ويتلوه شاهد منه
  • تفوق القرآن على جميع الصعُد
  • التقدم المادي ليس دليل على رقي الروح
  • الشهادة للقرآن في ثلاثة أزمنة
__
فَإلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ الله وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (هود: 15)

التفسـير:

أي أنهم إذا لم يقبلوا التحدي فسوف يظهر جليّاً أن القرآن الكريم يحتوي في الواقع على المعارف والعلوم التي نزلت من عند الله فقط، وأن فيه أمورًا لا يستطيع أي إنسان الوقوف عليها، ومن أجل ذلك تقاصرت أحلام الناس عن أن تأتي بمثله. كما أن ذلك يشكل برهانا على أنه لا إله إلا إله واحد، لأنه لو كان معه آلهة أخرى لما لزموا الصمت على تحدي القرآن، ولكانوا قد تقدّموا ليبطلوا دعوى الرسول هذه. فالصمت من كل طرف وصَوب إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن لا إله إلا إله واحد، لا شريك له.

وهنا سؤال: هل هذا التحدي كان خاصا بزمن الرسول أم أنه لا يزال قائما مفتوحا لكل زمن؟ عن ذلك يُجيب الله تعالى باستخدام ضمائر الجمع للخطاب في قوله فإلّم يستجيبوا لكم فاعلموا ، بدلاً من أن يقول (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم..). وهذا دليل على أن المسلم في أي زمن يستطيع توجيه هذا التحدي لمعارضي القرآن، لأنه سيبقى فريدا بهذه المزايا والكمالات إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

أما قوله تعالى فهل أنتم مسلمون فأرى أنه خطاب للكفار حيث قيل لهم: هلاّ قبلتم كتاب الله وأسلمتم بعد أن انكشفت لكم حقيقته تماما وتبين لكم بأنه كتاب منـزل من عند الله تعالى وقد عجز الجميع عن الإتيان بمثله؟

لقد ساق الله عز وجل هنا على صدق القرآن هذه الأدلة بأنواعها الثلاثة، فقال: إنه يحمل في نفسه الشهادة الداخلية على صدقه، كما أن أنباء الكتب السماوية السابقة أيضا تتظافر على صدقه، ثم إنه سوف يؤتي أُكله كلَّ حين بإذن ربه في المستقبل بحيث لن يسع الناس إنكاره وتكذيبه في الواقع.

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (هود: 16)

شرح الكلمات:

نوفِّ: وفّى فلانًا حقَّه توفيةً: أعطاه إياه تامًّا (الأقرب)

لا يُبخَسون: بَخَسَه يبخس بَخسًا: نقصه حقَّه، ومنه: لا تبخسْ أخاك حقه. وبخسه: عابه. وبخس الناسَ: مَكَسَهم أي أخذ منهم العُشر (الأقرب).

التفسـير:

يقول عَزَّ مِن قائل: إن الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها أي متاعها وأموالها فسوف نوفيه نصيبه منها، ولن نحرمه مما هو في صدده.

إن الذين ينخدعون بما عند الشعوب المسيحية من ثروات هائلة عليهم أن يتدبروا هذه الآية جيدا. ذلك أن الله تعالى يؤكد هنا أن تحقيق الرقي المادي ليس متوقفًا على الرقي الروحاني، بل يمكن أن ينال أحد متعَ الدنيا وهو مُعرِض عن الدين. ذلك أن الرقي المادي له مبادئه الخاصة به وهي اجتهاد الإنسان آخذًا بالأسباب الطبيعية المتاحة له. إذن فتحقيق الرقي المادي وحده دون أية آثار روحانية ليس بدليل على كون الإنسان مقرباً من الله تعالى؛ لأنه عز وجل يصرح هنا أن كل واحد سينال أجره في هذه الدنيا على ما يبذله من جهود خالصة لأجل الحياة المادية، أما إذا عمل أحد باسم الدين أعمالا خاطئة تخالف المشيئة الإلهية فلن ينال عليها أي أجر روحاني. هذا هو معنى قوله تعالى أعمالهم فيها .

إذن فتحقيق الرقي المادي وحده دون أية آثار روحانية ليس بدليل على كون الإنسان مقربًا من الله تعالى؛ لأنه عز وجل يصرح هنا أن كل واحد سينال أجره في هذه الدنيا على ما يبذله من جهود خالصة لأجل الحياة المادية….

وقوله تعالى وهم فيها لا يُبخَسون يعني أنهم لن يلاموا ولن يعابوا فيما يتعلق بأعمالهم المادية، أو أنهم إذا لم يرتكبوا ظلمًا فيها فلن يعاقَبوا بعذاب في الدنيا وإن لم يهتموا بأمور الدين، لأنه تعالى لا يعذّب أحدا في الدنيا بسبب إنكار الحق إلا إذا عمد إلى الشر والاستهزاء بالدين، أما مجرد الإنكار فلا يتسبب في عذابه في هذه الدنيا، لأن الآخرة وحدها هي دار الجزاء الحقيقية.

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَـعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَـلُونَ (هود:17)

شرح الكلمات:

حَبِطَ: حَبِطَ العمل حُبوطا وحَبَطا: فسُد. حبط ماء البئر: ذهب ذهابًا لا يعود كما كان. (الأقرب)

بَاطِلٌ: بَطُلَ: فَسُدَ أو سقط حكمه (الأقرب)

التفسـير:

هذه الآية تكملة لما قد قيل من قبل: (فهل أنتم مسلمون).. والمراد أنكم إذا لم تذعنوا إلى الله ولم ترغبوا في الدين فلا شك أنكم ستجنون متاع الدنيا، ولكن لن يمنّ الله عليكم بقربه وحظوتة عز وجل.

وضمير المؤنث في جملة (وحبط ما صنعوا فيها) يمكن أن يُرجع إلى الحياة الدنيا أو إلى الآخرة، فالمعنى الأول: أنهم سينالون جزاء ما عملوا لأجل الحياة الدنيا وهم فيها، لذلك لن تجديهم أعمالهم تلك يوم القيامة. أما إذا عاد الضمير إلى الآخرة فالمراد: أنه لما قاموا بأعمالهم الدنيوية وفقًا للنواميس الطبيعية التي وضعها الله تعالى نالوا جزاءها، ولكن ما صنعوه لأجل الآخرة لم يكن وفقًا للسنن الإلهية لذا فإن أعمالهم تلك تذهب هدرًا لفسادها وكسادها يوم القيامة وإنهم لن يجنوا منها المنفعة المنشودة.د

أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (هود:18)

شرح الكلمات:

إمامًا: الإمام: من يُؤتَمُّ به، ويستعمل للمذكر والمؤنث، ومنه: قامت الإمامُ وسطهن. والإمامُ أيضا: الخيطُ يُمدّ على البناء فيُبنى؛ ما امتُثل عليه المثال. (الأقرب)

رحمة: الرحمة: رقةُ القلب وانعطاف (أي عَطْف) يقتضي التفضلَ والإحسان والمغفرة. (الأقرب)

الأحزاب: جمعُ حِزب، والحزبُ: الطائفةُ؛ جماعةُ الناس؛ جندُ الرجل وأصحابه الذين على رأيه، ومنه في القرآن (أولئك حزب الشيطن)؛ وكلُّ قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وإن لم يلقَ بعضهم بعضًا. (الأقرب)

مِرية: المِرية: استخراجُ ما عند الفرس من الجري. والمِرية والمُرية: الشكُ؛ الجدلُ، يقولون: ما فيه مِرية أي جدل. (الأقرب)

التفسير:

هناك حذف في الآية، والتقدير: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد من ربه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة، كمن هو كاذب أو كمن هو ليس على بينة؟. ومثل هذا الحذف أمر شائع معروف في اللغة العربية.

تذكر الآية ثلاثة مقاييس لمعرفة صدق القرآن الكريم والرسول الأكرم ، معلنةً أن من توفرت فيه هذه الأمور الثلاثة يستحيل أن يكون كاذبًا. ذلك أن الناس ثلاثة أنواع فيما يتعلق بالحق الذي ينـزل من عند الله تعالى:

  1. الذين يعيشون في زمن نزول الوحي على النبي.
  2. الذين يخاطَبون بالوحي ولكنهم يظهرون بعد وفاة النبي.
  3. الذين ظهروا في الماضي وكانوا يتوقعون نزول هذا الوحي.

والحق أنه إذا اجتمعت الشهادات من هذه الأزمان الثلاثة على صدق أمرٍ أو وحي معين فلا يمكن أن يحوم حول صحته وصدقه أي شك، لأن الشهداء من الأزمنة الثلاثة قد أدلوا بشهادتهم على صدق ذلك الأمر وحقانيته. مع العلم أن الذين يتوقعون نزول أمر سماوي في المستقبل إنما يقوم إيمانهم به فقط على الأنباء الغيبية التي وردت عنه في الكتب السماوية السالفة. أما الذين ينـزل الوحي في زمانهم فإنهم ينظرون إليه من زاويتين؛ الأولى: هل يتوفر فيه من الأدلة الداخلية ما يدل على صدقه وصحته؟ والثانية: هل يتحقق بنـزوله ما ورد عنه من أنباء في كتب الأولين؟ أما الذين يظهرون بعد نزوله فتصبح مثل هذه الشهادات بالنسبة إليهم قصة قديمة تروى، فيهيئ الله لهم شهادة من نوع آخر على شكل تأثيرات ونتائج لهذا الوحي. فبالإضافة إلى الشهادتين الأوليين تكون تأثيرات الوحي بين أيديهم، فعندما يجدون أنه لا يزال يؤتي أكله بإذن ربه حتى زمانهم، يعرفون أنه لا ينفك صالحاً لهم كما كان صالحا للذين خلوا من قبل.

واعلموا أن الشهادة الذاتية الداخلية هي أفضل هذه الشهادات درجة وأهمية، لأنها تصلح للحاضر والمستقبل، كما أنها تغني عن البحث عن أدلة أخرى في الواقع.

وتأتي الشهادة بتأثيراته في المحل الثاني أهمية، لأنها ضرورية للذين يظهرون فيما بعد، ولولا هذه الشهادة لبقي صِدقه أمرًا مشتبهًا ومشكوكًا فيه بالنسبة للأجيال اللاحقة. ذلك أن كون الوحي في حد ذاته وحيًا حقيقيًا لا يكفي كحافز للناس على العمل به، بل إنه لا بد من التدليل على أنه لا يزال صالحا للعمل به ونافعًا في الوقت الحاضر أيضا، وليس أنه كان مجديًا في الماضي فقط، ولكنه فقد تأثيره اليوم وحل محلَّه وحي سماوي آخر نَسَخَه وألغاه. فإذا ظهرت عليه ثمار جديدة ناضجة تَأَكَّدَ لنا أنه لا يزال نافعًا لأهل هذا العصر الحاضر كما كان نافعاً للذين كانوا من قبل.

أما شهادة الأنباء السابقة فتأتي في الدرجة الثالثة، وإن كانت تشكل دليلاً هامًا للغاية، إذ لا تنفك تمهّد لعقول الناس في كل عصر كي يؤمنوا بالحق عند نزوله، غير أنها لا تنفع إلا الذين تنكشف الحقيقة في زمانهم.

لقد ساق الله عز وجل هنا على صدق القرآن هذه الأدلة بأنواعها الثلاثة، فقال: إنه يحمل في نفسه الشهادة الداخلية على صدقه، كما أن أنباء الكتب السماوية السابقة أيضا تتظافر على صدقه، ثم إنه سوف يؤتي أُكله كلَّ حين بإذن ربه في المستقبل بحيث لن يسع الناس إنكاره وتكذيبه في الواقع.

والدليل الأول جـاء في قوله تعـالى أفمن كان على بينة .. أي أن القرآن الكريـم أوالرسول الكريم الذي جاء به يحمل في نفسه أدلة ذاتية داخلية تؤكد بشكل حاسم أنه من عند الله تعالى.

وبما أن عصر القرآن الكريم كان ممتدّاً إلى يوم القيامة، فقد أصبح لزامًا عليه أن يهدي الناس إلى سواء السبيل في المستقبل البعيد أيضا، لذلك وعد الله تعالى بقوله ويتلوه شاهد منه .. أي عندما تصبح البراهين الدالة على صدق القرآن بمرور زمن طويل قِصةً بالية في نظر أهل ذلك العصر فسوف يرسل الله من لَدُنه شاهدًا ليشهد على صدقه وحقّانيته.

كما أخبر القرآن الكريم أنه بالإضافة إلى أدلته الذاتية وثماره الروحانية المستمرة، فقد سبق أن أخبر الأنبياء السابقون بنـزوله حيث جاء فيه ومِن قبله كتابُ موسى إمامًا ورحمةً .. أي أن كتاب موسى الذي جاء قبله يهدي ويرشد الناس إلى صدق القرآن الكريم، وصار سبب رحمة وراحة لهم إذ سهّل عليهم معرفة صدق القرآن.

وعَقّبه بقوله (أولئك يؤمنون به).. أي أن الذين سيكون لهم كتابُ موسى إمامًا ورحمة هم الذين سوف يصدّقون بالقرآن فورًا.

وقوله تعالى ويتلوه شاهد منه يتضمن ردّاً على من يعترضون علينا نحن المسلمين الأحمديين قائلين: لماذا لم يبعث الله هاديًا من عنده طوال هذه الحقِبة التاريخية من التاريخ الإسلامي الممتد إلى ثلاثة عشر قرنا غير مؤسس جماعتكم؟ والجواب هو أن مثل هذا الشاهد الهادي إنما تمس الحاجة إليه عندما يبدأ الناس يشكون في الشريعة ويتساءلون: ما إذا كانت تلك الشريعة لا تزال صالحة للحياة أم لا؟ والواقع أنه لم تكن هناك حاجة مُلِحّة لأي مأمور كهذا من عند الله تعالى منذ بعث الرسول الكريم إلى زمننا هذا، لأن القرآن لم يكن في هذه القرون الثلاثة عشر عرضةً للشكوك والشبهات بهذا الشكل المخيف الذي نراه في عصرنا هذا. لقد حاصره أهل الوساوس والشبهات من كل طرف وصوب لدرجة أن المسلمين أنفسهم أخذوا يظنون أن بعض أحكامه أصبحت غير صالحة للعمل، وأن هناك حاجة ملحة لتعديلها. ومثالاً على ذلك ما يثيره هؤلاء الناس اليوم من مطاعن حول تعاليم الإسلام عن الصلاة والصيام وقطع يد السارق والحجاب والربا وغيرها. هذا وإن أتباع المدعين الكاذبين كالبهاء والباب وغيرهما أيضا أخذوا يعلنون أن شريعة القرآن قد نُسخت وحلّت محلها الشريعة البهائية. ثم إن العلمانين أيضا أخذوا يشنون هجمات شرسة على القرآن الكريم من الناحية التاريخية والعلمية البحتة.

وبالاختصار، فإن الإسلام لم يكن قد تعرض لمثل هذا الموقف الخطير من قبل قط، ولذلك لم تكن هناك في الماضي حاجة لشاهد مأمور من عند الله تعالى.

لقد تضاربت آراء المفسرين حول هذه الآية، فقال بعضهم إن المراد من قوله أفمن كان على بينة هم المؤمنون، والمراد من الشاهد هو الرسول . ولكن هذا المعنى باطل ومخالف للعقل، لأن الرسول كان أولاً، ثم جاء المؤمنون به فيما بعد.

ويرى الآخرون أن الشاهد هو أبو بكر أو علي رضي الله عنهما. لكن هذا أيضا خطأ، لأن الآية تصف الشاهد أنه (منه)، بمعنى أنه سيقف شاهداً بأمر من عند الله تعالى، ولكننا نعرف أن سيدنا أبا بكر وسيدنا عليّاً لم يدّعيا قط أن الله قد بعث أيّاً منهما شاهداً على صدق القرآن الكريم أو النبي الكريم .

ويقول البعض بأن هذا الشاهد هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه. ولكن هذا القول أيضا غير سليم لنفس الأسباب المذكورة أعلاه.

الواقع أن الآية تتحدث عن بعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود ، إذ كان مقَدَّراً له أن ينزل من عند الله تعالى بنفس الطريقة التي نزل بها الرسول على بيّنة من ربه. وكانت الغاية من بعثته أن يقوم شاهداً على صدق الإسلام بآيات سماوية ومعجزات جديدة، في زمن سيصبح فيه صدق الإسلام وتأثيره الروحاني هدفًا لهجوم الأعداء من شتى الطوائف ومختلف المجالات.

وأما الشهادات الواردة في كتاب موسى على صدق القرآن الكريم فهي عديدة وأهمها ما ورد في سفر التثنية (18:18).

الواقع أن الآية تتحدث عن بعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، إذ كان مقَدَّراً له أن ينزل من عند الله تعالى …. وكانت الغاية من بعثته أن يقوم شاهداً على صدق الإسلام بآيات سماوية ومعجزات جديدة، في زمن سيصبح فيه صدق الإسلام وتأثيره الروحاني هدفًا لهجوم الأعداء من شتى الطوائف ومختلف المجالات.

لقد أصبح كتاب موسى إمامًا ورحمةً على صدق القرآن الكريم كالآتي:

أولا: بذكر أنباء نزوله للناس.

ثانيا: بتوضيح منهاج النبوة أي السنة الإلهية فيما يتعلق بالنبوة.

ثالثا: بإتاحة الفرصة للمقارنة بين تعاليمه وتعاليم القرآن.

رابعا: بكونه عاملاً مساعداً لشرح أصول الشرائع والأحكام.

ولنعلم أن قوله تعالى (ويتلوه شاهد منه) إنما يبشّر بمن يأتي شاهداً على صدق القرآن، وليس بمن يعلن نسخه، كما تزعم البهائية. وإذن فإن الآية تصرّح برفض العقيدة البهائية وتقيم الحجة على أتباعها. ذلك أنهم يعترفون بصدق القرآن الكريم ولا شك، ولكنهم في الوقت نفسه يعلنون أن شريعة القرآن قد فقدت صلاحيتها في هذا العصر، وأن زعيمهم “بهاء الله” هو الموعود به في القرآن (الكواكب الدرية في مآثر البهائية ص130).

ولكن الحقيقة هي على عكس ذلك تماماً، لأن الآية تؤكد أن هذا الموعود إنما سيأتي شاهداً على صدق القرآن ومؤكدًا على صحته، وعلى أنه لا يزال صالحاً وسيظل نافعاً للإنسانية إلى يوم القيامة، وليس بأنه سيأتي شاهداً على نسخه وبطلانه. فكل من يزعم أن الشريعة القرآنية منسوخة لا يمكن اعتباره موعوداً به في هذه الآية.

وأما قوله تعالى ومن يكفُرْ به من الأحزاب فالنار موعده فاعلم أن المراد بالأحزاب عمومًا الطوائف المعارضة لأنبياء الله عليهم السلام. ولما كان النبي مبعوثاً إلى الدنيا كافة فالمراد بالأحزاب هنا سائر الأديان والأمم الأخرى.

وأما قوله تعالى فلا تَكُ في مِرية منه فليس موجهاً إلى الرسول وإنما إلى الآخرين. ذلك أنه سبق أن أكد الله بقوله أولئك يؤمنون به .. وجودَ جماعة مؤمنة بالقرآن أو الرسول، وما دام الأمر هكذا فإنه من غير المعقول تماما أن تكون هذه الجماعة قد آمنت بكلام الله لما رأته من البراهين الدالة على صدقه، ومع ذلك لا يزال مَن نزل عليه الكلام السماوي بالأدلة والبراهين فريسةً للوساوس والشكوك!

Share via
تابعونا على الفايس بوك