صححوا قبلتكم!

في صبيحة يوم الخميس، الثاني من آب عام 1990 اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت. فكشفت تلك الحادثة الغطاء عن هشاشة النظام العربي، وفتحت الباب لبداية تطبيق ما سمي بالنظام العالمي الجديد، الذي تكشفت فيه أنياب الدجال وأصبح يصول ويجول في العالم بلا هوادة و دونما رادع.

وقد تسارعت بعد ذلك الأحداث وتصاعدت، وها هو العالم العربي والإسلامي يعاني من آثار تلك الفاجعة وعواقبها وما تمخض عنها من دمار كبير ألمَّ بالأمة العربية والإسلامية.

وفي اليوم التالي كانت خطبة الجمعة التي ألقاها إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى)، تناول فيها هذا الموضوع الخطير وأعلن من خلالها أن القتال بين طائفتين مسلمتين هو من الأمور التي تناولها القرآن الكريم بالعلاج والحل، وأن المسألة ليست مشكلة عربية أو إقليمية، وإنما هي مشكلة إسلامية، ينبغي أن يُتَّبع في علاجها الوصفة القرآنية بأن يحلهـا المسلمون بأنفسهم بدلَ دعوة الغير للتدخل في أمورهم، حتى تكون يد الله تعالى على المسلمين، وإلا تركهم لأنفسهم ولن يجدوا عندئذ علاجًا ناجعًا ولا حلاً صالحًا.

وبالرغم من أن صلاح الدين كان أضعفَ منهم نسبيًّا في القوة العسكرية، ولم يكن يتميز عنهم بقدرة قتالية خارقة.. إلا أنه فاز بنصر الله تعالى مرة إثر مرة.

لقد نبَّه حضرته، أيده الله، أمةَ الإسلام وكذلك سكان دول العالم الثالث عن دموية حلم النظام العالمي الجديد. وقد أكّدت الأحداث المتلاحقة على صحة كثير من هذه المخاوف، وما تخفي صدورهم أكبر والعالم الآن بانتظار مزيد من الويلات التي تلوح في الأفق.

هذه السلسلة من الخطب قُدِّمت للقارئ العربي في صورة كتاب “كارثة الخليج والنظام العالمي الجديد” بعد تعديلات مناسبة وإضافات ضرورية من صاحبها. وها نحن نقدم مختارات من هذا الكتاب اجتهدنا في اقتطافها وفقا لما رأيناه مناسبا للوقت أو المرحلة، أو لما أردنا أن نذكر به القارئ المؤمن النجيب. فإن الذكرى تنفع المؤمنين. آملين من الله تعالى التوفيق.  وإليكم فيما يلي مقتبسًا من هذا الكتاب:

لقد أتى على الأمم الإسلامية زمن انقسمت فيه إلى فريقين: فريق قِبلته نحو الشرق، وفريق ثانٍ يتوجه نحو الغرب؛ ولم يتخذ أحد منهم بيت الله الحرام قبلة لـه. وبحثًا عن حل لمشكلاتهم كانوا إما يتطلعون نحو قوى الشرق أو نحو قوى الغرب. وعلى إثر التغيرات السياسية التي جرت في الاتحاد السوفيتي، وما تم بين أمريكا وروسيا من سلام، تهدمت إحدى القبلتين.. ولم يبق لهم سوى قبلة واحدة. ولكن القبلة الحقيقية التي لا تنهدم أبدًا.. القبلة التي جُعلت سبيل الخلاص للمسلمين في كل الدهور.. لا يولّون وجوههم نحوها. فأهم حاجات المسلمين في الوقت الحاضر أن يصححوا اتجاه قبلتهم.

إن الموقف الرهيب الذي يقف فيه عالم الإسلام والذي يُنـزل عليهم بؤسًا وشقاء، يتولد عنه أنواع شتى من ردود الفعل.. سأتناولها بإيجاز أمام الجماعة، ثم أذكِّرهم إن شاء الله تعالى بما ينبغي أن تكون عليه استجابتهم على ضوء تعاليم الإسلام.

هناك قطاع كبير من البلاد الإسلامية بقيادة السعودية، يعتمدون كلية على القوى الغربية، ولا يجدون غضاضة في ذلك ولا يستشعرون خزيًا، ولا يحسّون اهتمامًا أو يبدون اكتراثًا تجاه التمزق المستمر في عالم الإسلام، وتجاه فُرقتهم التي تزداد عمقًا يومًا بعد يوم. والجماعة الإسلامية الأحمدية.. لم تؤيد أبدًا العراق فيما فعل.. وكما سمعتم في خطبي السابقة.. لم نوافق على احتلال الكويت. وموقف الجماعة الإسلامية الأحمدية ثابت لم يتبدل، لأن تعاليم الإسلام توجب على المسلم أن يعين أخاه المعتدي بكف يده عن العدوان. ولقد حاولنا مرة بعد أخرى مساعدة العراق من هذه الوجهة، وبعثنا إليه بالرسائل، وبكل طريق بيّنتُ الأمور في خطبي، وشرحت له أنك تدخل ساحة الظلم من ناحيتين.. ولو أردتَ معونة الله تعالى.. لزمك أن تسحب يدك مبتعدًا عن العدوان. إن أول ما يجب عليك هو سحب جيشك من الكويت، ثم عرض نـزاعك مع الكويت للحل في ساحة الأخوة الإسلامية.. وليس أمام الأخوة العالمية؛ ويجب أن يتم الحل في إطار السلام والوفاق. هذه هي تعاليم القرآن الكريم، وعلى ضوئها قدّمنا النصح لبغداد.

الأمر الثاني الذي عرضناه عليه أن مواطني البلاد الأخرى الذين يعملون في بلدك، ورجال السلك الدبلوماسي هم وديعة الله عندك، فلا تضيِّع وديعة الله. وبفضل من الله، وصلته رسالتي أم لم تصله، اتخذ العراق ًقرارًا حكيمًا قائمًا على العدل، وصحّح موقفه، وسلك مسلكًا منصفًا بأن استغنى عن «الدرع البشري»، وأعلن إطلاق سراح كل الأجانب المقيمين في العراق.. ليعودوا إلى بلادهم وقتما يشاءون. حتى إنه سمح اليوم للصحفيين بتسهيلات لا يحصلون عليها في بلاد الغرب في مثل ظروف الحرب، ودعاهم ليتفقدوا الموقف، ويبعثوا بالأخبار إلى الخارج. فها هو قد أوقف العدوان من ناحية واحدة.

أما من ناحية احتلاله الكويتَ، فالله تعالى هو وحده الأعلم بما هناك من حكمة أو ضرورة أو إكراه جعله يرفض الانسحاب، ودفعه إلى الإصرار……

صلاح الدين الأيوبي!

وفي اجتماعنا السنوي الماضي (يوليو 1990) سألت المسلمين أن يَدْعوا الله تعالى كي يهبنا «صلاح الدين». ومنذ وقت قريب شاهدت أحداث العراق في أخبار التلفزيون، ثم حوّلتُ القناة فوجدت برنامجًا يعرض مظاهرة لبعض المشايخ، يهتفون للرئيس صدام حسين على أنه صلاح الدين. ولكن الحق أن صلاح الدين لم ولا يتولد نتيجة للعواطف الثائرة والمحبة العمياء. لم أقصد بقولي هذا عن صلاح الدين أن يقيم المسلمون لأنفسهم وثنًا يطلقون عليه اسم صلاح الدين. إن الإنسان بحاجة إلى كثير من القدرات ليكون صلاح الدين، ثم مع هذه القدرات لا بد من صبر طويل.

كان على السلطان صلاح الدين أوّلاً أن يوحّد عالم الإسلام، ولذلك كرس شطرًا كبيرًا من حياته للعمل على توحيد الحكومات العربية المتشتتة وإقامة حكومة مركزية. وبعد أن اطمأن وارتضى بالأحوال الداخلية تحدى العالمَ الغربي دفاعًا عن فلسطين. ويعلم العالم أنه كما تحالفت قوى الغرب اليوم ضد بغداد.. كذلك فعلوا وقتئذ بشغف وحماس شديدين، وبروح الحرب الدينية التي ولَّدت فيهم نوعًا من الجنون، وحاولوا مرات عديدة بقوة وحماس وسُعرٍ تحطيمَ قوة صلاح الدين. وبالرغم من أن صلاح الدين كان أضعفَ منهم نسبيًّا في القوة العسكرية، ولم يكن يتميز عنهم بقدرة قتالية خارقة.. إلا أنه فاز بنصر الله تعالى مرة إثر مرة.

لأن المصطفى بُعث لإمامة الدنيا كلها، وأقامه الله ليمد العالمَ بصادق النصح وسليم التوجيه، ولم يحصل الذكاء الإنساني من قبل على مثل هذا الكمال المحمدي أبدًا. كان قلبه ًكاملاً، وكان فكره كاملاً، لم يتدخل الهوى قطّ في فكره بما يخالف الشرع !

النقطة السوداء

كان صلاح الدين حائزًا على عدة خصال طيبة. كان تقيًّا راضيًا مستسلمًا لإرادة الله تعالى. كان ًرجلاً لم يتمكن حتى أشد أعدائه الأوروبيين أن يلقوا عليه لومًا بسبب ظلم أو سوء سلوك. يقول الباحثون الذين دقّقوا في تاريخ صلاح الدين أنهم لم يجدوا شيئًا واحدًا يأخذونه عليه كإساءة إلى الإنسانية أو تجاهلٍ لحقوق الإنسان، أو ممارسة شيء من الظلم أو القسوة أو اتباعِ مسلك قبيح. ثم قالوا نعم، إنهم وجدوا حادثة واحدة، ولكن كتب عنها نفس المؤلف الأوروبي أنها من اختلاق الغرب ولا صحة فيها. قالوا إن أميرًا أوروبيًّا قصد مدينة الرسول ليهدمها ويزيل الضريح النبوي منها. وعندما بلغ مشارفها تمكَّن صلاح الدين من إلحاق الهزيمة به وتقويض خطته الخبيثة. عندما أُخذ الأمير أسيرًا وأُوقف بين يدي صلاح الدين، أراد الأمير العطشانُ أن يمد يده ليتناول كأسًا من شراب، ولكن صلاح الدين عاجلَه بضربة من طرف سيفه حطّم بها الكأس وحرمه الشرابَ. لقد انتصر صلاح الدين على جيش هذا الأمير، الذي كان أكثر منه عددًا وعدّةً، بمناورات ذكية وكمائن ماهرة في الصحراء.. أرغمتِ العدوَّ على كثرة التحرك في اتجاهات ترهقه وتبعده عن مصادر الماء. ولما مثل الأمير أمامه كان شديد العطش، وحرمه صلاح الدين من الشراب.

هذه هي النقطة السوداء التي يزعمون أنهم وجدوها بعد تنقيب دقيق في حياة صلاح الدين وأخلاقه، وغير ذلك لم يجدوا شيئًا يعيبه. يقول المؤلف، وقد قرأتُ كتابه منذ زمن طويل ونسيتُ اسمه: إن الذي يحسب هذا التصرف خطأ من جانب صلاح الدين لا يفهم المزاج العربي، ولا يفهم الأخلاقيات العالية في التقاليد العربية. فمن هذه التقاليد الأخلاقية السامية أنهم لا يوقعون العقوبة على من يشرب ماء أو يتناول طعامًا من بيتهم مهما كانت فظاعة جرمه. ولكن جريمة هذا الأمير كانت انتهاكَ حرمة مسجد وضريح المصطفى ، وهي من القبح والشناعة بحيث لا يمكن أن يغفرها له رجل محب للرسول مثل صلاح الدين مهما كان الثمن. فرأى صلاح الدين أن من سوء السلوك السماحَ للأمير بتناول شراب من فوق مائدته، ثم ينفذ فيه العقوبة، ولكن ليس من سوء السلوك أبدًا أن يتركه ظامئًا للحظات قصيرة قبل موته.

كان صلاح الدين ًرجلاً عظيمًا ذا إدراك عميق لأخلاقيات الإسلام.. حتى أطلق عليه بعض المؤرخين الغربيين اسم عمر بن عبد العزيز الثاني، وقالوا: لقد انعكست أخلاقيات وروحانيات عمر بن عبد العزيز تارة أخرى في العالم العربي في شخص صلاح الدين.

وإذن لم يُصنع صلاح الدين من ثوران العواطف فحسب، ولكن اسم صلاح الدين نفسه يتطلب صفات طيبة عديدة. ربما استثار البرنامج عواطف بعض الأحمديين، وقالوا في أنفسهم: لقد دَعَونا الله تعالى ليقوم في المسلمين صلاح الدين.. وها قد استُجيب الدعاء وظهر صلاح الدين على الفور! هذه أمور صبيانية، وينبغي أن يكون تفكيركم ناضجًا، لأنكم خُلقتم لقيادة الدنيا كلها، وها أنا ذا أذكّركم بمقامكم. لم تُخلقوا لقيادة أمة بعينها أو دين بذاته، وإنما اكتسبتم المقدرة على القيادة من كونكم خدام مولانا وحبيبنا محمد المصطفى ، وأوتيتم إمكانيات إمامة العالم كله، لأن المصطفى بُعث لإمامة الدنيا كلها، وأقامه الله ليمد العالمَ بصادق النصح وسليم التوجيه، ولم يحصل الذكاء الإنساني من قبل على مثل هذا الكمال المحمدي أبدًا. كان قلبه ًكاملاً، وكان فكره كاملاً، لم يتدخل الهوى قطّ في فكره بما يخالف الشرع !

ليست مباراة كريكت؟

والموقف المؤلم الرهيب الذي يواجه العالم اليوم.. ينظر إليه البعض كمباراة في الكريكت يجلس الصغار والكبار حول التلفاز طوال اليوم يشاهدونها ويستمتعون بها. إنها ليست لعبة الكريكت.. بل هي أشد الحروب فظاعةً وإيلامًا. لا بد وأنكم سمعتم عن القصف السجادي (Carpet Bombing)، الذي يعني الهدم والتدمير الشامل لمنطقة كلها. في هذا القصف تلتقي حافات الحفر الناجمة عن القنابل وتتلامس.. وهذا هو نوع القصف المتبع ضد العراق. قالوا إن ما أُلقِيَ على العراق في ليلة القصف الأولى من أشد القنابل فتكًا يفوق ما أُلقيَ على هيروشيما. ومنذ ذلك الوقت وهذا القصف مستمر بعنف على العراق.

في مثل هذا الموقف.. تمتلئ القلوب المسلمة بالآلام.. أعني قلوب أمة الإسلام التي تحب الإسلام، وتحب الإنسانية، وتحب السلام لبني الإنسان، وتود ازدهار القيم الإنسانية.. والتي لا يمكن أن تستشعر السعادة لفوز التعصب من جانب إحدى الأمم. هذا هو عالم الإسلام الذي نتحدث عنه، وهو الذي يقاسي أشد الألم بما يعتصر قلوبهم ليل نهار. ولا يعني ذلك أبدًا أنهم يؤيدون ًقرارًات الرئيس صدام حسين. أبدًا، ليس هذا هو المعنى.

عندما ضرب الرئيس صدام إسرائيل بصواريخ سكود، نجم عن ذلك ضرر ضئيل لا يزيد عن حادثة حافلةٍ عاديةٍ، وتُسفر الهزة الأرضية عن أضرار تفوق ذلك آلافًا ومئات الآلاف من المرات. والإرهابيون الذين يفِدون إلى هنا من إيرلندا يفجّرون قنابلهم فيحدثون خسائر أكثر منها بكثير. ولكن هجمة صدام على إسرائيل أزعجت العالم كله! أو هكذا ادعى رئيس الوزارة البريطانية. قال: لقد انـزعجنا! لقد أصابه الذهول، وتألم بصورة غريبة فلا يجد كلمات للتعبير عن ألمه! هكذا تعبر قوى العالم عن تعاطفها مع إسرائيل. وفي مثل هذه المواقف تصدر القرارات لاتخاذ خطوات تزيد في معاناة العراقيين. ولما كان العراقيون أغلبهم لا يشاركون وغير مسئولين عن قرار الحرب، لذلك ينبغي على كل إنسان نبيل في هذا العالم أن يحس بالألم.. مسلمًا كان أو غير مسلم. أولئك العُزّل المساكين بلا حول ولا قوة.. يعانون من الجوع.. ويُمْطَرون القنابلَ بقسوة وعدوانية شديدتين، ومع ذلك لا يقول أحد بأنه «انـزعج» لما يحيق بهم، أو يقول: ما أشدَّ الضررَ الذي ينـزل بهم! ولكنهم انـزعجوا للحادثة مع إسرائيل. ولعل انـزعاجهم كان خشية على العراق من انتقام إسرائيل التي تنـزل بهم عقابًا فظيعًا مضاعَفًا لما وقع بهم! لعل هذه هي الحكمة وراء قولهم «انـزعجنا»! ولكن هناك أخطارًا أخرى.. تلك هي أخطار الأنانية. يخشون من انتقام إسرائيل حتى لا يترتب عليه انقسامات في العالم الإسلامي.. وهم أصلاً منقسمون. فإذا ازداد انقسامهم وساندت العراقَ بعض بلاد الإسلام كان في ذلك مزيد من الصعوبات أمام الغرب!

رحماء للكفار أشدّاءُ بينهم!

على أي حال، لقد زادت المشاكل نتيجة أفعالهم التي لا يمكن أن يرضى بها أحد في العالم ممن يتعاطفون حقًّا مع الإنسانية والإسلام. لا يجدر بأحد أن يرضى عن معاقبة العراق هذا العقابَ المريع.. لأن الرئيس صدام أصدر قرارًا خاطئًا لا يرضى به الشخص العادي، ناهيك عن المسلم. ولكن يندهش ويذهل المرء حين يشاهد هؤلاء الأمراءَ وغيرهم من الكويتيين والسعوديين الأثرياء وهم يشاهدون هذه المناظر على الشاشة جالسين عاطلين مبتهجين ضاحكين لدى سماع أخبار الدمار الواقع بالعراقيين. عندما ترى هذه المشاهد لا تستطيع وصف ما يعتري القلب من ألم، وتنظر بذهول وتقول: مَن هؤلاء الناس الذين لا يزالون يعلنون على دقات الطبول أنهم أهل التقوى، وأنهم جند الإسلام من الطراز الأول، وأنهم حَمَلَةُ مفاتيح بيت الله، وأنهم القائمون على حماية المقدسات الإسلامية، وأنهم أهل القيادة العظمى للإسلام!؟ إنهم لا ينفكون عن قول هذه الدعاوي العريضة.. ولكن انظروا حالهم وقيمَهم الأخلاقية التي تتجلى أثناء نـزول أشد الفظائع بالبلد المجاور لهم. عندما يُرفع الستار عن آثار هذه الحرب فيما بعد.. سوف يبكي التاريخ طويلاً على مظالمهم. لقد صارت فظائع هولاكو خان من أحاديث الماضي، بل إن الدمار الذي وقع في الحرب العالمية الماضية جعل أعمال هولاكو خان تبدو كالأحلام. وهم اليوم يعترفون بألسنتهم يقولون: دَعْكم مِن حديث الحرب العالمية وحرب فيتنام، فالقصف الجاري اليوم في العراق لا مثيل له في أي عمل عسكري في العالم. وإذن فالضحك لمرأى هذه الفظائع، والابتهاجُ بهذه الطريقة لا يليق بأي إنسان شريف. هذا السلوك المتدني وهذه الأخلاق الذميمة رأيتُها لأول مرة، واندهشتٌ من هؤلاء القوم الذين أتيح لهم هذا الثراء العريض. أهذا هو أدبهم، وهذا هو ذكاؤهم وفهمهم؟

لم يفكر أحد منهم أن تعالوا نسأل الله المغفرة. لم يفكروا في التوبة وتقديم أنفسهم بين يدي المحكمة الإلهية، والسجود أمام العتبة الربانية.. والابتهال إليه جل وعلا: يا الله.. ما هذا الشقاء الذي سقطنا فيه حتى صرنا هكذا بلا حول ولا قوة – هذا إذا كانوا حقًّا يحسون ذلك. يا ربنا، ما هذا الذي أوقعنا في التعاسة حتى ألجأنا إلى قتل إخواننا وتدميرهم! كان عليهم تقديم الصدقات وإبداء مشاعر التعاطف مع البشر. ينبغي أن يستخدموا ثرواتهم على نحو لائق سليم.. تلك الثروات التي وُضعت وديعةً في أيديهم، ولكنهم بدلاً من ذلك يجلسون إلى التلفزيون وينتظرون الوقت الذي تزول فيه قوة العراق من على سطح الأرض.. وبعدها يعودون إلى بلدهم الكويت مزهوين، وتأتي قوى الغرب لتُعيد لهم بناء بلدهم الصغير، ويكون العراق قد أُبيد من وجه الأرض!

 من المستفيد؟

والسؤال الآن: من هو المستفيد حقًّا من كل هذه العملية.. ومن هذا الموقف العالمي الرهيب؟ قيل لنائب وزير الدفاع الإسرائيلي هذا الصباح: لقد سقطت صواريخ سكود على بلدكم، ولم تحدث أذى كثيرًا. ولقد امتنعتم عن اتخاذ رد فعل، ولولا ذلك لتضرر تحالفنا مع العالم الإسلامي ضررًا بليغًا. فرد الوزير على المتحدث: ما هذا الهراء الذي تقول؟ ما أسخفَ السؤالَ الذي لا أرى فيه أثرًا من الذكاء! هل ترى أي فضل للسعودية في تأييدها لأمريكا وبريطانيا والدول الأوروبية؟ هل تحسب أن للكويت أو مصر معروفًا في تحالفهم معكم؟ إنهم جميعًا مدينون لكم بالفضل. وهم لا يبالون مثقال ذرة لو دمّرت إسرائيل العراقَ، أو دمَّرها أي بلد آخر. هذه البلاد عبيدكم الآن، ويشعرون بالامتنان لكم، ويعتمدون عليكم تمامًا. إنهم لا يملكون القدرة على الغضب منكم!!

جواب ينطوي على حقيقة عميقة، ولا نكران لذلك. فهذا هو الموقف الحالي. بيد أني أختلف معه بشدة في أمر واحد. يقول: إنكم أسديتم إليهم معروفًا. وهذا كذب محض. إن مشاركة دول الغرب في هذه الحرب ليس صنيعًا بأي حال.. ليس صنيعًا للإسلام، ولا للدول الإسلامية التي يحاربون باسمها. ولكن مشاركتهم هذه، كدأبهم، هي أشأمُ محاولةٍ لاجتلاب المكاسب من كافة الأطراف. وهذا ما كانوا يفعلونه دائمًا في التاريخ الحديث. كانوا دائمًا يسعون لذلك. وحيثما اضطرب السلام العالمي، وكلما تأزمت الأمور حصلت الدول المتطورة دائمًا على النصيب الأكبر من المنافع.

لو حللنا الموقف أكثرَ على ضوء هذا البيان الوجيز، لتيسَّرَ لكم فهمُ ما أقوله عمَّن هو المستفيد. هذه الأسلحة الكثيرة، وهي من أحدث الأنواع، ترسَل إلى أرض المعركة.. وتكلف البلايين لا تستطيعون تصورها. يكفي أن تتخيلوا جبالاً من الأموال. لقد سمعتم عن شيء واحدٍ اتفقوا عليه.. سوف تدفع السعودية نصف هذه الأموال، ولكنهم لم يذكروا مقدار هذا النصف بالتحديد، ولم يشيروا كيف يسدَّد النصف الثاني، وكيف يوزَّع على بلاد المسلمين الأخرى، وفي حساب من يضعونه. ولكن بإمكاني القول بيقين أن الكويت والبحرين وقطر ودولة الإمارات سوف تدفع القدر الأكبر منه. هذه هي الصورة الواضحة التي تبرز أمام العيون. إن قوى الغرب هي التي تستفيد وحدها من الحرب، حتى تلك التي لا تشترك في القتال الفعلي.. وأعني بها إسرائيل. في مقابلة تمّتْ اليوم مع مفكر أو سياسي غربي.. اعترف الرجل صراحة: كنا من قبل نقول بضرورة تدمير العراق، والآن تعرفون لماذا كنا نقول ذلك. صواريخ سكود هذه التي لم تسدَّد بإحكام.. لو أنها بقيت سليمة ولم تبدأ الحرب.. فإنها كانت سوف تسدَّد إلى إسرائيل في حرب أشدَّ رعبًا. ومن ذلك يتبين أنه فيما يتعلق بالهدف فمنافع هذه الحرب الكريهة تؤول إلى إسرائيل.

أما المنافع الاقتصادية فإنها تذهب كاملة إلى الدول الغربية. والسبب في ذلك أن كافة الأسلحة التي تُستخدم في هذه الحرب تمثّل معظمَ قائمة النفقات المدفوعة؛ لأنه منذ مسالمة الاتحاد السوفيتي مع الغرب فقدت تلك الأسلحةُ قيمتَها وصارت بلا طائل. أما عن تكاليف النقل فهي على حساب البترول المجاني. ولو أنهم أعدّوا القائمة بنصف التكاليف لكان لهم هامش ربح مضمون بنسبة مئوية كبيرة. فالربح الاقتصادي من هذه الحرب تفوز به القوى الغربية.. إذ يستخدمون أسلحة بطل استعمالها، أو سلاحًا جديدًا يدفع ثمنه طرف آخر. فدول الغرب التي تشارك في هذه الحرب يخسرون عددًا قليلاً من الأنفس، ويجنون الربح كاملاً في النهاية.

إن عالم الإسلام هو الذي يقاسي أضرارا بالغة بسبب هذه الحرب؛ ولو تم تدمير العراق.. فستكون خسارة يبكي لها المسلمون عشرات السنين.وعلاوةً عن هذا الضرر فلسوف تكون الصورة بعد الحرب أشد ضررًا وخطرًا. ومن هذه الأخطار ما قد نواجهه في الحال. فلو أن الرئيس صدام قام بعمل آخر غير معقول.. لكي يحاول توريط إسرائيل وكسر التحالف بين الدول الإسلامية والدول الغربية، عندئذ تقوم إسرائيل بأعنف أعمالها الوحشية، ولن تعمل قوى الغرب على كف يدها ولن تبدي أي اكتراث لما يقع. وعندما يحدث ذلك.. فلسوف يتألم هؤلاء المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة الذين في قلوبهم حب عميق للإسلام، ونبيِّ الإسلام، ورب الإسلام.. الذين يحبّون العدل والسلام العالمي. وبعد ذلك يكون هناك هيجان شديد في بلاد المسلمين.

يفوز الغرب في هذه الحرب من ناحية المادة، ولكنهم يبذرون بذور شقاق رهيب، سوف ينمو في كل مكان، وسوف يضطرب سلام العالم مرة أخرى، وستكون البلاد الإسلامية مركز هذه النـزاعات. سيحاولون في أماكن إسقاطَ الحكومات الإسلامية، وفي أماكن أخرى سوف تتفاقم الملاّوية، أي نظام المشايخ الجهال ومحترفي الدين، تلك النظم الفظيعة التي لا علاقة لها بالقرآن الكريم.. وإنما تنتمي أفكارهم إلى نظريات العصور الوسطى المظلمة. وتتعلق هذه الملاّوية بالهوس الديني وليس بحب الله تعالى ولا حب رسوله ولا حب القرآن؛ وتنبثق من أهداف سياسية، ولا تخلق قياداتها سوى الخراب. إن دأبها أن تجرّ الأمة إلى أسوأ حال. سوف تكون هناك المشاكل بعد هذه الحرب بلا حصر، ولن ينقطع توالد الأخطار. وكل خطر سيكون مصدرًا لأخطار لاحقة تهدد سلام العالم. ومثل هذه الانفجارات التي تنشأ عن الجنون الديني أو عن مشاعر الحرمان السياسي.. تترك أثرًا واسعًا بعيدَ المدى. وينساب صداها المدمر من الآذان إلى القلوب.. ومن ثم إلى العقول.. فتتحول إلى مؤامرات. وسواء وقع هذا الانفجار في الكويت أو في السودان أو في مصر أو في أي بلد من بلاد المسلمين.. سيقاسي المسلمون أشد الآلام من صدمات موجاته، وتحدُث الفوضى الكبرى، وتتولد حركات كثيرة من أنواع شتى. وإذا اتصل الانفجار بقومية معنية.. ترتبت عليه انقسامات بين الأمم.

على أي حال.. التفاصيل طويلة، لا داعي للمضي في سردها. كلكم يعرف ويدرك أنه عندما ينتهي النـزاع الحالي فلن تتوقف النـزاعات، وإنما تبدأ على نطاق أوسع.

وثمة خطر ثان.. فمن الممكن أن يتحول هذا النـزاع الراهن إلى نـزاع عالمي، وتنشب الحرب العالمية التي تقشعر لذكرها الأبدان. وهؤلاء الذين يجلسون خارج بلادهم ويستمتعون بمشاهد التخريب في بلد آخر.. قد يمرون عندئذ بمثل هذا الموقف ولا يكونون من المتفرجين وإنما من المجرّبين. فالموقف جد خطير ومرعب ومضطرب إلى الأعماق.

أنا لا أطلب من الجماعة الإسلامية الأحمدية الدعاءَ لنصرة هذا الفريق أو ذاك، وإنما أطالبهم بالدعاء من أجل السلام العالمي. ابتهِلوا إلى الله جل وعلا: ربنا، نحن المحبون المغرَمون برسالة سيدنا محمد المصطفى ، والمحبّون المُولَعون باسمه وشخصه الكريم.. لأنه سيدنا وأصدق محبيك. يا مالكَ الأرض والسماء.. لم يحببك مخلوقٌ كحب سيدنا المصطفى ، ونحن نحب اسمَه وعمله وشخصه ودينه، ونحب أيضًا بني البشر جميعًا. لقد بعثتَه يا ربّنا رحمةً للعالمين، وحبنا له يقتضي أن نذوب لآلام الناس أجمعين، وعلينا أن نعينهم ونسعى لتحسين حالهم. ونحن يا ربنا، لا نملك شيئًا سوى الدعاء. نحن يا ربنا جماعةٌ من الضعفاء الذين لا حول لهم إلا بك. ونحن يا ربنا جماعة نلقى منهم الاضطهاد.. ولكننا نسجد بين يديك، ونتوسل بك إليك بمذلة وحرارة وإلحاح.. أن تنـزل رحمتك على العرب.. بني جنس سيدنا المصطفى، وأن ترحم جميع بني البشر. أَنقِذْهم ربَّنا من المشاكل العالمية.. ما كان منها من أخطاء البشر.. وما كان منها بقضائك الذي لا نستطيع فهمه. ومهما يحدث يا ربنا.. إن كان هناك نصر فاجعَلْه يا ربنا من نصيب الإسلام؛ وإن كان هناك فوز فقَدِّرْه يا ربنا فوزًا للإنسانية.. ولتلك القيم الأخلاقية التي اختفت من الشرق والغرب. دَعْها يا ربنا تنهَضْ وتَقُمْ في الدنيا ثانية.. ولتنتصرْ في العالم تارة أخرى. اللهم حَقّقْ وعدك الذي أنـزلته في القرآن.. وقلت فيه:

  هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (الصف:10).

لن ندعوَ لفوز أمة بعينها.. ولكن سندعو لانتصار الصدق والأمانة، وفوزِ الإسلام والحق والقيم الإنسانية. يا ربنا، لو لم تسمع دعاءنا اليوم.. فلا سبيل لنا لإنقاذ هذا العالم. يا ربنا.. في إخلاص كامل وتواضع تام.. نسجد أمامك.. باكين بين يديك. من أجل عبادك وخدام المصطفى ، حقِّقْ يا ربنا ذلك التغيير الثوري الذي أقمتَنا لأجله. نتوسل إليك أن تُفجّر الثورة الروحية العالمية العظمى.. وأَرِنا إياها، وحقّقْ لنا كل وعودك التي تتصل بها.. الثورة التي تتم على يد «الآخرين» الصالحين الأتقياء من أقوام الأيام الآخرة. وها نحن يا ربنا هم «الآخرون». أنت يا ربنا الذي أقمتَنا.. فصُنْ لنا شرفَ وعودك، وأجْرِ يا ربنا تلك الثـورةَ على يدنا.. أي بدعـائنا.. والتي لا نجاة للـعالم بدونها! آمين!

قَسَتْ قلوبهم

وبخصوص هذا الدعاء هناك مسألة أساسية أذكركم بها. الدعاء في أيام الشدة يقتضي إخراج صدقة. ولما فكّرتُ في الموقف الحاضر الذي يواجه بلاد الإسلام.. توجَّهَ انتباهي إلى أولئك الذي يموتون جوعًا في أفريقيا.. يهلكون في مساحات شاسعة من بلاد شتى.. في الحبشة والصومال والسودان وتشاد. يموت الناس جوعًا في بلاد كثيرة، ولا يبالي أحد بهم ككائنات بشرية. ولو أن أحدًا أبدى اهتمامًا نحوهم لكان أهل الغرب. فقد رأيت برامجهم هنا تعرض مشاهد للجياع واليتامى العراة، والمرضى والهياكل العَظَمية المعذَّبة.. بما يثير مشاعر العطف ويتطلب بذل التضحيات لأجلهم. ولكن أولئك الأثرياء أثرياء النفط.. كدّسوا جبالاً من المال جمعوها من عائدات البترول، ومع أنهم ينسبون أنفسهم إلى سيدنا محمد المصطفى فقد نسوا روح رسالته، ولا يفكرون أبدًا في أن لهم جيرانًا في أفريقيا يتضورون جوعًا. فكلهم سواء.. العراق والسعودية، الكويت والبحرين، قطر والإمارات. قد جعلهم الله منذ مدة أصحاب ثروات ضخمة.. ومع هذا الثراء والطعام المكدس فلا يستطيعون العناية به. دَعْك من ذكر البلاد النائية.. فالسودان جارهم المسلم، يتضورون فيه جوعًا ومع ذلك لم يتحركوا لنجدتهم. لم يفكر أحد منه أن هذه هي السمات المميزة لدين محمد رسول الله . بعد حب الله تعالى كان يحب الناس والفقراء منهم خاصة.. حبًّا يقوم أمام الناس مشهدًا متلألئًا من مشاهد حياته. لا يمكن أن يُذكَر اسمُ محمد إلا وتقفز إلى ذاكرة الإنسان صورُ تعاطفه ورقّته ورحمته بالفقير، فتبهر العيونَ بجمالها. في نور محمد يسري نور عطفه على الفقراء. في إحدى المناسبات قال ما معناه: إذا طلبتموني فابحثوا عني بين الفقراء، سوف أكون يوم القيامة بين الزهاد والفقراء. اعتنوا بهم لأن بهاءكم وثراءكم بفضل فقرائكم، لأن عملهم وجهدهم هو الذي يؤتي ثماره ويصير ثروةً لكم. فأَبْدُوا لهم الحب والتعاطف واللطف على الأقل.

فلا شك أن سيدنا محمدًا كان أكثر الناس تعاطفًا مع الفقراء. وبعد ما جاءتكم، أيها الأثرياء، هذه الثروات باسمه، وكنـزتم المال جبالاً، ألا تنظرون إلى أخاديد الفقر العميقة في بلاد تجاوركم؟ ليس من الإنسانية في شيء ألا تطغى مشاعر العطف على قلوبكم. والواقع أن بلاد المسلمين لو واظبت على الدعاء واهتمت بالتعاطف مع بني البشر.. فإني على ثقة أنهم ما كانوا ليتورطوا في هذه المحنة الحالية الرهيبة.

هذا السلوك المتدني وهذه الأخلاق الذميمة رأيتُها لأول مرة، واندهشتٌ من هؤلاء القوم الذين أتيح لهم هذا الثراء العريض. أهذا هو أدبهم، وهذا هو ذكاؤهم وفهمهم؟

لِنَضْرِب لهم مثالاً

وبالرغم من فقرنا المالي.. فسنضرب لهم المثل في كل عمل طيب، ولسوف نقيم لهم مثلاً يحتذى في هذا المجال أيضًا. فادعوا.. وذكِّروهم بالدعاء. قدِّموا الصدقات.. وذكّروهم أن يؤتوا الصدقات. اصبروا وانصحوهم بالصبر لأن القرآن الكريم يعلّمنا بأن الفائزين في الأيام الأخيرة هم الذين قيل عنهم:

  وتَوَاصَوا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوا بِالمَرحَمَةِ (البلد: 18).

 فهم الصابرون الذين يذكّرون الناسَ بالصبر، وهم الراحمون الذين يذكّرون الناس بالتراحم. ولذلك قررتُ أن أقدم باسم الجماعة مبلغ عشرة آلاف من الجنيهات الأسترلينية.. لبلاد المجاعة في القـارة الأفريقـية، وما هي إلا قطرة صـغيرة. ولسـوف أقدم شخصيًّا ما أقدِر عليه. وعلى فروع الجماعة أن يخصصوا شيئًا من صندوق الزكاة والصدقات لديهم لهذا الغرض. إنها تدفع لسد الحاجة المحلية بالتأكيد، ولكن فيها بقية يمكن أن تدخل في باب (العفو).. كما يقول القرآن الكريم:

  يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنـفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (البقرة: 220).

 فالعفو أيضًا ما تستطيع الاستغناءَ عنه من هذه المخصصات. فأَنفِقوا منها لمساعدة الفقير عندكم، وأَنفِقوا منها على الفقراء في أماكن أخرى. إن مال الجماعة كله لله تعالى، ويُنفَق على الأعمال الصالحة في سبيل الله، وهذا المجال أيضًا في سبيل الله؛ ولذلك لست بصدد نداء لجمع مبلغ محدد. وعلى أفراد الجماعة أيضًا أن يتبرعوا لهذا الغرض بقدر ما يستطيعون. ولسوف تُنفَق هذه الصدقة في بلاد المجاعة بأفريقيا. وأدعو الله أن يتقبل هذه الصدقة لإقرار السلام في العالم، ولحل مشاكل المسلمين. ولتكن ابتهالاتنا وصدقاتنا هذه مخصصةً لهذين الغرضين. اللهم، مَكِّنْ لنا القيام بذلك! وافتَحْ يا ربـنا، عيونَ إخـواننـا الذين قعـدوا مغـمـضي العـيـون مع أن القـرآن الكـريم يقدم لهم التعـالـيم الواضحة للـتقوى. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك