لكل فعل رد فعل ولكل عمل نتيجة

لكل فعل رد فعل ولكل عمل نتيجة

مصطفى ثابت

تُثار في الغرب مزاعم كثيرة ضد التحدي القرآني القائل بأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله. ويُقال أيضا بأنه ليس بالضرورة من وحي الله تعالى، بل إن محمدًا كان طفرة من بين البشر. إذ يقولون إنه حسب قانون الطفرة يُمكن أن يُؤتى فرد من الأفراد موهبة فائقة أو قدرة خارقة، لا يماثله فيها أحد من البشر.

وعلى هذا.. فإن كان القرآن كتابا فريدا لم يستطع أحد أن يأتي بمثله، فلا يدل هذا بالضرورة على أن ذلك الكتاب من وحي الله تعالى، بل يمكن القول بأن محمدا كان رجلا عبقريا.. وإنه كان طفرة من بين البشر.

اقرأ الرد على هذا البهتان وافحص الدلائل على أن القرآن نزل من عند الله، من خلال كتاب: «القرآن معجزة الإسلام» الذي سننشره عبر حلقات في هذه الزاوية.   «التقوى»

الدليل الثاني

 على قدسية القرآن

إنه كتاب يهدي الصالحين ويضل الفاسقين

إن الكتاب الذي يؤلفه مؤلف من البشر.. عادة ما يستفيد منه الناس حسب نباهة عقولهم وبمقدار فهمهم لمادة الكتاب. فمثلا الكتاب الذي يكتبه كاتب في مادة الكيمياء.. يفهمه الناس المتخصصون في علم الكيمياء، ولا يتفاوت فهمهم لما جاء فيه إلا بحسب قدراتهم على الفهم والتحصيل. وينطبق نفس هذا الكلام على كتاب في علم الطبيعة أو القانون أو الفن أو الأدب وما إلى ذلك.. فإن الناس يستفيدون جميعا من هذه الكتب، كلٌّ حسب قدراته العقلية وبقدر استيعابه لموضوع الكتاب. إن المؤلف البشري يبتغي أن يوصل معلومات كتابه إلى جميع القراء بغير استثناء، وإذا قرأ الكتاب اثنان من القراء على نفس المستوى العلمي أو الأدبي فإنهما عادة يستفيدان منه بنفس القدر.

إذا قرأ القرآن رجل يحمل الكثير من الشهادات العلمية أو الأدبية، ولكنه لا يبتغي الهداية بقراءته للقرآن، فإنه لن يجد فيه ما يهديه. وأما إذا قرأ آيات القرآن رجل كان يبتغي فعلا معرفة الحق ويريد الهداية، فإن الله يشرح صدره ويهديه إلى الحق.

أما الكتاب الذي يأتي من عند الله تعالى ولا يكون من تأليف البشر، فإن غايته هي هداية البشر. غير أن تلك الهداية ليست مفروضة على القراء غضبًا عنهم، بل تتوقف على رغبة القارئ في الحصول على الهداية، أو عدم رغبته فيها. لذلك فإن الكتاب الذي يأتي من عند الله يتبع القانون الذي وضعه الله تعالى لهداية البشر: من يُرِد أن يهتدي يهده الله، ومن لا يريد الهداية بل يبتغي الضلالة يضله الله. وعلى هذا فإن الكتاب الذي يأتي من عند الله قد يقرأه اثنان من القراء على نفس المستوى العلمي أو الأدبي، ولكنهما لا يستفيدان منه بنفس القدر، بل بقدر رغبة كل منهما في الحصول على الهداية.

إن السير إسحاق نيوتن.. عندما اكتشف قوانين الحركة في هذا الكون الذي خلقه الله تعالى.. اكتشف أيضا قانون رد الفعل، فقال إن لكل فعل رد فعل. وبالطبع فإن هذا القانون هو قانون وضعه الخالق تعالى كما وضع القوانين الأخرى التي تحكم هذا الكون، مثل قوانين الجاذبية والحركة التي يُرى أثرها في كل مكان من هذا الكون.

وقد قضى الخالق الحكيم أن يكون لكل فعل رد فعل.. أو ما يمكن أن نسميه نتيجة للفعل. فإذا قام الإنسان بفعل شيء ما، يكون لفعله هذا نتيجة محتمة، لا يستطيع الإنسان أن يغيرها إلا بفعل آخر. فمثلا.. الله تعالى خلق العين في الإنسان لتبصر، وخلق أيضا الأشياء التي يمكن أن تبصرها العين في ظروف وجود الضوء اللازم للرؤية. فإذا كانت العين سليمة، وقام الإنسان الواعي بفتح عينيه، فإن الله تعالى يجعل لفعله هذا نتيجة محتمة وهي أنه يُبصر، ولا يستطيع الإنسان ولا يملك إلا أن يُبصر. كذلك فإن الإنسان الذي يُغمض عينيه فإن الله يجعل لفعله هذا نتيجة محتمة وهي أنه لا يبصر، ولا يستطيع الإنسان.. مهما أوتي من قوة أن يُغير هذه النتيجة إلا إذا قام بفعل آخر، وهو أن يفتح عينيه. وهكذا.

وقد قضى الله تعالى أن من يشاء أن يهتدي.. فإن الله يهديه، ومن يشاء أن يضل.. فإن الله يضله. فقال:

فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويَهْدِي مَن يَشَآءُ (فاطر:9) وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا (آل عمران:146)

إن لكل فعل رد فعل.. أي أن لكل فعل يفعله الإنسان رد فعل أو نتيجة يفعلها الله تعالى. هذا هو القانون الإلهي الذي يحكم الكون كله.. سواء في العالم المادي أو اللامادي.. في عالم الطبيعة أو في عالم الدين. لذلك فإن القرآن الكريم يُعلن في أول سورة بعد الفاتحة أنه كتاب الهُدى، ولكن ليس لكل الناس مهما اختلفت أغراضهم في قراءته، وإنما هو هدى للمتقين. يقول تعالى في أول سورة البقرة:

ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (البقرة:3)

أي إن هذا الكتاب لا يستفيد منه ولا يهتدي به كل الناس حسب قدراتهم على الاستيعاب والتحصيل، كما هو الحال بالنسبة للكتب الأخرى التي هي من تأليف البشر. إذ قد يقرأ هذا الكتاب بعض من العلماء ولكنهم لا يهتدون به ولا يستفيدون منه، لأنه كما ذكرنا.. الهداية أمر لا يفرضه الله على الناس، وإنما من أراد أن يهتدي فإن الله يهديه، ومن لا يريد الهداية فإن الله لا يهديه. وهكذا.. إذا قرأ القرآن رجل يحمل الكثير من الشهادات العلمية أو الأدبية، ولكنه لا يبتغي الهداية بقراءته للقرآن، فإنه لن يجد فيه ما يهديه. وأما إذا قرأ آيات القرآن رجل كان يبتغي فعلا معرفة الحق ويريد الهداية، فإن الله يشرح صدره ويهديه إلى الحق. ولنأخذ على ذلك مثالا لما حدث في واقعة إيمان عمر بن الخطاب.

كان عمر بن الخطاب من أكثر الناس معارضة للدين الجديد الذي أتى به محمد . وكان في عداوته لهذا الدين شديدا غليظا حتى إنه كان يقوم بنفسه بتعذيب بعض المسلمين من العبيد ومنهم جارية بني مؤمل التي اشتراها أبو بكر وأعتقها.

لقد كان عمر في شدته وفي غلظته على قناعة تامة بأن الدين الجديد خروج على دين إبراهيم ودين الآباء والأجداد، وعلى ذلك فمعارضته كانت تعتبر واجبا مقدسا بالنسبة له، حتى لا يُفتتن الناس ويتحولوا عن دينهم الذي نشأوا عليه وعرفوه.

وفي أحد الأيام شديدة الحر.. كان عمر يمشي في بعض طرق مكة وهو يفكر في أحسن الوسائل للقضاء على الدين الجديد وانقاذ الناس منه، حتى إنه كان يفكر في قتل الرسول . ولقيَه رجل من قريش فقال له أين تذهب يا ابن الخطاب.. أنت تزعم إنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك. فسأله عمر مستنكرا: وما ذاك؟ قال: أختك صبأت. وكانت قريش لا تقول عن المسلمين إنهم مسلمون.. بل كانت تسميهم صابئين.. أي إنهم خرجوا على دين آبائهم.

واشتعل عمر بالغضب والحنق على محمد وعلى هذا الدين الذي يُفَرق بين الأخ وأخيه وبين الإبن وأبيه. ويمم شطر بيت أخته حتى إذا جاءه قرع الباب بعنف. كان بالداخل اخته وزوجها ومعهما رجلان من المسلمين، وكانوا يقرأون القرآن من صحيفة كانت معهم. فلما سمعوا الطرق قيل من هذا؟ قال: أنا ابن الخطاب. وما أن سمع الرجال صوته حتى تبادروا واختفوا، وفتحت المرأة الباب فقال لها: يا عدوة نفسك قد بلغني أنك صبأت”، ورفع شيئا كان في يده وضربها على وجهها فسال منها الدم. فلما رأت المرأة الدم بكت وقالت: “يا ابن الخطاب.. ما كنتَ فاعلا فافعل فقد أسلمتُ”.

ودخل عمر البيت وهو مغضب فجلس على السرير، ثم نظر فرأى الصحيفة التي كانوا يقرأون فيها في ناحية من البيت. فقال: “ما هذا الكتاب؟ أعطنيه”. فقالت: “لا أعطيك.. إنك لست من أهله. أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهر، وهذا لا يمسه إلا المطهرون.

وتعجب عمر لهذا الكتاب الذي جعل أخته تقف في مواجهته بهذه الجرأة، وتقول له افعل ما تريد أن تفعل فقد أسلمت، وهو الذي يرتعد منه الرجال ويخشونه. إن هذا الإيمان القوي لا يمكن أن يكون من أثر السحرة أو الكهنة أو الكذابين. وأراد عمر أن يقرأ ما في الصحيفة ليعرف ما يقوله محمد، ثم يقرر بنفسه ما إذا كان لهذا الكلام شأن أم أنه لا يعدو أن يكون لغوا مثل كلام الكهنة والعرافين. وقام عمر ليغتسل حتى تسمح له اخته أن يقرأ ما في الصحيفة.

لقد كان عمر.. مخلصا في معارضته للإسلام  لأنه كان حريصا على دين الآباء. وكان يخشى أن يُفتَتن الناس بالدين الجديد ويصبأوا عن دين إبراهيم. فقد كان يسمع في مجتمعه كل سوء يُذكر عن دين محمد، ولم تُتح له فرصة لأن يتحدث مع محمد مباشرة، أو يعرف منه إلى ماذا يدعو الناس. ونستمع إلى عمر وهو يحكي بنفسه عن شعوره بعد أن اغتسل وأعطته اخته الصحيفة:

“أخذتُ الصحيفة فإذا فيها بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .. فلما مررت بـ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذُعرت ورميت الصحيفة من يديّ، ثم رجَعَتْ إليّ نفسي فإذا فيها سَبَّحَ للهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذُعرت حتى ترجع إليّ نفسي، حتى بلغتُ ءَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلْنَاكُمْ مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ حتى بلغتُ إلى قولـه:  إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله”.

لقد كان عمر مخلصا في معارضته للدين الجديد، وكان مخلصا فيما يعتقد، وكان أيضا مخلصا في رغبته أن يعرف حقيقة الدين الجديد، فأعانه الله تعالى لكي يرى الحق، فرآه واتبعه.

كان رسول الله قد دعا الله تعالى أن يُعز الإسلام بأحد العُمَرين.. عمرو بن هشام (أبو جهل)، أو عمر بن الخطاب. فلماذا هدَى الله عمر بن الخطاب ولم يهدِ أبا جهل؟ لأن ابن الخطاب كان من المتقين.. كان من المخلصين.. كان يريد أن يعرف الحق. أما أبو جهل فقد أعمته أنانيته وكِبره عن رؤية الحق. لقد كان عمرو بن هشام يُعَدُّ في قومه من أحكم الناس، حتى إنهم خلعوا عليه لقب: “أبو الحِكَم” الذي غيره رسول الله بلقب: “أبو جهل”. لأنه  لم يستعمل حكمته في طلب الحق، بل ترفع عن طلب الحق فلم يطلبه،  فلم يهده الله تعالى وتركه في كفره وضلاله.

كان رسول الله قد دعا الله تعالى أن يُعز الإسلام بأحد العُمَرين.. عمرو بن هشام (أبو جهل)، أو عمر بن الخطاب. فلماذا هدَى الله عمر بن الخطاب ولم يهدِ أبا جهل؟ لأن ابن الخطاب كان من المتقين.. كان من المخلصين.. كان يريد أن يعرف الحق. أما أبو جهل فقد أعمته أنانيته وكِبره عن رؤية الحق.

إن الله لا يجبر أحدا على الإيمان، وهو أيضا لا يرضى لعباده الكفر. إنه يهدي من يريد أن يهتدي ومن يبذل الجهد لمعرفة الحق، ويضل من يريد الضلال ومن لا يسعى لمعرفة الحق. ويتضح هذا من الآيات الثلاث التالية التي تلخص المبدأ الذي تنبني عليه الهداية، يقول تعالى:

إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد:12) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت:70)

فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ (الصف:6)

أي أن من يبذل الجهد لمعرفة سُبل الله.. فإن الله تعالى لا بد وأن يهديه إلى الحق، ومن يريد أن يزيغ عن الحق.. فإن الله تعالى يزيغ قلبه فلا يستطيع أن يرى الحق.

إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تشرح هذا الأمر بكل تفصيل ووضوح. يقول تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهمْ (يونس:10) إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لاَ يَهْدِيهِمُ الله (النحل:105)

إن الله تعالى أعطى الإنسان ملكات من عقل ولب وبصيرة، وجعل في الكون آيات تدل عليه سبحانه وعلى فضله تعالى، فمن استخدم تلك الملكات التي أنعم الله بها على الإنسان وآمن بآيات الله، فإن الله يهديهم بإيمانهم. وأما الذين لا يريدون أن يؤمنوا بآيات الله، فإن الله لا يهديهم.

ثم يقول تعالى:

وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبْهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (الأعراف:157) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (الأعراف:147)

هذه هي سُنَّة الله تعالى التي قررها وأوضحها في كتابه العزيز، فهو تعالى لا يهدي أحدا قسرا رغم إرادته، وهو أيضا لا يضيع إيمان المؤمنين المخلصين:

وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانُكُمْ إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (البقرة:144) إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف:91)

لقد خلق الله الإنسان وأعطاه الحرية في أن يختار الإيمان أو الكفر، يختار الحق أو الباطل، يختار الدنيا بزينتها أو الآخرة بثوابها، وفي كل الأحوال.. فإن الله تعالى جعل لكل فعل من أفعال الإنسان نتيجة محتمة.. إذا اختار الإيمان فإن الله يهديه ويزيده إيمانا، وإذا اختار الباطل فإن الله يزين له الباطل حتى يحبط عمله. يقول تعالى:

لاَ إِكْـرَاهَ في الدِّيـنِ (البقرة: 257) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف:30)

مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيـدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (الشورى:21)

مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُو مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلآءِ وَهَؤُلآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (الإسراء:19-21)

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (الليل:6-11)

قُلْ مَن كَانَ في الضَلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ….. وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى (مريم:76-77)

إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهْمْ يَعْمَهُونَ (النمل:5)

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (فاطر:9)

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ (محمد:2-4)

وحيث إن هذه هي سُنَّة الله في هداية الناس وفي ضلالهم، فلا بد للكتاب الذي يكون من عند الله تعالى أن يتبع نفس السُنَّة الإلهية وينهج نفس المنهج الرباني، لأن كلام الله في كتابه المقدس لا بد وأن يتفق دائما مع سُنَّته وفعله. وعلى هذا فإن المعيار الذي لا يخطئ أبدا لمعرفة ما إذا كان الكتاب الذي يَدَّعي أنه كتاب مقدس من عند الله تعالى.. هو أن يعلن الكتاب نفسه أنه هدى للمتقين.. وأنه يهدي من يريد أن يهتدي به، وفي نفس الوقت فإن الكتاب ذاته لا بد أن يعلن أيضا أنه لا يهدي من لا يريد أن يهتدي، بل يضل الكافرين الذين يريدون الضلالة ولا يرغبون في معرفة الحق.

ولنبحث الآن فيما ذكره القرآن الكريم في هذا الشأن حتى نستخلص ما إذا كان هذا الكتاب من تأليف البشر أو هو من وحي الله تعالى. يقول الكتاب العزيز:

ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة:3) فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاًم يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (البقرة:27)

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  ….. وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ (البقرة:100)

قَدْ جَآءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ  يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (المائدة:17)

وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا (المائدة:64)

قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف:204)

وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمانًا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (التوبة:125-126)

مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدِيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (يوسف:112)

وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (النحل:65)

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل:90)

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل:103)

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا في هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (الإسراء:41)

وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا (الإسراء:46)

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِين إِلاَّ خَسَارًا (الإسراء:83)

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (الكهف:58)

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ، ءَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ، قُلْ هُو لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَآءٌ، وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ في ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (فصّلت:45)

هذا هو القرآن.. يدل بنفسه على أنه ليس من تأليف البشر، ويعلن ذلك بكل قوة.. وبأكمل وضوح.. وبأتم بيان. إنه كتاب يستفيد منه القراء.. كلٌّ بحسب قدرته على الفهم والتحصيل.. شأن الكتب الأخرى التي يؤلفها البشر. ولكنه كتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، ورحمة للمؤمنين، وبشرى للمسلمـين المخلصين. إنه كتاب يُثَبّت الذين آمنوا، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا. إنه كتاب يهدي من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام، ولكنه عمًى على الذين في قلوبهم مرض لا يريدون أن يبرأوا منه. إنه كتاب يهدي المخلصين إلى صراط مستقيم ولكنه يزيد الطاغين طغيانا وكفرا. إنه كتاب يُخرج الراغبين من الظلمات إلى النور ولكنه يزيد الفاسقين رجسا إلى رجسهم. وباختصار.. إنه كتاب رباني.. لا يفرض الهداية قسرا على أحد، وإنما يسلك المنهج الإلهي في الهداية: من يريد أن يهتدي بإخلاص وصدق فإن الله يهديه، ومن يريد أن يحيد عن الحق فإن الله يضله ويصرفه عن الصراط المستقيم. لكل فعل رد فعل، ولكل عمل نتيجة.. من يفـتح عينيه ليبصر فإن الله يجعله يبصر ويرى النور، ومن يغلق عيـنيه فـإن الله يجعلـه لا يـرى شيئا سوى الظلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك