يا سيِدي قد جئت بابك لاهفا

يا سيِدي قد جئت بابك لاهفا

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

السؤال: هل ادّعى مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أنه أفضل من جميع الأنبياء كما يذكر ذلك معارضوه الذين يستدلون ببعض الجمل من مؤلفاته وكتاباته؟

الجواب

إذا استنتج أحد من كلمات حضرة الإمام المهدي الاستنتاج المذكور فهو على خطأ فادح. وعلى السائل أن يُدرك أن حضرته قد ذكر مرارا وتكرارا أنه خادم أمين لسيده وسيدنا محمد المصطفى حيث قال:

لا شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ الوَرَى

رَيقُ الْكِرامِ وَنُخْبَةُ الأَعْيَانِ

.

يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ بَابَكَ لاَهِفًا

وَالْقَوْمُ بالِاكْفَارِ قَدْ آذَانِي

.

اُنْظُرْ إِلَيَّ بِرَحْمَةٍ وَتَحَنُّنٍ

يَا سَيِّدِي أَنَا أَحْقَرُ الْغِلمَانِ

وقال:

وَاللهِ إِنِّي قَدْ تَبِعْتُ مُحَمَّدًا

وَفي كُلِّ آنٍ من سَناهُ أُنَوًّرُ

وقال كذلك في مؤلفاته:

“إن كل ذرّة من وجودي فِدَى سبيله، إذ أنني قد شاهدت أخفى محاسن محمد ” “إنني لا أعرف أحدًا من الأساتذة، إذ أنني تعلمت في مدرسة محمد .”

“إن هذا النبع الجاري الذي أروي به الخلق ليس إلا قطرة من بحر محمد .”

“إن الله سبحانه وتعالى شرّفني بمكالمته ومخاطبته، وحصل لي هذا الشرف باتِّباع النبي وحده، ولو لم أكن من أمته ولم أتَّبعه، وكانت أعمالي مثل الجبال، لما كان من الممكن لي قط أن أتشرّف بالمكالمة والمخاطبة الإلهية، لأن النبوّات كلها قد انقطعت إلا النبوة المحمدية. فلا يمكن أن يأتي نبي مُشرّع، أما بعث نبي بغير شريعة فمن الممكن بشرط أن يكون ذلك أولا من أمة محمد . (تجليات إلهية ص28)، ويعلم القارئ جيدا أن النبي الوحيد الذي بُعِثَ إلى الناس كافة هو سيدنا ومولانا محمد المصطفى حيث جاء عنه في القرآن الكريم:

ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (سبأ: 29)

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (الأَعراف: 159)

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء: 108)

تبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (الفرقان: 2)

وقبل رسول الله لم تكن الأنبياء والرسل تُبعث إلى الناس كافة بل كان النبي يُبعثُ إلى قرية أو إلى شعب من الشعوب أو إلى قبيلة من القبائل. وعلى سبيل المثال… فقد بُعث سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام إلى قبائل بني إسرائيل. وأما سيد الخلق وأعظم الأنبياء فهو وحده الذي بُعث إلى كافة الناس. وفي العصر الحالي… بُعث خادمه الإمام المهدي عليه والمسيح الموعود لكي يُبلغ رسالة محمد إلى أصقاع العالم، وذلك تحقيقًا للوعد الذي ذُكِر في القرآن المجيد:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (التوبة: 33)

وكتب المفسرون شرحًا لهذه الآية أن إظهار الدين وغلبة الإسلام يكون من زمن نزول المسيح الموعود .

  • كتب صاحب روح المعاني

“إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام، ولا يضرّ في ذلك ماورد من أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه، إذ لا دلالة في الآية على الاستمرار. وقيل: المراد بالإظهار الإعلاء من حيث وضوع الأدلة” (تفسير روح المعاني).

  • وجاء في تفسير القرطبي:

“ومن الإظهار ألا يبقى دين سوى الإسلام في آخر الزمان. قال مجاهد: وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلّا دين الإسلام. وقال أبو هريرة: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بخروج عيسى” (تفسير القرطبي)

  • وجاء في التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي:

“وهو الظهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب، إذ الظهور لا يظهر إلا بالإظهار وهو الإتمام. يؤيده قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة: 4)، وعن أبي هريرة: (إن ذلك عند نزول عيسى من السماء)”.

  • وجاء في تفسير الكشّاف:

“ما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الاسلام. وقال مجاهد: إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام”.

  • وجاء في جامع البيان في تفسير القرآن للطبري:

“وقوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يقول ليظهر دينه الحق الذي أرسل به رسوله على دين سواه، وذلك عند نزول عيسى بن مريم وحين تصير الملل واحدة فلا يكون دين غير الإسلام”.

يتبين من هذه التفاسير أن غلبة الإسلام وإظهاره على الأديان الباطلة مُقَدَّرٌ في زمن المسيح الموعود والمهدي المعهود .

أولا: عبّر مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عن هذا المفهوم بالأسلوب التالي:

“… ويملك الإسلام الشرقَ والغرب ويدخل الحق كل دارٍ إلّا قليلاً من المجرمين.

ويتم الأمر، ويضع الله الحربَ، وتقع الأمَنة على الأرضِ، وتنزل السكينةُ والصلح في جذور القلوب، وتترك السباع سَبُعِّيَتَها، والأفاعي سُمّيتها، وتتبين الرشد وتهلك الغي، ولا يبقى من الكُفر والشرك إلا رسمٌ قليل، ولا يلترم الفسق والفاحشة إلاّ قلب عليل، ويهدى الضالون ويُبعث المقبورون. فهذا معنى قوله: إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . فإن هذا البعث بعث ما رآه الأولون ولا المرسلون السابقون ولا النبيون أجمعون. وإن دين الله، وإن كان غالبًا من بدء أمره على كل دين من حيث القوة والاستعداد، ولكن لم يتفق له من قبل أن يُباري الأديان كلها بالحجة والاسناد، ويهزمها كل الهزم ويُثبت أنها مملوءة من الفساد، ويخرج كالأبطال بأسلحة الاستدلال، حتى يعم في جميع الديار والبلاد، وكان ذلك تقديرا من الله الودود، بما سبق منه أن الغلبة التامة والصلاح الأكبر الأعم يختص بزمن المسيح الموعود”. (الخزائن الروحانية: الجزء 16-كتاب: الخطبة الإلهامية ص 323).

ثانيًا: تلقى حضرة الإمام المهدي وحيا باللغة الفارسية وشرحه قائلا بما معناه:

“إذا جاء زمان السلطان جُدّد إسلام المسلمين”

والمراد من زمان السلطان هنا عهدُ دعوةِ هذا العاجز، ولكن ليس المراد هنا مملكة الأرض بل مملكة السماء التي وُهبت لي. وخلاصة هذا الوحي أنه لما ابتدأ زمان السلطان في آخر الألف السادس، حسبما كان أخبر النبيون السابقون من قبلي، أي دور المسيح الموعود، الذي سُمّي عند الله بالملكوت السماوي، فالمسلمون الذين كانوا مسلمين من حيث الاسم جعلوا يدخلون في الإسلام وأصبحوا مسلمين حقا”.(الخزائن الروحانية: ج 20-كتاب: تجلّيات إلهية ص 396)

ولا تحتاج هذه الكلمات إلى شرح أو تفسير آخر، فقد صرّح حضرته أن النصرة الإلهية والسماوية تؤيده في سبيل إرجاع المسلمين إلى الإسلام الحقيقي.

ثالثًا: ذكر سيدنا أحمد المسيح الموعود منن الله سبحانه وتعالى ونعمه كما يلي:

“… فوهب لي ربي هذه كلها بكمال الإحسان والمنّة، وأنعم عليّ بنعم هذه الدّار والآخرة، وأتم عليّ وأسبغ من كل نوع العطية، وأعطاني في الدارين حسنتين من غير المسألة، وقد يود الإنسان أن يُعطى له محبة الله كالعاشقين الفانين، ويُسقى من كأس المحبوبين المجذوبين، وقد يُحب أن يُفتح عليه أبواب الكشوف والإلهامات، وأخبار الغيب والآيات، وتُستجاب دعوته بأسرع الأوقات، وتصدر منه عجائب الخوارق والكرامات، ويُكلمه ربُه ويُشرفه بشرف المكالمات والمخاطبات، فالحمد لله على أنه أعطاني ذلك أجمع، ووهب لي كل نعمة كنت أقرأ ذكرها في الكتب وأسمع، وجعلني من المقربين. ووهب لي علم الأولين والآخرين، وحل عقدة من لساني…” (الخزائن الروحانية: الجزء 16-كتاب: لجة النور ص 399).

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تؤمن أن مؤسسها كان مبعوثا من عند الله في العصر الحاضر، وأن الله سبحانه علّمه وأخبره عن الأولين والآخرين، وقد علّمه معارف القرآن الكريم وعلومه وعلّمه بفضله تعالى اللغة العربية. ومن المعلوم أنه لم يكن يعرف اللغة العربية. وعاش في ولاية البنجاب (الهند) حيث يتكلم سكانها اللغة البنجابية أو الأردية. فعلّمه الله وجلّ أربعين ألف مصدر من مصادر اللغة العربية في ليلة واحدة. وبعد هذه النعمة التي تلقاها من الله تعالى كتب حوالي عشرين كتابا وثلاثة آلاف من الأبيات الشعرية باللغة العربية. وكذلك ألف كتابا في الفارسية والأردية، وشرح فيها معارف القرآن المجيد وعلومه، وأوضح كمالات الإسلام وجماله، ووصف سمو مقام سيده محمد وذكر محاسنه وأفضاله، وفي نفس الوقت ردّ على خصومه ردا مفحما ومقنعا، وفند أقوال زعماء الأديان الأخرى وأثبت بطلان أدعاءاتهم التي تختلف عن الإسلام. وقد ألّف حضرته كتابا ضخما سمّاه: “البراهين الأحمدية”، عرض فيه 300 ثلاثمائة دليل على صدق الإسلام، وأظهر محاسن الإسلام وأفضليته على جميع الأديان.

وأعلن متحدّيا أتباعَ جميع الديانات الأخرى إن كان بمقدورهم أن يكتبوا من المحاسن الموجودة في دينهم مثل ما كتب هو من محاسن الإسلام في “البراهين الأحمدية”، وإن عجزوا عن ذلك فلهم أن يكتبوا نصف ما كتبه، أو ثلثه أو ربعه أو خمسه، وإن لم يستطيعوا هذا فلينقضوا الأدلة التي قدّمها حضرته والبراهين التي حواها كتابه على فضائل الإسلام وصدقه. ووعد بأن من ينجح في هذا التحدّي فله عشرة آلاف روبية. وعجز أعداء الإسلام وأُفحموا أمام هذا التحدي السافر. وهكذا.. أُفيض المال فلم يقبله أحد.. حسب حديث رسول الله وكان هذا المال هو مال العلم والهدى، كما كان مال النقد المتداول. وامتدح المسلمون هذا العمل العظيم، واعترف الكثير من العلماء والمشائخ بأن تأليف هذا الكتاب لا يأتي بغير التأييد الإلهي. وكتب محمد حسين البطالوي الذي صار فيما بعد عدوه اللدود.. كتب يقول عن هذا الكتاب:

“… إنه لم يصدر مثل هذا الكتاب في الإسلام من قبل حتى هذا اليوم. ولا نعلم ما يمكن أن يحدث في مستقبل الأيام، لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا. إن مؤلف الكتاب قائم على نصرة الإسلام بماله وروحه وقلبه ولسانه وجهده وطاقته، وليس له مثيل سابق بين المسلمين إلاّ فيما ندر. وإذا حمل أحد قولنا هذا على أنه مبالغة حسب أسلوب الآسيويين، فإننا نتحداه أن يُرينا كتابا مثله في الدفاع عن الإسلام…” (مجلة إشاعة السُنة مجلد 7 رقم 6 ص 169-170).

كان حضرة الإمام المهدي يلهج بشكر الله على ما أنعمه عليه حيث إنه وهبه علمَ الأولين والآخرين كي يدافع عن الإسلام ضد هجوم أعدائه حيث لم تبق زاوية مظلمة أو مكتومة أمامه، وإلى هذا أشار بقوله المذكور أعلاه: “وهب لي علم الأولين والآخرين وحل عقدة من لساني”.

رابعًا: قال سيدنا أحمد المسيح الموعود :

 “… وكما جعلني من الهادين المهتدين جعلني أفصح المتكلمين” (الخزائن الروحانية: ج11-كتاب مكتوب أحمد ص 235).

وقد كان حضرة الإمام المهدي أفصح المتكلمين في عصره، ليست فصاحة اللسان والأدب واللغة فحسب، بل أيضًا فصاحة العلم والعرفان والمعرفة. وإليكم بعض الأمثلة في هذا الشأن:

ألقى حضرته كلمة بتاريخ 28 كانون الأول (ديسمبر) عام 1896م في مدينة لاهور (البنجاب بالهند) في أعظم مؤتمر للأديان المختلفة. وكتبت عنها صحيفة مسيحية تسمى: “سيفيل آند ميليتري جازيت” بعددها الصادر بتاريخ 29 كانون الأول 0ديسمبر) 1896، تعليقا نقدم تعريبه من اللغة الإنكليزية:

“إنه في المجتمع الديني المنعقد بدار الكلية الإسلامية بمدينة لاهور يوم 26-27-28 تقررت المواضيع الخمسة الآتية كمسائل رئيسية يتباحث فيها زعماء الأديان المختلفة:

التكوين النفسي وإصلاحه الأخلاقي والروحاني. ما معنى الحياة البشرية وكيف الوصول إلى غايتها؟ الحياة الأخروية. تأثير الأعمال في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخروية. العرفان الإلهي وطرق التحصيل. ولقد كان خطاب “أحمد القادياني” العلّامة الشهير في علم الكلام الإسلامي، مركز الإعجاب الخاص. وقد توافد لاستماع خطابه جمع غفير من أقاص البلاد وأدانيها…”

وهكذا يصدق قول الشاعر:

شهد الأنام بفضله حتى العدا

والفضل ما شهدت به الأعداء

وكما أسلفنا القول.. فإن اللغة العربية لم تكن لغة التخاطب والمكاتبة لا في قاديان ولا في البنجاب، ولم تكن وسيلة التدريس في جميع أنحاء الهند. ومع ذلك فقد علّمه الله تعالى في ليلة واحدة أربعين ألف مصدر من مصادر اللغة العربية، فألّف ما ينوف على العشرين كتابا باللغة العربية، وله مجموعة من المنظومات الشعرية تضم أكثر من ثلاثة آلاف من الأبيات في الشعر العربي الموزون المقفى.

وكان من مؤلفاته كتاب “إعجاز المسيح” الذي ضمنه تفسير سورة الفاتحة، وتحدّى علماء المسلمين من العرب والعجم على أن يأتوا بمثله في سبعين يوما، باعتبار عشرة أيام لكل آية من آيات سورة الفاتحة. وجعل لمن يقوم بذلك جائزة مالية قدرها خمسمائة روبية. ولكن السبعين يوما انسلخت ولم يأت أحد بتفسير مقابل، وعجزوا تمام العجز عن الإتيان بمثله، وبدا كأن مانعا قد منعهم من ذلك. أمّا المسيح الموعود فقد نشر تفسيره للفاتحة قبل الميعاد بخمسة أيام، وسمّاه “إعجاز المسيح”. وخاطب علماء المسلمين قائلا:

“… إعلموا أن رسالتي هذه آية من آيات رب العالمين، وتبصرة لقوم طالبين. وإنها من ربي حجة قاطعة وبرهان مبين. … ومن كان يظن أنه فصيح وعنده كلام، كأنه بدر تام، فليأت بمثله والصمت عليه حرام. وإن اجتمع آباؤهم وأبناؤهم، وأكفاؤهم وعلماؤهم، وحكماؤهم وفقهاؤهم، على أن يأتوا بمثل هذا التفسير، في هذا المدى القليل الحقير، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ كالظهير”.( الخزائن الروحانية: الجزء 18- كتاب: إعجاز المسيح ص56-57)

وبعد أن أتم حضرة الإمام المهدي الحجة على علماء الهند، أرسل كتابه هذا إلى علماء الحرمين الشريفين، وإلى نخبة من علماء مصر والشام وفلسطين والعراق واليمن، وأرسله كذلك إلى بعض أصحاب المجلات العربية كمجلة المناظر، والهلال، والمنار، في مصر. فكتب صاحبا المناظر والهلال: “إن إعجاز المسيح قد بلغ حد الإعجاز”. ولكن الشيخ رشيد رضا صاحب مجلة المنار قام يستهزئ بالكتاب ويسخر من مؤلفه، وغرّه تعلقه بذيل أستاذه الإمام محمد عبده، فقال في مناره: “إن إعجاز المسيح ليس بفصيح وهو مملوء بالأغلاط الأدبية وفيه ركاكة العجمة، ويستطيع أهل العلم أن يكتبوا خيرا منه في سبعة أيام”. وأرسل مقالته هذه إلى علماء الهند الذين فرحوا بها وأذاعوها في الجرائد والصحف الهندية.

أما صاحب مجلة الفتح الدمشقية فلم يُنكر بلاغة الكتاب، إلا أنه أنكر أن يكون الكتاب من صنع يد سيدنا أحمد وقال: إن غلام أحمد استأجر شاميا ليساعده في كتابة كتبه العربية”. فرد حضرة الإمام المهدي على صاحبي المنار والفتح، واشتمل رده على قصيدة جاء فيها هذه الأبيات:

اُنظُرْ إِلى أقوالهمْ وَتَنَاقُضٍ

سَلَبَ الْعِنَادُ إصَابَةَ الآرَاءِ

ظ

طَوْرًا إِلَى عَرَبٍ عَزَوْهُ وَتَارَةً

قالوا كلامٌ فاسِدُ الِإملاءِ

.

هَذَا مِنَ الرَّحْمَنِ يَا حِزْب الْعِدَا

لاَ فِعْلُ شَامِيٍّ وَلا رُفَقَائِي

بعد أن نشر رشيد رضا ردّه في مجلة المنار، ثم أشيع هذا الرد بين مسلمي الهند الذين اتخذوا منه سلاحا لمعارضة سيدنا أحمد ، هنالك دعا سيدنا أحمد ربَه أن يهديه إلى أمر يُتم به الحجة على العالمين، ويكون آية على إعجازه في اللسان العربية.

فألف بمشيئة الله وإرادته كتابه المسمى “الهدى والتبصرة لمن يرى”. ومما قاله بهذا الصدد:

“… فقلّبت وجهي في السماء، وطلبت عون الله بالبكاء والدعاء، ليهديني إلى طريق إتمام الحجة، وإحقاق الحق وإبطال الباطل وإيضاح الـمَحَجَّة، فأُلقيَ في روعي أن أؤلف كتابا لهذا المراد، ثم أطلب مثله من هذا المدير (أي مدير مجلة المنار) ومن كل من نهض بالعناد، من تلك البلاد… وإني سأرسل كتابا إلى مدير “المنار”، ليُفكر فيه حق الإفكار، فإمّا اكْفهْرَارٌ بعد وإمّا اعتذار، وإنما هو لإظهار الحق معيار” (الخزائن الروحانية: الجزء 18 – كتاب: الهدى والتبصرة لمن يرى ص 263و266) وقد أرسل حضرة الإمام المهدي هذا الكتاب إلى الشيخ رشيد رضا صاحب المنار، وإلى فضلاء العرب وعلماء هذه الديار، وقد أقر الشيخ بتسلم الكتاب في عدد المنار رقم 23/34 عام 1902.

وقد أعلن حضرة الإمام المهدي ما يلي:

“… فإن أتى بالجواب الحسن وأحسن الرد عليه، فأُحرق كتبي وأُقبِّل قدميه، وأعلق بذيله وأكيل الناس بكيله” (المرجع السابق ص 264)

ولكن الله تعالى أوحى إليه بهذا الشأن مؤكدا له هزيمةَ وفشلَ الشيخ رشيد رضا، فأعلن ذلك سيدنا أحمد وقال:

“… وقال ما قال وما أمعن كأولي النهى، وما استشرف كأهل التقى، وخرّ بعدما علا، وإن الخرور شيء عظيم فما بال الذي من المنار هوى، واشترى الضلالة وما اهتدى! أم له في البراغة يدٌ طولى، سيُهزم فلا يُرى. نبأ من الله الذي يعلم السر وأخفى، إنه مع قوم يتقونه ويحسنون الحسنى” (المرجع السابق ص 254)

وقد عجز الشيخ رشيد رضا فعلاً عن قبول التحدي، ولم يأت بالجواب المطلوب في حياة أستاذه الشيخ محمد عبده الذي عاش مدة ثلاث سنين بعد وصول كتاب “الهدى والتبصرة” إلى بلاد مصر، وعجز حتى بعد وفاة أستاذه المذكور، بل لم يقدر على الردّ طوال حياته، وتحقق نبأ الله ووحيه ووعده: “سيُهزم فلا يُرى”، وظهرت بذلك معجزة أخرى وآية من آيات سيدنا أحمد في سماء بلاد العرب.

وحتى تكتمل الصورة في هذا المجال، فلا بد من ذكر، “الخطبة الإلهامية” الإعجازية، التي ألقاها باللغة العربية ارتجالا وإلهاما من الله تعالى صبيحة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى في بلدة قاديان. وكذلك كتابه “منن الرحمن” المعجز أيضًا، والذي لم يأت بمثله أحد لا من العرب ولا من العجم، ويقرر فيه المسيح الموعود أن اللغة العربية هي أم اللغات في الدنيا كلها.

ولعله من المناسب أن نذكر مؤلفات حضرة الإمام المهدي التي كتبها باللغة العربية، وهي كما يلي: 1- دافع الوسواس. مقدمة كتاب مرآة كمالات الإسلام 2- التبليغ. ضميمة كتاب مرآة كمالات الإسلام 3- تُحفة بغداد 4- كرامات الصادقين. ويحتوي على كتاب في تفسير سورة الفاتحة 5- حمامة البشرى 6- نور الحق الجزء الأول 7-نور الحق الجزء الثاني 8- إتمام الحجة 9- سرّ الخلافة  10- منن الرحمن 11- مكتوب أحمد. ضميمة كتاب أنجام آتهم 12- البلاغ (ضميمة للكتاب) 13- نجم الهدى 14- حقيقة المهدي (ضميمة للكتاب) 15- الخطبة الإلهامية 16- لجّة النور 17-إعجاز المسيح 18-الهدى والتبصرة لمن يرى 19-إعجاز أحمدي (القصيدة الإعجازية) 20- مواهب الرحمن 21-تذكرة الشهادتين. (ضميمة للكتاب) 22- سيرة الأبدال 23- الاستفتاء. (ضميمة كتاب حقيقة الوحي) وهكذا.. حين يتغنى سيدنا أحمد بفضل الله عليه، وحين يذكر نعم الله وآلائه، فهو إنما يتحدث بنعمة الله عملاً بقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى: 12)، ولكنه لا ينسب الفضل لنفسه بتاتا، بل دائما وأبدا يذكر فضلَ الله تعالى عليه، وفضل رسول الله الذي تعلم على يديه، حتى إنه تلقى وحيا من الله تعالى يقول فيه: (كُل بركة من محمد فتبارك من علّم وتعلّم). ولكن المعارضين والمخالفين الذين يريدون أن يصطادوا في الماء العَكِر، ويريدون أن يتصيدوا الأخطاء.. أو قل ما ظنوه هم أخطاء، أو ما صوره لهم خيالهم المريض على أنه أخطاء، فراحوا يزعمون أنه يُفضِّل نفسه على أنبياء الله، وأنه قد ادّعى بأنه أفضل من جميع الأنبياء، لأنه قال أن الله جعله أفصح المتكلمين، وقد وُهِبت له المملكة السماوية والروحانية، وأن الله وهب له علم الأولين والآخرين. إن كل هذه العبارات ليس المقصود منها سوى أن الله منحه هذه النعم الإلهية أكثر من الآخرين في عصره، وليس بالطبع المقصود بها أنه أبلغ المتكلمين منذ بداية العالم حتى نهايته. وقد ورد هذا الأسلوب في القرآن الكريم حيث جاء فيه عن النعم التي أنعمها الله على بني إسرائيل:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة: 48)، وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (آل عمران: 43)

ومن المعلوم أن الأفضلية التي حصل عليها بنو إسرائيل كانت بالنسبة لبقية العالمين في عصرهم وليس في العالمين قاطبة. وكذلك فإن السيدة مريم كان اصطفاؤها وتفضيلها على نساء العالمين في عصرها وليس العالمين إلى الأبد. فهل آن لمخالفي الجماعة الإسلامية الأحمدية ومعارضيها أن يدرسوا كتاب الله تعالى قبل أن يلقوا القول على عواهنه ويسوقوا اتهاماتهم بلا أساس وبغير هدى؟ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ماذا يقولون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك