البعث الإسلامي.. حقيقة ثابتة
  • البعث الإسلامي حقيقة لا خيال
  • بيَّن الله للمسلمين أن يُعجلوا في إدخال القوم في الإسلام كي يتحقق البعث الإسلامي
  • الترتيب المُحكم لآيات القرآن وارتباطها ببعضها رد مفحم للمعترضين
__
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (الإسراء: 49)

التفسير:
باستخدام كلمة الْأَمْثَالَ قد أوضح الله تعالى أن جميع المعـــــــاني لكلـــمة
مَسْحُورًا تنطبق في الآية السالفة، وإلا لوجب استعمال كلمة (مَثل).
واتضح من ذلك أيضًا أن القرآن إذ يستخدم كلمة ذات مدلولات عديدة، فكل تلك المدلولات تنطبق هناك في آن واحد، إلا ما كان منها خلافًا للسياق.

وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (الإسراء: 50)

شرح الكلمات:
عظامًا: العظام جمعُ العظْم (الأقرب).
رُفاتًا: الرُفات: الحُطامُ؛ كلُّ ما تَكسَّرَ وبَلِيَ (الأقرب).

التفسير:
لقد أنبأت الآيات السالفة عن رقي المؤمنين ووقوع الكافرين في الجحيم، وتتحدث هذه الآية عن شبهة قد تدور في خَلَدِ الكفار لدى سماع هذا الإعلان، وهي: كيف يمكن أن نُخلَق من جديد وقد صارت عظامنا رفاتًا وذرات.

وقد يكون المعنى أنه مهما تحجّرتْ قلوبكم وتصلّبت فلن يحول هذا دون رقي رسولنا وازدهاره، بل لا بد أن يدخل كثير منكم في الإسلام، وأن يُحدث الله في قلوبهم انقلابًا عظيمًا.

قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (الإسراء: 51-52)

شرح الكلمات:
فسيُنغضون: أنغضَ فلان رأسَه: حرّكه كالمتعجب من الشيء (الأقرب).

التفسير:
يجيب الله تعالى هنا على اعتراض الكفار الذي مرّ ذكره آنفًا، فيقول: لن تنجوا من عذاب الله مهما تغيرتم، حتى ولو صرتم حجرًا أو حديدًا أو أي شيئًا أصلب من ذلك.
وقد يكون المعنى أنه مهما تحجّرتْ قلوبكم وتصلّبت فلن يحول هذا دون رقي رسولنا وازدهاره، بل لا بد أن يدخل كثير منكم في الإسلام، وأن يُحدث الله في قلوبهم انقلابًا عظيمًا.
أستنتج من هذه الآية أنه من الممكن أن يحدث في جسم الإنسان المدفون تحت الأرض لمدة طويلة تغيُّرٌ يحوّله إلى مادة جديدة. ذلك أنه فيما يخص النباتات فقد أثبتت البحوث العلمية أن كثيرًا من الشجر المدفونة تحت الأرض منذ أزمنة سحيقة قد صارت فحمًا، وبعضها تحولت إلى ألماس (الموسوعة البريطانية الجديدة كلمة Coal). إذن فلا غرابة في أن يتحول الجسم الإنساني المدفون تحت الأرض لمدة طويلة إلى الحجر. لا شك أننا لم نعثر بعد في الآثار القديمة على ما يؤكد ذلك، ولكنه ليس بأمر مستحيل عقليًّا. لذلك أرى أن هذه الجملة تنصّ على أنه لا مناص للإنسان من البعث بعد الموت ولو مرّت على عصر الحياة الإنسانية فترةٌ طويلة ممتدة إلى ملايين السنين تتبدل فيها الأجسامُ الإنسانية المدفونة تحت الأرض وتتغير كليّةً.
وأما قولهم مَنْ يُعِيدُنَا فاعلَمْ أنهم لم يكونوا جادّين في هذا السؤال، وإنما قالوا هذا على سبيل السخرية. وكأنهم يقولون: أَرُونا مَن يزعم أنه سيبعثنا من جديد؟ وهذا التعبير يماثل قولنا في لغتنا: أَرِني وجهَ مَن يدّعي هذا. فالاستفهام هنا إنكاريٌّ؟
وقوله تعالى فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ يعني أنهم سينظرون إليك من باب السخرية محرّكين رؤوسهم وقائلين: حسنًا، فأنت الذي تعتقد بذلك؟
وأما قوله تعالى عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فالمراد منه أن البعث الذي نعنيه هنا ليس ذلك الذي تعترضون عليه، وإنما نعني البعثَ الذي سيتم بواسطة المسلمين في هذه الدنيا، واعلموا أنه موشك. وبالفعل فقد وقع البعث الذي نبّأت به هذه السورة حين أسلم أهل الجزيرة العربية بفترة وجيزة.

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء: 53)

التفسير:
لقد دلّت هذه الآية أيضًا على أن البعث المذكور هنا سيتم في هذه الدنيا، حيث قال الله تعالى: إن هذا البعث سيقع في اليوم الذي يناديكم اللهُ أو رسولُه فيه، عندها لن تبقوا صامتين تجاه ندائه صمتَ الأموات، بل سيُسرع معظمُكم إلى تلبية ندائه، وستفاجَئون بسرعة غلبة الإسلام حتى تقولوا: إنا كنا خاطئين إذ استبعدنا هذه الغلبة، مع أنها كانت جدَّ قريبة.
ولعل الآية تعني أيضًا أن الناس عندما يؤمنون سيندمون على سنوات عمرهم التي أفنَوها في الكفر، وسيرون أنهم قد وُلدوا الآن ولادةً حقيقية. كما أن المؤمنين أيضًا سينسَون أيام المحن والشدائد، ويرونها قد انقضت في لمح البصر. فالآية إذًا لا تتحدث عن طول الزمن أو قصره، وإنما تتحدث عن المشاعر التي ستنتابهم في ذلك الوقت. ورد في الحديث الشريف: «ليس على أهلِ «لا إله إلا الله» وحشةٌ في قبورهم ولا في مَنشَرهم، وكأني بأهل «لا إله إلا الله» ينفُضون الترابَ عن رؤوسهم ويقولون: الحمد لله الذي أذهبَ عنا الحَزَنَ (روح المعاني، تحت هذه الآية، والترمذي، والمعجم الأوسط للطبراني الجزء العاشر رقم الحديث 9474). وكأنهم سوف ينسون كل همّ وحزن بمجرد أن تتيسّر لهم الراحة والرقي، معتبرين فترة المحن والمعاناة قصيرةً جدًّا.

كما تتضمن هذه الآية وصية ربانية للمسلمين أنهم إذا كانوا فعلاً يريدون أن تقترب أيامُ البعثِ الإسلامي…. فعليهم أي يسلكوا سلوكًا يؤدي إلى إسلام القوم بسرعة.

وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (الإسراء: 54)

شرح الكلمات:
ينـزِغ: نـزَغه نَـزْغًا: طعَن فيه واغتابَه وذكَره بقبيح. ونـزَغ بين القوم: أغرَى وأفسَدَ وحمَل بعضَهم على بعض، ونـزَغ الشيطانُ بينهم (الأقرب).

التفسير:
ما أكثَرَ المتعةَ التي يجدها المرء في قراءة القرآن الكريم. فرغم أن ترتيبه الحالي يختلف عن ترتيبه النـزولي – حيث وُضعتْ بعضُ سُوَرِه قَبل السُور التي كانت أسبقَ منها نـزولاً – فإنك تجد في مواضيعه انسجامًا تامًّا بحيث يخيَّل إليك وكأن سورتين من سوره بابان من كتاب تمَّ تأليفُه في وقت واحد. فمثلا قال الله تعالى في السورة الماضيةِ.. النحلِ: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الآية: 126).. وقد تناولتْ سورةُ الإسراء الآن هذه المواضيع بنفس الترتيب؛ فبعد بيان محاسن القرآن قال الله تعالى ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ (الآية:40)، مشيرًا إلى الْحِكْمَة ؛ ثم قال وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ….إلخ (الآية40 وما بعدها)، مشيرًا إلى الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ؛ ثم قال وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَ (الآية:54) مشيرًا إلى قوله
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
بعد رؤية هذا الترتيب المحكَم كيف يمكن لأحد أن يزعم بأن لا ربطَ ولا ترتيبَ في القرآن الكريم.
أما قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ فلفت به أنظارنا إلى ضرورة القول الحسن حتى للأصدقاء، وأن علينا أخذ الحيطة والحذر أكثر بهذا الشأن خاصة حين يسعى العدو لبذر النفور والكراهية بين القوم، فنتحدثَ بأسلوب يليّن جانبَ الناس تُجاهنا.
علمًا أنه قد يراد بالشيطان هنا الشخص الفاسق، كما يمكن أن يراد به الكائن الذي قد خُصَّ بهذا الاسم، فهو الذي يوسوس في صدور الناس.
كما تتضمن هذه الآية وصية ربانية للمسلمين أنهم إذا كانوا فعلاً يريدون أن تقترب أيامُ البعثِ الإسلامي، أي أيام ازدهاره الموعود في قوله تعالى
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فعليهم أي يسلكوا سلوكًا يؤدي إلى إسلام القوم بسرعة.
لقد تبين من هذا أيضًا أن قوله تعالى من قبل فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ كان يعني دخول القوم في الإسلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك