"إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"

“إذا لم تستحي فاصنع ما شئت”

يأتي على رأس الفضائل كلها، خُلق الحياء، فهو خير كله كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه يطبع سلوك الشخص بطابع الاستقامة والحق في علاقته مع ربه وبني نوعه. والقطعة الشعرية التي سنعرضها تكشف لك عزيزي القارئ عن جوانب مشرقة من هذه الفضيلة الحية، تلك التي عبر عنها بصدق الشاعر العباسي أبو تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفى سنة 231 هـ صاحب ديوان الحماسة.

إذا جاريتَ في خُلقٍ دنيئًا

فأنت ومن تُجاريه سواءُ

ز

رأيتُ الحُرَّ يجتنبُ المـَخازي

ويحميه عن الغدر الوفاءُ

.

وما من شدة إلا سيأتي

لها من بعد شدتها رخاءُ

.

لقد جرَّبتُ هذا الدهر حتى

أفادَتْني التجاربُ والعناءُ

.

إذا ما رأسُ أهل البيت ولَّى

بدا لهم من الناس الجفاءُ

.

يعيش المرء ما استحيى بخيرٍ

ويبقى العودُ ما بقي اللحاءُ

.

فلا، والله، ما في العيش خيرٌ

ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ

.

إذا لم تخشَ عاقبة الليالي

ولم تستحي فاصنع ما تشاءُ

شرح الكلمات الصعبة

العناء: التعب والنصَب.

المخازي: من المخزاة: الموبقات والرذائل.

ولى: ذهب أثره.

الجفاء: الابتعاد والتخلي. من جفاه يجفوه.

اللحاء: قشرة الشجر المغطية له.

أظلم من أفعى

“إنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (الحديث)

من أمثال العرب: “أظلم من أفعى”. يقال: “إنك لتظلمني ظلم الأفعى”.

قال الشاعر:

وأنت كالأفعى التي لا تحتفر

ثم تجي سادرة فتنجحر

وذلك أن الحية لا تتخذ لنفسها بيتًا، فكل بيت قصدتْ إليه هرب أهله منه وخَلَّوه لها.

ومن أمثالهم في هذا الصدد: “أظلم من ذئب”.

وقالوا أيضًا: “من استرعى الذئب ظَلَمَ”، “ومستودعُ الذئب أظلم”، و”كافأه مكافأة الذئب”.

وأما ما جاء في أشعارهم فحكى ابن الأعرابي أن أعرابيًا ربّى بالبادية ذئبًا، فلما شبّ افترس سَخلةً له (السخلة ولد الغنم ساعة تضعه أمه) فقال الأعرابي:

فَرَستَ شُويهتي وفَجعتَ طفلاً

ونسوانًا وأنت لهم ربيبُ

.

نشأتَ مع السِّخال وأنت طفل

فما أدراك أن أباك ذيبُ

.

إذا كان الطباع طباع سوءٍ

فليس بمصلحٍ طبعًا أديبُ

وقال آخر:

وأنت كجروِ الذئب ليس بآلِفٍ

أبى الذئبُ إلا أن يخون ويظلما

Share via
تابعونا على الفايس بوك