رأي كبار العلماء في كتابات سيدنا مرزا غلام أحمد عليه السلام
التاريخ: 1985-04-12

رأي كبار العلماء في كتابات سيدنا مرزا غلام أحمد عليه السلام

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة الثالثة عشرة من مجموع ثماني عشرة ردَّ فيها

حضرة مرزا طاهر أحمد أيّده الله

على تهمٍ باطلة ألصقتها حكومة باكستان آنذاك بجماعتنا ونشرتها في كتيب تحت

عنوان «القاديانية خطر رهيب على الإسلام» أثناء حملتها الشرسة ودعايتها

الكاذبة ضد جماعتنا ومؤسسها

12 أبريل 1985 مسجد الفضل، لندن

«تنشر أسرة التقوى ترجمة هذا الخطاب على مسؤوليتها»

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين)

فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (الطَّلَاق: 11-12)

خطبتي اليوم أيضًا تضم ردودًا على اعتراضاتٍ وُجِّهت إلى الأحمدية ومؤسسها في البيان الأبيض المزعوم الذي نشرته حكومة باكستان. اخترتُ اليوم اعتراضين قد ذكرتهما من قبل أيضًا ولكنهما كما وردا في البيان الأبيض المزعوم منقسمين على جزءين كذلك سوف أردُّ عليهما على الأساس نفسه.

فمن اعتراضاتهم قولهم أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أفتى ضد الجهاد ومدح الإنجليز فثبت تلقائيًا أنه غراس الإنجليز وكذلك الأحمدية أيضًا غراس الإنجليز. لقد أوردوا هذا الاعتراض العادي بشكل آخر وقالوا:

“في عهد حكومة السيخ قدَّم ميرزا غلام مرتضى، والد سيدنا أحمد خمسين فرسًا وخمسين مقاتلاً للإنجليز على نفقته الخاصة أثناء ثورة عام 1857م. وهكذا دعم والدُ سيدنا مرزا غلام أحمد الإنجليز ضد المسلمين أثناء الجهاد”.

بما أن المسلمين لم يشنُّوا في عهد سيدنا المسيح الموعود حربًا ضد الإنجليز حتى يقدِّم معارضونا تأييدًا لموقفهم أو يتمكنوا من توجيه الاعتراض إلى حضرته قائلين إنه لم يصدر فتواه ضد الجهاد فقط بل حاول منع المسلمين من الاشتراك فيه وعارضهم فعلاً في وقت كذا وكذا حين كانوا مشغولين في الجهاد. لذا فقد أبعدوا النُجعة وأوردوا أحداثًا مزعومة من زمن آباء سيدنا أحمد وقالوا إنهم قاموا بكذا وكذا. ولكن الحقيقة أن الادعاء باطلٌ تمامًا الذي أسسوا عليه حجّتهم الافتراضية ادعاءٌ باطل. يقدِّمُ مؤرخو باكستان المعاصرون أحداث ثورة 1857م وكأنها كانت جهاد المسلمين ضد الإنجليز حيث تكاتف المسلمون جميعًا ضدهم، ولكن قولهم هذا باطلٌ تمامًا لأن هذا لم يحدث قط. تُبرهن الأحداث الثابتة تاريخيًّا على أن بعض المفسدين وعلى رأسهم الهندوس والبوذيون لم يضيِّقوا الحصار حول ملك بهادر شاه ظفر فقط بل حاصروا بعض العلماء المسلمين وأجبروهم على إصدار الفتاوى باعتبار هذه المفسدة جهادًا. أما فيما يتعلق بالمسلمين العاديين فلم تشترك فيها الأغلبية الساحقة منهم بل على عكس ذلك فقد أصدر العلماء الأتقياء والمطَّلِعون على معتقدات الإسلام فتاواهم علنًا ضد المفسدة. وقالوا جهرًا بأنها مفسدة، ومن الخطأ تسميتها جهادًا، حتى ذكروا المشتركين فيها بكلمات قاسية جدًا. ومن المعلوم أنه لو نجحت هذه المفسدة لما تكوَّنت تباعًا لها في الهند حكومة مسلمة أبدًا. والذي لديه أدنى إلمام بالتاريخ يعرف جيدًا أن المفسدة كان من شأنها أن تُسفِر عن حكومة السيخ بعد حكومة الإنجليز. وكانت حكومة السيخ سوف تُسفِرُ عن تدهور حالة المسلمين أكثر من ذي قبل. إذن فهذا ما كان يمكن حدوثه على صعيد الواقع. فشعر بذلك كثيرٌ من العلماء المسلمين الواعيين فلم يعتبروها جهادًا إسلاميًا بل أصدروا فتاواهم ضدها.

عطايا الإنجليز للديوبنديين

لقد استنتجوا في البيان الأبيض المزعوم استنتاجًا غريبًا للغاية إذ قالوا إن ميرزا غلام مرتضى دعم الإنجليز وأنفق الأموال من جيبه على الفرسان لدرجة ساءت فيها حالة أسرته ولكن الحكومة الإنجليزية التي ساعدها والدُ سيدنا أحمد ضد الإخوة المسلمين لم تُقدِّر مساعي حضرته بشكلٍ من الأشكال. إذن فاستنتاجهم هذا يبرهن على ماذا عسى أن يكون قد حدث ولأي سبب تمت المساعدة المذكورة؟

الحقيقة أن سيدنا أحمد لم يدعم الإنجليز لأهداف شخصية أبدًا ولم ينل حضرته أو جماعته الحُظْوَةَ أو العطايا منهم، كما لم يدعم آباءُ حضرته الإنجليزَ لأهداف شخصية، ولم ينالوا أبدًا الألطافَ من قِبل الإنجليز. وهذا ما يعترف به معاندونا أيضًا. وعلى عكس ذلك، من الذي تلقّى العطايا والحُظْوَة من الإنجليز؟ إنهم بعض العلماء المنتمين إلى الفرقة الوهابية والديوبندية الذين فازوا بكل ذلك. مما يعني أن آباءَ أعداءِ الأحمدية الألدَّاء في الفترة الراهنة هم الذين دعموا الإنجليزَ بكل ما في وسعِهم فنالوا ما نالوا. وكذلك عاضد الإنجليزَ بكل شدّة بعضٌ من علماء الشيعة أيضًا، وبالتالي تلقّى جميعهم العطايا والألطافَ منهم. ولم تكن لهذه العطايا صلةٌ بعاطفة الخير ولا بمصلحةٍ قومية بل كانت أهدافهم الشخصية منوطةً بها. فقد جاء في كتاب، قيصر التواريخ، ج2، ص351، طبعة لكهنئو بالهند عام 1896م ما تعريبه:

«الذين مُنِحوا العطايا والألطاف بعد انخفاض حدّة الثورة كان منهم عالمٌ ومجتهدٌ بارز، سلطان العلماء السيد محمد أيضًا من مدينة لكهنؤ والذي منحته حكومةُ الإنجليز معاش التقاعد قدره 800 روبية (عملة هندية) شهريًا بصورة دائمة، جيلاً بعد جيل».

الغريب في الأمر أن الإنكليز أهملوا أسرةً يقول المشائخ عنها بأن الإنكليز غرسوها بيَدهم، وغضّوا الطرف عنها بصورة دائمة لدرجة لم يعيدوا إليها عقاراتها المحظورة أيضًا فضلاً عن منحها العطايا أو الألقاب. ومن ناحية ثانية منحوا العلماء الذين يعترضون على الأحمدية اليوم عقارات وأرض واسعة بالإضافة إلى مِنَح شهرية جيلاً بعد جيل. أما فيما يتعلق بأصحاب الفرقة الديوبندية فسألقي الضوء لاحقًا على وضعهم من خلال كتبهم. هناك كتاب بعنوان: تذكرة الرشيد للمولوي عاشق علي حول سيرة المولوي رشيد أحمد الكنكوهي، يقول فيه المؤلف: “في تلك الأيام اضطر حضرته (يقصد المولوي رشيد أحمد الكنكوهي) لمواجهة المفسدين الذين كانوا يتجولون بشكل عصابات، فكان حضرته يحمل السيف دفاعًا عن نفسه وكان يجول في وابل من الرصاصات ببسالة الأسد. فحدث ذات مرة أن خرج حضرة الإمام الرباني (يقصد المولوي رشيد أحمد الكنكوهي) في صحبة صديقه الحميم، المولوي محمد قاسم النانوتوي (وهو من كبار الفرقة الديوبندية)، والطبيب الروحاني لحضرته الأعلى السيد الحاج (يقصد الحاج إمداد الله المكي)، والسيد حافظ ضامن، إذ واجهوا حَمَلة البنادق، فلم تكن هذه الجماعة المقاتلة والجريئة لتفر أو تزول من وجه الثائرين على حكومتهم..”. هذه حكايتهم!! أما فيما يتعلق بسيدنا أحمد وجماعته فلم تكن الأحمدية قد تأسست إلى تلك الآونة وكان سيدنا أحمد   عندها صغير السن. فلم يجد المعاندون اعتراضًا من هذا القبيل ليوجهوه إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وجماعته من الفترة اللاحقة أيضًا، حتى يستطيعوا القول بأنه أو جماعته اشتركت في حملة أو حرب ضد مصلحة المسلمين. إلا أن الحرب التي يعتبرونها بأنفسهم حربًا لصالح المسلمين التي أعلنوا عنها على دقات الطبول أنها جهاد للإسلام ولصالح المسلمين، يقول عنها آباؤهم:

“.. ما كانت هذه الجماعة المقاتلة والجريئة لتفر أو تزول من وجه الثائرين على حكومتهم بل صمدت مثل الصخرة الجبارة واستعدت لتفدية أنفسهم لحكومتهم، .. يالها من شجاعة وبسالة! المشهد الذي تقشعر لهوله الجلود وترتعد له فرائص أشجع الشجعان صمد فيه هؤلاء المساكين حاملين السيوف أمام جمع غفير من حَمَلة البنادق وكأن الأرض لصقت بأقدامهم. فأطلقت الرصاصات عليهم واستشهد حضرة الحافظ رحمة الله بتلقيه الرصاص تحت الآنة”. (التذكرة الرشيدية، ميرتهـ ج1، ص 74-75)

هذا هو جهادهم الذي يعتبرونه بأنفسهم أنه كان جهاد المسلمين ضد الإنكليز. وهذا ما قام به في هذا الجهاد آباء من يتشدقون ضد الأحمدية اليوم. والحقيقة أن قولهم كذب صريح، لم تكن هذه المفاسد جهادًا أبدًا كما قلت سابقًا. والعلماء الأتقياء الكبار وقتها كانوا ينبهون المسلمين على أنها فتنة وفساد لا غير فلا تشتركوا فيها لأنها تنافي مصالحهم. فلقد جاء في كتاب: “الأرواح الثلاثة” عن عالم معروف من مدينة دلهي بالهند، السيد مير محبوب علي بالهوامش من المولوي أشرف علي التهانوي:

“لقد عارض كثير من العلماء المفسدة بمن فيهم المولوي السيد مير محبوب علي أيضًا وقالوا: إنها ليست جهادًا، فكانوا يمنعون الناس من المفسدة بالوعظ والنصيحة”. (الأرواح الثلاثة، هامش ومراجعة للمولوي أشرف علي التهانوي، الناشر: الأكادمية الإسلامية، أردو بازار لاهور بباكستان، ص316، الحكاية رقم 466)

والذين يعتبرون هذه المفسدة جهادًا اليوم، يقول مرشد فرقتهم، المولوي محمد حسين البطالوي عن ذلك الجهاد المزعوم: “المسلمون الذين اشتركوا في مفسدة عام 1857م كانوا مذنبين كبار وبغاة ومفسدين وفسَّاقًا حسب حكم القرآن والحديث”. (مجلة إشاعة السنة النبوية ج9، رقم 10، عام 1887م )

لم يشترك والد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في هذا الجهاد. هذا هو اعتراضهم على الجماعة إذ يقولون إن الإسلام قد تعرض لخطر مهيب من جراء ذلك. ثم يمضي المقتبس يقول: “إن المولوي (الشيخ) محمد نذير حسين.. لم يعتبر مفسدة 1857م جهادًا شرعيًا بل اعتبر المشاركة فيها ودعمها معصية باعتبارها ناتجة عن فقد الإيمان، واعتبرها نقض العهد وفسادًا وعنادًا”. (مجلة إشاعة السنة النبوية ج6 رقم 10 ص 288)

أما السير أحمد خان فقد كتب بالإسهاب عن هذه المفسدة في “أسباب مفسدة الهند”. تتلخص أفكاره  في أنه اعتبرها ثورة عدوانية حتى سماها الرذيلة. (ومن أراد الاطلاع على مزيد من التفاصيل فليرجع إلى مجلة “أسباب مفسدة الهند”. للسير سيد أحمد خان، الناشر: أردو أكادمي سندهـ كراتشي)، ومن الظلم العظيم والسخرية الشنيعة من الإسلام تسميتهم هذه المفسدة جهادًا. الأدهى والأمر من ذلك أن المفسدة التي سماها آباؤهم خبثًا ورذيلة من قبل يقدمونها اليوم كجهاد إسلامي (والعياذ بالله). إن هذا إلا تشويه بغيض لفكرة الجهاد في الإسلام وبهتان كبير على القرآن الكريم. والأسوأ من ذلك أنهم لا يستحون حين يخلطون الخبث والرذيلة بالجهاد الإسلامي لمجرد إيجاد فرصة  للاعتراض على سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .

وهذا ما قام به في هذا الجهاد آباء من يتشدقون ضد الأحمدية اليوم. والحقيقة أن قولهم كذب صريح، لم تكن هذه المفاسد جهادًا أبدًا كما قلت سابقًا. والعلماء الأتقياء الكبار وقتها كانوا ينبهون المسلمين على أنها فتنة وفساد لا غير فلا تشتركوا فيها لأنها تنافي مصالحهم.

الاعتراض على نزول المسيح على منارة دمشق

هناك اعتراض آخر قد أثير من قبل أيضًا وقمت بالرد على الجزء الخاص به والمتعلق بنزول المسيح على منارة دمشق، كما رددت على جزء من الاعتراض المتعلق بنزول المسيح بين مهرودتين أيضًا. حيث قال معارضونا إن التأويل القائل إن المراد من المهرودتين هما مرضان يصاب المهدي بهما إنما هو تأويل واهٍ وباطلٌ، فقلت إن كنتم لا تقبلون أي تأويل للمهرودتين فلا بد لكم أن تقبلوا كلمات الحديث كلها بمعناها الحرفي، ولا تنسوا أيضًا حكم النبي عن الأقمشة الصفراء (المهرودة) أنها لباس الكفار فلا يلبسنّها مسلم. والآن أقدّم إليكم جزءًا ثانيًا من الاعتراض، فجاء في البيان الأبيض المزعوم: “لقد تم البيان في الأحاديث النبوية بصراحة تامة أن عيسى ابن مريم سينزل في دمشق وينجي المسلمين من فتنة “الدجال” المخادع الكبير. لكن الميرزا استخدم هذا الحديث في حقه عن طريق التأويل المضحك”. (الكتيب الحكومي، بتصرف من “إزالة الأوهام” ص 63-73 الطبعة الأولى)

ثم ذكروا التأويلات التي تقول إن المراد من دمشق ليست مدينة دمشق بل مثيلها كما ليس المراد من المسيح، المسيح الناصري بل مثيله. ثم يقولون ألا يشكل هذا الشخص الذي يقوم بتأويلات مضحكة خطرًا على الإسلام وعالم الإسلام؟

المفهوم الحقيقي للنزول

سوف أرد على هذا الاعتراض من ناحيتين: أولاً ما المراد من النزول؟ ثم ما الذي يراه معارضونا مضحكًا، إذا قلنا بأن المراد من النزول هو بعثة شخص بدلاً من النزول من السماء؟ ثم هل من المعقولية في شيء أن يكون المراد من النزول: البعثة من الأرض؟

وثانيًا: لماذا تتمسك الأحمدية بهذا التأويل المضحك؟ ولو لم يقبل هذا التأويل المضحك المنسوب إلى الأحمدية كيف يمكن أن تبدو الأمور على صعيد الواقع؟ ثم بقي أن نستعرض ما إذا كان هذا التأويل الذي تقدمه الأحمدية مضحكا أكثر أم الوضع الذي يمثل للعيان عند عدم قبول التأويل؟ والآن أشرح الموضوع من كلتا الناحيتين. أولا أتناول كلمة “نزول” التي وردت في القرآن الكريم بالتكرار في معانٍ مختلفة. والمعنى المشترك في كل موضع هو أن القرآن الكريم استخدم كلمة “نزول “عن كل شيء ذي بال وذي فائدة كبيرة للناس والذي أعطاه الله الناس معطاء خاص منه. ولا شك أن سقوط الشيء من الأعلى ظاهريا أيضا يذكر بكلمة النزول، لا نرفض ذلك ولكن مما لا شك فيه أيضا أن معاني القرآن الكريم الصحيحة تتبين من آيات القرآن الأخرى وهديه لأن القرآن يفسر بعضه بعضا. أقدم الآن إلى حضراتكم آية من القرآن الكريم وسوف ندرسها بمنظور معارضينا أيضا. ولو لم يقبل التأويل الذي تقدمه الأحمدية والذي يعتبره معارضونا مضحكا، ماذا عسى أن يكون مفهوم الآية الكريمة؟ أترك هذا الأمر في يد القراء الكرام ليحكموا فيه، يقول الله :

  يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأَعراف 27 )

يفهم من هذه الآية حسب تأويل الأحمديين الذي يعتبره المعارضون تأويلاً مضحكا اننا وهبنا لكم لباسًا، والمعروف أن اللباس لا ينزل من السماء مباشرة وبصورته المادية بل ننسجه نحن بأيدينا. وهذا تأويل مضحك لأننا لم نأخذ معنى الآية الحرفي. والمفهوم غير المضحك لدى العلماء الآخرين -حسب زعمهم -هو أن الله تعالى يقول إننا أسقطنا عليكم اللباس من السماء بشكله المادي، وكل نوع من اللباس يسقط من السماء مباشرة، وتمطر السماء القمصان مرة ثم تمطر السراويل والبناطيل والعمائم مرة أخرى، وهكذا دواليك ثم يقول الله :

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد: 26)

فيما يتعلق بالحديد فتقول الجماعة الأحمدية: بما أن كلمة النزول تستعمل بالنسبة إلى أشياء ذات فائدة كبيرة لذا نرى أنه ليس المراد من النزول هنا سقوط الحديد بصورة ظاهرية لأنه يستخرج من الأرض كما هو معروف لدى الجميع بل المراد هو أن الله تعالى قد أناط به فوائد عظيمة للإنسان لذا استخدمت كلمة النزول للحديد، هذا مفهوم مضحك لدى المعارضين، أما المفهوم غير المضحك للآية -عند المعارضين- فيكون كالتالي :إن الله تعالى يرسل الأنبياء ويسقط عليهم الكتب من السماء بصورة ظاهرية فتهبط من السماء كما تهبط الثلوج مثلاً. ثم يتساءل الله تعالى: ألم تروا يا أيها الناس أننا عندما نقرر بعثة الأنبياء تسقط عليهم الكتب جاهزة من السماء وذلك ليقوم الناس بالقسط فهل تتعجبون من سقوط الكتب من السماء. وكيف تتعجبون في حين ترون أننا نسقط الحديد أيضًا من السماء بصورة ظاهرية وفي كثير من الأحيان تقتحمون بيوتكم خوفًا من وقوع الحديد على رؤوسكم حرصًا على سلامتها؟ أوَلا تسوقون مواشيكم أيضا إلى أماكن آمنة حتى لا تقع قطع الحديد عليها فتهلكها. هذا هو المفهوم الذي يقولون إنه غير مضحك وينسجم مع عظمة القرآن الكريم. ثم لا ينتهي الأمر إلى هنا بل هناك أية قرآنية أخرى تقول:

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (الزمر: 7)

المفهوم الذي تستنبطه الأحمدية من هذه الآية الكريمة والذي هو مضحك عند حكومة باكستان هو: أن الله  خلق من الأنعام ثمانية أزواج بفضل منه ومنة عليكم ولفائدتكم. هذا مفهوم مضحك في رأي حكومة باكستان، غير أن المفهوم المعقول وغير المضحك -حسب رأيهم- سيكون مختلفا تماما لأنهم لا يريدون أن يقبلوا أي تأويل بشكل من الأشكال لأنه سوف يكون استهزاء من القرآن الكريم حسب زعمهم. إلا أنهم يصرون على ترجمة هذه الآية بصورة حرفية في كل الأحوال فيكون استنباطها كالتالي: أن الله  قد أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج، أي أسقطها عليكم من السماء بصورة ظاهرية. ألا ترون أن السماء تسقط الأنعام والمواشي مثل الأمطار؟ ثم ها أنتم تأخذونها وتسوقونها إلى بيوتكم وتشاهدون كل هذا بعيونكم كل يوم ثم تكفرون بآيات الله إذن فهذه الآيات كلها تشرح معنى كلمة “نزول” بمعانيها المختلفة.

والآن أعود إلى اعتراض وجهوه إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في هذا الصدد، يقولون بما أن النبي استخدم كلمة النزول في الحديث عن المسيح المقبل لذا لن نسمح لأحد أن يؤول كلمة النزول، ولو لم نتمسك بالمعنى الحرفي للكلمة لتعرض القرآن للسخرية والإهانة. لذا فإن حجة الأحمديين واهية ومضحكة. وواقع الأمر أن كلمة النزول وردت في الحديث الشريف عن المسيح المقبل في حين وردت كلمة النزول نفسها في القرآن الكريم عن رسول الله . كما رأيتم في الآية التي قرأتها في مستهل الخطبة إذ قال الله :

قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ (الطَّلَاق: 11-12)

الحقيقة أن كلمة “نزول” لم تستخدم في القرآن الكريم في حق أي نبي غير رسول الله . ولكن بما أن المعاندين قد تجردوا من الفهم الحقيقي والفراسة، ولا يملكون إلا أفكارًا سطحية، وبما أن أذهانهم فارغة تماما من المعارف الروحية لذا فإنهم لا يفهمون رسالة القرآن الكريم ولا يعقلون حتى يستنبطوا من القرآن الكريم ما ينسجم من عظمة الله بل يصرون على التمسك بالمعنى الحرفي لكونهم يملكون أذهانا سطحية.

سبب استعمال “النزول” بمعاني مختلفة 

بقي أن نبحث في حكمة وراء استخدام كلمة النزول بمعاني مختلفة، لذا سأشرح لكم الموضوع بالتفصيل. فيما يتعلق بالمعادن فلم يستخدم القرآن كلمة النزول إلا للحديد. مما لا شك فيه أن هناك معادن كثيرة تستخدم في الدنيا ولكن الله خَص الحديد وحده بكلمة النزول فقال: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ (الحديد: 26)، وكذلك هناك دواب كثيرة أيضا لدرجة لم يتمكن فيها العلماء إلى الآن من إحصاء أنواعها. ولكن الله لم يستخدم كلمة النزول إلا بالنسبة إلى الأنعام وحدها. فما الحكمة وراء ذلك؟

من المعلوم أن الإنسان قد استفاد من المعادن الأخرى كلها. الحقيقة التي كانت ولا زالت ثابتة تبرهن على أن الحديد هو الأكثر فائدة للبشر بالمقارنة مع المعادن الأخرى كلها. فتبيّن بوضوح أن المعدنَ الذي هو الأفضل والأكثر فائدة ومنفعة للناس ذكره الله بكلمة «النزول». والآن خذوا الدواب مثلاً، فلو تأملنا فيها لوجدنا أن الأنعام ولا سيما اللبونات منها هي التي نشرب لبنها ونستفيد منها للحرث والزراعة، ونستخدم جلودها وأصوافها لتجهيز الألبسة. بالإضافة إلى ذلك نأكل لحومها ونركبها أيضًا. فهل هناك حيوان غيرها أُنيطتْ به مصالح البشر إلى هذه الدرجة؟ فألقوا نظرةً فاحصةً على الكون كله، سوف تجدون بكل وضوح أن الدواب كلها بصورة جماعية أيضًا لم تنفع البشر بقدرِ ما نفعت الأنعام (اللبونات). وهل هناك مصلحة من مصالح البشر لا تخدمها الأنعام؟

ولنعُد الآن إلى الرُسل. لقد بعث الله مائة وأربعة وعشرين ألف رسول في الدنيا ولم يستخدم القرآن الكريم كلمة «النزول» بحقِّ أيِّ واحدٍ منهم. بل هناك نبي واحد وهو سيدنا ومولانا محمد رسول الله الذي قال الله عنه

قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ ،

وذلك لأن جميع الأنبياء الذين جاءوا إلى الدنيا -وأقول حلفًا بالله- لم ينفعوا البشر مثلما نفعهم سيدنا ومولانا محمد رسول الله . إن نظرة معاندينا لا تدرك هذه المعارف الدقيقة. فقد عَمِيت قلوبهم وشُلَّت أذهانهم فلا يتأملون في مصطلحاتٍ قرآنية. ولا يريدون أن يفهموا ما يتم بيانه. لا شكَّ أنهم متجرِّدون من تلك الحِكم كلها لذا يضحكون عليها ويسخرون منها.

جَوْرُهم في إطلاق كلمة “النزول”

ثم لا يقتصر الأمر على ذلك بل الحقيقة أنهم متجرِّدون من العدل والقسط وكاذبون أيضًا في دعواهم بحبِّ النبي . إنهم يرون أوجه التقدير والإكرام في استخدام الكلمة بالمعنى الحرفي ويظنون أنه لو وردت كلمة النزول عن عيسى ولم نأخذها بمعناها الحرفي والظاهري لكان ذلك إهانة كبيرة له . ويزعمون أيضًا أن الأحمدية تهين سيدنا عيسى لأنها تعرقل طريق نزوله بشكل ظاهري بسبب تأويل الآيات القرآنية والأحاديث. إنهم لا يتحملون بشكل من الأشكال تأويل كلمة النزول الواردة في الحديث بحقِّ عيسى في حين أنهم بأنفسهم يؤوِّلون كلمة النزول نفسها الواردة في القرآن الكريم بحقِّ سيدنا ومولانا محمد . وبذلك يعاملون النبي معاملةً غير التي يعاملون بها سيدنا عيسى . يدَّعون حُبَّ النبيّ بلسانهم ولكنهم من أعماق قلوبهم يحبُّون عيسى أكثر.

وعلاوة على ذلك يقول القرآن الكريم

اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ (الأنفال: 25).

ويقول عن المسيح إنه كان يُحيي الأموات. فيعتقدون عن المسيح الذي يعظِّمونه قلبيًا بأنه كان يُحيي الأموات الحقيقيين. أما بالنسبة إلى سيدنا ومولانا محمد (الذي لا يعظِّمونه من القلب ولا يعيرون لعظمته أي اهتمام) فيقولون عنه منطلقين من : لِمَا يُحيِيكُمْ إن المراد هنا هم الموتى الروحيين. وهكذا في كل مرة يتنحّون عن العدل والقسط عند المقارنة بين عيسى وسيدنا المصطفى . إنهم كاذبون في دعواهم لحبِّ النبيّ ، ولا يكِنُّون في قلوبهم عظمةً لأحدٍ غير عيسى . فتعظيمهم النبي وادعاؤهم بحبّه قصصٌ غير حقيقية كلها لأنهم لا يقومون بالعدل في حقيقة الأمر. وذلك لأن كلمة النزول عندما تُستخدم عن سيدنا محمد يستمدون منها معنى وإذا استخدمت الكلمة نفسها عن عيسى يستمدون منها معنىً آخر. هذه كيفية أفكارهم وعقولهم! إنهم يملكون طبائع متلوِّنة. عندما يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود إن المراد من النزول ليس هبوط المسيح الناصري من السماء بل المراد هو بعثة مثيله، يغلبهم الضحك ويسخرون منه. وحين يقول حضرته إن المراد من المنارة هو الآيات البيِّنات، يغمرهم الضحك أيضًا ويقولون بلسان حالهم: هل يأتي نبيٌّ بآياتٍ بيِّنات؟ وإذا قيل لهم إن المراد من دمشق هي مثيلها وليست مدينة دمشق بالذات ازدادوا ضحكًا وسخرية وقالوا: لا بد لنا أن نتمسَّك بالمعنى الحرفي في كل الأحوال، ولن نقبل شيئًا إلا المعنى الحرفي. مما يعني أن المعاندين يرون بعثة نبيٍّ في الأرض وثبوته على منارة الآيات البيِّنات بدلاً من سقوطه من السماء معلقًا، مدعاةً للضحك الكثير. وكذلك لو جاء نبي برسالة الصلح أو أرسله الله في مدينة مثيلة لدمشق لوجدوا هذه الأمور كلها مثيرةً للضحك.

الحقيقة أن كلمة “نزول” لم تستخدم في القرآن الكريم في حق أي نبي غير رسول الله . ولكن بما أن المعاندين قد تجردوا من الفهم الحقيقي والفراسة، ولا يملكون إلا أفكارًا سطحية، وبما أن أذهانهم فارغة تماما من المعارف الروحية لذا فإنهم لا يفهمون رسالة القرآن الكريم ولا يعقلون حتى يستنبطوا من القرآن الكريم ما ينسجم من عظمة الله بل يصرون على التمسك بالمعنى الحرفي لكونهم يملكون أذهانا سطحية.

تصوُّر المشائخ عن المسيح المقبل

الآن أذكر لكم تصوّرهم الذي ليس مضحكًا!. إنهم يعتقدون أن شيخًا فانيًا بالغًا من العمر ألفَيْ عام على الأقل سينزل من السماء ظاهريًّا لابسًا مهرودتين (كما يلبس الرهبان) واضعًا يديه على كتفي ملكين ويهبط معلقًا في دمشق ويراه الناس كلهم هابطًا من السماء ويصفقون لهبوطه ويفرحون أن المسيح قد نزل في نهاية المطاف. ولكن ما الذي سيقوم به المسيح فور هبوطه من السماء؟ لقد جاء في الأحاديث أنه يتزوج ويولد له أيضًا. ولا ندري هل يبحث عن زوجة أولاً أم سيقوم بأعمال أخرى قبل الزواج؟ ووظائفه الأخرى على حدِّ قولهم أنه لن يأتي لإصلاح الناس بل سيأتي لقتل الخنزير. فيتوجّهُ إلى الفلوات والبراري مباشرة ويقتحم فلاةً بعد أخرى وبيداء بعد أخرى حتى يجول ويصول من أقصى الأرض إلى أقصاها ولن يَقِرَّ له قرار حتى يقتل الخنازير كلها من على وجه الأرض. وعندما يتفرغ من إنجاز مهمة قتل الخنازير، سوف يفرح المشائخ أن مسيحنا قد تفرَّغ الآن وسوف يقصُّ علينا أحاديث الروحانية. ولكن المسيح سيردُّ عليهم قائلاً: إنني لم أتفرَّغ بعد، بل هناك أمور أخرى بقي أن أنجزها، ولابد أن أقتل الدجّال قبل أن أتوجه إليكم.

ويقول المشائخ أيضًا بأنه سيكون هناك حمارٌ موجود في الدنيا قبل نزول المسيح، ويكون الحمار عملاقًا لدرجة تبتعد إحدى أذنيه سبعين ذراعًا من الأخرى، وسيأكل الحمار نارًا ظاهرية، يركبه الدجّال الأعور فيبلغ رأسه السحابَ. وإذا أراد الناس ركوبه جلسوا داخل بطنه. يمكن أن تبدو هذه الأمور مضحكة للقارئ اللبيب لأن ذوقه لا يقبلها ولكن ليس هناك ما يدعو إلى الضحك حسب مذاق هؤلاء المشائخ. وهذا ما سيحدث على صعيد الواقع وبشكله الظاهري -إذا قبلنا أفكارهم- أن المسيح يكون في طور النزول ويكون هناك دجّالاً أعور راكبًا هذا الحمار الخيالي في حالةِ الفزعِ والخوف لأن المسيح يكون قد نزل مسبقًا لقتله. عندما يتفرَّغ المسيح من قتل الخنازير من الدنيا كلها يبدأ بمطاردة الدجّال ويتغلب عليه في مكانٍ ما. عندها يفرح العلماء مرةً ثانية أن المسيح قد تفرَّغ الآن لإصلاح الدنيا بعد التخلُّص من الخنازير والدجّال. ولكن المسيح سيقول لهم مكانكم أنتم، بقي لي أن أكسر الصلبان. فيتوجّه إلى الكنائس لكسر الصلبان الموجودة في الكنائس في العالم كله. ثم لا يلبث أن يقتحم بيوت النصارى ويكسر الصلبان من كافة بيوتهم في العالم بأسره. ثم يُقَلِّبُ ألبستهم واحدة بعد أخرى ظنًّا منه أنه قد يكون الصليب منقوشًا على بعض الألبسة. وبعد ذلك يبدأ بكسر الصلبان المعلَّقة في أعناق الناس والمستخدمة للتجميل. فخلاصة الكلام إن المسيح لن يترك صليبًا في العالم إلا ويكسره لا محالة. ثم بعد تفرُّغه من كل هذه الأمور ينصرف إلى أمرِ زواجه ويرحل من الدنيا. إذن فلا يرى المشائخ المعاصرون باعثًا على الضحك في هذه المعاني والمفاهيم الحرفيَّة بل إنهم يفرحون على ذلك ويقولون لاحِظوا كم هي معقولة هذه المعاني؟

يستنكرون التأويل الحكيم

والآن إليكم التأويل الذي تقدِّمه الأحمدية للحديث النبويّ الشريف والذي يستنكره معارضونا ويقولون ما الذي حدث بالأحمديين؟ إنهم يقومن بتأويلات غريبة ومضحكة إذ يعتقدون أن المراد من كلمة الخنزير في الحديث ليست الخنازير الظاهرية كما لا يراد من الصليب هنا الصليب الظاهري وهكذا دواليك. ويستغرب المشائخ من تأويل الأحمديين إذ نعتقد أن شخصًا سوف يُبعث على مجرى العادة بدلاً من نزوله من السماء بصورة ظاهرية. فسيرفضه الناس كما يرفضون المبعوثين من الله وسيشتمونه ويسمُّونه دجّالاً ويقتلون أتباعه، يذبحون أبناءهم وينهبون بيوتهم ويجعلونهم عُرضةً لكل نوع من الاضطهاد الذي قد يتصوّره الإنسان. ويتعرَّض هو وأتباعه لمثل ما تعرَّض له المسيح الناصري وأتباعه من قبل. هذا تأويلٌ يضحك عليه المعاندون ويسخرون منه. وإلى جانب ذلك تعتقد الأحمدية أن المسيح المقبل سوف ينشر الحق في الدنيا رويدًا رويدًا بالحكمة والحب، ويبيّن الحجج والبراهين ضد معتقدات أهل الصلبان وتكون حججه قوية لدرجة تكسر الصليبَ بقوتها. ثم يزيلُ من الناس الأوساخَ والأدرانَ الباطنيّة بِحِكَمِهِ وكلماته الطاهرة، فيتحوَّل الناس المتَّصِفون بصفات الخنازير إلى أناسٍ طيبين طاهرين. ويشنُّ المسيح جهادًا ضد حضارةٍ تدعى حضارة الخنزير وكأنه يبدأ بقتل الخنازير بهذا الأسلوب. ثم ينهض ضد أقوام نشرت الدجل في الدنيا والتي هي عوراء العين اليمنى، أي متجرِّدة من الروحانية تمامًا. في حين عينها اليسرى (عين الرُّقي الدنيوي) تكون حادةً برَّاقة. أي أنهم يحرزون تقدَّمًا مدهشًا في الأمور الدنيوية. فالمسيح سوف يجاهد ضد دينهم ويُظهر الإسلام عليه ويصل إلى ديارهم ويصطاد الطيور البيضاء، كما أن أتباعه يصلون إلى أكناف الدنيا وأقاصيها ويتصدُّون للمسيحية. فعلى هذا التأويل الحكيم ينتابهم الضحك ويزعمونه جهلاً وحُمقًا لا مزيدَ عليهما!!

العاقبة المؤسفة للمنطق المقلوب

إذا كانت -يا من تعارضوننا في ذلك- تصرفاتكم هذه حكمةً وعقلاً وتعتبرون تأويلنا المذكور غباوة وجهلاً فوالله ثم بالله نُحِبُّ ونفضّل هذا على عقلكم ذلك بمائة مرة بل مائة ألف مرة لأن جهلنا هذا يُظهر عظمة الإسلام ومؤسسه، وليس عقلكم المزعوم ذلك. إنكم بدأتم تنسبون جهلكم إلى النبي الذي نزل على منارة النور ووهب لكم النور وأراد أن ينير عقولكم أيضًا بهذا النور السماوي، فرفضتموه وأغلقتم أبوابكم دون الشمس المنيرة وضحكتم عليه جالسين في ظلام الليل، وقلتم أليس مضحكًا أن الشمس قد طلعَت. لا يسعنا إلا أن نقول هنا إلا: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .

(يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك