بالمنطق واللسان لا بالسيف والسنان

 بالمنطق واللسان لا بالسيف والسنان

التحرير

منذ سنين قليلة وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تزايد الهجوم على الإسلام، وكأن الدين الحنيف أصبح الآن هو العدو اللدود بعد أن نجح الغرب في القضاء على انتشار الخطر الشيوعي، وتفكيك الاتحاد السوفيتي وسقوط حائط برلين. ومع انتشار التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال والإعلام التي أتاحتها الإنترنت، والمحطات الفضائية، بدأت حملة واسعة تُشَن ضد الدين الحنيف. وقد بدأت بشكل هادئ في أول الأمر، وتحولت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لتكون بأسلوب سافل. ويتبع أولئك الذين يشنون هذه الحملة الشعواء على الإسلام كل ما لديهم من وسائل، بما في ذلك التدليس والكذب والخداع والإفك.

ويذكرنا حديث هؤلاء عن الإسلام، وانتقاداتهم لحياة الرسول الكريم وعلاقاته مع أزواجه الطاهرات، بحديث الإفك عن السيدة عائشة الصديقة رضي الله عنها، الذى أثاره بعض المنافقين، ووقع فيه أيضا بعض المسلمين. ولا شك أن حديث الإفك ذلك قد أحزن الرسول وأحزن المؤمنين المخلصين، ولكن الله تعالى أظهر الحق في نهاية الأمر، وكشف الكذابين والدجالين والمدلسين والمخادعين. وبشر تعالى  المسلمين:

  إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ

ثم قال تعالى في الآية التالية

لَوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ (النور: 12-13)

واليوم، نسمع مرة أخرى حديث الإفك، بشكل جديد، وبتكنولوجيا حديثة، وبأسلوب أشد خبثا، وبتدبير أكثر مكرا، ولكنه أولا وأخيرا حديث الإفك، وسوف يكون مآله بإذن الله تعالى نفس مآل جميع أحاديث الإفك في الماضي، فسوف ينكشف الحق ويظهر صدق الإسلام، وسوف ينكشف أيضا الباطل ويظهر كذب الكذابين.

وفي الحقيقة، إن الحملة الشرسة التي تُوجّه ضد الإسلام اليوم ليست جديدة، وهي ليست سوى معركة في حرب طويلة بدأت بعد عصر النهضة في أوروبا التي كانت  تعيش في عصور الظلام، واستمرت في هذا الحال لمدة ألف سنة تقريبا، من القرن السادس إلى القرن السادس عشر. ثم بدأ المارد الذي كان يغط في سُبات عميق يستيقظ، وينهض، ويغزو العالم، ويسيطر ويستعمر الشعوب. وبطبيعة الحال فإن كلمة يستعمر الشعوب تقوم على الكذب والخداع والتدليس، لأن الاستعمار معناه الإعمار والبناء والتقدم، ولكن استعمار الغرب للشعوب كان عبارة عن استغلال الشعوب ونهب ثرواتها والاستيلاء على خيراتها. وخلال ثلاثة قرون، استطاع الغرب المسيحي أن يستولي على العالم بأجمعه، وخضعت له الشعوب، وأصبحت دولة مثل بريطانيا تفتخر بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. في نفس الوقت، وبكل أسف، تحول المسلمون ليكونوا كما وصفهم سيدنا رسول الله: “غثاء كغثاء السيل”، والغثاء هو ما يحمله السيل من قاذورات وأوساخ.

وكان من الطبيعي، بعد أن انتفخ الغرب المسيحي واستولى على العالم، أن يعمل على نشر المسيحية في العالم، وهكذا بدأت حملات التبشير تغزو كل البلاد التي غزتها الجيوش من قبل. فإن محاولات التنصير كانت دائما تصحب هجمات الاستعمار. ولذلك رأينا في القرن التاسع عشر نشاطا بالغا للحملات التبشيرية في الهند وجنوب شرق آسيا، كما انتشرت أيضا الأنشطة التبشيرية في أفريقيا على أوسع نطاق.

ثم انشغل العالم بعض الشيء في القرن العشرين، فكانت الحرب العالمية الأولى، ثم تلا ذلك الأزمة الاقتصادية فالحرب العالمية الثانية. ثم ظهر الخطر الشيوعي في الخمسينيات والستينيات حيث اندلعت الحرب الباردة بين المعسكرين المسيحيين في الشرق والغرب. ومع حلول السبعينيات بدأت عوامل التفكك تظهر في المعسكر الشرقي، وما أن جاءت الثمانينيات حتى اندحر فيها العدو الشيوعي وزال خطره.

فتحولت الجبهة إلى الإسلام والمسلمين، وهي جبهة التبشير المسيحي. وبذلك عاد النشاط التبشيري مرة أخرى بعد أن مر بفترة من الهدوء النسبي في القرن العشرين. وشهد العالم الإسلامي هجمة جديدة للتبشير المسيحي، بدأ الإعداد الجيد لها في الثمانينيات واستمرت في التسعينيات، ثم أسفرت عن وجهها في القرن الواحد والعشرين.

وبطبيعة الحال، لا بأس من أن يعمل أصحاب أي دين على نشر أفكار دينهم، ما داموا يحترمون المشاعر الدينية للآخرين، ولا يحاولون الإساءة إلى معتقدات الآخرين أو استخدام الأساليب الوضيعة من افتراء الأكاذيب واتباع أساليب الخداع.

ولا بأس أن يدعو الإنسان الآخرين إلى ما يؤمن به من عقائد وتعاليم، ولكنا سمعنا هجومات وقحة توجه انتقادات لاذعة إلى الإسلام، وتجرح مشاعر المسلمين وتدنس مقدساتهم، لدرجة أنهم وصفوا رسول الرحمة بالإرهاب. ولو أنهم كانوا موضوعيين في انتقاداتهم لما أثاروا حفيظة أحد، ولكنه راحوا عن قصد يرددون ما سبق أن رد عليه علماء المسلمين من افتراءات وأكاذيب، معتمدين في ذلك على ما جاء في بعض الكتب الإسلامية التي ظهرت في عهود التخلف، أو مستدلين بكتب كأنها إسلامية وهي ليست كذلك، فهي إما أن تكون لملاحدة، أو تكون بمسميات إسلامية وهي غير إسلامية، إلى جانب سوء استغلال بعض العقائد التي تسربت بكل أسف إلى مفاهيم المسلمين، نتيجة لدخول أعداد كبيرة من النصارى في دين الإسلام، ولم يستطع هؤلاء التخلي كلية عما ورثوه من عقائد ومفاهيم، ومع مرور الوقت وجدت تلك العقائد والمفاهيم الخاطئة طريقها إلى الكتب والمفاهيم الإسلامية، وهي معروفة باسم “الإسرائيليات”. وبمعنى آخر، راح أعداء الدين الحنيف يصطادون في الماء العكر، لكي يسيئوا إلى الإسلام ويعملوا على تنصير المسلمين.

لا شك أن كل مسلم يحترم المسيح ودين المسيح الذي أنزله الله تعالى عليه. ورغم أن المسلمين على قناعة بأن دين المسيح قد أصابه التحريف، وأن الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على المسيح قد ضاع ولم يبق منه إلا آثار من أقوال جمعها بعض الناس في كتب اعتبرتها الكنيسة أناجيل معتمدة، رغم كل ذلك فإن المسلمين يحترمون ما يريد النصارى أن يؤمنوا به، ومن أراد أن يعبد إلها من ثلاثة أقانيم فهو حر، ومن أراد أن يعبد بقرة بثلاثة أرجل فهو حر أيضا، ولكن إذا تطاولتَ على ديني، فإنك تعطيني الحق أن أعاملك بالمثل، لأنك أنت الذي بدأت بالعدوان، فأصبح من حقنا كمسلمين أن ندافع عن ديننا.

أيها المسلمون في كل مكان! لقد دق ناقوس الجهاد من أجل نصرة الدين، ليس بالسيف ولا بالسنان، ولا بالعنف والإرهاب، ولا بالتكفير والتفجير، ولكن بالمنطق وباللسان، تماما كما يفعل الكثيرون مِمَن كانت جراحات ألسنتهم أشد وطأة وأكثر خطرا من جراحات السيف والسنان. إننا ندعو المسلمين جميعا أن يهبوا لهذا الجهاد المجيد بالمنطق واللسان، وليطرحوا خلافاتهم جانبا، وليتناسوا ولو مؤقتا، ما يفصلهم عن بعضهم البعض، وليتخلوا عن أساليب التكفير لبعضهم البعض، لمواجهة هذا الخطر الجديد، الذي كشّر عن أنيابه، وكشف عن مخالبه، وظن أن الإسلام والمسلمين قد صاروا لقمة سائغة. وندعو الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يكفِّر عنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصرنا نصرا عزيزا على كل من تُسَوِّل له نفسه أن ينال من شرف سيدنا وحبيبنا رسول الله ، أو يدنس طهارة وقدسية كتابنا الكريم أو يحط من شأن ديننا الحنيف. ولا يغيبن عن بال أحد أن للإسلام ربًّا يحميه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك