قصـص لـهـا معان

قصـص لـهـا معان

يُروَى أنَّ ذئبًا كان له إقامة في بعض الغِيَاض خرج يومًا في طَلَبِ صَيْدٍ يَسُدُّ بِهِ رَمَقَه، فَقَصَدَ الَمَواضِعَ التي كان يَتَوقَّعُ فيها الصَّْيد، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ شَيْءٌ فَرَجَعَ وَقَدْ أَثَّرَ فيه الجُوع والتَّعب، فَوَجَدَ رَاعِياً يَرْعَى مَعزًا فَتَعَلَّقَتْ أَطْمَاعُهُ بِهَا، فَأَرَادَ الهُجُوَم عَلَيْهَا، لَكِنّهُ رَأَى الرَّاعِي مُسْتَيْقِظاً فَجَعَل يُرَاقِبُ الفُرْصَةَ وَيَحُومُ مِنْ بَعِيدٍ إلى أَنْ أَمْسَى. وَسَاقَ الرَّاعِي المَاشِيَةََ إلى مَرَابِضِهَا مَا عَدَا جَدْياً تَخَلّفَ مِنْهَا، فَأَدْرَكَهُ الذِّئْبُ وَاسْتَبْشَرَ بالفَتْحِ والظّفَر، فَلَمَا عَايَنَ الجَدْيُ الذّئبَ  عَلِمَ  أَنَّهُ لاَشَكَّ وَاقِعٌ في مَخَالِبِ الهَلاَكِ، فَفَكَّرَ فِي نَجَاةِ نَفْسِهِ وَقَال: لا يُنْجِينِي مِنْ هَذِه البَلِيَّة إلاّ حُسْنُ الحِيلَةِ!، فَتَقَدّم بِجَأْشٍ قََوِي وَقَلْبٍ ثابِتٍ وَوَقَفَ بين يَدَيْ الذِّئْب وقال لهُ: إنَّ الرَّاعي أَرْسَلَنِي إليكَ وهو يُسَلِّمُ عَليكَ وَيَقُولُ لََكَ إنَّ غَنَمَهُ قَدْ حَصَلَ لَهَا الشَّبَعُ وَالرّي بِبَرَكَةِ جِوَارِكَ وَتَرْكِكَ عَادَةَ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ في التَّعَرض لَهُ وَلِغَنَمِهِ! فَأَرَادَ مُكَافئتكَ فَأَرْسَلَنِي إليكَ، وأوصَانِي أَنْ أُغَنِّي لكَ قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَنِي، فإنِّي حَسَنُ الصَّوْتِ وَالغنَاء وصَوْتِي يُشْتَهَى، فَإنِ اقْتَضَى رَأْيُكَ غَنَّيْتُ لَكَ غِنَاءً يُطْرِبُكَ وَأَسْمَعْتُكَ شَيئًا لَمْ تَسْمَعْهُ آباؤُكَ وأَسلافُكَ وَيَزِيدُ فِي لَذّةِ أَكْلِكَ، فَقَالَ الذّئبُ لا بَأْسَ أَنْ تُغَنّي لي حتى أَسْمَعَ صَوْتَكَ. فَاغتَنَمَ الجَدْيُ الفُرْصَةَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى مَلأ الوَادي، فَطَرَبَ الذّئب وقال: هاتِ صوتًا آخر، فَصَرَخَ الجدي صَرْخَةً أَسْمَعَ بها الَرّاعي، فأسْرَعَ نَحْوَهُ بالمِطْرَقِ فَلَمْ يَشْعُر الذّئبُ إلاّ والرّاعي قد لَحَقَهُ، فَرَأى أنْ يَلُوذَ فِرَارًا نَجَاةً وَسَلاَمَةً بِنَفْسِهِ، فَتَرَكَ الجَدْيَ وانْقَلَبَ وَصَعَدَ عَلى رَأْسِ تَلّ وَجَعَل يَلُومُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ: يَا قَليلَ العَقْلِ مَتىَ كَانَتْ آباؤُكَ وَأجْدَادُكَ يَأْكُلوُنَ على أصوات المُغَنِّي؟! وَلَوْ لاَ أنَّكَ عَدَلْتَ عَنْ طَرِيقِ آبَائِكَ وَأَسْلاِفكَ ما فَاتَكَ صَيْدُكَ وَلا جَلَسْتَ جائعاً كما قيل:

                          وَعَاجِزُ الرّأْيِ مِضْيَاعٌ لِفُرْصَتِهِ        حَتَّى إذَا فَاتَ أَمْرٌ عَاتَبَ القَدَرَا !!

(مقتبس من كتاب «مرزبان نامة» أي كتاب مرزبان  لصاحبه اسبهبد مرزبان وهو أحد الملوك الفرس)

Share via
تابعونا على الفايس بوك