قرن جديد ومطالب التجديد

قرن جديد ومطالب التجديد

التحرير

ها نحن على عتبات أيام فاصلة تُطل بِنَا لاستشراف عام جديد وقرن جديد وأمل في النفوس يحدو الكثيرين في أن تستفيق الأمة الإسلامية من سباتها الروحاني الذي طال أمده وامتد أثره ليجعلها عاجزة عن مسايرة معطيات ووقائع عالمها المعاصر المتشعب بالمفاهيم الجديدة في شتى الميادين العلمية والفكرية والثقافية …

إننا نأسف أشد الأسف على واقع فكر الأمة الذي عاش وما يزال يعيش على مرتكزات فكرية هشة هائمة على خيالات الأمجاد والاستعلاء القومي وأحلام وأماني مادية ساذجة مجردة من الروحانية بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق.

وَمِمَّا لا شك فيه أن هذه العقلية الفكرية هي سبب الكثير من البلاء ومكمن خطير لداء فكري خاطئ مستوحى من قرون العصور المظلمة غير مؤهل ليقود الأمة إلى القرن القادم! وإذا كان هذا هو حال الأمة وفكرها فإنه ليس من الغرابة في شيء أن يعمد كثير من المتربصين بالإسلام على استغلال الوضع واستثمار لصالح دعوات براقة يراد بها باطل. إن أنباء الجماعة الإسلامية الأحمدية حيثما كانوا يستشعرون أحاسيس الكثير من الفعاليات المستنيرة والمثقفة التي أبانت عن عدم رضاها بمستوى الأوضاع الفكرية للأمة التي حملت بين طياتها العديد من المتناقضات والمغالطات والتداخلات الناجمة عن جمود فكر أولئك الأدعياء الأوصياء على الفكر الإسلامي وشريعته، وعدم جاهزيتهم لوضع اُسلوب منطقي سليم فيما يعرضونه من أفكار وتأويلات للدين الحنيف. إن صيحات ونداءات المطالبة بإعادة صياغة الفكر الإسلامي وتنقيحه أضحت اليوم مع مطلع كل عام جديد مطلبا ضروريا يتصاعد زخمه ويتزايد، وتتراص صفوفه على الساحة الإسلامية في مختلف الجبهات والأصعدة ولأن بعض أدعياء الفكر الإسلامي المحتكرين للسلطة الدينية أخذوا يدركون تنامي قوة هذا التيار المستنير وخطره في تعرية مكامن الأخطاء والنقص لذا عملوا للوقوف ضده كما هو الحال إلى استخدام المساجد والكراسي الجامعية والمؤتمرات والكتب التي يسودونها. كل هذا يحدث من أجل تشويه كل ما يمت بصلة إلى مطلب هذا التيار الذي تعوّد على مواجهة اتهامات التجديف والتشكيك أينما حل وارتحل … وإنه مما يثير الاستغراب والدهشة أن يكابد المستنيرون كل هذا وهم لا يرجون سوى مطالب التنقيح والتجديد لا الاقصاء والإبعاد؟؟ مطالب يريد إرضاخ العلوم والحكمة والمنطق في مقاصد النصوص القرآنية وتفسيرها.

وإذا كان نهج أولئك المتقلدين زمام الشريعة والناطقين باسمها إلى أيامنا هذه رافضين سماع صيحات التنقيح والتجديد وإعادة النظر، فأن للأمة أن تدخل القرن الجديد وهي على ما هي عليه تكبو بفعل مخدر لم تستطع التخلص بعد من آثاره؟؟

إن التيار المستنير في الأمة مازال يعاني من سطوة الأوصياء على عقول الناس أو بالأحرى أولئك المتحمسين بالشريعة المتحكمين في تفسير النصوص بما يخدم الأغراض والرؤى الخاصة. والساحة الفكرية قد شهدت أمثلة كثيرة لرموز فكرية عديدة عارضت العبث بالدِّين فسماها الأوصياء على العقول كفرا وزندقة وكشفت التلاعب بالشريعة فاتهمت بالعمالة والإلحاد!

إننا نأسف أشد الأسف على واقع فكر الأمة الذي عاش وما يزال يعيش على مرتكزات فكرية هشة هائمة على خيالات الأمجاد والاستعلاء القومي وأحلام وأماني مادية ساذجة مجردة من الروحانية بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق.

أيها القارىء الكريم إن واقع المسلمين المعاصر مازال يتخبط في دوامة المفاهيم غير المنقحة ما دام هنالك من مازال يسمى العدوان كفاحًا، والقتل جهادًا، واغتيال الرأي الآخر ارتدادًا؟!! هكذا سُفّه جوهر الفكر الإسلامي ومبدؤه العقائدي ليصير مبدأ كهنوتيًا منفردًا في عصر تستميل فيه التيارات الفكرية المنافسة والمعادية للإسلام الناس في كل العالم بشعارات الحرية الفكرية والعقائدية واحترام الرأي الآخر. إن فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية يحمل في مضمونه العام ثورة إصلاحية فكرية عالمية تلبي مطالب كل عصر بمنهج العلم لا الدعاية وبأسلوب الإقناع لا الإلحاح وبالحجج المؤدية للعقل والمنطق في كل ما يهم ويخص العقيدة الإسلامية وفروعها. وهذا من أفضال الله تعالى وتحديثا بأنعمه الروحانية الفياضة التي وهبها سبحانه منذ أزيد من قرن لمؤسس جماعتنا حضرة الإمام المهدي عليه السلام خادم دين سيده وسيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. إننا في (التقوى) لسان حال الفكر الإسلامي الأحمدي ندعو جميع الفعاليات المثقفة المستنيرة المنادية بإعادة تنقيح الفكر الإسلامي على أسس جديدة وإلى دراسة مضمون فكر الجماعية الإسلامية الأحمدية العالمية من مصدرها الأصلي وذلك وفق مرجعية فكر مؤسسها الذي أوكل الله إليه هذه المهام الإصلاحية العظيمة في الإسلام، ونحن واثقون تمام الثقة أن عصارة فكر الأحمدية وعطاءات خلفائها الأطهار فيها خلاص وأمل للكثيرين وجدوا فيها بغيتهم باعتبارها مناعة للكيان الفكري والروحي للأمة المسلمة، تلك الأمة التي أرهقتها وصفات وتنظيرات المدراس الفكرية بما لا يفيد ولا يقي! ومن هذا المنطق الذي ندعو إليه والأمة على عتبات قرن جديد وعام جديد بل ألف جديدة يبقى هذا الاقتراح المطروح على رجال التغيير والفكر حقيقا بالدراسة جملة وتفصيلاً ولكن بشرط أن لا ينسى دعاة التيار المستنير فحصه بروح العدل والحياد والأمانة والمقارنة وبأسلوب العلم والاتزان الذي يعد السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة والحلول.

وبمناسبة الألفية الجديدة ونحن على عتبه شهر رمضان المعظم نهيب بجميع المسلمين أن يتحلوا بالوعي الكامل والتفكير الموضوعي المتزن فيما يقتضيه مطلب هذا القرن من جدية في فهم النصوص القرآنية وفلسفتها ومقاصدها وما علينا إلا البلاغ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم …

Share via
تابعونا على الفايس بوك