ينبـوع اليقـين
التاريخ: 1999-10-01

ينبـوع اليقـين

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين، ميرزا طاهر أحمد الخليفة الرابع

للإمام المهدي بتاريخ 21 جمادى الثاني الموافق 1 أكتوبر 1999م

في مسجد فضل بلندن.

نقلها إلى العربية: عبد المجيد عامر

«تنشر أسرة التقوى ترجمة هذه الخطبة على مسؤوليتها»

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين).

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال: 3)

لقد انتقيتُ بعض الأحاديث النبويّة الشريفة حول موضوع التوكُّل نفسه، كما سأقرأ بعدها بعضًا من أقوال سيدنا الإمام المهدي .

عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. (صحيح البخاري، كتاب المناقب)

ما أجمله من جواب، إذ ضمَّ النبيُّ سيدنا أبا بكر معه. وهذه أقوى البراهين ضد الشيعة. لا يوجد برهانٌ أقوى منه، إذ قال النبي : ما رأيكُ يا أبكر عن اثنين اللهُ ثالثهما؟

  عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ القُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ. (جامع الترمذي أبواب التفسير، تفسير سورة المائِدة)

إنَّ هذا التصرُّف للنبيّ ذروةٌ في التوكُّل، إذ كان حضرته يواجه العداوة من كلِّ حدبٍ وصوب، وكان مهدَّدًا بالخطر من كل جهة، ولكنه رغم ذلك قام بالتوكُّل الكامل واعتمد على حماية الله وحده.

… عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ. فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ. فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ. وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا. فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ ثَلاَثًا.

وفي روايةٍ:

عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ. فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ القَائِلَةُ وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ. وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْنَا. فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا. قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ فَشَامَهُ”. (صحيح البخاري، كتاب المغازي، غزوة ذات الرِقاع)، هذه الأحاديث التي قرأتها على مسامِعكم تُلقي الأضواء على موضوع التوكُّل الذي أتحدَّثُ عنه.

عندما أخبر الله تعالى النبيَّ : إنّني سوف أعصِمُك (أحميك من الناس). فلم يعتمد النبيُّ بعد ذلك على حمايةٍ أحدٍ ولو للحظةٍ واحدة.

وفي روايةٍ أخرى:

“…. فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاَنِّي رَسُولُ الله؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ، قَالَ: فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ”. (مسند أحمد بن حنبل، مسند باقي المكثرين)

يبدو أنّه كان كافرًا شديدَ الكفر إذ رفضَ الشهادة حين طلب النبيُّ منه ذلك. كذلك يضمُّ هذا الحديث درسًا عميقًا وهو أنّ الإسلام لم ينتشر بقوة السيف، وإلا فالفرصة بتلك المناسبة كانت مواتيةً ليقطع عنقه حين كان قد انكرَ كون النبي رسول الله.

…. عَنْ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا. (سُنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب في جامع الدعوات)

ما أعظَمَهُ من توكُّلٍ وما أعظَمَه من تواضع!! لم يقل النبيُّ ربّنا هَبْ لنا اليقين الذي بسببه تهونُ علينا مصائِبُ الدنيا، بل قال: … وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا. أي هَبْ لنا ذلك اليقين الذي بسببه تُهوِّنُ أنتَ مصائِبَ الدنيا علينا. كلُّ قولٍ للنبي يحتوي على معرفةٍ عميقةٍ لدرجةٍ تتركُ الإنسان في حيرةٍ من أمره عند الخوضِ فيها.

إنّ هذه الحالة الروحانيّة الكاملة لم يَحْظَ بها أحدٌ إلا سيدنا محمد المصطفى . ووُفِّقَ المسيح الموعود أيضاً لينهلَ من هذا النبع ولكن بفضلِ رسول الله . البركاتُ النبويّة لا تزالُ سارية المفعول إلى الآن. فَمِنْ كمالاتِ خَتمِ النبوّة أنَّ الخَاتَم (أداةُ الخَتم) لنبوَّته لا يزال فعَّالاً اليوم أيضًا كما كان في السابق. لو لم يوضع هذا الخاتَم لما أمكنَ لسيدنا المسيح الموعود أنْ يكون نبيًّا أبدًا.

يجب على أبناء الجماعة أنْ يُركِّزوا كثيرًا على دعاء: عليك توكَّلنا يا رب…. “وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا” – في الأيام الراهنة بوجهٍ خاص نظرًا إلى الظروف السائدة في باكستان.

  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى. فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الأَوَّلِ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ”. (الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء النبيّ )

أي لو كان اليقين كاملاً لوُهِبتِ العافية حتمًا.

والآن أقرأ عليكم بعضًا من أقوال سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عن التوكُّل:

“الدينُ الحيّ هو ذلكَ الذي يدلُّ على طريقِ اليقينِ بواسطةِ الآياتِ الحيَّة، والآخرون واقِعونَ في جَهنَّمَ في هذه الدنيا أيضًا. قولوا لنا هل هُناكَ أيُّ قيمةٍ للظنِّ الذي يعني بكلماتٍ أخرى، أنّه قد يكونُ هذا صحيحًا أم خطأً. تذكَّروا أنّه لا يمكن التخلُّصُ من الذنُوب بدونِ اليقين أبدًا. كما تستحيلُ الحياة مثل الملائكة بدون اليقين، وبدونِهِ لا يمكن تركُ الملذّاتِ الماديّة غير المشروعة. كما لا يمكن للإنسان إحداثُ التَغييرِ الطاهرِ في نفسهِ وانجذابهِ إلى الله تعالى نتيجةَ الجذبِ الخارقِ للعادة. لا يمكن تركُ الأرضِ والصُعودُ إلى السماء بدونِ اليقين”.

“تركُ الأرضِ والصُعودُ إلى السماء” هنا لا يعني الرفع الذي يُذكَر عن سيدنا عيسى : أنّه صَعَدَ إلى السماء حيًّا تارِكًا الأرض، بل المراد أنّه لا يمكن التقدُّمُ الروحيّ والرفعُ الروحيّ ما لكم يكن اليقينُ كاملاً.

“لا يمكن تَقوى الله حقَّ تُقاتِهِ بدونِ اليقين. ولا يمكن للإنسان التقدُّمُ على سُبلِ التقوى الدقيقة، وتنزيهِ عملهِ من شوائِب الرياء بدونِ اليقين. كذلك بدون اليقين لا يمكنُ أبدًا أنْ يرميَ الإنسانُ ثرواتِ الدنيا وعِرضَها وأموالها عرضَ الحائِط، ويستغني من التقرُّبِ إلى الملوك، ويعتبر اللهَ وحدهُ تعالى كنزَهُ الوحيد”. (نزول المسيح، الخزائن الروحانيّة، ج18، ص469، 470، طبعة لندن)

ويقول حضرته أيضًا:

“تذكَّروا أنّ اليقين شيءٌ عظيم. والذي يكونُ كاملاً مِنْ ناحيةِ اليقين فالله تعالى بنفسِهِ يأخُذَ بيده”. (الملفوظات ج1، 444، الطبعة الجديدة)

يقول حضرته هنا أنّ أخذَ الله بيدِ الإنسان مشروطٌ باليقين. والذين يظنُّونَ أنّهم من أهل اليقين وأنّهم محظوظون بسبب هذا اليقين الكامل، ولكنهم يتوجَّهونَ إلى غيرِ الله ليأخذوا بأيديهم فلا يأخذُ الله بيدهم أبدًا. وهذا يعني أنّهم ليسوا محظوظينَ باليقين. ولو أخذَ الله بيدهم لما توجَّهوا إلى غيرهِ أبدًا.

يقول حضرته :

“هناك حالاتٌ ثلاث للمراتبِ الروحيَّة. الحالةُ الأولى تُسمَّى “عِلمَ اليَقين”، والثانية تُسمَّى “عينَ اليَقين”، والثالثة الكاملة والمباركة تُسمَّى “حقَّ اليقين”. ومعرفةُ الإنسان لا تكتمل ولا تتنزَّهُ مِنَ الأوساخ ما لم تَصِل إلى حقِّ اليقين، لأنّ حالةَ حقِّ اليقين لا تقتصرُ على المشاهدات فحسب، بل تَرِدُ على قلبِ الإنسان بصورةِ الواقع، ويفنى الإنسان كُليًّا من ناحيةِ كيانهِ النفسيّ بوقوعِهِ في النارِ الملتهِبة لحبِّ الله تعالى”.

“حقَّ اليقين” هذا ليسَ شيئًا يتعلَّقُ بالمشاهدة فحسب، مثلما حين ترون الدُخان متصاعِدًا تعلمون أنّه قد تكون هناك نار. بل المراد هو الدخولُ في النار، أي أنّ حقَّ اليقين يعني الفناء في نارِ حُبِّ الله تعالى.

ويُضيفُ حضرته ويقول:

“… وبالوصول إلى هذه الدرجة تنتقلُ معرفةُ الإنسان من حالةِ “القَال” إلى حالةِ “الحال” (أي من الأقوال إلى المنجزات الشخصيّة)، وتحترقُ الحياةُ السُفليَّةُ كُليّةً حتى تُصبحَ رمادًا. والإنسانُ كهذا يتربّعُ في حُضنِ الله تعالى. وكما أنّ الحديدَ بدخولهِ في النارِ ينصبغُ بصبغةِ النار وتبدأُ صفاتُ النارِ تتجلّى مِنْ خِلاله، كذلكَ الإنسانُ الحاصلُ على هذه المرتبة تنعكسُ فيه صفاتُ اللهِ تعالى بصورةٍ ظِليّة، ويفنَى –بطبعِهِ- في مرضاةِ الله لدرجةٍ وكأنّه ينطِقُ مِنْ خِلالِ الله، وينظُرُ من خِلالِ الله، ويَسمعُ مِنْ خِلالِ الله،  ويمشي مِنْ خِلالِ الله، وكأنّ اللهَ تعالى يكونُ موجودًا في حُلَّته، والصفاتُ البشريّةُ تُغلَبُ تحت تجليَّاتهِ الإلهيّة”. (حقيقة الوحي، الخزائِن الروحانيّة ج22، ص 24-25، طبعة لندن)

إنّ هذه الحالة الروحانيّة الكاملة لم يَحْظَ بها أحدٌ إلا سيدنا محمد المصطفى . ووُفِّقَ المسيح الموعود أيضاً لينهلَ من هذا النبع ولكن بفضلِ رسول الله . البركاتُ النبويّة لا تزالُ سارية المفعول إلى الآن. فَمِنْ كمالاتِ خَتمِ النبوّة أنَّ الخَاتَم (أداةُ الخَتم) لنبوَّته لا يزال فعَّالاً اليوم أيضًا كما كان في السابق. لو لم يوضع هذا الخاتَم لما أمكنَ لسيدنا المسيح الموعود أنْ يكون نبيًّا أبدًا. يقول حضرته :

“رغمَ أنَّ الإنسان يُصيبُهُ القَلق ولكنه بِمُقتضَى البشريَّة، وجميعُ الأنبياء مُشترِكونَ في الأمرِ بِمُقتضَى البشريَّة. كما أنّ النبيّ قدْ أصابَهُ القَلق أثناءَ معركةِ بدر. ولكنَّ الفرقَ بينَ الناسِ العاديين والأنبياء هو أنَّ قلقَ الأنبياء لا يَشُوبُهُ اليأسُ أبدًا”. (حالةُ القلقِ التي أصابت النبيَّ آنَذاك لم تكن مصحوبةً باليأس إطلاقًا)“إنّهم يكونونَ واثِقينَ مِنْ أنَّ الله تعالى لنْ يُضيِّعَهُم أبدًا. أما أنا فلو أُلقِيتُ في نارٍ مُلتَهِبةٍ أكونُ على ثقةٍ دائِمًا أنني لن أُضيَّعَ. لا شكَّ أنَّه يكونُ بي قلقٌ لأنّها نارٌ يحتَرِقُ فيها الإنسان، ولكن تكونُ هناكَ بارقةُ أملٍ أيضًا أنّه سوفَ يأتي الصوت: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . غيرَ أنَّ قلقَ الآخرين يكونُ مَشُوبًا باليأس، إنّهم لا يَرْجُونَ مِنَ الله، وهذا كُفرٌ”. (الملفوظات، الطبعة الجديدة، ج3، ص133 الهامش)

 ثم يقول سيدنا المسيح الموعود :

“إنّنا نَثِقُ بالله لدرجةِ لا ندعو الله حتى لأنفُسِنا لأنّه يعلمُ حالتَنَا جيّدًا”.

إنّها لمرتبةٌ عظيمةٌ للمعرفة، كما أنّ سيدنا موسى تضرَّع إلى الله تعالى قائلاً: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . لم يسأل أيَّ خيرٍ على وجه التحديد أنْ أَعْطِني كذا وكذا، بل قال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أي إنّني فقيرٌ يا ربِّ، فأعطني ما تراه خيرًا وأفضل. وبهذا الدعاء وحدهُ أُعطيَ كلَّ شيء.

“عندما أَلقَى الكُفّارُ سيدنَا إبراهيم في النار سأله الملائكة: هلْ لكَ مِنْ أُمنيَة؟ فقالَ سيدنا إبراهيم : بَلى، ولكن إليكم لا. فقالَ الملائِكةُ فَادعُ الله إذًا. فقالَ إبراهيم : عِلمُهُ بِحالي حَسْبِي مِنْ سُؤالي”. (الملفوظات ج1، الطبعة الجديدة، ص444، 445)

ثم يقول حضرته :

“إنَّني أجدُ حالةَ قَلبي غريبةً جدًا. فكما أنّ الناس -عندما يصِلُ الحرُّ مُنتهاها- يأملونَ بكُلِّ ثقة أنَّ المطرَ سينزلُ الآن، كذلك عندما أجدُ كيسي فارغًا أكونُ على ثقةٍ كاملةٍ بفضلِ الله تعالى أنّه سوفَ يمتلئُ الآن، وهذا ما يَحدُث”.

هكذا كان الله تعالى يُعامِلُ بإحسانٍ سيدَنا المسيح الموعود . وببركته كان سيدنا الخليفة الأول أيضًا يحظَى بالمعاملة المشابهة لها. ولكن لا يعلمُ كيفيّة قلبِ سيدنا المسيح الموعود إلا الذي كان يمرُّ بحالةٍ يقول فيها بكلِّ جزم: عندما أجدُ كيسي فارغًا أصبحُ على يقينٍ كاملٍ بفضلِ الله تعالى أنّه سوفَ يمتلئُ الآن، وهذا ما يَحدُث.

ثم قال حضرته حَلْفًا بالله:

“اللَّذَةُ والـــمُتعةُ -للتوكُّلِ على الله- اللتانِ أَحظَى بهما عندما يكونُ كيسي فارغًا لا أستطيعُ بيانهُمَا. إنَّ تلكَ الحالةَ تبعثُ على غايةٍ من الفرحِ والسرورِ مقارنةً بحالي حين يكونُ الكيسُ مليئًا.””في الفترةِ التي كان والدي المحترم والإخوة مُصابينَ بأنواعِ الهموم والغُموم بسببِ المرافعاتِ الدنيويّة كانوا في كثيرٍ من الأحيان يَغبِطونِي نظرًا إلى حالتي ويقولون إنّه لرجلٌ سعيدُ الحظِّ جدًا، لا يقتربهُ غَمٌّ”. (الملفوظات ج1، الطبعة الجديدة، ص216، 217)

في إحدى المرات حيث كاد الغمُّ أن يُصيبه تلقَّى حضرته وحيًا: “أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ”، ثم لم يقتربه الغمُّ أبدًا منذ ذاك اليوم إلى حين وفاته. (كان سيدنا أمير المؤمنين نصرهُ الله يَلبسُ خاتَمًا منقوش فَصُّهُ بكلمات: “أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ”، فَأرى حضرته المشاهدين ذلك الخاتَم وقال: هذا هو خاتَم سيدنا المسيح الموعود الذي ألبسه الآن)

“تذّكَّروا أيضًا أنّه ليس هناك لجرحِ المصيبةِ بلسمٌ مُريحٌ وباعثٌ على الطُمأنينة مثلَ التوكُّل على الله تعالى. والذي يتوكَّلُ على الله يجدُ التسليةَ والطمأنينة الداخليّة أثناء المصائِب والمشاكل الشديدة أيضًا”. (الملفوظات ج4، الطبعة الجديدة، ص392، 393)

ثم يقول حضرته :

“يجبُ على طالبِ الحقِّ أنْ يظلَّ باحثًا عن هذا الإيمانِ الحقيقي، وألا يخدعَ نفسهُ بأنّني مُسلم وأُؤمِنُ بالله والرسول، وأقرأَ القرآن، وأتبـرَّأَ مِنَ الشرك، وأواظِبَ على الصلوات، وأتجنَّبَ الحرامَ والسيّئات. بعد الممات إنّما يَحظَى بالنجاةِ الكاملة والسرور الحقيقي ذلك الذي حصلَ في هذه الدنيا على النورِ الحيِّ والحقيقيّ الذي يُوجِّهُ الإنسانَ إلى الله تعالى بكُلِّ قِواهُ وطاقاتِهِ وتوجُّهاتِهِ. الأمرُ الذي يقضي على الحياةِ السُفليّة ويتسبَّبُ في حدوثِ التغييرِ الصادقِ في الإنسان. ما هوَ ذلكَ النورُ الحيّ والحقيقي؟ إنّه لقوةٌ موهوبةٌ من الله تعالى التي تُسمَّى باليقين والمعرفة التامّة. إنّها لَقوّةٌ تُخرِجُ الإنسانَ بيدها القويّة من الهُـــــوَّةِ المخيفة والمظلمة إلى الجوِّ المضيء والآمنِ جدًا. وقبل الحصولِ على هذا النور تكون الأعمالُ الصالحة من قبيل العادةِ والتقليدِ فحسب”.

هذا الأمرُ مثيرٌ للقلق للجميع. ما لم يتم الحصول على هذا النور تبقى الأعمال الصالحة كُلّها من قبيل الأوهام البحتة.

“وفي هذه الحالةِ يمكن للإنسان أنْ يَزِلَّ عند الابتلاءاتِ مهما كانت بسيطةً. ومَنْ ذا الذي تستوي علاقته مع الله تعالى بدون الحصول على هذه المرتبةِ من اليقين؟ الذي أُعطيَ اليقين فإنّه يَجري إلى الله تعالى مثلَ الماء، ويَهُبُّ إليه مثل الريح، ويَحرِقُ غيرهُ مثلَ النار، وفي المصائِبِ يُري الصًمودَ كصمودِ الأرض. إنَّ المعرفةَ الإنسانيّة تجعلُ الإنسانَ مجنونًا في نظرِ الآخرين ولكن عاقِلاً في نظر الله تعالى. ما أحلاه هذا الشراب! بحيثُ يجعلُ الجسم كله حلوًا فورَ نزولِه مِنَ الحلق. وما ألذَّهُ هذا الحليب بحيث يُزيلُ جميعَ المشاقِّ ويُغني عنها في لمحِ البصر. ولكن إنّما يُنالُ بتلك الأدعيةِ التي تتمُّ في حالةِ استعدادٍ تامٍّ للتضحيةِ بالنفس. ولا يحصُلُ للإنسان بإراقةِ دمِ غيره بل بالتضحية الصادقة لنفسِهِ. وما أصعبَ هذا الأمرَ!! يا ليتَ يا ليت!!!!” (أيام الصلح، الخزائن الروحانيّة ج14، 245، 246)

وفي هذا دحضٌ لعقيدة كفَّارة المسيح أيضًا. أي إنّ هذه النجاة لا تحصل للإنسان بدمِ غيره بل بدمه هو.

ثم يقول حضرته :

“ينبوعُ النجاةِ يَنبُعُ مِنَ اليقين. فالنِّعمةُ العُظمى هي أنْ يُوهَبَ الإنسانُ يقينًا أنَّ إلهه موجودٌ في الحقيقة، وأنّه لا يتركُ المذنبَ والمتمرِّد بدونِ العقاب، ويتوبَ إلى مَنْ يتوب إليه . هذا اليقين هو الوصفةُ الوحيدة لمعالجةِ الذنوب. وبدونه لا توجدُ في الدنيا كفَّارةٌ ولا دمٌ يُنقِذُ مِنَ الذنوب. ألا ترونَ أنّ اليقين وحده يوقِفَكم مِنَ الأمورِ المنهِيّ عنها. لا تستطيعونَ أن تُلقُوا اليدَ في النار فإنّها تُحرِقكم. ولا تَقِفونَ أمام الأسدِ لأنّكم تَعلمونَ يَقيناً أنّه سوف يأكلكم. لا تأكُلونَ سُمًّا لأنّكم على يقين أنّه سوف يُهلِككم. فلا شكَّ في أنّه قد تبيَّن لكم مِنَ التجارب العديدة أنّه حيثما تعلمونَ يقينًا أنّ عملاً أو تصرُّفًا ما سوف يؤدِّي بكم إلى الهلاكِ حتمًا، تتوقفون منه على الفور ثم لا يصدُرُ منكم ذلك الخطأ. فلماذا لا تستخدِمونَ نفسَ الفلسفةِ الثابتة بالنسبة إلى الله تعالى أيضًا؟ ألم تشهد التجربةُ إلى الآن أنَّ الإنسانَ لا يمكنُ له التوقُّفَ من الذنوبِ بدونِ اليقين. الشاةُ عندما تتيقَّنُ أنّ هناكَ أسدًا في المرعى لا تستطيعُ أن تَرعَى فيه. فاليقينُ يُؤثِّرُ أيضًا في الحيواناتِ التي لا تَعقِل، وأنتم بشرٌ. إذا وُجِدَ في قلبِ الإنسان يقينٌ لوجودِ الله تعالى وعَظَمَتِهِ وجَبَروتِهِ فسيُنقِذهُ هذا اليقينُ من الذنوبِ حتمًا. أما إذا مَا يتجنّب من الذنوب فمعنى ذلك أنّه يقينٌ له. هل اليقين بالله تعالى أقلُّ من اليقينِ بوجودِ الأسدِ والحيّة والسُمّ؟ يا ليت!! بأيِّ دفٍّ أُنادي أنّه هو اليقينُ الذي يُنقِذُ من الذنوب، وأنّما هو اليقينُ الذي يدفعُ صاحبه إلى التوبةِ مِنَ الولايةِ الباطلةِ والمشيَخةِ الزائِفة، وإنّما هو اليقينُ الذي يُؤهِّلُ صاحبهُ لرؤيةِ الله”. (نزول المسيح، الخزائِن الروحانيّة، ج18، 473، 474، طبعة لندن)

ويقول أيضًا:

“الدينُ الذي لا يُوصِلُ إلى يُنبوعِ اليقين ليس بشيء، وإنّما هو نجسٌ وميّت وغيرُ طاهرٍ ويدفعُ إلى الجحيم، بل هو الجحيمُ بنفسه حيث لا يقدر على أنْ يُوصِلَ إلى ينبوع اليقين. إنّ يُنبوعَ الحياةِ ينبعُ من اليقين وحدَهُ. والأجنِحةُ التي تطيرُ (بالإنسان) إلى السماءِ إنّما هي “اليقين” فقط. فَحاوِلوا أنْ تُشاهِدوا الله الذي إليه تُرجَعُون”.

(إنّه لكلامٌ يحتوي على معرفةٍ بالغة، وهذا هو الأمر الذي ينساهُ الناس عادةً … أنْ تُشاهِدوا الله الذي إليه تُرجَعُون”.)

“واليقينُ هو المـَرْكِبُ الذي سيُوصِلكم إلى الله تعالى. إنَّ سرعتهُ كبيرةٌ للغاية حتى لا تساوي سرعتَهُ سُرعةُ الضوءِ الذي يأتي مِنَ الشمس وينتشرُ على الأرض”. (نزول المسيح، الخزائِن الروحانيّة، ج18، ص 474)

ثم يقول حضرته :

“الصَادِقونَ يَظلُّونَ صامِدينَ وقتَ الابتِلاءاتِ أيضًا، وإنّهم يَعلمونَ أنَّ الله تعالى سوف يحمِيهم في نهايةِ المطاف. إنَّ هذا العبدَ المتواضِعَ يشكُرُ الله تعالى على وجودِ مثلِ هؤلاءِ الأصدقاءِ الكُمَّل، ولكن مع ذلك أُؤمِنُ أيضًا أنّه لو لم يبقَ أحدٌ معي ولو خَذَلَني الجميعُ فلا خوفَ عليَّ إطلاقًا. إنّني أعرِفُ أنَّ اللهَ معي. لو سُحِقْتُ وَمُزِّقْتُ وأصبحتُ أدنى مِنَ الذرّة، وواجهتُ الإيذاءَ والسباب واللَّعنةَ مِنْ كُلِّ ناحيةٍ فلا بدَّ أنْ أكونَ مُنتصِرًا في آخِرِ المطاف. لا يَعرِفُني أحدٌ إلا الذي هو معي. لن أَضِيعَ أبدًا. إنَّ محاولاتِ الأعداء لاغيةٌ ومكائِدُ الحاسِدينَ لا جَدوى فيها.”

ثم يقول :

“أيُّها الحمقَى والعُميان!! هل ضاعَ صادِقٌ قبلي حتى أَضِيعَ أنا؟ هل هُناكَ وَفِيٌّ صادِقٌ أهلَكَهُ الله بالهَوانِ حتى يُهلِكَني أنا؟ اِعلَموا يقينًا واسمَعوا جيدًا أنَّ رُوحِي ليست روحًا تَهلَك، وليس في فطرتَي شَوبًا مِنَ الخيبة. لقد أُعْطِيتُ مِنَ القوةِ والصِدقِ ما تتضاءَلُ أمامهُ الجِبال. لا أُبالي بأحدٍ. كنتُ وحيدًا ولم أكن غيرَ راضٍ على البقاءِ وحيدًا. هل يَخذِلُني الله؟ كلا! لنْ يَخذِلَني أبدًا! هل سَيُضِيعني؟ كلا! لن يُضِيعَني أبدًا! الأعداءُ سَيلقَونَ الإهانة، والحُسَّادُ يندمون، والله تعالى سوف يُفلِحُ عبده في كلِّ مجال. أنا معهُ وهو معي، ولا شيءَ يقدر على أنْ يفُكَّ رباطنا. أحلِفُ بِعزَّتِهِ وجلالِه أنّه ليس شيءٌ أحبُّ إليَّ في الدنيا والآخرة مِنْ أن تظهرَ عظمةُ دينهِ سبحانه وتعالى، ويتجلَّى جَلالُه، وتكونَ كلمتهُ هي العُليا. لا أخافُ أيّ ابتلاءٍ بفضلِهِ تعالى، ولو كان هناك عشرةُ ملايين مِنَ الابتلاءات، ناهيكَ عن ابتلاءٍ واحد. لقد أُعطِيتُ قوةً في مواطنِ الابتلاءات وخلوات الآلام.

“أنا لستُ ذلك الذي تستطيعُ أن ترى ظهره يومَ القِتال. بل أنا ذلك الذي سوف ترى رأسهُ مُتلطِّخًا في الدمِ مُتمرِّغًا في التُراب”. (أنوار الإسلام، الخزائن الروحانيّة، ج9، ص23)

هذه بضعةُ مُقتبساتٍ توضِّحُ لنا موضوع التوكُّلِ بأحسن وجه. وليست هناك كلمات تُلقي الضوء على هذا الموضوع بصورةٍ أفضل من ذلك. والذين يعرفون مكانة سيدنا المسيح الموعود ويقدِّرونها هم الذين يستطيعون الاستفادة منها.

Share via
تابعونا على الفايس بوك