نسب الإمام المهدي

نسب الإمام المهدي

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بنّاء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر

السؤال

هل كان مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية من أبناء فارس؟ وما هو الدليل على ذلك؟

الجواب

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (سورة الجمعة: 3-4)

وتشير هذه الآية أن الله تعالى قد قضى أن يبعث رسول الله ، في الأميين، وأن يبعثه أيضًا في

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ،

ويشير استخدام الحرف “لما” إلى انقضاء فترة زمنية بين البعثتين.

ولما نزلت هذه السورة على رسول الله ، فهم المسلمون أن للنبي ، بعثتين، وكانوا يعلمون بالطبع أن المقصود من البعثة الثانية لرسول هو بعث نبي من عند الله تعالى خادمًا لشريعة رسول الله ،، ولذلك جاء في صحيح البخاري ما يلي:

“عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي ، فأنزلت عليه سورة الجمعة وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاء”. (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن)”.

ويشير هذا الحديث الشريف إلى أنه حينما يفقد الناس الإيمان فيبتعد من الأرض حتى لكأنه صعد إلى مجموعة نجوم الثريا البعيدة، فإن رجال أو رجل من قوم سلمان الفارسي سوف يعيده مرة أخرى إلى قلوب الناس.

وأخبرنا كذلك سيدنا محمد ،:

“لو أن الإيمان بالثريا لناله رجال من أهل فارس” (الدر المنثور للسيوطي ج6 ص214-تفسير سورة الجمعة)”لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله” (كنز العمال ج6 ص264)

ونحن معشر أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية نؤمن ونعتقد أن الإيمان قد ارتفع من الأرض كما ذكر ذلك رسول الله ، وأن رجلا من فارس هو سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني (عليه السلام) قد بعثه الله تعالى إماما مهديا ومسيحا موعودا لكي يعيد الإيمان مرة أخرى إلى قلوب الناس.

أولا:

نحن نؤمن بصدق سيدنا أحمد (عليه السلام) بناء على أدلة ومعايير تدل على صدق الأنبياء، وهذه المعايير والأدلة تبين صدق النبي الصادق وتكشف زيف الكاذب، وقد انطبقت هذه الأدلة والمعايير على رسول الله ، نفسه وأثبتت صدقه، ونفس هذه المعايير والأدلة انطبقت أيضا على مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية وأثبتت صدقه، وعلى هذا فنحن نؤمن به وبما يقوله، تماما كما نؤمن بصدق رسول الله ، وبما قاله، وحسبنا في ذلك ما قاله سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عندما سمع ببعض الناس يسخر من قول رسول الله ، أنه أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فقال: إن كان قد قال فقد صدق.

وقد قال سيدنا أحمد (عليه السلام)  إن الله تعالى أوحى إليه وأنبأه أنه من أصل فارسي إذ قال سبحانه:

“إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله رد عليهم رجل من فارس. شكر الله سعيه” (التذكرة ص734)

“خذوا التوحيد يا أبناء فارس” (نفس المرجع السابق) وعندنا تكفي هذه الشهادة الربانية بأن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية كان رجلا من فارس ومن أصل فارسي، فالله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير بتواريخ الشعوب والأمم وأصل السلالات ونسلها، وما دام قد قال: “رجل من فارس” فقد صدق، وهذا أكبر برهان لنا على أنه كان حتما من أبناء فارس.

ثانيا:

كتب سيدنا ميرزا بشير الدين محمود أحمد ابن سيدنا أحمد (عليه السلام) يقول عن عائلته:

“… إن أسرة سيدنا أحمد المسيح الموعود (عليه السلام) كانت محترمة في منطقتها وتصل شجرة نسبها إلى برلاس” (سيرة المسيح الموعود ص1)

ثالثا:

اجتاح الإمبراطور بابر الهند ما بين عام 1505-1530، وجاء بعد فترة قصيرة ميرزا هادي بيك من سمرقند إلى دلهي بالهند، وكان يتمتع بصلة قوية مع العائلة المالكة، فمنحه الامبراطور إحدى المقاطعات في الفنجاب كانت تحتوي على ما يقرب من ثمانين قرية، وبنى فيها قرية جديدة صارت تعرف باسم “قاديان” وسكن فيها مع أبناء أسرته.

وقد كتب سيدنا أحمد (عليه السلام) عن شجرة نسبه إلى ميرزا هادي بيك فقال:

“…فاعلموا -رحمكم الله- أني أنا المسمى بغلام أحمد بن ميرزا غلام مرتضى، وميرزا غلام مرتضى بن ميرزا عطا محمد، وميرزا عطا محمد بن ميرزا كل محمد، وميرزا كل محمد بن ميرزا فيض محمد، وميرزا فيض محمد بن ميرزا محمد قائم، وميرزا محمد قائم بن ميرزا محمد أسلم، وميرزا محمد أسلم بن ميرزا دلاور بيك، وميزا دلاور بيك بن ميرزا إله دين، وميرزا إله دين بن ميرزا جعفر بيك، وميرزا جعفر بيك بن ميرزا محمد بيك، وميرزا محمد بيك بن ميرزا محمد عبدالباقي، و ميرزا محمد عبدالباقي بن ميرزا محمد سلطان، وميرزا محمد سلطان بن ميرزا هادي بيك.” (الخزائن الروحانية: ج22-كتاب: الاستفتاء ص703)

وكما أسلفنا .. بسبب المصاهرة المتبادلة مع العائلات الأخرى، ومع مرور القرون والأجيال، صارت أسرة سيدنا أحمد (عليه السلام) تعرف بأنها أسرة مغولية، إذ يبدو أنه لما كان نجم المغول ساطعا في ذلك الأوان، وكانوا يحكمون الهند، صار الكثير من أجداد سيدنا أحمد (عليه السلام) يذكرون انتماءهم وأصولهم التي تربطهم بالمغول. ولكن الله تعالى أخبر سيدنا أحمد عليه السلام بحقيقة الأمر فكتب هو يقول:

” … ثم اعلموا أم مسكني قرية سُميت ببلدة الإسلام ثم اشتهرت باسم قاديان في هذه الأيام، وهي واقعة في الفنجاب بين النهرين الراوي والبياس إلى جانب المشرق مائلا إلى الجنوب من لاهور، الذي هو صدر الحكومة ومركز البلاد الفنجابية. وإني قرأت في كتب سوانح أبي أن آبائي كانوا من الجرثومة المغلية، ولكن الله أوحى إلي أنهم كانوا من بني فارس لا من الأقوام التركية، ومع ذلك أخبرني ربي بأن بعض أمهاتي كن من بني الفاطمة ومن أهل بيت النبوة، والله جمع فيهم نسل إسحاق وإسماعيل من كمال الحكمة والمصلحة”. (المرجع السابق)

وهكذا أوضح سيدنا أحمد (عليه السلام) أن بعض الأمهات والجدات في أسرته كن من بني فاطمة ومن أهل بيت النبوة. ومن المعلوم أن شجرة نسب الرجل تعتبر من ناحية الأب والجد وجد الجد وهكذا، وعلى هذا الأساس ذكر حضرته أنه ليس من قبيلة بني الفاطمة، ولكنه ذكر أنه كان يتصل ببني الفاطمة عن طريق بعض الأمهات فكتب يقول:

“… فأقام عبدا من عنده لهذا الغرض ولتجديد الشريعة الغراء، وجعله من حيث الآباء من أبناء فارس ومن حيث الأمهات من بني فاطمة” (الخزائن الروحانية: ج16-كتاب: الخطبة الإلهامية ص234)

رابعا:

كتب سيدنا أحمد (عليه السلام) استنادا إلى ما ذكره الشيخ محيي الدين بن العربي، فقال ما تعريبه من الأردية:

“… كتب الشيخ محيي الدين بن عربي في كتابه “فصوص” عن علامة المهدي خاتم الأولياء، بأن عائلته تكون في حدود الصين. وتتولد معه بنت توْأمة، ويفصل الله تعالى مادة الأنثى منه بهذا الطريق. فطبق هذا الكشف المذكور أنا ولدت، وطبق هذا الكشف وصل أجدادي من حدود الصين إلى الفنجاب الهند” (الخزائن الروحانية: ج 17-كتاب: تحفة غولروية ص127 “حاشية”)

وقد تحقق الجزء الأول لهذا النبأ حينما وُلد سيدنا أحمد مع بنت كان اسمها: “جنة بي بي”. والجزء الثاني كان قد تحقق قبل هذا بما يقرب من ثلاثة قرون حينما اجتاز أسلافه من حدود الصين إلى الهند. ومن المدهش جدا أنه حينما ذكر الشيخ محيي الدين بن العربي هذه النبوءة، وهو الذي عاش بين عامي (560-638هـ) الموافق (1145-1240م)، كانت النبوءة تشير إلى أن أسرة الإمام المهدي تكون في حدود الصين. وفي نفس الفترة الزمنية التي عاشها محيي الدين بن العربي، ألف الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الراوي البغدادي المتوفي عام 628هـ كتابه المشهور: “معجم البلدان”. ويبدو من كتابه حينئذ أن حدود الصين كانت متصلة مع مدينة “ملتان” (الهند). كانت هي آخر مدينة في حدود الهند. وقد ورد في كتابه تحت لفظ “الصين” ما يلي:

“… وسرتُ من مدن السواحل إلى الملتان، وهي آخر مدن الهند مما يلي الصين، وأولاهما مما يلينا وتلي أرض السند، وهي مدينة عظيمة جليلة القدر عند أهل الهند…” (معجم البلدان ج3 ص 447- طبعة دار بيروت “لبنان”)

ولا يخفى على القارئ أن مدينة “ملتان” تقع الآن في ولاية الفنجاب بباكستان، ولكن حين ذكر الشيخ محيي الدين بن العربي هذه النبوءة، وتبع ذلك هجوم جنكيزخان وتوسعاته، صارت سمرقند تقع في حدود الصين، وامتدت حدود الصين حتى وصلت إلى “ملتان”. وهكذا تحققت نبوءة الشيخ محيي الدين بن العربي حين هاجر أسلاف سيدنا أحمد الإمام المهدي (عليه السلام) من سمرقند، تاركين حدود الصين وراءهم وعبروا الحدود حتى وصلوا إلى الهند.

خامسًا:

إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يبعث نبيا أو رسولا أو خليفة أو مجددا فإنه سبحانه يختار الأصل والعائلة والمنطقة واللغة حسب مشيئته، وتكون هذه المشيئة لحكمة عميقة، وأحيانا لا يُدرك الإنسان العادي تلك الحكمة ولذلك يقول تعالى:

اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (الأَنعام: 125)

وقد اختار الله عز وجل موسى (عليه السلام) من بني إسرائيل، وأرسله إلى فرعون الذي ينظر باحتقار إلى بني إسرائيل، وخلق سيدنا عيسى (عليه السلام) بغير أب مما جعل علماء اليهود في زمانه يرفضون الإيمان به باعتباره ابن زنا والعياذ بالله، فإن لم يكن ابن زنا فهو لا ينتمي إلى بني إسرائيل لأنه ليس له أب من بني إسرائيل. واختار سبحانه سيدنا ومولانا محمد المصطفى من بني إسماعيل وأرسله إلى الناس كافة ومن بينهم اليهود الذين كانوا ينظرون باحتقار إلى نسل السيدة هاجر حيث إنها كانت تُعتبر أمَة عند سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، ومازالوا يعترضون على نسب رسول الله ، إلى يومنا هذا زاعمين أنه من المستحيل أن يخلق الله نبيا أو رسولا من بين نسل إسماعيل. إن هذه الاعتراضات كانت تُوجّه من قِبَل المخالفين والمعارضين للأنبياء والرسل في الزمن الماضي، وهي نفسها التي توجه اليوم من قبل المخالفين والمعارضين لسيدنا أحمد (عليه السلام). فيُقال: من المفروض أن يكون الإمام المهدي من نسل فاطمة .. أي من العرب، وإذا كان الأمر بهذا المفهوم الحرفي.. فلماذا ذكر الشيخ محيي الدين بن العربي أن عائلة الإمام المهدي ستأتي من حدود الصين؟ وإذا قلنا للمخالفين أن نسب سيدنا أحمد (عليه السلام) يتصل فعلا بالسيدة فاطمة عن طريق بعض الأمهات.. قالوا كما قال علماء اليهود من قبل لسيدنا عيسى (عليه السلام) إن النسب لا يتحقق إلا عن طريق الآباء، وحيث إن المسيح لم يكن له أب من بني إسرائيل فلا يمكن له أن يكون مبعوثا من عند الله تعالى إلى بني إسرائيل. لقد كان سبحانه وتعالى يعلم مسبقا باعتراضات اليهود تلك، ولكنه رغم ذلك بعث مسيحه بغير أب من بني إسرائيل لحكمة أهم وأعلى من اعتراضات اليهود.

ولما نزلت هذه السورة على رسول الله ، فهم المسلمون أن للنبي ، بعثتين، وكانوا يعلمون بالطبع أن المقصود من البعثة الثانية لرسول هو بعث نبي من عند الله تعالى خادمًا لشريعة رسول الله

وقد اختار الله سبحانه وتعالى عبده الإمام المهدي من نسل السيدة فاطمة تحقيقا لبعض الأحاديث الشريفة التي جاءت في هذا الصدد، ولكنه بحكمته جعل هذا النسل عن طريق الأمهات، حتى يتشابه في ذلك مع المسيح الناصري عليه السلام الذي جاء نسله من بني إسرائيل عن طريق الأم كذلك. كذلك لعله كان من حكمة الله تعالى وراء عدم اختياره من بين نسل العرب المباشر أن يبرهن للناس كافة أن الإسلام دين ليس وقفا على العرب وحدهم، وأن الإنسان التقي الصالح الذي يتفانى في طاعة الله تعالى وفي طاعة رسوله يمكن أن يصل إلى أعلى مقام حتى إن الله تعالى يختاره إماما مهديا ومسيحا موعودا، بصرف النظر عن أن لغته الأصلية هي اللغة العربية أو أنه ينتمي إلى العرب، ولو كان الإمام المهدي من العرب ولغته الأصلية هي العربية كما كان رسول الله ، فلعل ذلك كان يجعل كل الأمم المسلمة غير العربية تتساءل.. هل هذا الدين وقف على العرب وحدهم أم هو للناس كافة؟ وإذا كان للناس كافة.. فما هو الدليل على أن غير العرب يمكن أن يصل إلى أعلى المقامات؟ أما إذا كان مؤسس هذا الدين من العرب وكان المصلح الذي يبعثه الله تعالى في آخر الزمان من العرب أيضا، فإن هذا يجعل جميع الشعوب غير العربية تيأس من هذا الدين، وتظن أنها إذا اعتنقت هذا الدين فسوف تظل في درجة المواطنين من الدرجة الثانية، ولا سبيل لهم للترقي الروحاني والوصول إلى المقامات العالية. كذلك لعله كان من حكمة الله تعالى وراء عدم اختيار سيدنا أحمد من بين نسل العرب مباشرة أن العرب يتفاخرون عادة بأنهم الأمة التي بعث الله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم،،  ولاشك أن لهم كل الحق في ذلك، ولكنهم أحيانا يظنون أنه لأن رسولهم عربي وقرآنهم عربي ولسانهم عربي، فبالتالي هم وحدهم فقط الذين يستطيعون أن يفهموا معاني القرآن الكريم. وهم بهذا التفاخر قد سلكوا مسلك اليهود الذين يتفاخرون بأنهم شعب الله المختار، ولكن الله تعالى كسر كبر اليهود بأن بعث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، من بين أبناء سيدنا إسماعيل ولم يبعثه من بني إسرائيل . كذلك أراد الله تعالى أن يكسر كبر أولئك الذين يظنون أن العلم بمعارف القرآن وقفا عليهم من دون الناس لا لسبب إلا كونهم من العرب، ونسوا أن الله تعالى قد ذكر أن هذه المعرفة هي للمتقين وليست وقفا على العرب فقط، فقال الله:

هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 3)، و اتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (البقرة: 283)، و إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات:14)، و إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة: 78-80).

لذلك لم يرسل الله تعالى الإمام المهدي من بين نسل العرب مباشرة حتى يعلم الناس جميعا.. العرب وغير العرب.. أن معرفة اللغة وحدها ليست هي شرط السمو الروحاني في تقوى الله. أوَلم يكن أبو جهل الذي كان يُسمى أبا الحكم عربيًا، ورغم معرفته بالعربية فشل في فهم رسالة القرآن العربي المبين. فالأمر متوقف على تقوى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. ومن ناحية أخرى نجد أن سيدنا بلال وصهيب الرومي وسلمان الفارسي من غير العرب، ومع ذلك فهموا وصدقوا بما نزل على محمد رسول الله من قرآن عربي مبين.

وقال سيدنا محمد :

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى” (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار).

إنه لخطأ فادح أن يظن البعض أن العرب وحدهم هم فقط الذين يستطيعون أن يفهموا أمور دينهم لمجرد أنهم عرب، وأنهم قد صاروا وكأنهم شعب الله المختار الذين اختصهم الله تعالى بمعرفة اللغة العربية وبالتالي فلا يستطيع غيرهم أن يحيطوا بمعارف الدين مثلهم. ولإثبات خطأ هذا الفهم السقيم، لم يجعل الله تعالى الإمام المهدي والمسيح الموعود (عليه السلام) من النسل العربي مباشرة، وإنما كان ذلك عن طريق بعض الأمهات فقط. ولعله أيضا كان من حكمة الله تعالى وراء اختيار سيدنا أحمد (عليه السلام) من نسل يرتبط بعلاقة قوية من ناحية الآباء بشعوب فارس ومن ناحية الأمهات بالشعوب العربية والصينية والتركية هو أن يفتح الطريق أمام كل هذه الشعوب لقبول الحق والإيمان به باعتبار أنه ينتمي إليها، فيشعر كل شعب من هذه الشعوب أن الله تعالى قد بعث هذا الرجل من بين أفراد شعبه، وأن هناك صلة قربى بينه وبينهم. إن سيدنا محمد ، كان يتزوج بعض السيدات من العائلات والقبائل المختلفة حتى يؤلف بين قلوب أولئك الناس وبين قبيلته عن طريق المصاهرة، فلعل تلك المصاهرة تفتح قلوبهم لكي يستمعوا إلى الحق ويتّبعونه. ويجدر بنا الإشارة إلى قول سيدنا أحمد (عليه السلام) الذي ذكره عن آبائه: “..والله جمع فيهم نسل إسحاق وإسماعيل من كمال الحكمة والمصلحة..”

ولعل سائل يسأل: كيف جمع الله تعالى في آبائه نسل إسحاق ونسل إسماعيل؟ لقد كتب سيدنا أحمد هذه العبارة استنادا إلى أحاديث سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، التي ورد فيها أن أهل فارس هم بنو إسحاق. وقد ورد ذكر تلك الأحاديث كما يلي: “أهل فارس هم بنو إسحاق، رواه الحاكم في تاريخه عن ابن عمر” (كنز العمال ج6 ص215)

“فارس عصبتنا أهل البيت، لأن إسماعيل عم ولد إسحاق وإسحاق عم ولد إسماعيل” (كنز العمال ج6 ص 264) ” وَلَدَ سام العرب وفارس والروم والخير فيهم” (رواه ابن عساكر عن أبي هريرة)”من أسلم من فارس لهم من قريش، هم إخوتنا وعصبتنا” (رواه الديلمي عن أبي عباس)” سلمان منا أهل البيت” (رواه الطبراني والحاكم عن ابن عمر بن عوف – كنز العمال ج5 ص176)

يروي أبو هريرة : ذُكرت الأعاجم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، “لأنا بهم، أو ببعضهم، أوثق مني بكم ، أو ببعضكم” (سنن الترمذي باب في فضل العجم)

فقد بات واضحًا على ضوء هذه الأحاديث الشريفة أن أصل فارس بنو إسحاق، واستنادا إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سيدنا أحمد (عليه السلام) إن الله تعالى قد جمع في أسرته نسل بني إسحاق وبني إسماعيل. هذا هو الحق الذي لا مراء فيه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك