للإسلام رب يحميه وإمام زمان يحييه..

للإسلام رب يحميه وإمام زمان يحييه..

التحرير

من سُنّة الله تعالى أنّه كلما بَعُدَ الناس عن التقوى والإيمان، وتمكنت منهم نوازع الشرّ والضلالة والطغيان، يبعث إليهم منادياً ليقود قلوبهم الضالّة إلى حظيرة العرفان، ليتبصّروا العواقب ببصيرةٍ إيمانية وحكمةٍ ربانية، فالمبعوث من عند الله مكلّف برعاية الأمة، وقَوْدِ الخير إليها، وطردِ الشرِّ منها. فهو مربّيها وهاديها كي تنشرح الصدور، وترتقي العقول بلطائف المعرفة التي لا يصل إليها أحد من حكماء الدهر أو فلاسفة العصر..

ويقوم المبعوث بهذه المهام، لأنه المختار من لدن الله الجبّار، الذي أرسله في وقت فساد القلوب، وعموم الذنوب. هذه سنّة الله في من يصطفيهم ويهديهم ليكونوا نبراس الهدى عند الدُّجى، وسفينة الرحمن عند طوفان فتن هائجة ومفاسد مائجة. فالذين يُطيعون مبعوثي السماء ويتبعونهم، ولا يخرجون عما أمروهم، ينالون السعادة الروحانية، ويفوزون فوز السعداء، فتحلّ البركة السماوية عليهم، ويحفظهم من حوادث فتن الدهر، فيصيرون ملاذ الضعفاء، ومأوى الفقراء، ومنهل العلم والعلماء. وأما من خالف من أرسله الله، ورفض دعوته وعادى حجّته وأتباعه، ورفض اللحاق بركب المؤمنين، وقوافل الصادقين، وتجاوز الحد في مقت دعوة الحق، فلا شكّ أنَّ الله سيُحبط عمله وسيبوء بسخطٍ منه، ويُحرم حلاوة الإيمان، ونور العرفان، ويُترك في ظلماته خاسراً مخذولاً، وهذا كله من جرّاء علل نفسه السقيمة وروحه العليلة..

والناظر اليوم إلى المسلمين، يجدهم في حالٍ يُرثى لها، من مقامٍ أدنى، وضلالٍ أعمى، وفتنٍ هوجاء، وجهلٍ كظلامٍ حالك..، وهذا كله من فِكر قرونٍ مظلمة بَعُدَت عن مَعِين زمن الرسول الكريم ، وعقائد دخيلة نُسبت إلى القرآن العظيم..، وشروحاً خسيسة توراثها العلماء بفهمٍ نحيل لا يميز بين المنقول والمعقول، مما ترك عقل الأمة عاطلاً كأرضٍ قاحلة، غارت ماؤه وجفّت وديانه. إنَّ الله تعالى لم يترك دوحة المصطفى لتعطش وتموت، بعدما كانت جنّةً تسرُّ الناظرين. فإذا كان من سنن الله في الطبيعة أن يجري أن يجري غمام الرحمة ليروي الأرض القاحلة بماء الحياة لتحيى من جديد.. فَلِمَ لا يبعث سبحانه من يُحيي هذه الامة ويعود بها إلى مجدها السعيد؟ نعم لقد بعث كما نعلم عند كل مائة سنة من المجدّدين الربّانيين من كانوا غمام الرحمة، وينبوع الحياة في مناطق عدة من بلاد المسلمين، فأصلحوا بإذن الله ما فسد، وقوَّموا اعوجاج مذاهب العقائد.. فجُوبِهت دعواهم بالازدراء أحياناً، وبالقبول أحياناً أخرى، ورُميَ بعضهم بالكفر والضلال، وبقي الحال على سوء المآل. فإصلاح المجدّدين الربّانيين كان محدود الزمان ومقيّداً بمكان، ولم يكن مفوّضاً إليهم ذلك التجديد الشامل، الذي يخصُّ المسلمين وغيرهم من الأديان الملل، فهذه المهمة لا ينالها سوى من اختاره الله واصطفاه لمهمةً عظمى ليُنجي المسلمين والعالم من فتن دجّالية داهية ما رآها الأوائل بل أُخبروا عن عظيم شرّها وفتنها، فهو من خدّام دين السيد المصطفى الأمين ، ومنَّ عليه ربُّ العزّة بخاتم الأولياء والمجدّدين، لأنَّ مقامه رفيع الشأن عن الله الرحيم، ومصداق بشارة الرسول الكريم ، الذي أوجب على كل مسلم مبايعته ومؤازرته…

لقد بعث الله المسيح الموعود والمهدي المعهود على رأس القرن الرابع عشر للهجرة وصحّح بأمرٍ من الله مفاسد عقائد المسلمين، وأشاع براهين الدين الحنيف، وبدّد مطاعن القساوسة الصليبيين، والبراهمة الهندوس، وكافة الملل والنحل.. وأرسل مؤلّفاته إلى بلاد العرب والعجم، وإلى عقر ديار الدجّال من أمم الغرب.. فحفد الله إليه الناس من كل فجٍّ عميق، وأقام عز وجل بندائه ويديه المباركتين جماعةً مؤمنة من أنصار الدين، فكانوا في التقوى والإيمان ثلّةً من الآخَرين بعد ثلّة من الأولين..، وأشاع الله ذكره في شتّى الأصقاع والبقاع، بعدما ظنَّ أعداؤه أنه سيُترك وحيداً، ويعيش طريداً، بما كفّروه وما أشاعوا حوله من الأكاذيب..

لا يمكن أن يقترب من هذه النار من هم ذوو عزائم إيمانية مستعدة للاحتراق في سبيل الله، إنها نارٌ سرعان ما تنقلب إلى جنّةٍ روحانية، وهذا ابتلاءٌ عظيم وسُنّةٌ إبراهيمية متكرّرة، لأنَّ الله لا يترك أمثال هؤلاء يحترقون بتلك النار بعدما ظهر معدنهم في سبيل وجهه الكريم

إنَّ الزمان يدعو الناس إلى الإيمان به، فالمسلمون ممن رفضوا دعواه تهدّدهم مخاطر مُهلكة، لا سبيل لهم للخروج والنجاة منها إلا بالاستجابة لدعوة من اختاره الله لا بسبيلٍ آخر.. لقد جرّبوا شتّى الوسائل لتحقيق العزّة التي تُعيدهم إلى علياء الإسلام الغابر.. فلم يتحقّق شيء من آمالهم رغم امتلاك أسبابٍ أرضية، من أموالٍ وثروات وروابط وهيئات دينية وسياسية.. ولم يبقَ أمامهم من سبيلٍ آخر غير أسباب السماء.. فدعوة الإمام المهدي عليه السلام الذي أُرسل من ربٍّ كريم رحيم عند طوفان الضلال بها تُنْصَرُ الأمة، وتُنَجّى المِلّة، وتُزال الغُمَّة، فهي بريق الإسلام، ودرعه الحصين، التي ستقود جموع الأمة إلى ملاحم روحانية يعلو فيها صوت الإسلام فوق أصوات العِدَا، من دعاة الصلبان، وعبدة الأوثان وكهنة الشيطان. فحربه بالدلائل لا السهام وذخيرته أدعية مستجابة في حربةٍ سماوية ممدّدة.

لقد افترقت الأمة الإسلامية على يد رجال الدين، فجلبت كل الدمار الذي نراه على الأمة، فأراد الله أن يُحييها، ويفرّج كربتها، ويمسح دمعتها، ويحقن دماءها، فأخذ سلطة الإمام في يده وتولّى تنفيذها بنفسه باصطفائه للمسيح الموعود، لتربية الأمة وحمايتها والعودة بها إلى معين الإسلام الصافي، وحتى تعود الأمة إلى سابق عهدها، كان لابد للناس أن يجدوا في دعوة من بعثه الله تعالى صعوبةً ومشقّة، لأن دعوة من يبعثه الله من عنده تكون محاطةً بسياجٍ من النار التي لا يمكن لغير المتقين والصادقين تحملها، ولا يمكن لغير المتقين إلا رفضها والابتعاد عنها، كونها تكلّفهم الكثير، فقبول دعوة المبعوث تسبب لهم الإحراج، وهجر الأقارب والأحباب، وقد يواجهون السبّ والشتم والحرمان، والرّشق بالحجارة، وبسبب هذه الظروف الصعبة لا يمكن أن يقترب من هذه النار من هم ذوو عزائم إيمانية مستعدة للاحتراق في سبيل الله، إنها نارٌ سرعان ما تنقلب إلى جنّةٍ روحانية، وهذا ابتلاءٌ عظيم وسُنّةٌ إبراهيمية متكرّرة، لأنَّ الله لا يترك أمثال هؤلاء يحترقون بتلك النار بعدما ظهر معدنهم في سبيل وجهه الكريم، بل يُنجيهم منها ويكرّمهم كما فعل في حقّ سائر أنبيائه. وهكذا تزكّي دعوة النبي الأمة، فتميز الخبيث من الطيّب.. إنَّ الأمة تحيى بهذا السبيل الذي هو سنّةٌ من سُنن الأنبياء ولا خيار لها إلا هذا الأمر الذي بدونه لن تقوم للمسلمين قائمة. إنَّ جماعتنا الأحمدية التي هي دعوة المسيح الموعود عليه السلام خير شاهد على ذلك، فهي تحوي ملايين المبايعين الذين انتظموا في هذا الرباط الإيماني الذي أسّسه سيدنا أحمد لإحياء الإسلام، ورغم كل المحن والمظالم والتضحيات الجسيمة كان وما زال المسلمون الأحمديون يتشبّثون بثباتٍ يندر أن تشهد له مثيلاً بين أمم الأرض وحتى مسلمي اليوم، إلا إذا استحضرت سيرة الخوالد ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.. وهذا إيذانٌ عظيم بظهور ساعة المصطفى ، وهو ما يسعى إليه كل مسلم أحمدي، وهذا ما يُطَمْئنُ باله على مستقبل الدين الحنيف الذي يرَ أنه لن يحيى بغير هذا السبيل الذي ارتضاه الله ورسوله وأنبأ به وكأنَّ لسان حاله يقول للمخالفين إنَّ للإسلام ربٌّ يحميه وإمام زمانٍ يُحْيِيه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك