نصير العربية الآتي من قبل المشرق

نصير العربية الآتي من قبل المشرق

سوسن حسين

سوسن حسين

  • من هو العربيّ؟
  • ما رأي ابن عباس في تلك النظرية؟

__

اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وهي كما عرفها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: «ملكة في اللسان، وكذا الخط صناعته ملكتها في اليد» (1). والحديث عن اللغة يجرنا بقوة إلى نقطة البحث في أصل اللغات الإنسانية ومصدرها. وقد شاع لدى كل الأمم القول بأن لغتهم هي لغة الإله، ولا شك أن هذا القول يعكس حقيقة أن اللغة منشأها التعليم الرباني، وليست اختراعا بشريًّا على الإطلاق.

وحين نصل في مرحلة من مراحل الحديث إلى قضية أي اللغات كانت الأسبق ظهورًا، ومن ثم تفرعت منها سائر اللغات الأخرى، فإن العربية، على مائدة البحث العلمي، وبالأدلة العقلية، مرشحة بجدارة لموقع الصدارة، ناهيك عن الكم الهائل من الأدلة النقلية التي نخصص الصفحات القليلة من هذا المقال لعرض بعضها.

لم يقل باحثٌ لغويٌّ واحد أن مكة تكلمت غير العربية منذ عهدها الأول ومنذ أن كانت «بكة» والآية

لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا (2)

هي التي دعت حضرة مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود 1835 – 1908 أن يقول بإلهام من الله وبكل يقين أن العربية أم اللغات بلا شك، ويؤلف كتابه «منن الرحمن» لإثبات تلك الحقيقة. ولنأخذ هذا المقتبس على سبيل المثال: «وظهر عليّ أن القرآن أمّ الكتب الأولى، والعربية أمّ الألسنة من الله الأعلى، وأما البقية من اللغات فهي لها كالبنين أو البنات، ولا شك أنها كمثل ولدها أو ولائدها، وكل يأكل من أعشارها وموائدها، وكل يجتنون فاكهة هذه اللهجة، ويملؤون البطون بتلك المائدة، ويشربون من تلك اللجة، ويتخذون لباسًا من هذه الحلّة» (3).

فأم القرى هي المقر الأول لأول بذرة للمجتمع الإنساني. ولا نعني بهذا أن البشر لم يكن لهم وجود في بقاع أخرى من العالم وقتئذ. فاللغة التي كانت سائدة في أم القرى لا شك أنها هي اللغة الأم أيضًا، فلم يكن هناك مجتمع بشري يعوَّل عليه خارج هذا الإطار الذي سمي في القرآن الكريم بـ «أم القرى» وهذا كما قلنا لا ينفي وجود تجمعات بشرية أخرى خارج هذا النطاق، وإنما ينفي وجود مجتمع بشري منظم متمدن لديه لغة متكاملة ونظام اجتماعي متماسك كبناء شامخ يصح أن يسمى «قرية» ثم تصير «أم القرى» إلا مكة.

من هو العربيّ؟

كان المسيح الموعود قد شرع في تأليف كتابه الرائع «منن الرحمن» ليثبت علو كعب العربية على سائر اللغات، وهو غير العربي مولدًا ونشأة، لكنه عربيُّ الفطرة، بل نستطيع أن ندّعي أنه عربيٌّ فعلًا، لماذا؟ لأنه يتكلم العربية كما يتكلم بها أهلها وإن كان يعيش في بلاد العجم، وليس العربيّ الذي نشأ في بلاد العرب ولا يُحسن أن يتكلم العربية، ولا يعرف من أصولها ولا فروعها شيئًا، فهذا ـ من حيث اللغة ـ لا يصح أن يسمى عربيًّا، إنما العربيُّ من يتكلم العربية كما يتكلم بها العرب، لأن أصل تسمية «العرب» القوم الذين يمتلكون الوضوح الكامل في التعبير عن فكرة ما بلغتهم، ومن هكذا حاله فهو العربيّ، وهنا نجد المسيح الموعود عربيّاً أصيلًا، إذ إنه يجيد التحدث والكتابة بالعربية لدرجةِ أنه تحدى أهلها وأدباءها والنابغين فيها، وكسب التحدي وهم خسروه، ثم إن العربية لغة القرآن الكريم، ومن لا يعرف العربية فمن أين له معرفة علومه، والغوص في أعماقه، وإخراج النكات الدقيقة التي أخرجها ليحق له أن يكون هو الإمام المهديّ والمسيح الموعود؟ إذن هو يعرف القرآن بقدرٍ لا يدنوه غيره، ومن كان يعرف العربية معرفة متفردة، ويعرف القرآن العربيّ معرفة معجزة، أفلا يكون عربيًّا؟ ولو لم يكن مثله عربيًّا فليس أحدٌ في الوجود عربيّ، والعربيّ الحقيقيّ هو من يدافع عن العربية كما دافع حضرته، ويثبت تفوقها على كل ما سواها من اللغات كما أثبت، ويستخرج من أعماقها ما يؤكد قِدمها وربانيتها وعمقها كما استخرج حضرته ، وليس أولئك الذين يهملونها، ويقولون بفقرها وعجزها، وعدم قدرتها على مواكبة العصر ووضع أسماء لمخترعات حديثة، وقد أوجعت مثل تلك الآراء  شاعر النيل حافظ إبراهيم فكتب قصيدته الشهيرة: اللغة العربية تتحدث عن نفسها، التي قال فيها أن العرب أنفسهم من يتهمون العربية بشتى التهم ويفضلون عليها غيرها من اللغات ويدعون إلى تركها وعدم العمل بها، ولكننا نجد حضرة مرزا غلام أحمد الإمام المهديّ والمسيح الموعود أعجميّ النشأة هو الذي ينبري مُشمرًا عن ساعديه باحثًا في بطون الكتب ليثبت غناها وفقر ما سواها، وعمقها وسطحية غيرها، ولمعانها وعتمة ما دونها، وربانيتها وبشرية سائر اللغات الأخرى، وقد قال في كتابه المشار إليه أن العربية لغة كاملة، ولم تنشأ إلا من إله كامل، لأن أعمال البشر مثلهم، ناقصة دائمًا.

«وظهر عليّ أن القرآن أمّ الكتب الأولى، والعربية أمّ الألسنة من الله الأعلى، وأما البقية من اللغات فهي لها كالبنين أو البنات، ولا شك أنها كمثل ولدها أو ولائدها، وكل يأكل من أعشارها وموائدها، وكل يجتنون فاكهة هذه اللهجة، ويملؤون البطون بتلك المائدة، ويشربون من تلك اللجة، ويتخذون لباسًا من هذه الحلّة» (3).

ولقد عرّف كمال اللغة بالنظام الكامل للمفردات، والقدرة التامة على التعبير عن كافة المشاعر البشرية بدقة منقطعة النظير، والعربية هي اللغة الوحيدة التي تتصف بهذه الصفة، إذ إن بوسعها التعبير عن كافة الموجودات تبعًا لنظام الاشتقاق المتأصل فيها، وأكد حضرته أيضًا أن اللغات الأخرى جميعًا مأخوذة بطريق مباشر وغير مباشر من العربية، وأن كافة مفردات تلك اللغات تعود إلى أصل عربي، وأنها هي اللغة الوحيدة القادرة على استيعاب أسماء الله وصفاته والتعبير عنها تعبيرًا مبهرًا، وقد ضرب في كتابه هذا العديد من الأمثلة على ذلك، ويمكن للقراء الكرام أن يعودوا إليه ليستزيدوا، وأكد حضرته أيضًا أن المفردات المستعارة من العربية إلى اللغات الأخرى قد تشوهت وفقدت رونقها وبهاءها ودلالاتها عما كانت عليه في العربية بصورة واضحة، وذلك يدل دلالةً لا شك فيها أن العربية هي أم تلك المفردات وأبوها، ومهما شرقت تلك الألفاظ وغربت إلا أن لسان حالها ينطق أنها عربية لا محالة. والثابت أن العربية كانت لغة البشرية الأولى، ولسان الشخصيات التاريخية الأقدم على تلك البسيطة، وبالتالي فهي لغة الوحي الإلهيّ الأول للبشرية، كما أنها لغة آخر الكتب السماوية الذي يدَّعي أنه أكمل الكتب، وأكمل الكتب لا تُظهر كمالاته إلا أكمل اللغات. وهناك إشارة إلهية لطيفة تكمن في كون العربية لغة أول كتاب سماوي ولغة آخر كتاب سماويٍّ أيضًا، وهي أن فيها من اسم الله الأول والآخر، لا لشيء إلا أنها منه سبحانه، وقد قال الله تعالى عنها أنها لسان عربيٌ مبين، وقد شرح حضرته هذه الآية في كتابه هذا ليؤكد أن العربية هي الوحيدة التي يحق لها أن توصف بالبيان الكامل، لا لشيء إلا أنها من تعليم إله كامل الصفات، أما كل منتوجات البشر فهي تحمل طابع ضعفهم ونقصهم وقصورهم، كذلك أكد الله تعالى في كتابه الكريم أن اللسان العربيَّ لسان مستقيم، بوسعه أن يقدم المعاني الدقيقة بألفاظ غاية في الدقة بلا لبس في الفهم، ولا قصور عن توصيل المعنى المراد، فقال تعالى:

قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ (4)،

والمعنى أننا وضعنا القرآن بالعربية لتصل المعاني المرادة للناس بأفضل أسلوب ممكن، حتى لا تضل الأفهام، أو تغمض المعاني، وخير وسيلة للهدى والوضوح التام هي العربية، فاخترناها دون غيرها لأنها الأقدر والأجدر على حمل المعاني المختلفة التي أراد الله أن يبلغها لعباده.

 ما رأي ابن عباس؟

وفي هذا الصدد نجد الكثير من العلماء الأوائل الذين يرون أن العربية هي أقدم اللغات قاطبةً، ومنهم ابن عباس الذي يرى أن العربية بدأت من آدم ثم تم توارثها في الأنبياء العرب حتى وصلت إلى سيدنا محمد ، والتاريخ والنبوات تثبت وجود أنبياء من العرب قبل سيدنا محمد بزمان سحيق، ولأن أفقر اللغات لم تنشأ في بضعة قرون، بل تتشكل اللغة أية لغة عبر مئات وربما آلاف السنين حتى تكون قادرة على التعبير بجلاء ودقة حتى تستطيع الإيفاء بمتطلبات التواصل المجتمعي من كافة الجوانب  كما هو حال العربية ، ولذلك فإننا نؤكد أن تاريخ العربية سحيق قديم قِدم البشرية.

الهوامش:
  1. مقدمة ابن خلدون
  2. (الشورى 8)
  3. كتاب منن الرحمن
  4. (الزمر 29)
Share via
تابعونا على الفايس بوك