. وفي كثير من الأحيان تكون مثل هذه الخطبة التلقائية التي ألقيها بدون إعداد سابق أفضل من خطبة تتم بإعداد.

فهذه أعمال إلهية لا يد لنا فيها، وهي تؤكد أن الخلافة الإسلامية الأحمدية خلافة حقة، وأنها في يد الله وحفظه، هو سبحانه الذي يديرها؛ هو الذي يلهمنا العقل ويوفقنا. فهذه ليست ميزة لشاغل منصب الخلافة هذا. وإنما هذه ميزة للمنصب نفسه؛ وهكذا يعامل الله دائما هذا المنصب. وفي المستقبل أيضا .. ما بقى الأحمديون صالحين، محافظين على الأعمال الصالحة.. سوف يفي الله لهم بوعده هذا دائما. يقول الله

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .

يجب ألا تنسوا شرط الأعمال الصالحة، وإلا أصبحتم ملات ومشائخ. ولو بقي الإيمان في الأحمديين وتلاشت الأعمال الصالحة -لا سمح الله- فذلك يوم نهاية الأحمدية. ولكن من المقدَّر أن يأتي أخيرا دورُ الأشرار.. ذلك الذي أشير إليه من قبل، ونحن لا نملك إزاءه شيئا.

حسناً، هل انتهى الوقت؟ أستأذنكم الآن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ألا يا أيُّها الحُرَّ الكريمَ             

تدبَّر يهديكَ المولَـى الرَّحيـمُ

.

ولا تبخل ولا تقصِد فسادًا              

أتطفيءُ ما حَضَا الرَّبُّ العظيمُ

.

وما جئنا الورى في غيرِ وقتٍ             

وقد هبَّت لقارئها النسيـمُ

 

أبيات للإمام المهدي- انجام آتهم

Share via
تابعونا على الفايس بوك