رأي كبار المسلمين في كتابات سيدنا أحمد عليه السلام
التاريخ: 1985-04-12

رأي كبار المسلمين في كتابات سيدنا أحمد عليه السلام

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود  في 12 أبريل/ نيسان 1985 في مسجد الفضل بلندن

هي الخطبة الثالثة عشرة من سلسلة الخطب التي ألقاها سيدنا ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ردًّا على تهم باطلة ألصقتها بجماعته حكومة الدكتاتور الجنرال ضياء الحق في باكستان في “البيان الأبيض” المزعوم الذي نشرته بعنوان: “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام”

لقد ردَّ الخطيب في كلمته هذه على التهم التالية:

  • والد مؤسس الأحمدية شدَّ عَضُدَ الإنكليز ضد المسلمين أثناء مفسدة عام 1857 بخمسين فارسًا.
  • تقول الأحاديث صراحةً بأن عيسى بن مريم سينزل على منارة في دمشق، ولكن مؤسس الأحمدية طبَّقها على نفيه بتأويلات ركيكة.
  • إنه لم يكن قادرًا حتى على كتابة اللغة الأردية جيدًا، وكتاباته كانت عارية عن الصبغة العلمية والمتعة الأدبية.

لقد تشرَّف بترجمة هذه الخطبة الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعها الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (آمين).

فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (الطَّلَاق: 11-12).

خطبتي اليوم هي الأخرى حلقة من سلسلة الردود على اعتراضات وجهت إلى الأحمدية ومؤسسها في البيان الأبيض المزعوم الذي نشرته حكومة باكستان. وقد اخترت اليوم اعتراضين تناولتهما من قبل أيضا، وسوف أرد عليهما واحدًا واحدًا كما وردا في البيان الأبيض المزعوم.

فمن اعتراضاتهم أن مؤسس الجماعة الأحمدية أفتى بنسخ الجهاد، ومدح الإنكليز، فثبت بوضوح أنه غراس الإنكليز وكذلك فإن الجماعة الأحمدية أيضًا غراسهم. لقد أوردوا هذا الاعتراض القديم بشكل آخر وقالوا ما مفاده: في عهد حكومة السيخ قدَّم ميرزا غلام مرتضى، والدُ سيدنا أحمد ، خمسين فرسًا وخمسين مقاتلاً للإنكليز على نفقاته أثناء الثورة التي تسمى بثورة عام 1857. وهكذا دعم والد سيدنا أحمد الإنكليز ضد المسلمين أثناء هذا الجهاد.

لقد أبعدوا النجعة إذ ذكروا أحداثًا مزعومة من زمن آباء سيدنا أحمد . ذلك لأن المسلمين في عهد سيدنا المسيح الموعود لم يخوضوا في أي حرب ضد الإنكليز حتى يقدمها المعارضون تأييدا لموقفهم ويعترضوا عليه فيقولوا: إنه لم يكتف بإصدار فتواه بنسخ الجهاد فقط، بل حاول أيضا منع المسلمين من الاشتراك فيه وعارضهم فعلاً في وقت كذا وكذا حين كانوا مشغولين في الجهاد. ولكن الحقيقة أن الادعاء الذي أسسوا عليه حجتهم الافتراضية باطل تماما. إن مؤرخي باكستان المعاصرين يقدمون اليوم أحداث ثورة 1857 وكأنها كانت جهاد المسلمين ضد الإنكليز وكان المسلمون يكافحون ضد الإنكليز متكاتفين، ولكن قولهم هذا باطل تماما لأن هذا لم يحدث بتاتا. تبرهن الأحداث الثابتة تاريخيا على أن بعض المفسدين وعلى رأسهم الهندوس والبوذيون قد ضيقوا الحصار حول الملك المسلم “بهادر شاه ظفر” في نهاية عهده، ومن ناحية أخرى حاصروا بعض العلماء المسلمين أيضا وأجبروهم على إصدار الفتاوى باعتبار هذه المفسدة جهادا. أما فيما يتعلق بالمسلمين العاديين فلم تشترك الأغلبية الساحقة منهم في هذه المفسدة، بل على عكس ذلك فإن العلماء الأتقياء والمطلعين على معتقدات الإسلام قد أصدروا في ذلك الوقت فتاواهم ضد المفسدة علنًا. وقالوا جهارًا إنها مفسدة، ومن الخطأ تسميتها جهادًا، حتى ذكروا المشتركين فيها بكلمات قاسية جدا. ومن المعلوم أنه لو نجحت هذه المفسدة لما تكونت في الهند حكومة مسلمة أبدًا. وكلُّ من لديه أدنى إلمام بالتاريخ يعرف جيدا أن المفسدة كان من شأنها أن تسفر عن حكومة الهندوس بعد حكومة الإنكليز، مما كان سيؤدي بحالة المسلمين إلى أسوأ من ذي قبل على صعيد الواقع. فشعر بذلك كثير من العلماء المسلمين الواعين، فلم يعتبروا هذه الثورة جهادا إسلاميا بل أصدروا الفتاوى ضدها.

عطايا الإنكليز على الديوبنديين

هذا، وقد استنتجوا في البيان الأبيض المزعوم استنتاجا غريبا للغاية إذ زعموا أن ميرزا غلام مرتضى والد مؤسس الأحمدية دعم الإنكليز ضد إخوته المسلمين، وأنفق الأموال من جيبه الخاص، وهيأ لهم الفرسان، ولكن حالة أسرته ساءت باستمرار، والحكومة الإنكليزية التي ساعدها أبوه ضد المسلمين لم تُقدِّر مساعي أبيه. إذن فاستنتاجهم هذا يمكن أن يبرهن على واقع الأمر والغايةِ التي قُدِّمت المساعدة المذكورة من أجلها.

الواقع أن سيدنا أحمد لم يساعد الإنكليز لأهداف شخصية أبدًا، ولم ينل حضرته أو جماعته الحُظوة والعطايا منهم، كما لم يساعد آباؤه الإنكليز لأهداف شخصية، ولم ينالوا قط ألطافًا منهم، الأمر الذي يعترف به معارضونا أيضًا. إذن فمن الذي تلقى العطايا والحظوة من الإنكليز؟ إنهم بعض العلماء المنتمين إلى الفرقة الوهابية والديوبندية الذين فازوا بكل ذلك. مما يعني أن آباء الأعداء الألداء للأحمدية في الفترة الراهنة هم الذين دعموا الإنكليز بكل ما في وسعهم فنالوا منهم ما نالوا. وكذلك عاضد الإنكليز بكل شدة بعض من علماء الشيعة أيضا، وبالتالي تلقى كل واحد منهم العطايا والألطاف من الإنكليز. ولم تكن لمساعدتهم الإنكليز صلة بعاطفة الخير ولا بمصلحة قومية بل كانت منوطة بأهداف شخصية. فقد جاء في “قيصر التواريخ”  ج 2 ص 301 طبعة لكهناو الهند 1896 ما تعريبه:

” الذين مُنِحوا العطايا والألطاف بعد أن هدأت الثورة كان منهم عالم ومجتهد بارز سلطان العلماء السيد محمد من مدينة لكهناو الذي منحته حكومة الإنكليز معاش التقاعد قدره 800 روبية (عملة هندية) شهريا بصورة دائمة، يرثه أولاده جيلا بعد جيل.”

الغريب في الأمر أن الإنكليز أهملوا الأسرة التي يقول المشائخ عنها بأن الإنكليز غرسوها بيدهم، وغضوا الطرف عنها لدرجة لم يعيدوا إليها حتى عقاراتها المسلوبة ناهيك عن منحها العطايا أو الألقاب. ومن ناحية ثانية، منحوا العلماء الذين يعترضون على الأحمدية اليوم عقارات وأراضي واسعة بالإضافة إلى مِنَحٍ شهرية جيلا بعد جيل.

أما فيما يتعلق بأصحاب الفرقة الديوبندية فسألقي الضوء على وضعهم من خلال كتابهم حول سيرة المولوي رشيد أحمد الكنكوهي بعنوان: “تذكرة الرشيد” للمولوي عاشق علي، يقول فيه المؤلف عن هذه المفسدة: “في تلك الأيام اضطر (يقصد الكنكوهي) لمواجهة المفسدين (يعني الثائرين على الحكومة الإنكليزية) الذين كانوا يتجولون بشكل عصابات، فكان يحمل السيف للدفاع عن نفسه، ويتجول في وابل من الرصاصات ببسالة الأسد. فحدث ذات مرة أن خرج حضرة الإمام الرباني (يقصد الكنكوهي) في صحبة صديقه الحميم المولوي قاسم العلوم (يعني محمد قاسم النانوتوي، وهو من كبار الفرقة الديوبندية)، والطبيب الروحاني حضرة الحاج (يقصد الحاج إمدام الله المكي)، والسيد حافظ ضامن، إذ واجهوا حَمَلةَ البنادق، فلم تكن هذه الجماعة المقاتلة والجريئة من المشائخ لتفر أو تزول عن وجه المتمردين على حكومتهم، بل صمدت مثل الصخرة الجبارة واستعدت للفداء بنفسها لحكومتها. يالها من شجاعة وبسالة! المشهد الذي تقشعر لهوله جلود الأسود وترتعد له فرائص أشجع الشجعان صمد فيه هؤلاء المساكين حاملين السيوف أمام جمع غفير من حملة البنادق وكأن الأرض لصقت بأقدامهم. فأطلقت عليهم الرصاصات واستشهد حضرة الحافظ -رحمه الله- برصاص أصابه تحت العانة.” (تذكرة الرشيد، طبعة ميرتهـ ج 1 ص 74-75)

هذه حكايتهم!! أما فيما يتعلق بسيدنا أحمد وجماعته فلم تكن الأحمدية قد تأسست إلى تلك الآونة، بل كان سيدنا أحمد عندها صغير السن. أما فيما يتعلق بالفترة اللاحقة فلم يجد الخصوم فيها أيضًا أي اعتراض من هذا القبيل ليوجهوه إليه وجماعته، حتى يستطيعوا القول بأنه أو جماعته اشتركت في حملة أو حرب ضد مصلحة المسلمين.

والحقيقة أن كلمة “النزول” لم تُستخدم في القرآن الكريم في حق أي نبي غير نبينا الأكرم . ولكن بما أن المعارضين قد تجردوا من الفهم والفراسة الحقيقية، وبما أن أذهانهم فارغة تماما من المعارف الروحية ولا يملكون إلا أفكارا سطحية، لذا فإنهم لا يدركون حِكَمَ القرآن الكريم ولا يعقلون حتى يستنبطوا منه ما ينسجم مع عظمة الله، بل يصرون على التمسك بالمعنى الحرفي.

أما الحرب التي يعلنون عنها اليوم على دقات الطبول أنها كانت جهادًا إسلاميًا ولصالح المسلمين فيقول عنها آباؤهم أنها كانت تمردًا وخروجًا على الحكومة.

هذا هو جهادهم الذي يزعمونه جهاد المسلمين ضد الإنكليز. وهكذا اشترك في هذا الجهاد آباء الذين يطيلون اللسان اليوم على الأحمدية. والحق أنه كذب صريح، لم تكن هذه المفسدة جهادًا أبدا كما قلتُ سابقا. والعلماء الأتقياء الكبار وقتها كانوا ينبهون المسلمين على أنها فتنة وفساد لا غير، فلا يشتركوا فيها لأنها تنافي مصالحهم. فقد جاء عن عالم معروف من مدينة دلهي بالهند، السيد مير محبوب علي أنه كان من ضمن العلماء الذين عارضوا مفسدة 1857 حيث جاء فيه: “لقد عارض كثير من العلماء المفسدة قائلين: إنها ليست جهادا، وكان المولوي السيد مير محبوب علي منهم. فكان يمنع الناس بالوعظ والنصيحة من الاشتراك في هذه المفسدة” (أرواح ثلاثة مع حواشي وملاحظات الشيخ أشرف علي التهانوي، الناشر: إسلامي أكادمي، أردو بازار لاهور باكستان ص 316 حكاية رقم 466)

أما الذين يعتبرون هذه المفسدة جهادًا اليوم، فإن مرشدهم المولوي محمد حسين البطالوي صرَّح عن ذلك الجهاد المزعوم وقتها: “المسلمون الذين اشتركوا في مفسدة عام 1857 قد ارتكبوا كبيرة من الكبائر، وكانوا بغاة ومفسدين وفُسّاقًا حسب حكم القرآن والحديث.” (مجلة إشاعة السنة النبوية ج 9 رقم 10 عام 1887)

ثم يقول: “لم يعتبر المولوي محمد نذير حسين المحدث الدهلوي مفسدة 1857 جهادا شرعيا، بل اعتبر المشاركة فيها ودَعْمَها نقضًا للعهد وفسادا وعنادا ومعصيةً ناتجة عن فقْد الإيمان.” (مجلة إشاعة السنة النبوية ج 6 ص 288)

هذه هي نوعية هذا “الجهاد” الذي بسببه يعترض المشائخ اليوم قائلين بأن والد مؤسس الجماعة لم يشترك في هذا الجهاد، لذلك أصبح خطرًا على الإسلام!

أما ما كتبه السير سيد أحمد خان عن هذه المفسدة في كتابه “أسباب بغاوت هند” (أسباب مفسدة الهند) فهو قصة طويلة. تتلخص أفكاره في أنه اعتبرها تمردا، بل سماها رذيلة من الرذائل. (ولمزيد من التفاصيل يرجى الرجوع إلى “أسباب بغاوت هند” للسير سيد أحمد خان) فمن الظلم العظيم والسخرية الشنيعة بالإسلام أنهم يسمون هذه المفسدة جهادًا. والأدهى والأمرّ من ذلك أن المفسدة التي سماها آباؤهم من قبْلُ خبثا ورذيلة يقدمونها اليوم كجهاد إسلامي (والعياذ بالله). إنْ هذا إلا بهتان عظيم على فكرة الجهاد الإسلامي الواردة في القرآن الكريم. والأسوأ من ذلك أنهم لا يستحيون حين يخلطون الخبث والرذيلة بالجهاد الإسلامي لمجرد إيجاد فرصة للاعتراض على سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .

نزول المسيح على منارة دمشق

هناك اعتراض آخر قد أثير من قبل أيضا وقمت بالرد على جزئه المتعلق بنزول المسيح على منارة دمشق بين مهرودتين. لقد قالوا: إن التأويل القائل بأن المراد من المهرودتين هو مرضان يصاب بهما المهدي، إنما هو تأويل واه وباطلٌ! فقلت: إن كنتم لا تقبلون أي تأويل للمهرودتين فلابد لكم أن تقبلوا كلمات الحديث كلها بمعناها الحرفي، ولا تنسوا أيضا أن النبي قد أفتى عن الأقمشة الصفراء (المهرودة) بأنها لباس الكفار فلا يلبسنَّها مسلم. والآن أتناول الجزء الثاني من الاعتراض وهو:

“لقد صرّحتْ الأحاديث النبوية أن عيسى بن مريم سينزل في دمشق وينجي المسلمين من فتنة الدجال أكبر الخدَّاعين. لكن الميرزا استخدم هذا الحديث في حقه عن طريق تأويل مضحك. (بتصرف عما ورد بهامش كتاب “إزالة الأوهام” ص 63-73 الطبعة الأولى)”

ثم ذكروا تأويلاته بأن المراد من دمشق ليست مدينة دمشق بل مثيلتها، والمراد من المسيح ليس المسيح الناصري بل مثيله. ثم يقولون ألا يشكل هذا الشخص -الذي يقدم تأويلاتٍ مضحكة كهذه- خطرًا على الإسلام والعالَم الإسلامي؟

المفهوم الحقيقي للنزول

سوف أرد على هذا الاعتراض من ناحيتين: أولاً: ما هو المراد من النزول؟ وما الذي يراه معارضونا مضحكا في قولنا بأن المراد من النزول هو البعثة العادية لشخص بدلاً من نزول أحد من السماء ظاهريا؟ ثم هل من المعقولية في شيء أن يكون المراد من النزول هو البعثةُ من الأرض؟ ثانيا: لماذا تتمسك الأحمدية بهذا التأويل “المضحك”؟ ولو لم يُقبَل هذا التأويل “المضحك” المنسوب إلى الأحمدية فكيف ستبدو الأمور على صعيد الواقع؟ ثم نرى فيما إذا كان هذا التأويل الذي تقدمه الأحمدية هو أكثر ضحكا أم الوضع الذي سيمثل للعيان عند عدم قبول هذا التأويل؟

والأن سأشرح الموضوع من كلتا الناحيتين. أولاً أتناول كلمة “النزول” التي وردت في القرآن الكريم بالتكرار وفي معان مختلفة. والمعنى المشترك في كل هذه الاستخدامات القرآنية لكلمة “النزول” هو كل شيء ذي بال وذي فائدة كبيرة للناس وهبة الله للناس كعطاء خاص منه. لا شك أن كلمة “النزول” تستخدم لدى هبوط الشيء من الأعلى ظاهريا أيضا، لا نرفض ذلك. ولكن مما لا شك فيه أيضا أن معاني آيات القرآن الكريم تتبين من آياته الأخرى لأن القرآن يفسر بعضه بعضا.

أقدِّم إليكم الآن آيةً من القرآن الكريم وسوف ندرسها بمنظور معارضينا أولاً لنعرف أنه لو لم يُقبل التأويلُ الذي تقدمه الأحمديةُ والذي يعتبره معارضونا مضحكا، فماذا عسى أن يكون مفهوم الآية الكريمة؟ أترك الحُكم للقراء الكرام!

يقول الله :

يَا بَني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لبَاسًا يُوَاري سَوْآتِكُمْ وريشًا ولبَاسُ التَّقْوَى ذَلكَ خَيْرٌ ذلكَ مِن آيَات الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأعراف:27)

إن مفهوم هذه الآية حسب تأويلنا هو أن الله وهب لنا لباسًا. ولا نأخذ هنا المعنى الحرفي للكلمة لأنه من المعروف أن اللباس لا ينزل من السماء بل ننسجه بأيدينا. هذا التأويل مضحك حسب زعم العلماء المعارضين لنا. والمفهوم غير المضحك عندهم هو أن اللباس بكل أنواعه يهبط عليكم من السماء مباشرة، فُتمطر السماءُ قمصانًا مرة، وتمطر السراويلَ والبنطلونات والعمائم مرة أخرى، وهكذا دواليك. فلمَ لا تتعظون، أيها الحمقى، رغم مشاهدتكم كل هذه الآيات؟

ثم يقول الله في آية أخرى:

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالْبَيِّنَات وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكتَابَ وَالْميزَانَ ليَقُومَ النَّاسُ بالقْسْط وَأَنْزَلْنَا الحَديدَ فيه بَأْسٌ شَديدٌ وَمَنَافعُ للنَّاس وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغَيْب إنَّ اللهَ قَوِيٌ عَزِيزٌ (الحديد:26)

تقول الأحمدية: المراد من نزول الحديد هنا ليس هبوطه من السماء بصورة ظاهرية لأنه يُستخرج من الأرض كما هو معروف لدى الجميع، بل المراد أن الله تعالى قد أناط به فوائد كثيرة وعظيمة للإنسان، لذا استُخدمتْ كلمة “النزول” هنا.

هذا المفهوم مضحك لدى المعارضين! أما المفهوم غير المضحك -عندهم- فيكون كالتالي: ألم تروا أيها الناس أننا نرسل الأنبياء ونسقط عليهم الكتب جاهزة من السماء بصورة ظاهرية، فتهبط من السماء كما يهبط البَرَدُ مثلا، لتقوموا بالقسط. فهل تتعجبون من سقوط الكتب من السماء؟ وكيف تتعجبون في حين ترون أننا نُسقط الحديد أيضا من السماء بصورة ظاهرية، وفي كثير من الأحيان تلجأون بسرعة إلى بيوتكم خوفًا من وقوع الحديد على رؤوسكم؟ أَلا تسوقون مواشيكم أيضا إلى أماكن آمنة خوفًا من أن تقع قِطع الحديد عليها فتهلكها؟

هذا هو المعنى الذي يقولون عنه إنه غير مضحك وينسجم مع عظمة القرآن الكريم!!

ولا ينتهي الأمر إلى هنا بل هناك آية قرآنية أخرى تقول:

خَلَقَكُمْ منْ نَفْسٍ وَاحدَة ثُمَّ جَعَلَ منْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لكمْ منَ الأنْعَام ثَمَانيَة أَزْوَاج يَخْلُقُكُمْ في بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا منْ بَعْد خَلْقٍ في ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذلكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلكُ لا إلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفون (الزمر:7)

المفهوم الذي تستنبطه الأحمدية من هذه الآية الكريمة والذي هو مضحك في رأي حكومة باكستان هو: أن الله خلق من الأنعام ثمانية أزواج فضلاً منه ومِنّةً عليكم ولفائدتكم. أما المفهوم المعقول وغير المضحك عندهم فينسجم مع مفهومنا أيما انسجام إلا معنى “النزول” فهو مختلف فيه لأنهم لا يريدون أن يقبلوا لهذه الكلمة أي تأويل إطلاقا لأنه سوف يكون استهزاء بالقرآن الكريم حسب زعمهم، ويصرون على ترجمة الآية بصورة حرفية في كل الأحوال، فيكون استنباطهم كالتالي: إن الله قد أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج، وترونها تسقط من السماء بصورة ظاهرية مثل الأمطار؟ فتأخذونها وتسوقونها إلى بيوتكم، وتشاهدون كلَّ هذا بعيونكم كلَّ يوم، ورغم ذلك تكفرون بآيات الله.

والحق أن الآيات المذكورة أعلاه كلها تشرح بكل جلاء المعاني المختلفة لكلمة “النزول”.

والآن أعود إلى الاعتراض الذي وَجَّهوه إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود   في هذا الصدد. يقولون: بما أن النبي استخدم كلمة “النزول” في الحديث عن المسيح المقبل لذا لن نسمح لأحد بتأويلها، وإن حجة الأحمديين واهية مضحكة، لأننا لو لم نتمسك بالمعنى الحرفي للكلمة لتعرض القرآن للسخرية والإهانة. الأمر الواقع أن كلمة “النزول” وردت في الحديث الشريف عن المسيح المقبل بينما وردت الكلمة نفسها في القرآن الكريم عن رسول الله كما رأيتم في الآية التي استهللت بها خطبتي حيث يقول الله :

قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ (الطلاق: 11-12)

والحقيقة أن كلمة “النزول” لم تُستخدم في القرآن الكريم في حق أي نبي غير نبينا الأكرم . ولكن بما أن المعارضين قد تجردوا من الفهم والفراسة الحقيقية، وبما أن أذهانهم فارغة تماما من المعارف الروحية ولا يملكون إلا أفكارا سطحية، لذا فإنهم لا يدركون حِكَمَ القرآن الكريم ولا يعقلون حتى يستنبطوا منه ما ينسجم مع عظمة الله، بل يصرون على التمسك بالمعنى الحرفي.

سبب استعمال كلمة “النزول”

والآن بقي أن نبحث عن حكمة استخدامات مختلفة لكلمة “النزول”، وسأشرح لكم هذا الموضوع بالتفصيل. لم يستخدم القرآن كلمة “النزول” فيما يتعلق بالمعادن إلا للحديد. لا شك أن هناك معادن كثيرة تستخدم في الدنيا، ولكن الله خصَّ الحديد وحده بكلمة “النزول” فقال: “وأنزلنا الحديد.” كذلك هناك حيوانات كثيرة لدرجة لم يتمكن العلماء من إحصاء أنواعها إلى الآن، ولكن الله لم يستخدم كلمة “النزول” إلا للأنعام. فما الحكمة في ذلك؟

من المعلوم أن الإنسان قد استفاد من الحديد أكثر بكثير من المعادن الأخرى كافة. والحقيقة التي كانت ولا تزال ثابتة هي أن الحديد هو الأكثر فائدة للبشر من بين المعادن كلها. فيتبين بوضوح تام أن المعدن الذي هو الأفضل والأكثر فائدة ومنفعة للناس قد استخدم الله لها كلمة “النزول.”

والآن خذوا الحيوانات مثلا، فاللبونات منها التي نشرب لبنها ونستخدمها للحرث والزراعة، ونستعمل جلودها وأصوافها لتجهيز الألبسة، ونأكل لحومها ونركبها أيضا، ليس هناك حيوان غيرها أُنيطتْ به مصالح البشر إلى هذه الدرجة. أَلقُوا نظرةً فاحصة على الكون كله، تجدُوا بكل وضوح أن كلَّ الحيوانات بصورة جماعية أيضا لم تنفع البشر بقدر ما نفعت الأنعام (اللبونات). وهل هناك مصلحة من مصالح البشر التي لا تخدمها الأنعام؟

والآن نعود إلى الرسل. لقد بعث الله حوالي مائة وأربعة وعشرين ألف رسول في الدنيا، ولم يستخدم القرآن الكريم كلمة “النزول” في حق أي واحد منهم، بل هناك نبي واحد وهو سيدنا محمد رسول الله الذي قال الله عنه:

قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ .

وذلك لأن جميع الأنبياء الذين جاءوا إلى الدنيا -وأقول ذلك حلفًا بالله- لم ينفعوا البشر مثلما نفعهم سيدُنا ومولانا محمد رسول الله . إن نظرة معارضينا لا تدرك هذه المعارف الدقيقة. لقد عميت قلوبهم وتعطّلتْ أذهانهم فلا يتأملون في مصطلحات قرآنية حكيمة، ولا يريدون أن يفهموا المراد من البيان القرآني. إنهم متجردون من تلك الحِكم كلها ثم يضحكون عليها ويسخرون منها زاعمين أنها تأويلات ركيكة.

انحيازهم في إطلاق كلمة “النزول”

لا يقتصر الأمر على ما سبق، بل الحقيقة أنهم متجردون من العدل والإنصاف، كما أنهم كاذبون في دعواهم بحب النبي . إنهم يرون في استخدام كلمة “النزول” بالمعنى الحرفي في حق عيسى تكريمًا له، ويظنون أنه لو لم نأخذها بمعناها الحرفي والظاهري لكان ذلك إساءة كبيرة إليه.

ويزعمون أيضا أن الأحمدية تهين سيدنا عيسى لأنها عرقلت طريق نزوله من السماء بشكل ظاهري بتأويلها لآيات القرآن والأحاديث. لا يتحملون إطلاقا تأويل كلمة “النزول” الواردة في الحديث في حق عيسى ، ولكنهم يؤولون بأنفسهم كلمة “النزول” نفسها الواردة في القرآن الكريم بحق سيدنا ومولانا محمد . وبذلك يعاملون النبي معاملة غير التي يعاملون بها سيدنا عيسى . إن ألسنتهم تدّعي بحُبّ النبي في حين إن قلوبهم خاضعة للمسيح .

ولا يقتصر الأمر على هذا فقط بل هناك أمور أخرى كهذه. فمثلا يقول القرآن الكريم في موضع آخر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (الأنفال: 25)،

ويقول عن المسيح بأنه كان يحيي الأموات؛ فيعتقد هؤلاء القوم عن المسيح الذي يعظمونه قلبيا بأنه كان يحيي الأموات الحقيقيين، أما سيدنا ومولانا محمد (الذي لا يعظمونه من القلب ولا يعيرون لعظمته أي اهتمام) فيقولون عنه أنه كان يحيي الموتى الروحيين فحسب. وهكذا في كل مرة يتَنحَّون عن العدل والقسط عند المقارنة بين عيسى وسيدنا المصطفى . لذلك أقول: إنهم كاذبون في دعواهم لحب النبي ، ولا يكِنُّون في قلوبهم عظمة لأحد غير عيسى . فتعظيمهم النبي وادعاؤهم بحبه قصص غير حقيقية، لأنهم لا يعدلون في حقيقة الأمر. وذلك لأنه عندما تُستخدَم كلمةُ “النزول” عن سيدنا محمد يستمدون منها معنًى، وإذا استُخدمت الكلمةُ نفسها عن عيسى يستمدون منها معنًى آخر. هذا هو منحى أفكارهم وعقولهم! فلا شك أنهم يملكون طبائع معوجة.

فعندما يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بأن المراد من كلمة “النزول” الواردة في الحديث هو ليس هبوط المسيح الناصري من السماء بل المراد بعثة مثيله، فإنهم يسخرون منه. وحين يقول حضرته بأن المراد من “المنارة” الوارد ذكرُها في الأحاديث هو الآيات البينات، يضحكون ساخرين وكأنهم يقولون بلسان حالهم: وهل يأتي نبي بآيات بينات؟ وإذا قيل لهم بأن المراد من دمشق بالذات بل مثيلتها، ازدادوا ضحكا وسخرية وقالوا: لا بد لنا أن نتمسك بالمعنى الحرفي في كل الأحوال، ولن نقبل معنى سواه. فمن المضحك لديهم بعثة نبي في الأرض وثبوته على منارة الآيات البينات بدلاً من هبوطه من السماء معلقا في الهواء، كذلك من المهزلة عندهم أن يُرسَل نبي برسالة الصلح أو يُبعَث في مدينة مثيلة لدمشق!

تصور المشائخ عن المسيح المقبل

الآن أذكر لكم تصورهم الذي ليس مضحكا! إنهم يعتقدون أن شيخا فانيا بالغا من العمر ألفيْ عام على الأقل سينزل من السماء في دمشق نزولا ظاهرا، لابسًا المهرودتين، واضعا يديه على كتفي مَلَكَينِ، وسيراه الناس كلهم هابطا من السماء مصفّقين لهبوطه، فرحين بأن المسيح قد نزل في نهاية المطاف.

ولكن ما الذي سيقوم به المسيح فور هبوطه من السماء؟ لقد جاء في الأحاديث أنه يتزوج ويولد له أيضا. ولا ندري هل يبحث عن زوجة أولاً أم سيقوم بأعمال أخرى قبل الزواج؟ ووظائفُه الأخرى على حد قولهم هي أنه لن يأتي لإصلاح الناس بل سيأتي لقتل الخنازير. فيتوجه إِثرَ نزوله إلى الفلوات والبراري، ويقتحم فلاة بعد فلاة، وبيداء بعد بيداء، حتى يجول ويصول من أقصى الأرض إلى أقصاها، ولن يقر له قرار حتى يقتل الخنازير كلها من على وجه الأرض. وعندما يتفرغ من إنجاز مهمة قتل الخنازير، سوف يفرح المشائخ أن مسيحنا قد تفرَّغ، والآن سيقص علينا الأحاديث الروحية. ولكن المسيح سيرُدُّ عليهم قائلا: إنني لم أتفرغ بعد، بل هناك أمور أخرى بقي أن أُنجزها، ولا بد أن أقتل الدجال قبل أن أتوجه إليكم!

هذا، ويقول المشائخ بأن حمارا يكون موجودا في الدنيا قبل نزول المسيح، ويركبه الدجال الأعور، ويكون هذا الحمار عملاقًا لدرجة تُقدَّر المسافة بين أذنيه بسبعين ذراعًا، وسيأكل النار، ويبلغ رأسُه السحابَ، وإذا أراد الناس ركوبَه جلسوا داخل بطنه.

يمكن أن تبدو هذه الأمور مضحكة للقارئ اللبيب لأن ذوقه لا يقبلها بهذه الصورة، ولكن ليس هناك ما يدعو إلى الضحك حسب مذاق هؤلاء المشائخ، إذ يرون أن كلّ هذا سوف يحدث على صعيد الواقع وبشكله الظاهري. فحين ينزل المسيح يراه الدجال الأعور بإحدى عينيه، راكبًا هذا الحمار الخيالي في حالة الفزع والخوف لأن المسيح يكون قد نزل لقتله.

إذن فعندما يتفرغ المسيح من قتل الخنازير من الدنيا كلها يبدأ بمطاردة الدجال ويتغلب عليه في مكان ما. عندها يفرح العلماء مرة ثانية ظنًّا منهم أن المسيح قد تفرغ الآن لإصلاح الدنيا بعد التخلص من الخنازير والدجال. ولكن المسيح سيقول لهم: مكانَكم أنتم، بقي لي أن أكسر الصلبان. فيتوجه لكسر الصلبان الموجودة في كنائس العالم كله. ثم لا يلبث أن يقتحم بيوت النصارى ويكسر الصلبان الموجودة في كافة بيوتهم في العالم بأسره، ثم يقلّب ألبستهم واحدًا بعد آخر ظنا منه أنه قد يكون الصليب منقوشا على بعض ألبستهم. كما سيكسر الصلبان المعلقة في الأعناق والمستخدَمة للتجميل. وبالاختصار فإن المسيح لن يترك صليبا في العالم إلا ويكسّره لا محالة. ثم بعد تفرُّغِه من كل هذه الأمور ينصرف إلى أمر زواجه ويرحل من الدنيا.

لا يرى المشائخ المعاصرون في هذه المعاني والمفاهيم الحرفية والخرافية ما يبعث على الضحك، بل يقولون بكل فخار: لاحِظوا كم هي معقولة هذه المعاني؟

يستنكرون التأويل الحكيم

إليكم الآن التأويل الذي تقدمه الأحمدية والذي يستنكره معارضونا والذي بسببه يضحكون على عقول الأحمديين. يقولون إن الأحمديين يأتون بتأويلات غريبة ومضحكة إذ يعتقدون أن المراد من كلمة الخنزير في الحديث ليست الخنازير الظاهرية، ولا المراد من الصليب هنا الصليب الظاهري وهكذا دواليك.

والأغرب من ذلك تأويلُ الأحمديين أن شخصا سوف يُبعث بحسب سنة الله بدلاً من نزول أحد من السماء بصورة ظاهرية، فسيرفضه الناس كما يرفضون المبعوثين من الله وسيشتمونه ويسمونه دجالا ويقتلون أتباعه، ويذبحون أبناءهم وينهبون بيوتهم، ويجعلونهم عرضة لكل نوع من الاضطهاد الذي قد يتصوره الإنسان، ويتعرض هو وأتباعه لمثل ما تعرض له المسيح الناصري من قبل. فكم هو مضحك هذا التأويل؟

وإلى جانب ذلك تعتقد الأحمدية أن المسيح المقبل سوف ينشر الحق في الدنيا رويدا رويدا بالحكمة والحب، ويقدم الحجج والبراهين الداحضة لمعتقدات أهل الصلبان، وتكون حججه قوية لدرجة تكسر الصليبَ بقوتها. ثم يزيل من الناس الأوساخَ والأدران الباطنية بحِكَمه وكلماته الطاهرة، حتى يتحول الناس المتصفون بصفات خنزيرية إلى أناس طيبين طاهرين. ويشن المسيح جهادا على حضارة تُدعى حضارةُ الخنزير وكأنه يبدأ بقتل الخنزير بهذا الأسلوب. ثم ينهض ضد الأقوام التي كانت سببا لنشر الدجل في الدنيا والتي هي عوراء العين اليمنى، أي إنها متجردة من الروحانية تماما في حين تكون عينها اليسرى (عين التقدم الدنيوي) حادة براقة، أي إنهم حائزون على تقدم مدهش في الأمور الدنيوية. سوف يجاهد المسيح ضد دينهم ويُظهر عليه الإسلامَ ويصل إلى ديارهم ويصطاد الطيورَ الروحانية البيضاء، كما أن أتباعه يصلون إلى أنحاء العالَم وأقاصيها ويتصدون للمسيحية. ويقول المشائخ عن هذا التأويل الحكيم: كم هو مضحك هذا التأويل؟! ويزعمونه جهلا وحمقا لا مزيد عليهما !!

عاقبة المنطق المقلوب

إذا كنتم أيها المعارضون تعتبرون أفكاركم المذكورة أعلاه حكمةً وعقلاً، وتعتبرون تأويلنا المذكور غباوة وجهلا، فوالله، ثم بالله إننا نحب ونفضّل جهلنا هذا على عقلكم ذلك مائة مرة بل مائة ألف مرة، لأن جهلنا هذا يُظهر عظمة الإسلام ومؤسسه ، وليس عقلكم المزعوم!! إنكم تنسبون جهلكم إلى النبي الذي نزل على منارة النور، وأراد أن يهب لكم أيضا النورَ السماوي كي ينير به عقولكم، ولكنكم رفضتموه، وأغلقتم أبوابكم دون الشمس المنيرة، وضحكتم عليها جالسين في ظلام الليل، وقلتم: أليس مضحكا أن الشمس قد طلعت. فلا يسعنا إلا أن نقول هنا: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .

سيدنا المهدي [AAS] ومعرفته باللغة

وهنالك اعتراض آخر يوجهونه إلى معرفة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود باللغة قائلين: إنه لم يكن قادرا على الكتابة بصورة سليمة حتى باللغة الأردية، مما يشكل -حسب زعمهم- خطرًا رهيبًا على الإسلام.!! وفيما يلي نص اعتراضهم:

“إن قراءة كتابات الميرزا هواية جافة وغير ممتعة، لأن كتاباته تفتقر إلى الصبغة العلمية والمتعة الأدبية. وأسلوبه لمعالجة المسائل كان سطحيا جدا. وكتاباته تشبه كتابات الدرجة الثالثة من الأزمنة الوسطى. كان يلوم معارضيه بشدة حتى ما كان يتورع عن سبهم أيضا في بعض الأحيان. ومعظم كتبه مفعمة بالأنباء المزعومة عن هلاك معارضيه.” (البيان الأبيض المزعوم ص 13)

الخطر الوحيد الذي لحق بالإسلام، كما يقولون، هو أن مؤسس الأحمدية لا يقدر على كتابة اللغة الأردية بصورة سليمة ولغته كانت تفتقر إلى المتعة الأدبية.

والحق أن هذا الاعتراض أيضا باطل تماما كأمثاله. لو أثنينا نحن على كتابات سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لن يقبل المعارضون قولنا لأننا بلا شك نتلذذ بكل كلمة كتبها لأنها تنفخ في أنفسنا حماسا جديدا وروحا جديدة. لذا نعود إلى علمائهم الذين كانوا على قسط كبير من التقوى في زمن ما، ونسأل منصفيهم الذين هم كبار علماء اللغة الأردية، والذين اشتهرت كتاباتهم في القارة الهندية على نطاق واسع جدا. نسألهم عن مدى تأثير كتابات سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في نفوسهم.

من المعلوم أن السيد أبا الكلام آزاد، محرر جريدة “وكيل” كان من الكتّاب الكبار والأدباء البارعين، وكان قلمه يملك تأثيرا مدهشا، وسوف تعرفون بقراءة كتاباته مدى قوتها وعلُوها وتأثيرها في النفوس.

لذلك فإن رأيه في كتابات سيدنا أحمد ما تعريبه:

“ذلك الشخص! نَعَمْ ذلك الشخص العظيم الذي كان قلمه سحرًا، ولسانُه طِلَسْمًا، والذي كان تجسيدا للعجائب العقلية، والذي كانت نظرتُه ثورةً وصوتُه حشرًا، والذي كانت أسلاك الثورة مطويةً بأصابعه، والذي كانت يداه بطاريتين كهربائيتين؛ ذلك الشخص الذي ظل بمثابة الزلزال والطوفان في عالم الأديان إلى ثلاثين سنة، وأصبح بمثابة ضجة القيامة وظل يوقظ الأموات الروحانيين. (أقول: ولكنه لم يتمكن من إيقاظ هؤلاء الأشقياء!) قد واراه الموتُ، كأسُ السم المرير، تحت الثرى، ولكن سوف تبقى ذكرياتُ موته المريرة على ألسن الألوف بل مئات الألوف من الناس. إن المجزرة التي نفَّذها الموت في الأماني والأشواق بقتل هذه النفس الحية ستبقى ذكرياتُها حيةً في صدى المأتَم مدة طويلة*.”

ثم يقول صاحب المقال:

“إن الذين يُحدثون الثورة في عالَم الدين أو العقل لا يجود بهم الدهر كثيرا، بل إن أبطال التاريخ الأفذاذ هؤلاء نادرا ما يظهرون على منصة العالم، ولكنهم عندما يَظهرون فإنهم يحدثون ثورة في العالَم. إن عظمة السيد الميرزا -رغم وجود الخلافات الشديدة حول بعض معتقداته ودعاويه- جعلت المسلمين، نَعَمْ! المسلمين المثقفين المتنورين، يشعرون لدى وفاته أن رجلا كبيرا منهم قد فارقهم. “هل لاحظتم كم كانت كتابات سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود “سطحية” وعديمة المتعة واللذة الأدبية، ولا توجد فيها حجة ولا برهان (والعياذ بالله). يقول معارضونا بأنه لا توجد في كتابات سيدنا أحمد شيء إلا الأنباء عن هلاك معانديه ولكن الأديب الشهير السيد آزاد يقول:

“لقد ظل يؤدي واجبه كقائد ناجح ضد أعداء الإسلام. وإن ميزته الفريدة هذه تُوجب علينا أن نعترف بهذا اعترافًا واضحًا حتى تبقى تلك الحركة الجليلة، التي داست أعداء الإسلام تحت الأقدام وهزمتهم إلى فترة من الزمن، ساريةً مستمرة في المستقبل أيضا.”

بارك الله فيك وفي أمنيتك يا صاحب المقال! واعْلَمْ أن هذه الحركة الجليلة لا زالت سارية على قدم وساق إلى اليوم، ولن تفتأ سارية في المستقبل أيضا بإذن الله. ويمضي الكاتب يقول:

“إن كتب السيد الميرزا التي ألفها ضد المسيحيين والآريا الهندوس قد نالت قبولا واسعًا، وإن حضرته لغني عن التعريف من هذه الناحية. ولا بد لنا اليوم أن نقدّر هذه الكتب -وقد أنجزت مهمتها- ونعترف بعظمتها من الأعماق. إذ لا يمكن أن يُمحى من صفحة القلب ذلك الوقت العصيب حين كان الإسلام عرضة لهجمات أعداء الإسلام من كل حدب وصوب، وحين كان المسلمون -وهم مأمورون بحمايته من قبل الحامي الحقيقي ( )- يتأوهون عقابًا على تقصيراتهم، وكانوا لا يحركون ساكنًا لصالح الإسلام بل ما كانوا على ذلك من القادرين.”

أقول: لم يحركوا ساكنا وما كانوا يملكون قدرة على فعل شيء في هذا الصدد بل كانوا متأوهين لجروحهم أنفسهم. ففي هذه الحالة قام “بظلم عظيم” ضد عالم الإٍسلام إذ قام بتأليف كتب قيّمة خدمةً للإسلام ودفاعًا عنه. على أية حال يقول الكاتب:

“كانت أسباب الدفاع (عن الإسلام والمسلمين) ضعيفة لدرجة أنه لم تتوفر لهم حتى السهام مقابل المـَدَافع. ولم يكن هناك شيء اسمه الهجوم أو الدفاع أبدًا ….ولكن هذا الدفاع المجيد (أي الذي قام به حضرته) حطم تأثيرَ الغزو المسيحي الذي كان في الواقع قوة المسيحية التي كانت تحظى بها المسيحيةُ تحت ظلال الحكومة الإنجليزية. وهكذا فقد نجا آلافٌ من المسلمين، بل مئات الآلاف، من هجوم المسيحية الذي كان يشكل خطرًا وشيكًا أفدح، وهكذا جعل سحر المسيحية نفسها يتبخر في الهواء كالدخان. لقد غير حضرته أسلوب الدفاع وجعل المغلوب غالبًا.”

لاحِظوا مرة أخرى مدى الخطر على الإسلام. يقول المعاندون اليوم: لا يمكننا أن نعفو عن خطأ الميرزا. وما هو خطأه يا ترى؟ الخطأ أنه قد ضحى بنفسه وعِرضه وبذل قصارى جهوده ليل نهار للدفاع عن الإسلام وجعل المسلمين الضعفاء العزَّل المغلوبين المتأوهين غالبين!! هذا، ولم يهزم حضرته عدوًا واحدًا بل هزم أعداء الإسلام كلهم بالحجج والبراهين. وهذا ما يؤلم العلماء اليوم. يقولون كيف تشجع ثم تَمَكَّن من فعل ذلك؟ يضيف صاحب المقال ويقول:

“هذا، وقد أسدى الميرزا المحترم خدمة كبيرة للإسلام بكسر أنياب الآريا المسمومة.. وكتاباته ضد الآريا تؤكد أيما تأكيد على أنه لا يمكننا غض الطرف عن هذه الكتابات مهما اتسع نطاق دفاعنا.”

فيا أيها المعارضون! ابذلوا ما في وسعكم من جهد إلى يوم القيامة، واكتبوا ما شئتم وإلى ما شئتم، ولكن لا يمكنكم غض الطرف عن كتابات سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود !

يضيف الكاتب ولله درُّه إذ يقول:

“وليس من المأمول أن يظهر في المستقبل في الأوساط الدينية بالهند شخص بهذا الشأن، بحيث يضحِّي بأمنياته السامية من أجل دراسة الدين.” (جريدة “وكيل” أمرتسار، يونيو 1908، نقلاً عن جريدة “بدر” الصادرة في قاديان 18/6/1908 ص2-3)

ثم نُشر في جريدة “وكيل” 30/5/1908 مقال عن سيدنا أحمد جاء فيه:

“نجده -وهو يناهز من العمر 35 أو 36 عامًا- مندفعًا اندفاعًا قويًا بحماس ديني شديد. إنه يعيش كمسلم صادق تقي وورع، قلبه غير متأثر من المغريات الدنيوية. نراه مضطربًا على الدوام، وكأنه في بحث عن ضالة.”

نعم كان في بحث عن ضالة وهي غلبة الإسلام. كان يبحث عن “يوسفه” (كناية عن غلبة الإسلام) الذي كان يجد رائحته، كما قال في منظومه ما تعريبه:

“إنني لأجد ريح “يوسف”، وأنتظره بفارغ الصبر لولا أن تُفنَدون.”

لقد رآه على هذه الحالة هذا الكاتب الذي لم يكن من جماعته، فوصف حالته هذه بالكلمات التالية:

“يبدو وكأنه في بحث عن ضالة لا يتم العثور عليها في الدنيا الفانية. كان الإسلام قد أخذ منه كل مأخذ. كان يناقش الآريا مرة، وأخرى يؤلف كتبًا مسهبة لتأييد الإسلام وإثبات صدقه. لم تَزُل إلى الآن من القلوب لذةُ مباحثات قام بها في مدينة هوشيار بور عام 1886. كذلك لم تزُل إلى الآن حالة الوجد التي استولت على القلوب بسبب مطالعة الكتب الفريدة التي ألفها ردًّا على الأديان الأخرى وتأييدًا للإسلام.”

تأثير مدهش للكتابات المشرّفة

هذه انطباعات أعيان المسلمين الذين كانوا أتقياء وعادلين، وكان ذوقهم اللغوي رفيعًا جدًا، والذين تُعتبر كتاباتهم حجة إلى اليوم. فقد كتب الميرزا حيرت الدهلوي مدير جريدة “كرزن غزت” في عددها 1/6/1908 مقالاً عن كتابات سيدنا أحمد وتأثيراتها جاء فيه:

“الخدمات الجليلة التي أدّاها المرحوم للإسلام في مواجهة الآريا الهندوس والمسيحيين لجديرة بالتقدير الكبير حقًا. إنه غيّر مجرى المناظرة تمامًا وأقام أُسسًا جديدة للكتب الدينية في الهند. ليس لكوني مسلمًا فحسب بل بصفتي باحثا أيضا، أعترف أنه لم يكن بوسع أي من الآريا أو القساوسة أن يواجه المرحوم. والكتب الفريدة التي ألَّفها ردًّا على المسيحية والآريا، والأجوبة المفحمة التي وجهها إلى معارضي الإسلام، لم نر أحدًا، لحد الآن، قد استطاع أن يكتب ردا معقولاً عليها.”

إذن فما يؤلم الحكومة الباكستانية الحالية هو أن حضرته ترك خلفه كتبًا لم يتمكن الآريا ولا المسيحيون إلى اليوم من الرد عليها، وقدم أجوبة مفحمة دفاعا عن الإسلام حتى اعترف بذلك المعارضون أيضا. ومع ذلك يقول البيان الأبيض المزعوم بأنه لا يوجد في كتاباته سوى اللغة القاسية ضد معارضيه! يتساءل المرء مستغربًا بعد قراءة “البيان الأبيض” المزعوم: أليست للوقاحة أية حدود؟ فقولهم هذا لا يعكس جهلهم فحسب بل هو كذب سافِر أيضا. إنهم إما يفترون على حضرته بهتانا عظيما متعمدين، أو أنهم لم يقرؤوا كتابًا واحدًا من كتبه بل كتبوا جالسين في بيوتهم عبارات ليست إلا رزمة من الدجل الشنيع.

أستأنفُ اقتباس عبارة من كلام السيد ميرزا حيرت الدهلوي حيث ذكر أساليب المناظرة التي أسسها حضرته وما برز للعيان من أعماله البارزة، وما استخدمه الأعداء من مكائد مقابل ذلك، فيقول صاحب المقال:

“لم نر أحدًا، لحد الآن، قد استطاع أن يكتب ردا معقولاً على الأدلة التي قدمها حضرة الميرزا، إلا أن الآريا قد شتموا بالوقاحة المتناهية حضرتَه أو أئمة الإسلام أو أُسسه. كان قلمه يملك قوة لدرجة لا يوجد في “فنجاب” بل في الهند كلها أحد يستطيع أن يكتب بهذه القوة. وكانت المفردات اللغوية الكثيرة والقوية والمفعمة بالحماس الشديد تغزو ذهنه دائما. وكلما جلس للكتابة نزلت عليه كلمات متناسقة لدرجة يعجز الإنسان عن بيانها. والذين ليسوا على معرفة جيدة بخليفته الأول، المولوي نور الدين المرحوم، يظنون خطأً منهم أن المولوي نور الدين ساعده في تأليف هذه الكتب. ولكنني أقول بناءً على معرفتي الشخصية له بأن المولوي نور الدين لا يستطيع أن يكتب بضعة سطور مقابل السيد الميرزا. ورغم أن مذاق اللغة الفنجابية وجد طريقه إلى الأدب الأردي للمرحوم في بعض المواضع، ولكن مع ذلك فإن كتاباته القوية فريدة من نوعها. بل الحق أن قراءة بعض كتاباته تؤدي بالإنسان إلى حالة من الوجد.” (المرجع السابق)

ويقول السيد ممتاز علي في مجلة “تهذيب نسوان” الصادرة في لاهور: ” كان حضرة الميرزا ناسكا طاهرًا وتقيًّا جدًّا، وكان يملك قوة الحسنة التي كانت تسخِّر القلوب القاسية الشديدة القسوة. كان عالما خبيرا ورفيع العزم ومصلحا ونموذجا حقيقيا للحياة الطاهرة. نحن لا نقبله كمسيح موعود من الناحية الدينية، ولكن هديه وقيادته كانت بالفعل بمثابة المسيح للأرواح الميتة.” (نقلاً عن مجلة “تشحيذ الأذهان” ج 3 رقم 10 ص 383 عام 1908)

وقالت جريدة ” صادق الأخبار” الصادرة في ريواري بهاولبور:

“لقد أسكت الميرزا مخالفي الإسلام إلى الأبد بالردود المفحمة على اعتراضاتهم البذيئة، عن طريق خطاباته القوية التأثير ومؤلفاته الرائعة، وأثبت أن الحق حقٌّ. الواقع أن الميرزا المحترم لم يدَّخر جهدًا في خدمة الإسلام بتأديته حق حماية الإسلام كما يجب. فمن مقتضى العدل أن نعبِّر عن أسفنا الشديد على الوفاة المفاجئة لهذا المدافع عن الإسلام ذي العزم الصميم ومعين المسلمين والفاضل الجليل والعالِم الفذ العديم النظير.” (المرجع السابق ص 382)

السيد خواجه حسن النظامي كاتب وأديب معروف وينتمي إلى أسرة أدبية تحظى باحترام كبير في الهند كلها، وليس من مؤيدي الأحمدية بل كان من أعدائها، ولكنه يقول:

“ميرزا غلام أحمد كان رجلاً صالحا وفاضلاً عظيما في عصره تُستمد من مطالعة كتبه وملفوظاته فائدة كبيرة. ولا يسعنا إلا أن نعترف بتبحره العلمي وفضله وكماله.” (جريدة “منادي”، 27 شباط/فبراير إلى 4 آذار/ مارس 1930)

لقد اضطرَّ معارضو الأحمدية، بمن فيهم المولوي ظفر علي خان أيضا، للاعتراف بأن كتابات سيدنا أحمد كانت تملك قوة خارقة فقال: “لقد تصدى السيد الميرزا لهجمات الهندوسية والمسيحية بكفاءة لا متناهية، وألَّف ضد الآريا والمسيحيين كتبًا قيّمة مثل “سرمه جشم آريا” و”جشمه مسيحي” (جريدة “زميندار”، 12 أيلول 1923)

لا شك في أن هذه عبارة “سطحية” من الناحية الأدبية إلا أن ما يحويه من مدح لسيدنا الإمام المهدي فهو صحيح تماما.

يتساءل المرء مستغربًا بعد قراءة “البيان الأبيض” المزعوم: أليست للوقاحة أية حدود؟ فقولهم هذا لا يعكس جهلهم فحسب بل هو كذب سافِر أيضا. إنهم إما يفترون على حضرته بهتانا عظيما متعمدين، أو أنهم لم يقرؤوا كتابًا واحدًا من كتبه بل كتبوا جالسين في بيوتهم عبارات ليست إلا رزمة من الدجل الشنيع.

السر في قوة البيان الخارقة

من أين تلقّى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود هذه القوة مقابل العلماء الكبار وعلماء اللغة المرموقين الذين درسوا في جامعات راقية؟ في حين لم يتلقَّ حضرته إلا تعليما بسيطا جدا في البيت على يد الأساتذة القرويين العاديين جدا. فمن أين حصل على هذا العلم والقوة العلمية الخارقة؟ عندما نطرح هذا السؤال على حضرته نرى أنه لا ينسب شيئا من هذا العلم والقوة إلى نفسه بل يقول في بيت شعره ما معناه:

“كنت فقيرًا عديم الحيلة مفتقرًا إلى أية قوة. وكنت خامل الذكر لدرجة ما كان أحد يعرف حتى موقع قريتي قاديان.” أي لا دخل لي في كل هذا إلا أن ربي الذي أرسلني يهب لي هذه القوة ويجعل لساني ينطق بالمعارف. هو الذي يهب لقلمي قوة عظيمة فتخرج منه المعارف الدقيقة وكأنها بحر زاخر. هذا ما يتصوره عن نفسه فيقول: إنني لست شيئا أبدا، ولا أهمية لي، ولست على قدر كبير من الثقافة أيضا، ولكن الله تعالى يُخرج من قلمي لآلىء الحكمة باستمرار. يقول حضرته عن نفسه بأنني لست شيئا أبدا، فإن كنتم تضحكون على مرتبتي العلمية فافعلوا كما يحلو لكم، ولكنني على صلة بالقادر الغالب خالق الكون، فكيف تجرؤون على الضحك عليه ؟ وكتاباتي هذه وكلامي هذا خير دليل على أنني متصل بينبوع العرفان. ثم يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود : “أقول بكل يقين وثقة بأنني على الحق، وسأنال الفتح في هذا المجال بفضل الله تعالى. وبقدر ما أستطيع أن أنظر ببصيرتي أرى العالم خاضعًا لصدقي.”

ما أروعه من كلام! وكم هو باعث على الوجد!! هل هذه العبارة أيضًا سطحية في رأيهم!!

وإليكم الآن مزيدًا من الكلام الذي قُوته وعظمته تبرهنان على أنه كلام فريد من نوعه وليس كلام إنسان عادي أبدًا. الحق أن الله سبحانه وتعالى كان ينطق بذلك اللسان، لذا فقد حصلت له هذه القوة العظيمة، يقول حضرته:

“يوشك أن أنال فتحا عظيما لأن لسانا آخر ينطق تأييدا للساني، ويدًا أخرى تجري تقويةً ليدي، الدنيا لا تراها ولكنني أراها. هناك روح سماوية تنطق في نفسي، وتنفخ الحياة في كل حرف وكلمة أنطق بها. وهناك هياج وثورة في السماء وهي التي أقامتني أنا الحفنة من التراب. فكل من لم يُغلَق عليه بابُ التوبة سيرى عن قريب أنني لست من تلقاء نفسي. فهل بصيرة تلك العيون التي لا تعرف الصادق؟ وهل حيٌّ ذلك الذي لا يشعر بهذا الصوت السماوي؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 403)

 لم يبق مجال لقول شيء بعد هذا المقتبس من كلام سيدنا المسيح الموعود إلا أن أقول للمعارضين العميان: “إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت!”

Share via
تابعونا على الفايس بوك