حضرة أمير المؤمنين في زيارة تفقدية للجامعة الأحمدية بلندن

حضرة أمير المؤمنين في زيارة تفقدية للجامعة الأحمدية بلندن

محمد أحمد نعيم

داعية إسلامي أحمدي
  • توجيهات إلى المؤمنين عامة وطلاب الجامعة الأحمدية خاصة
  • مدارج الترقي الروحي لا تنتهي
  • للعبادة الشأن الأول
  • المشاق من أجل السباق

__

في الساعة الثالثة بعد الظهر وصل حضرة أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز إلى الجامعة حيث صافح القائمين على الأعمال ثم رفع ستار التدشين. اتجه بعدها لتفقد المرافق الجديدة المختلفة والتحدث إلى الطلاب الذين كان كل واحد منهم ينتظر وصول حضرته أمام غرفته. فصافـح حضـرته كل واحد منهم وتحدث إليه ودخل غرفته فكان ذلك شرفًا عظيما للطلاب أجمعين. ثم اتجه حضرته إلى قاعة الندوات ليرأس حفل الافتتاح حيث كان الضـيوف الكرام وأساتـذة الجامعـة وطـلابها في انتـظار تشريف حضرته. فبعد أن قرأ أحـد الطلاب بعض الآيات من الذكر الحـكيم ألقى حضرته كلمة نورد فيما يلي تعريبًا لملخصها.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرحْمـنِ الرحِيمِ * الْحَمْـدُ للهِ رَب الْعَالَمِـين * الرحْمـنِ الرحِيمِ * مَالِكِ يَوْم الدينِ * إِياكَ نَعْبُدُ وإِياكَ نَسْتَعِينُ* اهـدِنَا الصرَاطَ المُسـتَقِيـمَ * صـِرَاطَ الذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضـالينَ *‏

لقد أمر الله المؤمنين أن يصطبغوا بصبغته عز وجل ويتصفوا بصفاته كما قال الله عزوجل:

  صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (البقرة:139).

 ثم بيّن حضرته أن الصبغة تعني اللون والملة والدين والفطرة، ثم توجه إلى الطلاب بخطابه قائلا: أنتم الذين تتعلمون في الجامعة ستتولون بـعد التخرج مهام التبليغ والتربية فينبغي أن تعوا أن هذا الحكم القرآني موجه إليكم بالدرجة الأولى. ثم قال حضرته لقد ورد في الحديث الشريف بخصوص الصبغة الإلهيَّة أن كل مولود يُولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. ثم قال إن الإسلام دين الفطرة فيريد الله تعالى من عباده أن يتصفوا بصفاته فمن هذا المنطلق تقع على عاتق المؤمن مسؤولية مهمة جدا وخاصة على الذي وهب نفسه لنشر رسالة الله المبنية على دين الفطرة.

ثم قال حضرته لقد نذركم آباؤكم وأمهاتكم وربّوكم امتثالا لأمر الله وأوصلوكم إلى هذا المنعطف حيث قررتم أن تسجلوا أنفسكم في الجامعة فمن هنا تبدأ مسؤوليتكم كي تؤدوا واجبـكم بـأحـسن صورة. يجب أن تعيشوا حياة طاهرة وتقضوها طبق التعليم الذي أعطانا الله إياه عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء بيانه مفصلا في القرآن الكريم.

لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تخلقوا بأخلاق الله”. ويقول سيدنا الإمام المهدي عليه السلام في هذا الصدد إن من كمال الإنسان أن يتخلق بأخلاق الله. وما دام لا يحرز المرء على هذا المقام فمن المتحتم عليه أن لا يتعب ولا يستكين. لقد وُكلتم بهذه المهام الدائمة فنفذوا كل صفة من صفات الله على أنفسكم لتلاحظوا إلى أيّ مدى تتحقق هذه الصفة فيكم وإلى أي مدى صرتم مظهرا ونموذجا لها. إن رحلة الاتصاف بصفات الله غير متناهية فكلما تصلون إلى محطة جديدة تعرفون أن السفر لا ينتهي عندها. فبعد إنهاء الدراسة لسبع سنوات هنا ستحصل لكم التجارب الجديدة في ميدان العمل حيث ستتعرفون على أناس جدد وستحتكون بشـعـوب جديـدة وتـواجـهون تحديات اجتماعية متنوعة فيجب أن تستمروا في التقدم مستفيدين من هذه الصفات على الدوام.     إن بعض الناس إذا تحققت بعض رؤاهم يحسبون أنهم نالوا قرب الله. فمرة وجّه واحد من أمثال هؤلاء سؤالا إلى سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه قائلا: إذا كان أحد مسافرا في البحر فأرست السفينة على ساحل فهل ينبغي له أن ينـزل أم يجب أن يبقى جالسا في السفينة. أدرك حضرته على الفور قصده ولُبَّ سؤاله فردّ عليه قائلا: أرى أنه إذا كان لذاك البحر ساحلاً فإذا وصل إليه فعليه أن ينـزل. لكنه إذا كان يسافر في محيط لا ساحل له فأي موضع ينـزل فيه يغرق. لذا تذكروا على الدوام أن صفات الله لا حصر لها فليس بوسع الإنسان أن يحيط حتى بصفة واحدة من صفاته.

إن الإنسان في تسابقه في الخيرات بحاجة إلى نصرة الله وعونه بعد الاتصاف بصفاته وإذا خررتم على عتباته وخضعتم له خاشعين ودعوتموه فسوف يفتح لكم أبوابًا ويجعل لكم مخارج ويمهد لكم الطريق، فلا بد من المداومة على بذل الجهود لنيل قرب الله والتسابق في الصالحات والحسنات. ثم لا بد من نشر هذا النور على الدوام في العالم وإذا كان مسار تفكيركم على هذا الاتجاه فعندئذ ستنالون عن جدارة لقب المربي الرباني. ثم ذكر حضرته ما قاله حضرة الإمام المهدي عليه السلام بهذا الخصوص: “إن من كمال الإنسان أن يتخلق بأخلاق الله وما دام لا يحقق هذه المرتبة يجب أن لا يتعب ولا يستكين فبعد ذلك يتولد في الإنسان الانجذابُ والانجرارُ. عندئذ سوف تتجه خطواتكم إلى درب عبادة الله ويحصل لكم إدراك صفات الله أكثر وهو الطريق الواضح البين لفلاح حياتكم.” ثم قال حضرته في ضوء مقتبس من كتاب حضرة الإمام المهدي عليه السلام إن الطهارة هي أن يقاوم الإنسان أهواء النفس التي تريد أن تستولي عليه بعد إبعاده عن الله عزوجل. هناك في العالم رغبات وأمنيات وأهواء عديدة فعليكم أن تتنبهوا دوما وتأخذوا الحذر والحيطة ألا يغوينكم ويُزلكم المحيط عندما تخرجون من الجامعة بعد الدوام الدراسي للعب والتسوق. وحذار أن تسكن هذه الشهوات والرغبات قلوبكم بدلا من اكتساب لقب العبد الخالص بالتقرب إليه ونشر أحكامه في العالم. لا بد من بذل الجهود لإنجاز ما يريده الله منا حتى لا يصدر منا أي تصرف دون مرضاته فهذه محطتكم المنشودة وغايتكم المرتجاة.

ثم قال حضرته إن الله قدوس وهذه الصفة تقتضي أن يسعى الإنسان لخلق التقدس في نفسه، ثم هو رحيم فيجب على الإنسان أن يرحم الآخرين. يجب ألا تظلموا أحدا في المجتمع، فمن مقتضى العلوم التي تلقيتموها أن تستنـزفوا جهودكم وتضحوا بنفوسكم ونفائسكم لإدخال الدنيا – التي تبتعد يوما بعد يوم عن الله – في الدين بدافع الرحمة، هذه هي المهمة التي وكلت لكم فاستعدوا لإنجازها. يجب التركيز بجدية على العبادة كما يجب أن تولوا صلواتكم الخمسة اهتماما خاصا وأن تهتموا بالنوافل أيضا، كما يجب أن تعوا على الدوام أنكم امتثلتم لأمر الله تعالى حيث قال:

  وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفـَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّيـنِ وَلِيـُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعـُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة: 123)،

فقد أعلنتم بالتسجـيل في الجامعة الأحمدية أنكم ستؤدون هذه المهمة، إن تلقي العلوم الدينية على شاكلة المشائخ وتعلم أسلوب إلقاء الخطب جالسا على المنبر لا يكفي.

إن واقف الحياة لن ينجح في حياته ما لم يكن كل عمل يقوم به ابتغاءً لمرضاة الله دون أن يكون له أي دافع لإظهار نفسه رياءً. تذكروا دوما أن الله هو عالم الغيب ونحن أمام عينيه كل حين وآن. لقد أتيتم هنا لخدمة دينه ولا يخفى عليه أي عمل تقومون به لذا يجب أن تراعوا أن كل عمل يجب أن يصدر منكم بدافع الحرص على رضوان الله. بإمكانكم إخفاء أي أمر من شئونكم اليومية من أساتذتكم وزملائكم، لكن تذكروا أنكم لا تستطيعون إخفاء أي شيئ من الله وإذا وضعتم هذا الأمر نصب أعينكم فسوف تصدر منكم الحسنات وتسنح لكم فرص التسابق في الخيرات والحسنات.

إن الإنسان يتعلم طوال حياته كما ورد في الحديث “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد” لكن في هذه السنوات السبعة تضعون أساسا للعلم. لذا يجب أن تعيروا اهتماما بالغا للدراسة في هذه السنوات، يجب أن تخصصوا 12 ساعة يوميا للدراسة كما يجب أن يقرأ طلاب الجامعة نصف جزء من القرآن الكريم على الأقل يوميا.

ولا يغيبن عن البال أن هذه التسهيلات المتاحة لكم من أكل جيد وسكن مريح في غرف مستقلة لن تبقى معكم طول الحياة، فعندما ستتوجهون إلى ميدان العمل بعد التخرج من الجامعة فمن المحتمل أن يقدَّم لكم راتبٌ شهري قد ينتهي خلال أسبوعين. وقد يدفعكم الأمر إلى أن تتناولوا وجبة واحدة في اليوم، وسوف تُرسلون إلى أفريقيا حيث يقتحم البعوض حتى الناموسية ويبيت الإنسان متألما من لسعاته. يجب على طلاب الجامعة أن يتعودوا على تحمل المشاق بدرجة كبيرة. وهذا التحمل ينبغي أن يزداد حين يبدأون الحياة العملية كدعاة بعد التخرج. فمن هذا المنطلق ربُّوا أنفسكم، إنكم ستتحملون كل أنواع الصعوبة لله ومن أجل تقدم دينه وانتشاره في العالم. وفقكم الله لذلك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك