قبس من صفة الله عز وجل "الرحيم"
التاريخ: 2001-04-20

قبس من صفة الله عز وجل “الرحيم”

ملخص لخطبتي جمعة ألقاهما حضرة ميرزا طاهر أحمد (أيده الله)

الخليفة الرابع لحضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود

بمسجد الفضل، لندن

“تنشر أسرة التقوى هذه الترجمة على مسؤوليتها”

خلاصة خطبة جمعة ألقيت في 20 نيسان/ أبريل 2001م

استهل أمير المؤمنين نصره الله تعالى الخطبة بتلاوة الآية الكريمة:

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون   (الأعراف: 181)

ثم قال: إن موضوع صفات الله تعالى هو بحرٌ لا تُعلم شواطئُه، ولو أنفقتُ عمري ومثله معه على شرح معانيها فلا يمكن أن ينفد بحر هذه الصفات.

هناك حديث لرسول الله قال:

“ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ رِفْقٌ بِالضَّعِيفِ وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوكِ”. (سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة)

الرفق بالضعيف، والشفقة على الوالدين يتعلقان بالرحمانية، أما الإحسان إلى المملوك والخدم فيتعلق بالرحيمية، لأنهم يخدمونكم، وعطاؤكم إياهم أجور خدماتهم ينبع من الرحيمية.

ثمة حديث آخر في هذا الصدد: عن ابن عمر قال: قال رسول الله :

“أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ.” (سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام)

إن النصائح التي كان يوجهها رسول الله للآخرين كان ينفّذها بنفسه قبل غيره. وفي كل مرة اضطر الصحابة إلى القيام بأعمال شاقة كان هو أسبقهم إليها. أما في البيت فكان يساعد زوجاته في أعمالهن. لذلك فإن مواعظ الرسول هي مواعظ رجل كان أكثر الناس عملاً بها.

وهناك حديث آخر: عن سهل بن الحنظلة قال: مرَّ رسول الله بِبعير قد لَحِقَ ظهرُه ببطنِه، فقال:

“اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَة.” (سنن أبي داود، كتاب الجهاد)

فإذا كان الإنسان يستخدم الحيوانات ويستفيد منها فلا بد أن تظهر منه صفة الرحيمية تجاهها أيضًا، لأنها تقتضي منه أن يرحم تلك الحيوانات ويعطيها أكثر مما يجني بسببها من الفوائد. وإن كنتم رحماء كان الله بكم رحيمًا.

ويقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود : “وجعل (أي الله سبحانه وتعالى) المسيح الموعود مظهر اسم أحمد وبعثه بالشيون الرحيمية والجمالية، وكَتَبَ في قلبه الرحمةَ والتحنن، وهذبه بالأخلاق الفاضلة العالية”.

كان سيدنا المسيح الموعود مظهرًا للرحيمية، وقال مخاطبًا جماعته: إن الرحمة والشفقة غير العادية التي تعهدونها مني، ما هي إلا بفضل من الله تعالى.

يقول حضرته : أما أنا فحالتي هي، أنه إذا كان أحد يتألم وكنت في الصلاة وتناهى صوته إلى مسامعي، أسعى جاهدًا أن أنفعه ولو بترك الصلاة، وأواسيه قدر الإمكان. ومما ينافي الأخلاق ألا يساعد المرء أخاه في مصابه وألمه. فإن كنتم لا تستطيعون من فعل أي شيء لأجله فعلى الأقل قوموا له بالدعاء.

إن الرحمة والشفقة التي كان يكنّها سيدنا المسيح الموعود لبني الإنسان زمن تفشي الطاعون قد تجلّت في قيامه بتوزيع الأدوية المضادة للطاعون على الذين سبق أن تنبأ عن هلاكهم به، ودعا لهم أن ينقذهم الله.

لقد حدث في حياته مرارًا أنه قدم للضيوف سريره ولحافه بينما ظل بنفسه جالسًا في ليالي الشتاء الباردة مرتديًا معطفه فقط.

يقول حضرته : إنني أقول لكم حقًا: لا يستقيم إيمان المرء حتى يؤثر، قدر المستطاع، راحة أخيه على راحة نفسه. وورد في الحديث الشريف: “قال أبو مسعود البدري:

“كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، إعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ! فَلَمْ أَفْهَمْ الصَّوْتَ مِنْ الْغَضَب،ِ قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ إعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، إعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: إعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ. قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا”. (صحيح مسلم، كتاب الأيمان)

وفي رواية قال أبو مسعود:

“فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ.” (صحيح مسلم، كتاب الإيمان)

وثمة رواية أخرى: عن أنس “أَنَّ النَّبِيَّ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ.” (صحيح البخاري، كتاب الحج)

وهذا الأمر يتعلق بالرحيمية. إن تحمّل مشقةٍ وتجشّم عناءٍ لله سبحانه وتعالى يجلب الرحيميةَ لله تعالى، ولكن إذا كلّف الإنسان نفسه أكثر من وسعها فإنه ليس مدعاة لرحيمية الله بل لسخطه. وإن الله تعالى رحمان ورحيم ورؤوف بعباده، فلا يطالب الناس إلا بما هو ضمن طاقتهم ومقدراتهم.

خلاصة خطبة جمعة أُلقيت في 27 أبريل 2001م

قال حضرته نصره الله: لا أزال بصدد موضوع صفات الله تعالى، واخترتُ لخطبة اليوم تلك الآيات من سورة البقرة التي ورد فيها اسم الله “الرحيم”.

فهناك آية كريمة:

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة: 129)

إن قوله سبحانه وتعالى: وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا لَدعاءٌ عظيم وصعب أيضًا، ويعني: دُلَّنا على جميع تلك السبل التي تتقبّل منها التضحيات حتى نتّبعها ونقوم بتقديم تضحياتنا، غير أنه من الممكن أن تصدر عنا الأخطاء أيضًا في هذا الصدد، فعندئذ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

وثمة آية عن سيدنا آدم :

فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة: 38)

لقد علَّم الله آدمَ كلمات التوبة. ومن هنا يتبين أنه لا يمكن للإنسان أن يجد كلمات مناسبة لتوبته ما دام الله سبحانه وتعالى لا يرشده إليها. لذلك فعلى التائب توبة خالصة، وعلى المستغفر لذنوبه أن يدعو الله ليُعلِّمه كلماتٍ تحظى بها توبته بالقبول.

هناك آية أخرى:

وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (البقرة: 164)

لقد خلق الله الكون كله وأودعه -بسبب رحمانيته- جميعَ الأشياء دون أن يسأله أحد. لأنه خلق كل هذه الأشياء قبل خلق الإنسان. لكنه لم ينسَ الكون بعده بل كرّر إنزال رحمته فيه. وهذه السلسلة مستمرة، فإنه سبحانه وتعالى يتجلّى برحمته الآن أيضًا كما تجلّى بها سابقًا حيث لم يكن أحد يسأله أو يطلب منه.

وأتناول الآن الأحاديث المتعلقة بالموضوع: ثمة رواية:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: “قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ.” (البخاري كتاب البيوع)

يُعترض على المسلمين أنهم روَّجوا الرقَّ، في حين أن القرآن الكريم ألغى الرقَّ وأمر بتحرير العبيد وإعتاق الرقيق بصورة لا يوجد لها نظير في الكتب السماوية السابقة. ولقد تكرر الأمر بالإعتاق لدرجة أعتق أحد الصحابة ذات مرة ستين ألفًا من الرقيق. فإن المستشرقون يعترضون على أمثال هؤلاء المسلمين في حين أن معظم السود المساكين في أمريكا وجزر غرب الهند قد أُسِروا من “غانا” بيد الأوربيين ثم أُرسلوا إلى تلك المناطق مقيَّدين بالسلاسل، حيث فُرض عليهم القيام بالأعمال الشاقة تحت وطأة من الاضطهاد والظلم دون أن يتلقّوا مقابلاً لعرق جبينهم وكدِّ يمينهم. هذه هي حالة زاعمي تخليص العالم من الرق، فلينظر هؤلاء إلى أنفسهم، كم من مظالم فادحة قد مارسوها. لقد استعبدوا السود القاطنين حاليًّا في أمريكا الجنوبية والشمالية. ولا يزال هؤلاء السود مضطهدين لأنهم يُمنعون بحيلة أو بأخرى من التفوق والبروز في المجالات العلمية والسياسية رغم أن عددهم في تلك المناطق كبير جدًّا. أما في زمن رسول الله فلم تكن ثمة فكرة استعباد الحر أبدًا. أما تحويل أسرى الحرب إلى العبيد فكان ذلك يعود إلى انتفاء السجون العسكرية، لذلك فكانوا يوزعون بين الناس لأنه لم يكن بالإمكان أن يُترك هؤلاء على عواهنهم لإفساد المجتمع. هذا، وليس هناك ولا رواية واحدة عن رسول الله تجيز استعباد الحر.

وثمة آية أخرى:

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (البقرة: 192- 193)

لقد ذُكر في هذه الآية تجلٍّ عظيم لرحيمية الله تعالى، إذ قيل لأولئك الذين قد سلبوا الحرية الدينية، وأخرجوا المسلمين من ديارهم، وأجبروا الناس على الارتداد، ومارسوا أنواعًا من الظلم، قيل لجميع هؤلاء: فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . أي لو امتنع هؤلاء عن أفعالهم الشنيعة فينبغي أن تعاملوهم أيها المسلمون بالمغفرة، واعلموا أن الله غفور رحيم. وإن كنتم بهم رحماء كان الله بكم رحيمًا.

يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود  : إن صفة رحيمية الله تعالى توصل الإنسان إلى تلك النعماء والأفضال الخاصة التي لا يستحقها إلا المطيعون. أما النعماء العامة فتشمل الجميع، إنسانًا كان أو حيّةً أو ثعبانًا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك