تهمة ساذجة

لكل سؤال جواب

 

الجواب عن سؤال هذا العدد اقتبسناه من كُتيب للأستاذ هادي علي شودري[1] تحت عنوان: تكريم المسيح الناصري (عليه السلام) في العقيدة الأحمدية. ترجم الكتيب الداعية الإسلامي الأحمدي محمد حميد كوثر.

السؤال

يقول معارضو الأحمدية بأن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية لم يُوقر المسيح الناصري عليه السلام، ولم يُبْد له الاحترام اللائق في بعض مؤلفاته، فما هي حقيقة الأمر؟

الجواب (الحلقة الثانية والأخيرة)

سيدنا أحمد يدافع عن عرض المصطفى

لقد بُعث سيدنا الميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حسب أحاديث ونبوءات سيدنا محمد المصطفى لإصلاح الناس في هذا العصر بما فيهم المسيحيون، فلأجل ذلك بذل كل جهد لإصلاح عقائد المسيحيين، ودعاهم إلى التوحيد الخالص والإيمان بسيدنا محمد حسب وصية المسيح الناصري الحقيقي عليه السلام. ولكنهم تَمادَوا في الهجوم على الإسلام. وفي هذه المرحلة الحساسة جاهد حضرته ضدهم جهادًا كبيرًا بالأسلحة الروحانية والعلمية المتواجدة في القرآن المجيد وفي أحاديث سيدنا محمد المصطفى ، وفي الكتاب المقدس: العهد القديم والجديد. واستغل في الجهاد جميع الأدلة والبراهين اللازمة لمكافحة قساوسة المسيحيين المعتدين على الإسلام وعلى مؤسسه . ونال هذا القائد العظيم في هذا الجهاد نجاحًا عظيمًا باهرًا، وحقق أهدافه المرجوة. ولقد اعترف مولانا أبو الكلام آزاد العالم الشهير والزعيم الديني والقومي في شبه القارة الهندية بنجاحه في مجال الدفاع عن الإسلام ومكافحته لقساوسة المسيحيين حيث قال:

«لا يُمحى من لوح القلب ذلك الوقت الرهيب حينما كان الإسلام هدفًا لهجوم أعدائه. والمسلمون الذين كانوا مسئولين من عند المحافظ الحقيقي (أي من الله تعالى) أن يستغلوا جميع الأسباب المتوفرة لديهم لحماية الإسلام لم تكن في مقدورهم، للأسف الشديد، حمايته، وكانوا يتحملون عواقب تقصيراتهم. وكانوا متألمين أشد الألم، لافتقارهم للقدرة على حماية الإسلام ودعمه. فمن جهة شَنَّ العالم المسيحي هجومًا عنيفًا على العالم الإسلامي لإطفاء نوره، زاعما بأنه حجر عثرة في مشواره، وكانت تسانده القوى العظمى المتفوقة في الأموال والدهاء. ومن جهة ثانية كان وضعُ المسلمين في المعركة متدهورًا جدًا، ولم تكن في حوزتهم سهام ولا نبال للمقاومة، أو بالأحرى لم يكن هنالك شيء اسمه «المقاومة» أو «الدفاع». وبعد مرور فترة طويلة بدأت المقاومة من قبل المسلمين، وساهم فيها حضرة الميرزا مساهمة عظيمة. لقد دافع عن الإسلام دفاعًا رائعًا، قد حطّم تلك القوة السحرية التي كانت تحظى بها المسيحية تحت ظلال الحكومة الإنجليزية، فتبخرت روح تقدمها، التي حصلت لها تحت ظل الحكومة، وأُنقذ ملايين المسلمين من هجوم المسيحيين الخطير، بعد أن كان هؤلاء على وشك النجاح في تحقيق هدفهم. وستظل الأجيال المقبلة مَدينةً لحضرة الميرزا بسبب خدماته الجلية. وفي الحقيقة إنه وقف في الصف الأول مع المجاهدين الذين حاربوا بالقلم ودافعوا عن الإسلام. وترك حضرته وراءه المؤلفات القَيّمةَ ذكرى له، وستظل منارًا لهدى المسلمين في المستقبل، طالما يجري في عروقهم الدم الحي الغيور وتبقى حماية الإسلام عنوانا لشعارهم القومي» (صحيفة «وكيل» مايو (أيار) 1908، نقلاً عن صحيفة «البدر» 18/06/1908).

وخلاصة القول فإن سيدنا الميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ساهم في هذا الجهاد إسهامًا عظيمًا بأساليب شتى منها:

أولاً: نصح حضرته علماءَ الأديان والمذاهب المختلفة بأن لا يطعن أحد في دين الآخر طعنًا بذيئًا، بل على كل واحد منهم أن يعرض أمام الجمهور حسنات دينه وفضائله.

ثانيا: عندما تقتضي الظروف أن يرد أحد على دين الآخر، فعليه أن يعرض البراهين والأدلة من مؤلفات الفريق الثاني المسلَّم بها لديه، ولا يخرج من نطاق تلك الكتب والمؤلفات أبدًا.

ثالثا: التجنب كليًا عن الطعن في مؤسسي الأديان، بل من المحبَّذ أن تُذكَر حسناتهم وشمائلهم الحميدة. ولقد حظيت هذه الاقتراحات بقبولية حارة لدى محبي الإسلام والمهتدين.

ولكن القساوسة وللأسف الشديد لم يقبلوا هذه الاقتراحات، بل استمروا في الطعن في سيدنا محمد المصطفى وفي أزواجه المطهرات رضوان الله عليهن. وفي نفس الفترة ألّف أحد المرتدين عن الإسلام أحمد شاه كتابه المسمى «أمهات المؤمنين»، واستعمل فيه لغة بذيئة عن زوجات سيدنا محمد المصطفى . فتألم منه كل مسلم ألمـًا شديدًا، وفارت حميته، وطلب المسلمون من الحكومة أن تصدر الأوامر بمصادرته. وجاء هذا الطلب بعد توزيع الكتاب على نطاق واسع. فنصح سيدنا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية المسلمين بأن الكتاب البذيء قد وصل إلى أيدي عدد كبير من الناس، وأخذ اغلب القراء فكرةً سلبيةً عن أمهات المؤمنين. ولن تُجنى أية فائدة من أمر الحكومة بشأن مصادرته ووضع القيود عليه. ومن المحتمل أن تضع الحكومة قيودًا على الكتاب البذيء، وأيضا على الرد الذي نعتزم نحن أن نكتبه قبل القيود. وأضاف حضرته: من واجبنا أن نكتب ردًا مفحمًا ونبذل كل جهد لإزالة مضاعفاته السلبية من أفئدة الناس، وقال حضرته» ما زلت على اقتراحي بأن المفروض علينا أن نكتب ردًا مفحماً وليّنًا ومعقولاً محكمًا على صاحب الكتاب المعتدي الطاعن. وعليكم أن تخلوا قلوبكم من فكرة مطالبة الحكومة بمعاقبة طائفة من الطوائف. لقد أصبح من الضروري أن يتحلَّى أتباع الأديان بأخلاقٍ عالية. وليس من المناسب أن تُظهروا غضبكم في كل مناسبة ومناسبة، فعملكم هذا يشوّه سمعة الدين «(البلاغ، الخزائن الروحانية مجلد 13  ص 402 )

كما أرسل سيدنا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية رسالة إلى الحكومة واقترح فيها:

«لإيقاف الفتنة التي تثيرها المؤلفات البذيئة، على الحكومة أن تختار اقتراحًا واحدًا من اثنين: إما عليها إصدار التعليمات لكل فريق أن لا يرفع قلمًا معترضًا على فريق آخر، اللهم إلا أن يقتبس من مؤلفات الفريق الثاني المسلّم والمعترف بها عنده، أو لا يطعن أحد في الثاني، بل يبين كلُّ واحد حسنات دينه وفضائله»

(البلاغ، الخزائن الروحانية مجلد 13 ص 402و 403)

ثم رد حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية على هجوم المسيحيين البذيء ردًا عنيفًا مفحمًا بناءً على أدلة من القرآن الكريم ومن الأحاديث النبوية ومن التوراة ومن الأناجيل ومن كتب التاريخ والطب والمنطق، كما ساق الأدلة العقلية، وعزّز موقفه بالأدلة المستقاة من سنة الله العملية الجارية في الكون. ومن جهة ثانية فإن الله سبحانه وتعالى وهبه نصرًا بالآيات المؤيدة له. واستعمل حضرته خلال هذه المعركة الحاسمة الوسائل الروحانية المتنوعة، واستغل دراسته العميقة والدقيقة لمختلف الأديان ردًّا على المهاجمين. وهذه الردود القوية جعلتهم يتراجعون منهزمين. وقد اعترف الأعداء قبل الأصدقاء، بأنهم يشعرون في مؤلفاته التي أُلّفت خلال تلك المعركة الحاسمة تفوّقه في الصدق والحكمة والأدلة العقلية. ولقد عرض على المسيحيين معظم الأدلة والبراهين من كتبهم المسلّم والمعترف بها لديهم.

مؤسس الأحمدية يوضح موقفه

وعندما شعر القساوسة بهزيمتهم وفشلهم على يد مؤسس الجماعة، قاموا بمحاولة بشعة لحط منزلته واحترامه، وبدؤوا يقولون بأنه أهان سيدنا يسوع المسيح. فرد سيدنا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية على هذا الاتهام الباطل مخاطبًا القسيسَ «آثم» في المباحثة التي عُقدت بينهما في سنة 1893م في مدينة أمرتسر (الهند): «أما قولك بأنني استعملت كلمة «الشتم» في حق المسيح وكأنني لم أحترمه، فهذا ليس إلا سوء فهمك. إنني أؤمن بأن حضرة المسيح كان نبيًا وعبدًا محبوبًا عند الله سبحانه وتعالى. وأما الذي كتبتُه فكان هجومًا منكم علينا ولكني جعلتُه يرتد عليكم إذ كان طبق مشربكم» (جنك مقدس، الخزائن الروحانية مجلد 6 ص 107).

أي كان هجومي عليكم بحسب كتبكم، فالاتهام المذكور يقع عليكم وليس عليّ.

ثم قال حضرته: عندما يجرح المسيحيون أفئدتنا بشتى الهجمات الفظيعة على شخصية الرسول نرد عليهم هجومهم هذا بواسطة كتبهم المقدسة والمسلَّم بها لديهم، لكي ينتبهوا وينتهوا عن أسلوبهم… عليهم أن يعرضوا أمام الناس من مؤلفاتنا ردًّا هجوميًا على سيدنا عيسى لم يكن موجودًا في الإنجيل. إنه لمن المستحيل أن نسمع إهانة سيدنا محمد المصطفى ونسكت عليها» (الملفوظات “أقوال سيدنا المهدي والمسيح الموعود ” مجلد 9، ص 479).

خلال تلك الفترة الرهيبة استغل المسيحيون بعض علماء المسلمين الذين كانوا يمشون وراء مصالحهم الشخصية، وأثاروا نفس الاتهام أمامهم بشدة. فرد سيدنا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية على ذلك بإعلان نُشر بتاريخ 20 ديسمبر 1895م، وأوضح حضرته فيه قائلاً:

«حيثما تطرقنا في كلامنا إلى يسوع، فالمراد به ذلك يسوع الخيالي لدى المسيحيين، وليس كلامنا القاسي موجهًا إلى ذلك العبد المتواضع ابن مريم، الذي كان نبيًا والذي ورد ذكره في القرآن الكريم. ولقد اخترنا هذا الأسلوب بعد أن سمعنا من القساوسة الشتائم والسباب طيلة أربعين سنة متتالية. إن بعض المشائخ الجهلاء الذين فقدوا بصيرتهم وبصرهم، يبرّئون المسيحيين ويقولون إن المسيحيين المساكين لا يتفوهون شيئًا، ولا يهينون سيدنا محمدًا المصطفى . يجب أن يدرك هؤلاء جيدًا أن قساوسة المسيحيين في الواقع يحتلون الدرجة الأولى في مجال التحقير والإهانة والسباب، وتوجد عندنا ذخيرة من كتبهم التي ملؤوها بعبارات مليئة بصنوف الشتائم. ومن أراد من المشائخ أن يراها فَلْيأتِنا ويرَها. وها إني أنبئكم بأنه إذا توقف القساوسة عن أسلوب الشتائم والسباب واختاروا أسلوب الأدب والاحترام، فنحن أيضًا نختار نفس الأسلوب. إنهم بأسلوبهم الحالي يطعنون في الواقع بيسوعَهم، ولا يمتنعون عن الأسلوب النابي المخجِل الذي سئمنا سماعه” (نور القرآن، الخزائن الروحانية مجلد 9 ص 374 – 375). هؤلاء العلماء السفهاء الحاقدون على مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية يعرضون مقتبسات من مؤلفاته لعامة الناس ليوهموهم بأنه أهان عيسى بن مريم عليه السلام -والعياذ بالله- ولم يأخذ مقامه الأسمى بعين الاعتبار. فمثلاً يعرضون الاقتباس التالي من مؤلفاته: “لا يوجد هناك دليل بأن المسيح كان أكثر صلاحًا من الصالحين الآخرين المعاصرين له، بل إن النبي يحيى عليه السلام كان أفضل منه، لأنه لم يكن يشرب الخمر، ولم يُسمع عنه أبدًا بأن امرأة خاطئة تقدمت إليه ومسحتْ رأسه بعطر اشترتْه من أموالها، أو مسَّتْ بدنَه بشعرها أو يدها، أو أن امرأة شابة أجنبية كانت تخدمه. فلأجل ذلك إن الله تعالى سمَّاه (أي يحيى) في القرآن (حَصورًا). ولم يطلق هذا الاسم على المسيح؛ لأن مثل هذه القصص كانت مانعة من أن يطلق عليه مثل هذا اللقب. وعلاوة على ذلك فإن عيسى عليه السلام تاب من آثامه على يد يحيى عليه السلام، الذي سُمّي لدى المسيحيين يوحنا، ثم بعد ذلك سُمي إيليا أيضًا، وانضم المسيح إلى أتباعه. فثبتت أفضلية يحيى عليه بالبداهة من هذه التوبة على يده، إذ ليس هناك أي ذكر بأن يحيى أيضًا بايع على يد أحد”. (دافع البلاء، الخزائن الروحانية ج 18 ص 220)

أيها القارئ الكريم، كيف نندب وننوح على كذب ونفاق وخداع هؤلاء الذين يلقّبون بعلماء ومشائخ. فحين كان القساوسة يسعون لإهانة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، لم تكن غيرة هؤلاء المشائخ تتحرك ولا حميتهم تثور، ولم يكونوا يستفيقون من السبات والرقود. وحين كان سيدنا أحمد عليه السلام يرد على إهانات المسيحيين ردًا مفحمًا من كتبهم وأناجيلهم، فكان المشائخ يزاولون الصراخ ويقيمون القيامة ضده.

لقد أسلفنا أن القساوسة استغلوا مظلة الحكومة الإنجليزية في القارة الهندية، وقاموا بهجمات شرسة على الإسلام ومؤسسه سيدنا محمد المصطفى . واستخدموا لتحقيق ذلك الهدف الخبيث أنواع الحيل الماكرة، ومنها أنهم قاموا -تضليلاً وتعتيمًا للمسلمين الهنود- باستنتاجات خاطئة من القرآن الكريم لإثبات مصداقية معتقداتهم الباطلة وخاصة لإثبات أفضلية عيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام على نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم. وما قاله سيدنا أحمد في كتابه “دافع البلاء” إنما كان ردًا وتبكيتًا منه لبعض القساوسة الذين قاموا باستنتاج خاطئ كهذا من كلمة (حصورا) الواردة في القرآن الكريم في حق سيدنا يحيى عليه السلام. وإليك تفصيل ذلك.

ألّف أحد القساوسة كتيبًا بعنوان “دلائل إثبات نبوة المسيح عيسى” ليثبت أن يحيى عليه السلام أفضل وأعلى مرتبة من سيدنا رسول الله ، بحيث إن محمدًا -والعياذ بالله- ليس بشيء يُذكر إزاء يحيى. واستدل هذا القس بكلمة “حصور” نفسها لإثبات دعواه الباطلة. فرد سيدنا أحمد عليه السلام على استدلال القس صاعًا بصاع، أو كما يقال: تعامل معهم بنفس العملة، حيث دلَّل على أفضلية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بنفس كلمة (حصور).

ونص ما قال هذا القس كالآتي:

“لو كان هناك شخص مثل محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذا الزمن لما سمح له أحد بالجلوس على مقربة منه! ألم يعرف (محمد) أن الرهبانية عمل مستحسن. وقد ورد في القرآن عن يحيى أنه كان سيدا وما كان يقترب النساء، وكان نبيًا ومن الصالحين. إذن فمحمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه كان مُقرًا بأن يحيى كان أطهر منه وأتقى. والحق أنه شتان بين محمد ويحيى”.

وكان قصد القسيس الخبيث أن يقول إن يحيى سُمي “حصورا” في القرآن الكريم لأنه كان يتجنب النساء كلية، ولكن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) ما سمي بهذا الاسم، ولم يكن ذلك ممكنًا أيضًا، إذ كانت له تسع زوجات، الأمر الذي حال دون تسميته “حصورا”.

فلكي يرد طعن القساوسة في نحورهم قال سيدنا أحمد عليه السلام لهؤلاء الخبثاء: حسنًا، إن القرآن لم يسمِّ عيسى عليه السلام أيضًا (حصورا) لأنه لم يكن يتجنب النساء؟! إنكم أيها المسيحيون تقولون إن يحيى سمي في القرآن “حصورا” لابتعاده عن النساء، ولكن محمدًا لم يسم بهذا الاسم بسبب علاقاته مع النساء، فثبت أن محمدًا كان أدنى درجة حتى من يحيى! إذا كان منطقكم هذا سليمًا فعليكم أن تقبلوا الآن أيضًا أن يحيى أفضل كثيرًا من عيسى ، لأن هذا الآخر لم يكن يتجنب النساء. والحق أن أفضليته على المسيح أسمى بكثير من أفضليته المزعومة على سيدنا محمد ، لأن جميع النساء اللواتي كان صلى الله عليه وسلم على صلة معهن كن زوجات له وكن عفيفات وصالحات، ولكن النساء اللواتي تُقِرون باختلاطهن مع المسيح لم تكن ولا واحدة منهن زوجة له عليه السلام، بل كنّ من المحرمات عليه، وذلك كما تقول أناجيلكم، وليس هذا فحسب بل بعضهن كن مومسات وبغايا شهيرات، وذلك أيضًا وفقَ اعترافكم أنتم. ثم تعترفون أيضًا أن يحيى عليه السلام كان يسكن في البرية بعيدًا عن الناس بحيث ما كان للنساء أن يقتربن منه بشكل من الأشكال، ولكن المسيح عليه السلام كان يقيم بين الناس، وحيثما توجَّهَ تَبِعَه لفيف من النساء. فيتحتم عليكم أن تعترفوا الآن بأنه لهذا السبب سمى الله تعالى سيدنا يحيى “حصورا” في القرآن الكريم ولم يطلق هذه التسمية على عيسى عليهما السلام، لأن قصصًا كهذه التي تذكرونها علنًا عن المسيح حالت دون تسميته بهذا الاسم!!

وباختصار لم يقصد سيدنا أحمد عليه السلام بهذا الاستدلال أبدًا إهانة سيدنا المسيح عليه السلام، وإنما دافع بذلك عن عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك بإبطال حجة القسيس الخبيث وبردّها في نحره، لا أكثر ولا أقل.

هذا، ولا يغيبن عن البال أن سيدنا الإمام المهدي عليه السلام ما كان يؤمن أن عدم تسمية عيسى عليه السلام بـ “حصور” يدل على عدم تقواه وعدم عفته – والعياذ بالله، كما لم يقل لهؤلاء القساوسة إن المسيح ابن مريم لم يكن متقيا وعفيفا لذا لم تُطلق عليه تسمية “حصور”. ذلك لأن كلمة “حصور” لم تُطلق على أي نبي غير يحيى، وكيف يمكن للإمام المهدي أن يحتج بما يستلزم كون جميع الأنبياء عليهم السلام بما فيهم سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم غير متقين وغير عفيفين – والعياذ بالله، ثم العياذ بالله.

وباختصار لم يقصد سيدنا أحمد عليه السلام بهذا الاستدلال أبدًا إهانة سيدنا المسيح عليه السلام، وإنما دافع بذلك عن عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك بإبطال حجة القسيس الخبيث وبردّها في نحره، لا أكثر ولا أقل. ولكن المشائخ المعارضين المغرضين أخفوا خلفية هذا القول لسيدنا أحمد عليه السلام – شأن اليهود الذين كان يضعون أيديهم على أماكن من التوراة أمام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ليلبسوا الحق بالباطل، وليكتموا الحق وهم يعلمون. ولقد أوضح سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام هذه الخلفية أكثر في أماكن أخرى حيث قال:

يسوع الإنجيلي أم عيسى نبي الله

“ليتذكر القراء أننا كنا مضطرين لدى الحديث عن الديانة المسيحية أن نختار نفس الأسلوب الذي اختاره هؤلاء ضدنا. الحقيقة إن المسيحيين لا يؤمنون بسيدنا عيسى عليه السلام الذي قال عن نفسه إنه عبد ونبي فحسب، وكان يؤمن بصدق جميع الأنبياء السالفين، وكان يؤمن من صميم قلبه بمجيء سيدنا محمد المصطفى ونبأ عن بعثته صلى الله عليه وسلم. وإنما يؤمنون بشخص آخر يسمى يسوع، ولا يوجد ذكره في القرآن. ويقولون بأن ذلك الشخص ادعى الألوهية، وقال عن الأنبياء السابقين إنهم “سراق” و “لصوص”.ويقولون أيضًا إن هذا الشخص كان شديد التكذيب لسيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتنبأ بأنه لا يأتي بعده إلا المفترون. وتعرفون جيدًا أن القرآن الكريم لا يأمرنا بالإيمان بمثل هذا الشخص، بل يقول صراحة بأن الذي يدعي بأنه إله من دون الله فسوف ندخله جهنم. ولهذا السبب لم نلتزم لدى الحديث عن يسوع المسيحيين باحترام يجب إبداؤه تجاه رجل صادق، إذ لو لم يكن ذلك الرجل (المزعوم) فاقد البصر لما قال بأنه لن يأتي بعده إلا المفترون، ولو كان صالحًا ومؤمنًا لما ادعى الألوهية. فعلى القراء ألا يعتبروا كلماتنا القاسية موجهة إلى سيدنا عيسى عليه السلام. كلا، بل إنها موجهة إلى يسوع الذي لا يوجد له ذكر ولا أثر، لا في القرآن ولا في الأحاديث” (مجموعة الإعلانات مجلد 2 ص 295-296).

تكريم مؤسس الأحمدية لعيسى عليه السلام

هذه كانت صورة يسوع الذي ورد ذكره في الأناجيل مفصلاً. وكما أسلفنا، فهنالك صورة أخرى في القرآن الكريم لعيسى عليه السلام نبي الله وعبده، ولقد تحدث سيدنا أحمد عن المقام الرفيع لعيسى مرارًا وتكرارًا، وأعلن أنه جُعل مثيلاً لعيسى. فقد كتب عن درجته السامية في مواضع مختلفة، منها قوله:

أولاً:

“هذا ما كتبناه من الأناجيل على سبيل الإلزام. وإنا نكرم المسيح، ونعلم أنه كان تقيًّا ومن الأنبياء الكرام”. (البلاغ، الخزائن الروحانية، مجلد 13، ص 451، الحاشية)

ثانيًا:

“إن المسيح من عباد الله المحبوبين والصالحين جدا، ومن الذين هم أصفياء الله، والذين يطهرهم الله تعالى بيده ويبقيهم تحت ظل نوره. غير أنه ليس إلهًا كما زُعم. نعم إنه من الواصلين بالله تعالى ومن أولئك الكُمَّل الذين هم قلة”. (التحفة القيصرية، الخزائن الروحانية، مجلد 12، ص 272-273)

ثالثًا:

“كيف يمكننا أن نستخدم القسوة ردًّا على القساوسة، لأنه كما هو مفروض عليهم أن يبجّلوا عيسى عليه السلام ويحترموه كذلك هو فرض علينا. إننا -بعد تخصيص منصب الألوهية لله وحده- نعتبر سيدنا عيسى عليه السلام صادقا وصالحا في جميع الأمور، وجديرًا بكل نوع من الاحترام الذي يجب القيام به تجاه كل نبي صادق”. (كتاب البرية، الخزائن الروحانية، مجلد 13، ص 153-154)

رابعًا:

“أنا أحترم المسيح ابن مريم كثيرًا، لأنني خاتم الخلفاء في الإسلام من الناحية الروحانية، كما كان المسيح ابن مريم خاتم الخلفاء في الأمة الإسرائيلية. كان ابن مريم مسيحًا موعودًا في أمة موسى، وإنني أنا المسيح الموعود في الأمة المحمدية. فأحترم شخصًا أنا سميُّه. ومفسد ومفتر ذلك الذي يقول عني بأني لا أحترم المسيح بن مريم. بل -وفضلا عن المسيح- إنني أحترم أشقاءه الأربعة أيضًا، لأن هؤلاء الخمسة كلهم أولاد لأم واحدة. ليس هذا فحسب بل أعتبر شقيقتيه  أيضًا قديستين” (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19، ص 17-18)

خامسًا:

“لقد كُشف عليّ هذا العبد المتواضع أن حياتي مماثلة للفترة الأولى من حياة المسيح من حيث الفقر والتواضع والتوكل والإيثار والآيات والأنوار، ويوجد تشابه بين فطرتي وفطرة المسيح، وكأننا جزءان من جوهرة واحدة، أو ثمرتان من شجرة واحدة. وهنالك مشابهة ظاهرية أخرى أيضًا؛ فإن المسيح كان تابعًا لنبي كامل عظيم هو موسى، وخادمًا لدينه، وإنجيله كان فرعًا للتوراة، كذلك أنا العبد المتواضع أيضًا من الخدام المتواضعين لذلك النبي الجليل الشأن الذي هو سيد الرسل وتاج المرسلين جميعا”. (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية مجلد 1، ص 593- 594 هامش الهامش رقم 3)

سادسًا:  وأخبر أن الله تعالى أوحى إليه وقال: “أنت أشد مناسبةً بعيسى ابن مريم وأشبهُ الناس به خُلقًا وخَلقًا وزمانًا” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 3، ص 165)

سابعًا:

“ومن جملتها إلهام آخر خاطبني ربي فيه وقال: إني خلقتك من جوهر عيسى. وإنك وعيسى من جوهرٍ واحد وكشيءٍ واحد.» (حمامة البشرى، الخزائن الروحانيّة، مجلد 7، ص 192)

ثامنًا:

«إنّي رأيتُ عيسى مرارًا في المنام ومرارًا في الحالة الكشفيّة. وقد أكلَ معي على مائِدةٍ واحدة. ورأيته مرةً واستفسرتُهُ عما وقع قومه فيه. فاستولى عليه الدَهَش، وذكرَ عظمة الله، وطفقَ يُسبِّحُ ويُقدِّس، وأشارَ إلى الأرض وقال: إنّما أنا تُرابيٌّ وبريءٌ مما يقولون. فرأيته كالمنكسِرينَ المتواضِعين.ورأيته مرةً أخرى قائمًا على عَتبةِ بابي وفي يدهِ قِرطاسٌ كصحيفة، فَأُلقِيَ في قلبي أنَّ فيها أسماءَ عبادٍ يُحبُّونَ الله ويُحبُّهم، وبيانَ مراتِبِ قربهم عند الله. فقرأتُها فإذا في آخِرها مكتوبٌ من الله تعالى في مرتبتي عند ربِّي: هو مني بمنزلةِ توحيدي وتفريدي. فكادَ أنْ يُعرَفَ بين الناس.» (نور الحق، الجزء الأول، الخزائن الروحانية مجلد 8 ص 56 و 57)

تاسعًا:

«نكشِفُ للقرَّاء بأنَّ عقيدتنا في سيدنا المسيح سليمةٌ جدًا، وإننا نؤمن من أعماق قلوبنا بأنّه كان نبيًّا صادقًا من الله سبحانه وتعالى، ومحبوبًا لديه. ونؤمن حسبما أنبانا القرآن الكريم بأنه كان يؤمن من صميم فؤاده بمجيء سيدنا ومولانا محمد المصطفى . وكان خادمًا مخلصًا لشريعة سيدنا موسى . فنحن نُكرمهُ تمامًا بحسب مقامه. ونأخذ مقامه هذا بعين الاعتبار دائمًا.» (نور القرآن، الخزائن الروحانية، مجلد 9، ص 374)

عاشرًا:

«إنَّه لخبيثٌ الذي بسبب نفسانيَّته يُطيلُ لسانه على الكُمَّل الصالحين. وإنّني على يقين بأنّه لا يمكن لأحد أن يبقى حيًّا ولا لليلةٍ واحدة بعد الطعن في الصلحاء مثل الحُسين أو سيدنا عيسى، بل إنَّ الوعيدَ الإلهي: «مَنْ عادَى وليًّا لي….» يبطِشُ به على الفور». (إعجاز أحمدي، الخزائن الروحانيّة ج19 ص 149)

وآخر دعوانا انْ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

كلٌّ آمنَ بالله وملائكته وكُتبهِ ورُسلهِ. لا نُفرِّقُ بينَ أحدٍ من رُسلِه وقالوا سَمِعنَا وأطعنَا غُفرانَكَ ربَّنا وإليكَ المصير.

Share via
تابعونا على الفايس بوك