خاتم النبيين وعلم المقبولين

إنا مسلمون.. نؤمن بكتاب الله الفرقان. ونؤمن بأن سيدنا محمدًا نبيُّه ورسوله، وأنه جاء بخير الأديان. ونؤمن بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، إلا الذي رُبِّيَ مِن فيضه وأظهرَه وعدُه. ولله مكالمات ومخاطبات مع أوليائه في هذه الأمة، وإنهم يُعطَون صبغةَ الأنبياء وليسوا نبيّين في الحقيقة، فإن القرآن أكملَ وَطَرَ الشريعة، ولا يُعطَون إلا فَهْمَ القرآن، ولا يزيدون عليه ولا ينقصون منه، ومن زاد أو نقص فأولئك من الشياطين الفَجَرة.

ونعني بختم النبوة ختم كمالاتها على نبينا الذي هو أفضل رسل الله وأنبيائه، ونعتقد بأنه لا نبي بعده إلا الذي هو من أمّته ومن أكمَلِ أتباعه، الذي وجد الفيضَ كله من روحانيته وأضاء بضيائه. فهناك لا غير ولا مقام الغيرة، وليست بنبوة أخرى ولا محلَّ للحيرة، بل هو أحمَدُ تجلّى في سَجَنْجَلٍ آخرَ، ولا يغار رجل على صورته التي أراه الله في مِرْآة وأظهَرَ. فإن الغيرة لا تهيج على التلامذة والأبناء، فمن كان من النبي.. وفي النبي.. فإنما هو هو، لأنه في أتمّ مقام الفناء، ومصبَّغ بصبغته ومرتدى بتلك الرداء، وقد وجَد الوجودَ منه وبلَغ منه كمالَ النشوّ والنماء. وهذا هو الحق الذي يشهد على بركات نبينا، ويري الناسَ حُسْنَه في حُلل التابعين الفانين فيه بكمال المحبة والصفاء، ومن الجهل أن يقوم أحد للمِراء، بل هذا هو ثبوت من الله لنَفْيِ كونِه أبتَرَ، ولا حاجة إلى تفصيل لمن تدبَّرَ. وإنه ما كان أبا أحد من الرجال من حيث الجسمانية، ولكنه أب من حيث فيض الرسالة لمن كمّل في الروحانية. وإنه خاتم النبيين وعَلَمُ المقبولين. ولا يدخُل الحضرةَ أبدا إلا الذي معه نقشُ خاتمه، وآثار سنته، ولن يُقبَل عمل ولا عبادة إلا بعد الإقرار برسالته، والثباتِ على دينه وملته. وقد هلك من تركه وما تبِعه في جميع سننه، على قدر وُسْعِه وطاقته. ولا شريعةَ بعده، ولا ناسخَ لكتابه ووصيته، ولا مبدِّلَ لكلمته، ولا قَطْرَ كمُزْنتِه. ومن خرج مثقالَ ذرّة من القرآن، فقد خرج من الإيمان. ولن يفلح أحد حتى يتّبع كلَّ ما ثبت من نبينا المصطفى، ومن ترَك مقدار ذرة من وصاياه فقد هوى. ومن ادّعى النبوة من هذه الأمة، وما اعتقد بأنه رُبّيَ من سيدنا محمدٍ خيرِ البريّة، وبأنه ليس هو شيئا من دون هذه الأسوة، وأن القرآن خاتم الشريعة، فقد هلك وألحَقَ نفسه بالكفَرة الفجَرة. ومن ادعى النبوة ولم يعتقد بأنه من أمته، وبأنه إنما وجَد كلَّ ما وجَد من فيضانه، وأنه ثمرة من بستانه، وقطرة من تَهْتَانِه، وشَعْشَعٌ من لمعانه، فهو ملعون ولعنة الله عليه وعلى أنصاره وأتباعه وأعوانه.

لا نبيَّ لنا تحت السماء من دون نبيّنا المجتبى، ولا كتابَ لنا من دون القرآن، وكلُّ من خالفه فقد جرّ نفسه إلى اللظى. (مواهب الرحمن)

الحمد لله الذي خلق الأشياء كلها فأودع مِن جمالٍ خَلْقَها، وبرأ نفوس الناس لنفسه فسوّاها وعالجَ بوجهه قلقها، وأتقن كلَّ ما صنع وحسَّن وأبدع وأحكمَ، وأضاء الشمس وأنار القمر وأنعم على الإنسان وأعزّه وأكرمَ. والصلاة والسلام على رسوله النبيّ الأُمّيّ.. محمد أحمد الذي كان اسماه هذان أوّل أسماءٍ عُرضتْ على آدم بما كانا علّةً غائيّةً للنشأة الأولى وكانا في علم الله أشرف وأقدم. فهو أوّلُ النبيين درجةً لهذين الاسمين وآخرهم بما ختم الله عليه كلّ ما علّم النبيين وفهّم، وأكمل كلّ ما أوحى إليه وألهم، وبما أعطاه الله آخر المعارف وجمع فيه ما أخّر وقدّم، وأرسله إلى كل أسود وأبيض، واختاره لإصلاح كل أعمى وأصمّ وأبكم، وضمّخه بعطرِ نعمه أزْيدَ مما ضمّخ أحدا من الأنبياء، وعلّمه من لدنه، وفهّمه من لدنه، وعرّفه من لدنه، وطهّره من لدنه، وأدّبه من لدنه، وغسله من لدنه بماء الاصطفاء. فوجب عليه حمدُ هذا الربِّ الذي كفَل كلَّ أمره بالاستيفاء، وأدخله تحت رداء الإيواء، وأصلح كل شأنه بنفسه مِن غيرِ منّةِ الأساتذî والآباء والأمراء، وأتمّ عليه من لدنه جميع أنواع الآلاء والنعماء. فحمده روحُ النبي بحمد لا يبلغ فكرٌ إلى أسراره، ولا تدرك ناظرةٌ حدود أنواره، وبالغَ في الحمد حتى غاب وفنى في أذكاره.

وأمّا سببُ هذا الحمد الكثير.. وسرُّ إحماده، فهو بحار فضل الله وموالاة إمداده، وعناية الله التي ما وكَلتْه طرفة عين إلى سعيه واجتهاده، حتى شغفه وجهُ الله حُبًّا وأوحده في وداده، ففار قلبُه لتحميد هذا المحسن حتى صار الحمد عين مراده. وهذه مرتبة ما أعطاها الله لغيره من الرسل والأنبياء والأبدال والأولياء، فإنهم وجدوا بعض معارفهم وعلومهم ونعمهم بوساطة العلماء والآباء والمحسنين وذوي الآلاء، وأما نبينا فوجد كل ما وجد من حضرة الكبرياء، ونال ما نال من منبع الفضل والإعطاء، فما فارت قلوب الآخرين للحمد كما فار قلب نبيّنا لحمدِ مُنعِم تولّى أمره وحده مِن جميع الأنحاء، فلأجل ذلك ما سُمّي أحدٌ منهم باسم أحمد، فإنه ما أثنى على الله أحدٌ منهم كمحمّد وما وَحَّدَ، وكان في نعمهم مَزْجُ أيدي الإنسان، وما علّمهم الله كعلمه وما تولّى كل أمورهم وما أَيَّدَ. فلا مهديَّ إلا محمد ولا أحمد إلا محمد على وجه الكمال، وهذا سرٌّ لا يفهمه إلا قلوب الأبدال. (نجم الهدى)

 

î سقطت التاء من الكلمة سهوا، والصحيح: الأساتذة. (الناشر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك