عسى الله تعالى أن يمنحكم الفطنة والفهم !

في صبيحه يوم الخميس الثاني من آب عام 1990 اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت فكشفت تلك الحادثة الغطاء عن هشاشة النظام العربي وفتحت الباب لبداية تطبيق ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي تكشف فيه أنياب الدجال وأصبح يصول ويجول في العالم بلا هوادة ودونما رادع . وقد تسارعت بعد ذلك الأحداث وتصاعدت وها هو العالم العربي والإسلامي يعاني من آثار تلك الفاجعة وعواقبها وما تمحص عنها من دمار كبير ألم بلأمة العربية والإسلامية .

وفي اليوم التالي كانت خطبة الجمعة التي ألقاها إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا طاهر أحمد ( رحمه الله تعالى ) تناول فيه هذا الموضوع الخطير وأعلن من خلالها أن القتال بين طائفتين مسلمتين هو من الأمور التي تناولها القرآن  الكريم بالعلاج والحل ، وأن المسألة ليست مشكلة عربية أو اقليمية وإنما هي مشكلة إسلامية ينبغي أن يتبع في علاجها الوصفة القرآنية بأن يحلها المسلمون بأنفسهم بدل دعوة الغير للتدخل في أمورهم حتى تكون يد الله تعالى مع أيدي المسلمين وإلا تركهم عز و جل لأنفسهم ولن يجدوا عندئذ علاجا ناجعا ولا حلا صالحا ومضت الأيام فالأسابيع ثم الشهور وإمام الجماعة الإسلامية الأحمدية يرقب الأحداث بعين المؤمن المسلم المشفق على أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاتخذ من خطب الجمعة المتواترة مئذنة يرفع منها   صوت الاسلام .. صوت التقوى المجردة من الهوى وألاعيب السياسة والاتجار بالكلمات ولكن قادة العرب والمسلمين كانوا قد عقدوا العزم على صم الأذان وإغلاق العيون وجلس الشيطان على عجلة القيادة وسار بهم إلى النهاية المحتومة فوقعت كارثة الخليج.

لقد تمكن الدجال من سوق الأمم المتحدة وجند أجهزة الإعلام وحشد قواه وأنزل بالأمة الإسلامية أشد الضربات وذلك لسوء الحظ بسبب ما قام به بعض حكام المسلمين من إجراءات خاطئة حمقاء فأصاب الأعداء أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم بجروح عميقة لن تندمل فيما يظهر لأمد بعيد . لقد ضاعت في الكارثة أموال وثروات ومدخرات كانت كفيلة بإنعاش بلاد إسلامية تحتاج اللقحة وشربة الماء وأزهقت أرواح وسفكت دماء وانتهكت حرمات وضاعت كرامات وانقطعت أرزاق وشردت جماعات وغرست أحقاد وثارات وضاع الأمن والأمان من الملايين وانكشف غبار المعركة فإذا بالمتقاتلين المسلمين في خسارة .. وإذا الرابح في المعركة طرف آخر لم يشترك فيها ، وخرج بمعظم الأرباح ، نعم …. لقد نالت اسرائيل كل الغنائم وحققت أغراضها وضمنت أمنها وتوقدت مكانتها ، واستقرت قريرة العين هادئة البال .

لقد نبه حضرته أيده الله أمة الإسلام وكذلك سكان دول العالم الثالث عن دموية حلم النظام العالمي الجديد وقد أكدت الأحداث المتلاحقة على صحة كثير من هذه المخاوف وما تخفي صدورهم أكبر والعالم الآن بانتظار مزيد من الويلات التي تلوح في الأفق.

هذه السلسلة من الخطب قدمت للقارئ العربي في صورة كتاب ” كارثة الخليج  والنظام العالمي الجديد ” بعد تعديلات مناسبة وإضافات ضرورية من صاحبها . وها نحن نقدم مختارات من هذا الكتاب اجتهدنا في اقتطافها وفقا لما رأيناه مناسبا للوقت أو المرحلة ، أو لما أردنا أن نذكر به القارئ المؤمن النجيب فإن الذكرى تنفع المؤمنين . آملين من الله تعالى التوفيق .

وإليكم فيما يلي المقتبس :

لا تتحاكموا إلى القوى الغربية

وثمة موقف مماثل مؤلم أمامنا اليوم بعد أن توقفت الحرب بين إيران والعرب ، فها هم العرب قد انقسموا على أنفسهم وهاجمت دولة عربية مسلمة دولة عربية مسلمة أخرى وهناك جامعة الدول العربية التي تأسست لتنظر في مثل هذه القضايا ز سمعت تصريح أحد ممثليها في برنامج تلفزيوني واندهشت من أنه على الرغم من طول التجربة المؤلمة التي عانوها إلا أنهم لم يستعملوا عقلهم بعد ، وبدلا من تطبيق المبدأ القرآني فإنهم يعرضون من عند أنفسهم بعض المقترحات للتوفيق والصلح ومما هو أشد ظلما أن بعض البلاد التي لا علاقة لها بالإسلام قد اتحدت وأخذت أهبتها في النزاع بل إن بعض البلاد الإسلامية تدعوها للتدخل .

لقد شاهدت في التلفزيون مقابلة مع خبير غربي أعلن فيها أنه بسبب الحرب الجارية بين العراق والكويت نشأت دائرتان مركزيتان إحداهما صغيرة وهي دائرة العالم الإسلامي والأخرى كبيرة وهي دائرة العالم بأجمعه . قال : نحن ننتظر ونأمل أن تتنبه الدائرة الإسلامية إلى مركز النزاع وتنجح في وساطتها لحله ، ولكننا لا نرى آثار ذلك وإنما هناك احتمال بضرورة تدخل الدائرة الكبرى في النزاع .

وفي هذه الخطبة الوجيزة أود أن ألفت انتباه العالم الإسلامي إلى ضرورة العودة إلى تعاليم الإسلام التي يمكن أن تحل لهم مشاكلهم . إنه لمن أشد العار والضرر أن يتدخل العالم كله في شؤون بلاد المسلمين ويلعبوا بهم وكأنهم أحجار الشطرنج ، ويستخدمون بعضهم ضد بعض كما كانوا يفعلون في الماضي . الواقع الحاضر هو أن المسلمين يستخدمون ثروتهم ضد اخوانهم . إن البترول الذي منحهم الله كبركة لعالم الإسلام ، البترول الذي أتى برسالة التقدم العظيم للأغيار وبفضله تجري عجلات صناعتهم .. فكل مصادر الطاقة التي تتواجد منابعها في بلاد المسلمين تخلق لهم وسائل الراحة ..ز هذا البترول تستخدمه البلاد الإسلامية ليحرق بعضهم بيوت بعض ويحولوها إلى رماد هذا هو الواقع الذي لا تجد له تفسيرا آخر .

لا يزال هناك بعض الوقت إذ اتبع عالم الإسلام سبل التقوى وعزموا على السير بحسب تعاليم القرآن فإن ذلك سوف يسد الطرق أمام أية قوة غير إسلامية فلن تسعى للتدخل في شؤون بلاد الإسلام . إن العمل العربي ذلك النزاع الذي انفجر بطريقة منذرة بالخطر الشديد . ذلك أنه لو استبعد العالم الإسلامي عن هذه المشكلة وجعلها العرب مسألة محلية لا علاقة لها بالإسلام .. فإن يد المعونة الإلهية سوف ترفع عنهم . ليس في القرأن ذكر لأمة معينة ، إنما الهدي الذي يسوقه القرآن يذكر المسلمين على أنهم جماعة وأنهم جميعا إخوة .

فالمشكلة ليست عربية بأي حال من الأحوال … إنها مشكلة العالم الإسلامي .. إنها تتعلق بإندونيسيا تماما كما تتعلق بباكستان أو الجزائر أو ماليزيا أو غيرها من بلاد المسلمين ينبغي أن يتشكل مجلس من كل هذه البلاد ليضع التدابير الضرورية لإجبار الأطراف المتنازعة على التصالح وإذا لم يبد طرف الاستعداد للتصالح فينبغي إذا أن تستخدم كل الدول الإسلامية قواتها مجتمعة ضد القوة العاصية وعليهم أن يطالبوا كل القوى غير الاسلامية بأن يرفعوا أيديهم عن المسألة وألا يتدخلوا في شؤونهم ويقولوا لهم إننا باتباع تعاليم القرآن قادرون بأنفسنا على حل مشاكلنا وحسم نزاعاتنا ولكننا للأسف لا نرى آثار اتباع هذه التعاليم أو العمل بمقتضاها .

      ضلوا سبيل التقوى

إن واقعة الحرب بين العراق والكويت أو نقول الهجوم العراقي على الكويت تحمل في طياتها كثيرا من المخادعة ونقص العهود إنها ليست خلافا بين العرب وحدهم ولكن دولا بترولية إسلامية أخرى متورطة في هذا الأمر فمثلا إندونيسيا كانت تشكو بشدة من الاخوة العرب المسلمين الذين يؤلفون منظمة “أوبك ” أنهم أنفسهم ينقضون الاتفاقات في الخفاء ومن ثم فإن كل نفع يمكن التوصل إليه عن طريق القرارات الجماعية ينقلب إلى خسارة .

تلجأ كل دولة إلى وسيلتها الخاصة وتحاول بيع بترولها سرا لتجمع أكبر قدر من المال وهكذا نجد نقصا في التقوى خلف هذه الأعمال فهي ليست حرب بين العراق والكويت !! ولكنه ضعف التقوى فيما بينهم من تعاملات.

يجب على أية منظمة مسلمة دولية تقوم لعلاج المصاعب المترتبة علة هذه الحرب بين الدولتين أو هجوم دولة على أخرى أن تصل إلى أعماق النزاع وأن تمحص الأسباب التي نشأت عنها تلك المواقف الخطيرة من حين لآخر وأن يضموا إلى هذه المنظمة إيران على قدم المساواة فلا تبقى بلد مسلمة خارج هذا الأمر إذا أمكنهم فعل ذلك ، فكما يقول القرآن الكريم : ( والله يحب المقسطين ) فإن محبة الله سوف تظاهرهم وينالون العون الإلهي ويفلحون في جهودهم ولا ريب وقول الله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) يعني ضرورة إقامة أواصر المحبة بين الإخوة فهم إخوتكم وإخوة بعضهم البعض فاتبعوا سبل التقوى لأن رحمة الله من نصيب أهل التقوى ومن ثم فكل أمر يتعلق بالإسلام أو القرآن لا حل له بدون التقوى .

لقد أوجز سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام تحليل جميع المصاعب التي تواجه المسلمين في كلمات قلائل ولكنها تحتوي على تحليل يحيط بكل المواقف .. قال حضرته : ” لقد ضلوا عن سبيل التقوى ” فاسم الإسلام باق ولكن لم تعد هناك تقوى لقد ضاعت منهم وإذا ضاع طريق التقوى فلا يبقى شيء سوى التجوال في متهات الأدغال وكثبان الصحراء ولكوني إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية أقدم نصيحة ملحة متواضعة إلى جميع إخواننا المسلمين بغض النظر عن أنهم يعتبروننا إخوة لهم أم لا : إن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تتعرض لأشد الأخطار وإن كل القوى المناهضة للإسلام تتلمس الذرائع لتتدخل حتى في أموركم البسيطة .

ولقد مضى عليكم دهر طويل وهم يتلاعبون بكم كقطع الشطرنج لا حول لكم ولا قوة ويضر بعضكم البعض أضرارا بالغة فعليكم من الآن أن تتمسكوا بالتقوى أشد التمسك .

إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينظر إليها في العالم اليوم بعين العار ويتخذون منها أضحوكة .

تنظر كل القوى العظمى في عالمنا إلى العالم الإسلامي بالازدراء الشديد وتشعر أن دول المسلمين في قبضتهم كالفأر في براثن القط بوسعها أن تلعب به كما تشاء ووقتما تشاء ، وتمسك به قبل أن يدخل الجحر هذا هو الحال المخجل الذي يمثل أشد العار ويلطخ وجه العالم الاسلامي باستمرار ويتضرر شرف الإسلام ومكانته فاتقوا الله تعالى وارجعوا إلى تعاليم الإسلام وليس لكم من ملجأ سواه.

ثمرة الرفض

وإني لأشعر أن هذه المرحلة من المحن والانحطاط وما يرافها من بؤس وشقاء ليست سوى ثمرة رفضهم للإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام لا شك في هذا أبدا ورسالتي الأخيرة لكم بهذا الصدد أن عليكم الإذعان لإمام الوقت عليكم بقبول كل من يقيمه الله لكم فهو الذي لديه المقدرة على قيادتكم ومن دونه تكونون كجسد بلا رأس جسد يبدو في الظاهر حيا ولكن الأطراف تضطرب من الألم والوجع بينما الرأس الذي جعله الله لهداية الجسد وقيادته مفقود .

فعليكم بالعودة وتوطيد علاقتكم بالقيادة الربانية لأنه لا سبيل لكم إلى السلام والرخاء بعد رفض القيادة التي أقامها الله تعالى .

لقد طال زمن المحن أما الآن فيجب أن تتوبوا إلى الله عز وجل وتسعوا إلى غفرانه تعالى. دعوني أؤكد لكم أنه مهما كانت الأمور قد أوغلت في السوء لو أنكم استسلمتم اليوم للقيادة التي أقامها الله تعالى فإنكم ستنهضون قوة عظمى في هذه الدنيا بل وسوف تنشط الحركة العظمى لسيادة الإسلام بحيث لن تستطيع قوة أخرى أن تحاربها وأن ما يتطلب قرونا مديدة سوف يصبح مسألة عقود معدودة بل سنوات قلائل وسواء لحقتم بنا أم لا فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية سوف تخاطر بالجسم والروح والمال كما هو دأبها من تقديم التضحيات في الماضي والحاضر ولن تتوقف عن تقديم التضحيات في الغد كذلك . ولسوف يكتب شرف النصر النهائي من قدر الجماعة الإسلامية الأحمدية وحدها فهلموا وكونوا من أهل هذا الحظ التاريخي الطيب المبارك عسى الله تعالى أن يوفقكم إلى فعل ذلك وعسى الله تعالى أن يوفقنا من خدمتكم .

لقد وهبتم أفضل الخدام الذين هم باسم الله تعالى وفي سبيله وفي حب المصطفى صلى الله عليه وسلم مستعدون ومتشوقون في كل وقت عصيب أن يقدموا التضحيات من أجلكم ولكنكم لا تنتفعون بهم وتحرمون أنفسكم من خدماتهم . وإن هذا لمن أشد سوء حظ العالم الإسلامي في الزمن الحاضر . عسى الله تعالى أن يمنحكم الفطنة والفهم ! أما عن الجماعة الإسلامية الأحمدية فإن نصيحتي لكم : أنه سواء انتفعوا بكم أم لا وسواء عدوكم إخوة ام لا … عليكم من خلال الدعاء أن تدأبوا على مساعدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وألا تنسوا أبدا تعاليم المسيح والإمام المهدي عليه السلام ما تعريبه  : ” يا قلب تذكر دائما أن هؤلاء المعارضين من المسلمين … ينتسبون إلى النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم ويدعون بحبه فمن أجل ذلك الحبيب كن دائما بهم مترفقا ” .

عسى الله تعالى أن يوفقنا إلى فعل ذلك . آمين 3 أغسطس 1990

Share via
تابعونا على الفايس بوك