في ظلال دلالة سمة من سمات القرآن الكريم

في ظلال دلالة سمة من سمات القرآن الكريم

مصطفى ثابت

تُثار في الغرب مزاعم كثيرة ضد التحدي القرآني القائل بأنه لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثله. ويُقال أيضاً بأنه ليس بالضرورة من وحي الله تعالى، بل إن محمداً كان طفرة من بين البشر. إذ يقولون إنه حسب قانون الطفرة يُمكن أن يُؤتى فردٌ من الأفراد موهبةً فائقة أو قدرةً خارقة، لا يُماثله فيها أحدٌ من البشر.

وعلى هذا.. فإن كان القرآن كتاباً فريداً لم يستطع أحد أن يأتي بمثله، فلا يدل هذا بالضرورة على أنّ ذلك الكتاب من وحي الله تعالى، بل يمكن القول بأنّ محمداً كان رجلاً عبقرياً.. وإنه كان طفرة من بين البشر.

أقرأ الرد على هذا البهتان وأفحص الدلائل على أن القرآن نزل من عند الله، من خلال كتاب: القرآن معجزة الإسلام الذي سننشره عبر حلقات في هذه الزاوية. “التقوى

الفصل الثاني

القــــــوامة

السمة الثانية الخاصة بالقرآن المجيد هي القوامة، وقوامة القرآن تعني بكل اختصار أنه كما وصفه الله تعالى: كتابٌ قيّم.

والقيّم في اللغة له ثلاثة معانٍ: فهو الشيء ذو القيمة العالية الذي ينتفع به الناس. فالمحاضرة القيّمة هي المحاضرة التي يستفيد بها الناس ويتعلمون منها شيئاً نافعاً. والكتاب القيّم هو الكتاب الذي يفيض بالعلم والحكمة لخير الناس. وهكذا.. النصيحة القيّمة.. والرأي القيّم الذي فيه النفع والمصلحة. والقيّم أيضاً هو الذي يُشرف على تربية القُصَّر وتوجيههم، وهو الذي يُربي الذين لم يبلغوا أشدّهم بعد، كما أنه الشخص الذي يقوم على أمر من هم في حاجةٍ إلى خدمة أو إعالةٍ أو إشراف، ومن هنا جاء في القرآن الكريم أنّ الرجال قوّامون على النساء.. أي أنّ الرجال يقومون بخدمة النساء وإعالتهن والإشراف على شؤونهن.

والقيّم هو الشيء المعتدل والمستقيم الذي لا عوج فيه.. يُقال أمرٌ قيّم أي مستقيم، والديانة القيّمة هي الديانة المستقيمة بغير اعوجاج، وقد وصف الله تعالى الإسلام بأنه دين القيّمة لأنه هو الدين المستقيم الذي يقود إلى الصراط المستقيم بغير انحراف وبدون اعوجاج.

ووصْف القرآن بأنه كتابٌ قيّم يحمل المعاني الثلاثة التالية:

أولاً: هو كتاب ذو قيمة عالية، ينتفع به ويُقوّم أمور حياتهم ومناهجهم في الحياة.

ثانياً: هو كتاب قيّم لأنه يُشرف ويُهيمن على الكتب الأخرى، ويُبيّن للأمم الأخرى الأمور التي يختلفون فيها فهو يُقَوِّم أمورهم.

ثالثاً: هو كتابٌ قيّم لأنه مستقيم لا عوج به، وقائمٌ على العدل لا ريب فيه وينطق بالحق ولا ينحرف عنه.

والقرآن حين يُعلن أنه كتابٌ قيّم.. بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ.. فإنه لا يُعلن أمراً من غير أن يُقيم الدليل عليه. وما أسهل أن يصف المؤلف كتابه بأنه كتابٌ قيّم، وما أيسر أن يظن الناس عن كتابهم السماوي أنه كتابٌ قيّم. وكل من يؤمن بكتابٍ معين.. فإنه بطبيعة الحال يعتقد أنه كتابٌ قيّم، فمن غير المعقول أن يؤمن أحد بكتابٍ لا قيمة له. ولكن ليس حسن الظن وحده هو الذي يجعل الكتاب قيّماً.. فلا بد أن يقدّم الكتاب السماوي بنفسه الدليل على قيمته وعلوّ شأنه. كذلك يجب أن نضع في الاعتبار أن أيّ دعوى تظل مجرّد ادّعاء أجوف.. لا سند له.. ما لم يكن هناك الدليل على صدقها. وأيضاً.. إن لم يُعلن الكتاب السماوي نفسه أنّه كتابٌ قيّم، فلا يجوز لأتباعه أن يصفوه بصفةٍ لم يَقُل بها الكتاب نفسه. ولهذا.. إذا كان هناك مجالٌ للمقارنة بين القرآن وبين أي من الكتب السماوية الأخرى.. فإننا يجب أن نسأل أولاً: هل يُعلن ذلك الكتاب أنه كتابٌ قيّم؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي.. ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولا يكون هناك وجهٌ للمقارنة بعد ذلك. وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فإننا نسأل: ما هي الشواهد التي استعملها الكتاب نفسه ليدلّل ويبرهن ويُثبت ويؤكد على أنه فعلاً كتابٌ قيّم؟

ومن هذا المنطلق.. نبدأ البحث في دعوى القرآن الكريم.

يقول الكتاب العزيز:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّماً…. (الكهف: 2)

وهنا يأتي المتطلب الأول.. أي إعلان القرآن بنفسه.. بكل وضوحٍ لا لبس فيه ولا غموض.. أنّه كتابٌ قيّم. لم يخلع المسلمون عليه هذه الصفة، ولم يُسندها إليه المفسرون، ولم ينسبها إليه المؤمنون به، وإنما صاحب الكتاب نفسه.. أي الله سبحانه وتعالى الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ هو الذي يُقرّر هذه الحقيقة، وهو الذي يؤكد على هذه الصفة، وهو الذي جعل هذه السمة سمةً خاصة من سمات الكتاب الحكيم.

ثم يأتي المتطلب الثاني.. أي البرهان والدليل على أنَّ القرآن فعلاً كتابٌ قيّم. إنّ الادّعاء الذي يقوم بغير دليل لا وزن له، والدعوى التي تُقدَّم بغير برهان لا شأن لها. وفي الصفحات القادمة سوف نتناول هذا الموضوع بالشرح والبحث، ونبرهن على أنّ كل المعاني الثلاثة التي تتضمّنها صفة “القيّم” هي بالفعل التي تنطبق على القرآن الكريم.

أولاً: القرآن.. الكتاب ذو القيمة العالية

حين أعلن الله تعالى أنَّ القرآن كتابٌ قيّم.. لم يغفل أن يذكر أمراً هاماً يتعلّق بتلك السمة الهامة من سمات القرآن وقيمته العالية.. وهو أنّه كتابٌ لا عوج له، وصحيح أنه من ضمن معاني “القيّم” التي أشرنا إليه آنفاً هو الشيء المستقيم الذي لا عوج له، ولكن الله تعالى لم يذكر لفظ “القيّم” ويترك للقارئ أن يفهم ضمنياً أنه كتابٌ خلوٌّ من العوج، وذلك لأن الموصوف هنا هو الكتاب العزيز. والكتاب.. أي كتاب.. يمكن أن يكون قيّماً، ولكن يمكن أيضاً أن يكون به بعض العوج، وهذا العوج قد لا يُنقص كثيراً من قيمة الكتاب أو من فائدته، فيكون قيّماً رغم ما فيه من العوج. فقد لا يحطُّ من قيمة الكتاب أن يكون المؤلف قد أخطأ في أمرٍ من الأمور رغم إصابته في كل الأمور الأخرى التي يتناولها الكتاب بالبحث والتحليل. وقد يكون المؤلف قد جانَبَ الصواب في توضيح حقيقة من الحقائق التي تناولها في كتابه رغم أنه أحسن وأجاد في توضيح جميع الحقائق الاخرى كلها. وقد يكون فاته تقديم دليل من الأدلة رغم أنه دلّل على كل مباحث الكتاب الأخرى وأتى بأقوى الدلائل والبراهين. وكل هذه الأمور لا تُنقص من قيمة الكتاب ككل، ولا تحطُّ من شأن الاستفادة به والانتفاع منه، إلّا أنها تظلُّ منقصةً تستدعي الإكمال، وخطأ يستوجب التصحيح، وعِوج يتطلب التسوية. وبرغم هذا يكون من الممكن أن يوصف الكتاب كله بأنه كتابٌ قيّم. ولكي يُزيل الله تعالى عن القرآن الكريم هذا المفهوم.. بدأ الله تعالى بوصف كتابه العزيز بأنه كتابٌ لا عِوجَ له.. قبل أن يصفه بأنه كتابٌ قيّم، وذلك حتى يُزيل من ذهن القارئ توقّع وجود أي عِوج به إذا بدأ بوصفه أنه كتابٌ قيّم.

ولا يغيبنَّ عن البال أنَّ الكتاب الذي لا عوج فيه لا يعني بالضرورة أنّه كتابٌ قيّم. فالكتاب قد لا يحتوي إلّا على حكايات وأساطير لأن غرضه قصّ الحكايات والأساطير. وعلى هذا فقد لا يوجد به عوج أو منقصة، ولكن أصحاب الرأي والحكمة والغالبية من الناس قد لا تجده كتاباً قيّماً، رغم أنَّ صبياً يبحث عن الحكايات والأساطير قد يجده كذلك.

ومجمل القول.. إنَّ الكتاب القيّم قد لا يحطّ من شأنه ولا يُقلّل من قيمته ولا يُنقص من الاستفادة به وجود بعض العوج به. والكتاب الذي لا يكون به أي عوج قد لا يكون بالضرورة كتاباً قيّماً. أمّا القرآن المجيد.. فإنّه جمع بين الأمرين، ووصفه الله تعالى بالصفتين.. إنّه كتابٌ لا عوج له، وإنّه أيضاً كتابٌ قيّم، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ (الكهف: 3-4)

وكما ذكرنا من قبل.. إنه من السهل ادّعاء أمر من الأمور، غير أن الدعوى التي لا دليل عليها تظل دعوى خاوية جوفاء لا قيمة لها. ولكن القرآن لا يدّعي دعوى بغير أن يُدلّل عليها، لذلك فإنَّ القرآن يسوق الدليل تلو الدليل ويُقدّم البرهان الناصع، ويُبرز الحجة الدامغة، ويعدّد الأسباب التي من أجلها وصفه الله تعالى بأنه كتابٌ قيّم، فيقول:

أولاً: إنه يحتوي على أمورٍ قيّمة، ويقود الإنسان إلى الدين القيّم، ويهدي إلى ما هو أحسن وأقوم في كل أمرٍ من أمور الحياة.

إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ (الإسراء: 10)

رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (البيّنة: 3-4)

قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام: 162)

ثانياً: إنه أحسن ما أنزل الله تعالى.. من الوحي ومن الحديث ومن الشرائع ومن الكتب ومن القصص والعبر التي احتواها القرآن. يقول تعالى:

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنـزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ (الزمر: 56)

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ (يوسف: 4)

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (الزمر: 24)

ثالثاً: إنه الحق الخالص.. نزل من عند الله تعالى ويحتوي على الحق.

وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (الإسراء: 106)

إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ (النساء: 106)

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ (فاطر: 32)

رابعاً: إنه نورٌ من الله تعالى.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (النساء: 175)

مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا (الشورى: 53)

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (التغابن: 9)

خامساً: إنه كتاب الهدى وهو يهدي إلى طريقٍ مستقيم.

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ (البقرة: 186)

وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف: 53)

كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأحقاف: 31)

سادساً: إنه كتابٌ يُخرج الناس من الظلمات إلى النور.

هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (الحديد: 10)

كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ (إبراهيم: 2)

قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة: 16-17)

سابعاً: إنه كتاب البصيرة وفيه بصائر من الله تعالى.

هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (الجاثية: 21)

هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف: 204)

قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا (الأنعام: 105)

ثامناً: إنه كتابٌ فيه هدى وموعظة وشفاء.

قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ (فُصّلت: 45)

وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الإسراء: 83)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ (يونس: 58)

تاسعاً: إنه كتابٌ مبارك.

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص: 30)

وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأنعام: 156)

وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا (الأنعام: 93)

عاشراً: إنه كتابٌ يحتوي على آياتٍ بيّنات.

هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (الحديد: 10)

وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (البقرة: 100)

وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (النور: 35)

حادي عشر: إنه كتابٌ بلسانٍ عربي مبين. واللسان العربي المبين هو اللسان الذي خلقه الله تعالى وعلّمه آدم عليه السلام، ولذلك فقد استحق أن يوصف بأنه “مبين” وبأنه “البيان” في قوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (الرحمن: 4-5). و إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الزخرف: 3)

كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (فُصّلت: 4)

وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ (الأحقاف: 13)

ثاني عشر: إنه كتابٌ محفوظ بفضل الله تعالى فلا يمسّه التحريف ولا التغيير ولا التبديل ولا تعتريه زيادةٌ ولا نقصان.

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 10)

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (البروج: 22-23)

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (الواقعة: 78-79)

هكذا يسوق الله تعالى الأدلة البيّنة والبراهين الواضحة على علوّ قيمة هذا القرآن العظيم. ليس الأمر مجرد دليل يتيم يشوبه الشك ويغلّفه ضباب الارتياب، وإنما اثنا عشر دليلاً.. يسوقها سبحانه في كتابه العزيز، ويدلّل على كل منها بثلاث آيات على الأقل، ولولا ضيق المقام لسردنا الكثير من الآيات التي ساقها سبحانه وتعالى برهاناً وتأكيداً وتدليلاً. ولكل هذه الأسباب.. فإنّ الله تعالى وصفه بأجلّ الأوصاف، وذكره بأعلى المناقب، فكان منها:

1- إنه حكيم، أي مليء بالحكمة ولا يتطرّق إليه الخلل:

تِلْكَ آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم (يونس: 2)

2- إنه كريم، أي إنه جامع لأنواع الخير والشرف والفضائل:

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (الواقعة: 78)

3- إنه مجيد، أي إنه مستحقٌ للشرف والنبل والرفعة:

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (البروج: 22)

4- إنه عزيز، أي إنه رفيع القدر والمكانة، بالغ الحجة ودامغ الباطل:

وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (فُصّلت: 42)

5- إنه عظيم، أي إنه يزيد عن كل وصف ولا يُحاط به:

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (الحجر: 88)

6- إنه برهان، أي فيه الحجة الفاصلة:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (النساء: 175)

7- إنه عليّ، أي رفيع القدر يسمو في مكانته:

وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف: 5)

8- إنه الحق، أي الصحيح التام الكامل الثابت الذي ينبغي أن يُطلب:

إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (هود: 18)

9- إنه عجب، أي إنه يختلف عن المألوف ويسمو عن المعتاد:

إِنّا سَمِعنا قُرآنًا عَجَبًا * يَهدي إِلَى الرُّشدِ (الجن: 2-3)

10- إنه مبارك، أي إنه كثير الخير، وينمو به الخير ويزداد:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ (ص: 30)

11- إنه نذير، أي إنه يحذر من سوء العواقب:

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (الفرقان: 2)

12- إنه بشير، أي إنه المخبر بالخير:

قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا (فصّلت: 4-5)

13- إنه بشرى، أي إنه سبب يتصل بالفرح والسرور:

نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة: 98)

14- إنه فرقان، أي إنه يُفرّق بين الحق والباطل والحلال والحرام:

وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ (البقرة: 186)

15- إنه حق، أي إنه الصدق التام الكامل:

  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ (السجدة: 4)

16- إنه خير، أي فيه ما يفيد ويحقق الفائدة:

وَقِيلَ لِلّذِينَ اتّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ خَيْراً (النحل: 31)

17- إنه روح، أي إنه يبعث الحياة في النفوس:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا (الشورى: 53)

18- إنه بلاغ، أي فيه الكفاية لتبليغ الشيء المطلوب:

هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ (إبراهيم: 53)

19- إنه مبين، أي إنه واضح يظهر الحق من الباطل:

تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (النمل: 2)

20- إنه بيان، أي إنه فصيح اللفظ:

هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ (آل عمران: 139)

21- إنه تبيان، أي ما تتضح وتظهر به الأمور:

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل: 90)

22- إنه ذِكر، أي فيه شرف وله شهرة، يُذَكّر ويُذْكَر ويَذْكُرُ الخير:

إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (يس: 70)

إنه ذكرى، أي إنه سبب يؤدي للاتعاظ:

إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (الأنعام: 91)

24- إنه تذكرة، أي إنه موعظة:

وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (الحاقّة: 49)

25- إنه حق اليقين، أي إنه قمة العلم الصحيح:

وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (الحاقّة: 52)

هذه هي عظمة القرآن.. وهذا هو إعجازه الذي لا يمكن أن يقابله أو يقارنه أي كتاب سماوي آخر، فهل هناك من كتاب نال كل هذه الصفات؟ لقد أنزل الله تعالى كتباً كثيرة، وهي جميعها كتب مقدّسة، ولكنه تعالى يعلم أنها ليست باقية إلى يوم القيامة، وهو لم يذكر فيها وعداً بحفظها وصَوْنها من يد العبث، والتحريف، وسوء الترجمة، واندثار اللغة الأصلية التي نزلت بها تلك الكتب، وضياع الأصول التي سُجلت عليها. وهو سبحانه يعلم أن الشريعة الكاملة التي يحتويها الكتاب الكامل سوف تتنزل على أكمل البشر وخاتم النبيين ، لذلك فقد استودع الله تعالى هذا الكتاب رحمته، وملأه من الحكمة والبصيرة، وأبقاه محفوظاً مصوناً ليكون معجزة لا يصل إليها كتاب، ولا يتسامَى إليها تنزيل، ولا يتطاول إليها وحي، ولا ينازعها علم، ولا يُقارنها هدى، ولهذا يقول تعالى:

ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (الأحقاف: 4)

(يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك