سبعة دروس تحقق التقدم القومي لأي أمة
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (يونس: 85)

التفسـير:

ينصح سيدنا موسى شعبه قائلاً: عليكم أن تثقوا بالله ثقة كاملة، موقنين بأن الذي أنتم بصدد إنجازه هو مطلب سماوي يريد الله تحقيقه.

هناك الكثير من الناس الذين ينادون القوم باسم القضية القومية، ولكن القرآن الكريم لم يحبذ هذه التسمية، مما يساعد الإنسان على أن يضع رضى الله نصبَ عينيه دائمًا، كما يحرّره من قيود العنصرية الخطيرة.

ويبدو قوله تعالى إن كنتم مسلمين جملةً زائدة في بادئ الرأي، إذ سبق أن قال إن كنتم آمنتم بالله ، ولكنه ليس بزائد في الواقع، وإنما جيئ لبيان معنًى جديد، ذلك أنه إذا ذُكر الإيمان إزاء الإسلام فيعني اليقينَ الكامل.. أي الطاعة القلبية، بينما يراد بالإسلام عندئذ الطاعة الظاهرة. فالمراد من الآية: إذا كنتم تؤمنون بالله إيمانًا كاملاً، وتريدون أن تتذوقوا ثماره بصورة عملية، فعليكم أن تتوكلوا على الله وحده مفوِّضين إليه أموركم كلها.

لقد بيّن الله بذلك أنه يجب أن يؤدي الإيمان الحقيقي إلى تغيير في الأعمال، مع العلم أن المؤمن الحقيقي يكون مؤمنًا في البداية ثم يصبح مسلمًا، أما ضعيف الإيمان فيكون مسلمًا في البداية ثم يصير مؤمنًا، لأن هذا يبدأ في الأعمال أولاً بداية سطحية فيكتسب قلبه بذلك قوة تدريجية حتى يصبح مؤمنًا حقيقيًا. أما صاحب الإيمان القوي الحقيقي فتكون أعماله منذ البداية نابعةً من إيمان ذاتي، لأن رقيه رقي ذاتي وليس مكتسَبًا مما حوله، فتبدأ رحلة إصلاحه وطهارته من الباطن إلى الظاهر. ولكن صاحب الإيمان الضعيف يكون ارتقاؤه ارتقاءً طفيليًا يتم بمساعدة من حوله من المؤمنين، لذلك تبدأ رحلة إصلاحه من الظاهر إلى الباطن، وإلى هذا أُشير في قوله تعالى قالت الأعرابُ آمنّا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولـمَّا يَدخلِ الإيمانُ في قلوبكم (الحجرات: 15).. أي أنكم وُفّقتم – بفضل صحبة المسلمين – أن تقلّدوهم تقليدًا ظاهريًا فحسب، فلا تدّعوا الإيمانَ، لأنكم لم تقطعوا بعد مرحلة تطهير القلب.

وباختصار، تعلّم الآية سبعة دروس تستطيع أية أمة أن تحقق بالعمل بها تقدمًا قوميًا، وهذه الدروس هي: الاجتماع، الوَحدة، التعاون، النظام، الترابط بين الغني والفقير، الدعاء، المثابرة على العمل.

فَقَالُوا عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (يونس: 86 – 87).

التفسـير:

إن قولهم ربنا لا تجعلْنا فتنةً للقوم الظالمين يمكن أن يفسَّر بمفهومين؛ الأول: لا تدَعْنا نأتِ أعمالاً نسيء بها إلى دينك ونتيح بها لأعدائك فرصة الهجوم عليه. والثاني: لا تجعلنا عرضةً لاضطهاد الظالمين.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (يونس: 88)

 شرح الكلمات:

تبَوَّآ: تبوَّأ المكانَ وبه: اتخذه محلةً وأقام به. (الأقرب).

قِبلةً: القِبلة: النوعُ؛ الجهةُ، يقال: ما لهذا الأمر قبلةٌ أي جهةُ صحةٍ؛ الكعبةُ؛ كلُّ ما يُستقبل من شيء. يقال: ما له في هذا قِبلة ولا دِبرة: أي وجهة. اجعلوا بيوتكم قبلةً: أي متقابلةً (الأقرب).

التفسـير:

قوله تعالى أن تَبَوّءا لقومكما بمصر بيوتًا لا يعني أنهم كانوا يعيشون في البادية في الخيام، فأمرهم باتخاذ البيوت، وإنما المراد أن يقيموا متجاورين ليتمكنوا من التعاون والمساعدة فيما بينهم. وهذا أيضًا نوع من الهجرة، بل هو أمر طبيعي، لأن الفئات الضعيفة تعيش دائمًا في شكل تجمعات في المدن. فمثلاً، في بلادنا (الهند) هناك أكثرية للمسلمين في مقاطعة بنجاب والهندوس أقلية فيها، ولذلك نجد الهندوس يعيشون في مدنها بعدد أكبر نسبيًا، أما في مقاطعة أتر برديش، فيشكل الهندوس فيها الأكثرية، ولذلك نجد سكانها المسلمين يعيشون في مدنها بعدد أكبر نسبيًا.

أما قوله تعالى واجعلوا بيوتكم قبلةً فيمكن تفسيره بعدة معانٍ، نظراً إلى ما “للقبلة” من معانٍ مختلفة. وقد سبق أن صرّحت أن الله تعالى قد استخدم في القرآن الكريم كلمات ذات مدلولات عديدة، فيمكن أن تختار منها كل ما يتفق وينسجم مع السياق. فبالنظر إلى معانٍ مختلفة للقِبلة، يمكن أن تعني الجملة ما يلي:

1 – يجب أن تعيشوا معًا. ذلك أن البيوت لن تكون متقابلة إلا إذا عاشوا مجتمعين متجاورين.

2 – يجب أن تتعاونوا فيما بينكم. ذلك أن الغاية من اتخاذ البيوت المجاورة أن يسهل عليهم مساعدة بعضهم بعضًا.

3 – يجب أن تبنوا البيوت في جهة واحدة.. أي أن تعيشوا تحت نظام واحد وتعملوا لتحقيق هدف موحّد.

4 – يجب أن تكون بيوتكم من نوع واحد. وقد أشار بذلك إلى ضرورة علاقة قوية بين الغني والفقير منهم لتحقيق الرقي القومي، وأن يكون للقوم كلهم طابع واحد، وأن يكون كل واحد منهم واقفاً على حال أصحابه،  أما إذا عاش أحد في القصر بينما بات أخوهُ في الكوخ دون أن يتفقد ذاك حال هذا فمن الصعب أن ينشأ بينهما ترابط قوي.

وبقوله تعالى وأقيموا الصلاة وجّه أنظارهم إلى ضرورة الدعاء والعمل بمثابرة، لأن الإقامة تشير إلى معنى الثبات والمداومة.

وباختصار، تعلّم الآية سبعة دروس تستـطيع أية أمـة أن تحقق بالعـمل بها تقـدمًا قومـيًا، وهـذه الدروس هي: الاجـتـماع، الوَحـدة، التعـاون، النظام، الترابط بين الغني والفـقير، الدعـاء، المثابرة على العمل.

وفي الأخير توجّه الآية النصيحة إلى زعيم القوم وتقول وبشِّرِ المؤمنين!!!.. أي عليك برفع معنويات أتباعك بذكر الأخبار السارة لهم، لأن اليأس والقنوط هو أكبر الآفات.

وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (يونس: 89)

 شرح الكلمـات:

إطمسْ: طمس الشيءَ وعليه: أهلكه؛ استأصلَ أَثَرَه (الأقرب والمعجم الوسيط).

أُشْدُدْ: شَدَّ عليه: حمل عليه (الأقرب).

وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى (واشددْ على قلوبهم) بأن معناه: قَسِّها (القرطبي) أي اجعلْها قاسيةً، ولكنا لم نعثر على هذا المعنى في القواميس.

زينةً: الزينة: ما يُتزيّن به. (الأقرب).

مع العلم أن القرآن الكريم قد اعتبر كلّ ما على الأرض زينةً كقوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها (الكهف: 8)، بل سمّى الحياة الدنيا أيضاً زينةً كقوله أنما الحيوة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثُرٌ في الأموال والأولاد (الحديد 21)، ولكنه أطلق “زينة الحياة الدنيا” خاصة على الأموال والأولاد فقط كقوله المال والبنون زينةُ الحيوة الدنيا (الكهف: 47). وعندما ذَكَرَ الزينة في معرض الحديث عن ضلال الأمم فقد أراد بها أيضًا زينةَ الحياة الدنيا أي المال والبنون. أما كلمة الزينة في  هذه الآية التى نحن بصدد تفسيرها فقد أُطلقت فقط على الأولاد دون الأموال، إذ أضاف إلى جانب الأولاد كلمة الأموال التي هي في الواقع جزء من زينة الحياة الدنيا، لأن القاعدة أنه إذا كانت الكلمة ذات مدلولين وذُكر أحدهما في الجملة فلا يراد بها إلا المدلول غير المذكور. خذوا مثلاً كلمة “الإسراء” فإنها تعني عمومًا السفر بشخص ما ليلاً، ولكنها تعني مجرد السفر أيضًا، كما جاء في قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً (الإسراء: 2). فالإسراء هنا بمعنى السفر فقط، لأنه ذكر الليل إلى جانبه.

التفسير:

لا تعني الآية أن الله جلّ شأنه آتى آلَ فرعون زينة وأموالاً بهدف أن يقوموا بإضلال الناس، وإنما اللام في (ليضلوا) تدُلُّ على معنى الصيرورة والعاقبة، والمعنى: إنك يا ربِّ، آتيتهم زينة وأموالا، ولكنهم، بدلاً من أن يشكروك عليها، صاروا يُضلُّون الناس. وهذا أسلوب يعبَّر به عن الأسف، حيث يقول: ما أشدَّ شقاوةَ هؤلاء القوم، إذ أصبحوا ناكرين لهذه النعمة الإلهية العظيمة، بل يُضلُّون الآخرين أيضاً!

وقوله تعالى فلا يؤمنوا حتى يَروا العذاب الأليم عطف على قوله (ليضلوا)، والمراد: ليضلوا عن سبيلك ولكيلا يؤمنوا حتى يرَوا العذاب الأليم.

وأما قوله ربنا اطمِسْ على أموالهم واشددْ على قلوبهم فهو جملة معترضة. وهو دعاء عليهم ولا شك، ولكنه في الحقيقة ليس بدعاء سيء، بل هو دعاء خير لهم، لأنه ليس بدعاء شخص غاضب ناقم عليهم، وإنما هو دعاء نبي رحيم مشفق عليهم. يقول فيه موسى : يا رب، لقد أعطيتهم أولادًا وأموالاً، وكان الحري بهم أن يكونوا لك شاكرين، ولكنهم صاروا لصنيعك ناكرين. وقد تجاوز نكرانهم بحيث إنهم بدأوا يضلون الآخرين، وساءوا لدرجة أن قلوبهم لن تميل  إليك إلا برؤية العذاب الأليم. فإنني أتضرع إليك أن تدمّر أموالهم وتعرّضهم لصدمات مؤلمة في أولادهم علّهم يعودون إلى سبيل الهدى، فأتِ بالعذاب من أجل هدايتهم.

إنه يدعو الله تعالى أن يعذبهم بأولادهم وأموالهم لأنها سبب انحرافهم عن الهدى، فإذا أوذوا فيها رجعوا إلى صوابهم ومالوا إلى الهدى. وإذن، فهذا ليس بدعاء عليهم وإنما هو دعاء لهم، لأنه ليس لضلالهم وإنما لهدايتهم. لا جرم أنه يدعو عليهم بالعذاب، ولكن الذين لا يهتدون إلا بالعذاب يصبح هذا الدعاء رحمةً لهم. ومثاله كأن يطلب أحدُ أقارب المريض من الطبيب أن يبتر عضوه الفاسد كيلا يسري فساده إلى الجسم كله، فلا شك أن طلبه هذا رحمة بالمريض. كذلك كان دعاء موسى في الحقيقة دعاءَ رحمةٍ وشفقةٍ لا دعاءَ عَذابٍ ونقمةٍ.

وقوله تعالى اشددْ على قلوبهم يعني تعريضهم للصدمات في أولادهم. وهذا يتم بطريقين؛ الأول: أن يصب على أولادهم أنواع المصائب والآلام، والثاني: أن يوفّق أولادهم إلى الإيمان، لأن ترك الأولاد دينَ الآباء وانضمامهم إلى صفوف العدو يمثل صدمة مؤلمة للآباء. وقد حدث هذا في زمن النبي ، حيث قبِلَ أولاد أعدائه الإسلام، أما في زمن موسى فقد عوقب الفرعونيون فقط بموت البِكر من أولادهم.

ومما يدل على روعة الترتيب القرآني أنه عندما تحدّث عما أنزل الله عليهم من النعم قدّم ذكر الزينة – أي الأولاد – على ذكر الأموال حيث قال: (زينةً وأموالاً)، ولكنه لدى الحديث عن العذاب عكَسَ الترتيب وقال ربنا اطمسْ على أموالهم واشددْ على قلوبهم وذلك أن نعمة الأولاد أغلى من نعمة الأموال، فكان أحق بالتقديم عند الحديث عن النعم، أما عند ذكر العقاب فقد ذكر أخفّ العقابين أولاً. وكأنه قال: يا رب، إذا اهتدى هؤلاء نتيجة نقصٍ في الأمــوال فحسب دون أن يمسّهم بــلاءٌ في أولادهــم فاغفر لـهم، وإن لم ينتهـوا فأنـزِلْ  عليهم بلاء يُصيب أولادهم لعلهم يهتدون.

هذا البيان إذ يُبرز روعة ترتيب القرآن فإنه يكشف أيضًا عما كان سيدنا موسى يكنّ في قلبه من رأفة ورحمة بالقوم.

لقد أثار القسيس وهيري اعتراضًا حيث قال: إن الدعاء الذي يعزوه القرآن هنا إلى موسى يختلف عما ورد في التوراة؟

والجواب: أولاً: إن مخالفة القرآن لما ورد في التوراة لا يعني أنه خالف الحق والصواب. وثانيًا: إن وهيري يجد بين الدعاءين اختلافًا لأنه يفسّر الآية القرآنية تفسيرًا خاطئًا، وإلا فليس بينهما أي اختلاف في الواقع.

قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (يونس: 90).

 التفسير:

يمكن أن يتساءل هنا أحد قائلاً: كان الدعاء من شخص واحد هو موسى ولكن الله يوجّه هنا الخطاب للاثنين: (قد أُجيبتْ دعوتكما)؟

والجواب: لقد ورد في الدعاء كلمة (ربنا) التي هي للجمع، مما يؤكد أن الدعاء كان من كليهما: موسى وهارون عليهما السلام، ولذلك جاء الجواب للاثنين.

وقوله تعالى (ولا تتّبعانِ) شرحٌ لقوله (فاستقيما). ولا يعني هذا النهي الموجّه إليهما أن أنبياء الله يتبعون في الواقع ما يقول لهم الجهّال، بل المراد منه: أن العدو سوف يسعى لإبعادكم عن الهدف، فعليكم بأخذ الحيطة والحذر منه، ولا تلقوا بالاً لما يقابلونكم به من أقوال تافهة واهية مما قد يبعدكم عن غايتكم الحقيقية.

وإذن، فهذا ليس بدعاء عليهم وإنما هو دعاء لهم، لأنه ليس لضلالهم وإنما لهدايتهم.

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (يونس: 91).

شرح الكلمات:

جاوَزْنا: جاوز الموضعَ: تعدّاه (الأقرب).

أَتْبَعَ: قال الأصمعي: تبعه: لحقه أو أدركه، وأتبَعَه: تَبِعَ أَثَرَه، أدركه أو لم يدركه.وأتبَعَه: تَبِعَه وذلك إذا كان سبقه فلحقه (الأقرب).

أَدْرَكَ: أدرك الشيءُ: بلغ وقـتَه (الأقرب).

التفسـير:

لقد وضّح الله جلّ شأنه في الآية مسألةً دينيّة هامة تتعلق بالسياسة والحكم، حيث بيّن أنكم مأمورون بطاعة الحاكم أو الملك، ولكنه إذا تدخل في أمور دينكم ولجأ إلى استخدام القسر والجبر عليكم ليردّكم عن الحق، فعليكم أن تهاجروا من بلده. أما إذا حال دون هجرتكم فقد صار في عداد الطغاة ويجوز لكم شرعاً محاربته، لأنكم عندئذ تكونون على الحق ويكون هو على الباطل، ولن تُعتبر مخالفتكم له مخالفةً للحق والقانون. ذلك أنه كما لا يحق لأحد أن يعيش في بلد ما وهو مخالف لقوانين تلك البلاد، كذلك تمامًا لا يحق لحاكمٍ أن يُكره أحدًا على العيش في بلده بالرغم من الخلافات الدينية الحادة القائمة هناك.

وقوله تعالى (بَغْيًا) يعني أنه ما كان لفرعون أي حق قانوني لاضطهادهم، وقوله (عَدْوًا) يعني أنه لم يعد لديه أي حق أخلاقي كذلك.

وما نطق به فرعون عند الغرق يدل على غاية  هوانه وتَذلـله. ذلك أنه لو قال “آمنتُ برب موسى” لا يكون قد تذلّل كثيراً، لأن موسى كان قد تربى في بيته وكان يحظى لدى القوم بالتقدير والاحترام، ولكنه تاب عند الغرق قائلاً: آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنتْ به بنو إسرائيل وكأنما قال: إنني أؤمن برب صانعي اللَّبِن هؤلاء، إذ كان يعاملهم باحتقار وازدراء شديدين، مسخِّرًا إياهم في أعمال الطين واللَّبِن.

Share via
تابعونا على الفايس بوك