بأي لغة يجيب الله عز وجل من يدعوه؟

بأي لغة يجيب الله عز وجل من يدعوه؟

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

إن الوعد الذي قطعته “التقوى” على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادىء يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتّاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر “التقوى” الرحب سيتسع لكل سؤال بَنَّاء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة. سؤال هذا العدد يُجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر (داعية إسلامي أحمدي)

السؤال: لماذا وردت في إلهامات سيدنا أحمد عليه السلام كلمات في اللغات الأجنبية وغير العربية؟

الجواب: يعترض البعض من أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية على أن بعض كلمات الوحي الذي تلقاه حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام قد جاءت في لغات أجنبية غير عربية. ومن المدهش حقًا أن يكون اعتراض أعداء الأحمدية هو نفس الاعتراض الذي ساقه أعداء الإسلام على القرآن الكريم الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد زعم بعضهم أن الله تعالى لا يُنزل كلامه إلا باللغة العبرية، وتعتقد بعض الفرق الهندوسية أنه تعالى لا يتكلم مع أحد إلا باللغة السنسكريتية. وللأسف الشديد إن معارضي الأحمدية أثاروا نفس الاعتراض وقالوا أنه سبحانه لا يتكلم إلا باللغة العربية.

إن الله عز وجل أرسل سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم سيدًا للمرسلين، وأنزل عليه القرآن المجيد رحمة للعالمين، ورحمته تبارك وتعالى وسعت كل شعب وكل أمة، وقال في كتابه العزيز:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة: 187)

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر: 61)،

وهذا يؤكد على أنه تعالى يسمع أدعية الناس أجمعين، مهما كان نطقهم وأيًّا كانت لغتهم، فهو العليم الخبير الذي يعرف جميع لغات العالم، حتى إن له عز وجل اتصالاً بالحيوانات يفهم ما يصدر منهم ويُكلمهم كلما دعت الحاجة إلى ذلك. فقد ورد في القرآن الكريم:

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (النحل: 69).

فإذا كان الله تعالى قد أوحى إلى النحل باللغة التي يفهمها، فليس من الغريب أنه يُنزل على عباده بعض الإلهامات باللغات غير العربية كما أنزل على حضرة الإمام المهدي خادم شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ولست أدري كيف نسي معارضو الجماعة الإسلامية الأحمدية.. أو لعلهم تناسوا.. أن مُفسّرِي القرآن المجيد كتبوا بأنه توجد بعض الكلمات غير العربية في القرآن المجيد. فقد ورد في تفسير القرطبي أنه قد ورد في القرآن كلمات من لغات وألسنة مختلفة كما يلي:

اللسان الحبشي: كلمة “مشكاة”، و “نشأ”، ويؤتكم “كفلين”، وفرت من “قسورة”.

اللسان التركي: كلمة “الغساق”.

اللسان الرومي: كلمة “القسطاس”.

اللسان الفارسي: كلمة “السجيل”.

اللسان السرياني: كلمة “الطور” و “اليم”.

اللسان العجمي: كلمة “التنور”.

اللسان العبري: كلمة “إسرائيل” و”جبرائيل” و”عمران” و”نوح” و”لوط” وغيرها.

وقد ورد في تفسير روح المعاني للعلامة الألوسي أن في القرآن خمسين لغة:

“.. وذكر أبو الواسطي أن في القرآن من اللغات خمسين لغة وسردها ممثلا لها إلا أنه ذكر أن فيه من غير العربية الفرس والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط” (تفسير روح المعاني ج 13 ص 186)

وورد في التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي:

“.. إن الله تكلم بالمشكاة وهو بلسان الحبشة، والسجيل والاستبرق فارسيان” (التفسير الكبيرج 1)

وورد في كتاب تاريخ الأدب العربي عن مؤلفه أحمد حسن الزيات ص 88 ما يلي:

“.. وقد جاء في القرآن بعض ألفاظ من لغات عربية أخرى كقوله لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ أي لا ينقصكم بلغة بني عبس. ثم وقع فيه من غير لسان العرب أكثر من مائة كلمة ترجع إلى لغات الفرس والروم والنبط والحبشة والعبران والسريان والقبط، كالجبت والاستبرق والسندس والقسطاس والزنجبيل، وقد صقلها العرب على لسانهم وأجروها على أوزانهم فصارت بذلك عربية” هذا بالرغم أن الله سبحانه وتعالى قد وصف في كتابه العزيز فقال:

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف: 3)

ومع هذا كتب المفسرون بأنه قد وردت في القرآن المجيد بعض الكلمات من اللغات الأجنبية، ولم يعترض على ذلك أولئك الذين يعترضون اليوم ويتطاولون بأقلامهم وألسنتهم على بعض إلهامات حضرة الإمام المهدي عليه السلام التي جاءت في اللغات الأجنبية وغير العربية.

وقد ذكر الله تعالى عن سليمان وداود عليهما السلام قوله:

وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (النمل: 17)

وكل مسلم يؤمن بأن سيدنا سليمان وسيدنا داود عليهما السلام كانا نبيين، ولا يقدح في شأنهما بتاتًا أن الله تعالى علمهما منطق الطير. وعلى ذلك إذا تلقى حضرة الإمام المهدي عليه السلام بعض الإلهامات بلغة من لغات بني الإنسان فلماذا الاعتراض عليه؟

وأحسن شاهد على صدق حضرة الإمام المهدي عليه السلام أنه أول من أثبت عبر تاريخ الأمة الإسلامية أن جميع لغات بني الإنسان قد اشتُقت من اللغة العربية. وأثبت فعلاً في بعض مؤلفاته اشتقاق بعض اللغات من العربية. ومن بعده أخذ بعض أبناء الجماعة هذه المهام على عاتقهم. فالعجب كل العجب أن المتهم في قضية بحثنا لم يحتج للدفاع عن نفسه لأن القرآن الكريم قد تكفل بذلك، ولكنه أثبت للأمة الإسلامية قاطبة الثغرات الموجودة في تفكيرهم إزاء دينهم ووضع بفضل الله اللغة العربية مكانتها المرموقة التي رضاها الله لها.

فأين هؤلاء الذين يعترضون على حضرته عليه السلام من واقع الأمور والحقيقة والمنطق السليم. ندعو الله أن ينور بصيرتهم ويشرح صدورهم، كي يتعرفوا على إمام الزمان الذي أمرنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمبايعته ولو حبوًا على الثلج.

Share via
تابعونا على الفايس بوك