الارتقاء من الصفات المريمية إلى الصفات العيسوية

الارتقاء من الصفات المريمية إلى الصفات العيسوية

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

الارتقاء من الصفات المريمية إلى الصفات العيسوية

 

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يجيب عليه الأستاذ : محمد حميد كوثر

السؤال

لماذا قال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أنه مريم ثم أصبح عيسى؟

الجواب:

نود أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى قول الله تعالى الذي ورد في القرآن المجيد:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (التحريم: 11-13)

لقد شبه الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمة الكافرين بامرأتين هما امرأة نوح وامرأة لوط، وشبه المؤمنين أيضا بامرأتين هما امرأة فرعون ومريم بنت عمران. فإذا قام أحد أعداء الإسلام وزعم أن الكافرين قد تحولوا إلى نساء مثل امرأة نوح وامرأة لوط، وأن جميع المؤمنين أيضا قد تحولوا إلى نساء مثل امرأة فرعون ومريم بنت عمران، فلا يسعنا إلا أن نعجب لغباوته وسفاهة عقله.

لقد قال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية تعليقًا على هذه الآيات الكريمة: «… إن الآية المشار إليها لترمي إلى أنه سيكون في هذه الأمة رجل يُعطى أولاً درجة مريم الصديقة، ثم يُنفَخُ فيه روح عيسى، فإذا مريم ينبثق منها عيسى، أي أن هذا الرجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية … لقد سمّاني الله بروح الصدق في خطابه، وهو معنى مترادف لمفهوم الآية: فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ، فكان نفخ الروح العيسوي في بطن مريم من قبيل الاستعارة…» (الخزائن الروحانية: ج 19- كتاب: سفينة نوح «التعليم» ص63)

والرجاء من القارئ الكريم أن يأخذ بعين الاعتبار الكلمات التي وردت في العبارة آنفة الذكر، قوله: رجل يُعطَى أولا درجة مريم الصدّيقة، وقوله: أن هذا الرجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية، ولعله يدرك أن هذه الكلمات ليست إلا من قبيل الاستعارة. وليس المقصود بها بتاتا أن رجلا سوف يتحول ويصبح امرأة مثل مريم وينال درجتها ثم يتحول من الحالة النسائية إلى حالة الرجولة ويصير عيسى بشخصه ودمه ولحمه. والغريب في الأمر أن الكثيرين من معارضي الأحمدية يُصرون على هذا الفهم السقيم مهما شرحنا وأوضحنا لهم، فيبدو أن هذه هي قدراتهم على فهم الأساليب المجازية، فكان الله في عونهم وعون من يستمع لهم.

ولقد قال تعالى في سورة الأحزاب:

النَّبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهم (الأحزاب 33:7)

ومن المعروف أن لفظ « الأم» يُطلق على المرأة التي تُنجب ابنًا أو ابنةً، وهي بعد الولادة تصبح أُمًّا، فهل من المعقول أن يُصرّ بعض أعداء الإسلام على التفسير الحرفي الظاهري لهذه الآية الكريمة ويرفض التفسير المجازي، اللهم إلا إذا كان من الجهلاء والسفهاء؟ وماذا يمكن أن نقول عن معارضي الجماعة الإسلامية الأحمدية الذين يُصرّون على التفسير الحرفي الظاهري لما كتب سيدنا أحمد عليه السلام في كتابه «التعليم» عن الحصول على الصفات المريمية والعيسوية؟ إن الإنسان العاقل الذي لم يضع التعصب المقيت عماية على بصيرته.. يرى بكل وضوح أن زوجات الرسول لم يكنّ في حقيقة الأمر أمّهات للمؤمنين بالمعنى الحرفي، ولكنهن كن في مقام ومنزلة أمهاتهم، وهن في حقيقة الأمر أمهات من الناحية الروحانية. فالأم الروحانية تختلف عن الأم الجسمانية، والابن الروحاني يختلف عن النفخ في بالونة، والحمل الروحاني يختلف عن حمل الجنين أو حمل الأشياء المادية. والغريب في الأمر أن هناك الكثير من التعبيرات المشابهة، وكلها يفهمها الناس على أنها تعبيرات مجازية، ولكن حين يتعلق الأمر بتعبيرات مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية.. يُصر الناس على فهمها حرفيًّا. هناك مثلا حديث لسيدنا محمد المصطفى قال فيه: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (صحيح البخاري: كتاب الحج)

والغريب في الأمر أن الكثيرين من معارضي الأحمدية يُصرون على هذا الفهم السقيم مهما شرحنا وأوضحنا لهم، فيبدو أن هذه هي قدراتهم على فهم الأساليب المجازية، فكان الله في عونهم وعون من يستمع لهم.

ولا يفهم أحد هذا الحديث بالمعنى الحرفي بتاتا، ولا يُطالب أحد المسلمين بأن يبرهنوا على صدق رسولهم ويُقدموا للعالم رجلا أدى فريضة الحج ولم يرفث ولم يفسق ثم رجع طفلا رضيعًا كيوم ولدته أمه. وإنما يفهم الجميع.. حتى أعداء الإسلام.. أن هذه الولادة هي ولادة روحانية، وأن الحاج الذي لم يرفث ولم يفسق كأنه يولد من جديد، فلا تُذكر كل خطاياه التي ارتكبها منذ ولادته الجسمانية. فما بال أعداء الإسلام يفهمون ومعارضو الأحمدية لا يفهمون؟ إن هذا لشيء عُجاب!

وجاء في تفسير الكشاف لقوله تعالى عن مريم الصديقة:

وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (آل عمران :37)

«… أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما»

ويشير هذا القول إلى الصفات المريمية والصفات العيسوية، وأن من يتصف بالصفات المريمية أو الصفات العيسوية يكون معصومًا من مس الشيطان، فما الغريب في قول مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بأنه أُعطيَ أولاً درجة مريم الصديقة ثم انتقل من صفاته المريمية إلى الصفات العيسوية؟ يحضرني في هذا الموضوع قصة بروفيسور هندي كان قد قرأ الكثير من مؤلفات سيدنا أحمد عليه السلام، ولكن الأمر لم يكن قد اتضح في ذهنه بعد، ثم حدث أن قرأ كتاب «التعليم» الذي تناول فيه مؤسس الجماعة هذا الموضوع وذكر اتصافه أولا بالصفات المريمية ثم بالصفات العيسوية. وبعد أن انتهى من الكتاب اقتنع تمامًا بصدق سيدنا أحمد عليه السلام وانضم إلى هذه الجماعة المباركة، ولما سُئل ما الذي جعله يُغير من موقفه تجاه مؤسس الجماعة قال: إن الرجل العادي .. ودَعْ عنك المفتري الكذاب.. لا تخطر على باله هذه الأمور، ولا يستعمل تلك التعبيرات إلا رجل مرّ فعلا بهذه المراحل ويعرف تمامًا ما هي الحالة المريمية وما هي الحالة العيسوية، ثم يكتب عن هذه الأمور وهو يعلم مسبقًا أن الأعداء سوف يستغلون ذلك للاستهزاء والسخرية، غير أنه يكتبه حسب التفهيم الإلهي بكل الصدق والأمانة، وهذا دليل قوي وشهادة واضحة على أنه كان صادقًا وكان بالفعل مبعوثًا من الله سبحانه وتعالى، ولذلك آمنت به، وهذا هو ما قاله القرآن المجيد:

فَأَمَّا الَّذينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الْحَقُّ مِن ربّهمْ وَأمَّا الَّذين كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثيرًا وَيَهْدي بهِ كَثيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفَاسِقِينَ (البقرة: 27)

فهل آن الأوان لمعارضينا أن يفهموا هم أيضًا معنى كلمات مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ اللهم اهْدِهِمْ وفَهِمْهم يا رب، فإنهم لا يفهمون!

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك