"أفتؤمنون بعجائب الكفار وبفعل الله تكفرون؟"

أيها الناس.. انظروا إلى آلاء الله.. كيف جدّد زمنكم، وأبدعَ هيئةَ دهركم، وأترعَ فيه عجائب ما رأتها أعين آبائكم ولا أجدادكم، وأنتم بها تُترَفون. وعلّم أهلَ أروبا صنعةَ وابور البرّ إهداءً لكم ولعشيرتكم لعلكم تشكرون. انظروا إليها كيف تجري بأمره في البراري والعمران، تركبونها ليلا ونهارا، وتذهبون بغير تعب إلى ما تشاءون. وكذلك فهّم أهلَ المغرب صنائع دون ذلك من آلات الحرث والحرب، والعمارات والطحن واللبوس، وأنواع أدوات جر الثقيل، وما يتعلق بتزيينات المدن والمنازل وتسهيل مهماتها، فأنتم ترغبون فيها وتستعملون. وتجدون في كل شهر وسنة من إيجادات غريبة نادرة، لم تر عينكم مثلها، فمنها ما يُمِدُّكم في عيشتكم، وتنجيكم من شِقّ الأنفس، كصناديق طاقة الكبريت التي بها توقدون، وكزيت الغاز الذي منه مصابيحكم تنيرون. ومنها صنائع هي زينة بيوتكم، فتأخذونها وأنتم مستبشرون.

فانظروا وتفكروا.. إن الله ربكم الرب الكريم الذي أعطاكم من كل نوادر الأرض وأملأ بيوتكم منها، فكيف تعجبون من نزول نوادر السماء وتستبعدون؟ وتسرّون بأشياء دنياكم التي هي أيام معدودات، ولا تنظرون إلى زاد عقباكم ولا تبالون. وكيف تعجبون من نزول المسيح وأيام الفضل الروحاني، وأنتم ترون عجائب فضل الله قد تجلت لإراحة أجسامكم بصور جديدة، وحلل نادرة، ما تجدون مثلها في أيّام آبائكم. أ فتؤمنون بعجائب الكفار وبفعل الله تكفرون؟ وتيئسون من قدرة الله، ومن قدرة الخلق لا تيئسون؟ ما لكم لا تعرفون أفعال الله النادرة ببعض أفعاله التي تعرفونها وتشاهدون؟ أ كنتم مطلعين من قبل على هذه النوادر التي ظهرت في زمانكم من وابور البر والتلغراف وصنائع أخرى. كانت هي كلها مكتوبة في القرآن ولكنكم كنتم لا تفهمون، وكذلك ما فهمتم سر نزول المسيح من غرارتكم، وقد كان مكتوبا في كتاب الله. وما كان لبشر أن يفهم شيئا قبل تفهيم الله، ولو كان النبيون.

والعجب كل العجب منكم أنكم لا تظهرون كراهة في قبول صناعات جديدة مفيدة لأجسامكم، ولكن إذا دعوتكم إلى صنع الله الذي أتقن كل شيء، ورأيتموه في أعينكم غريبا نادرا، فأظهرتم كراهة وسخطة، وأبيتم وأنتم تعلمون.

أيها الناس.. ما جئت بأمر منكر، وقد شهد الله على صدقي، ورأيتم بعض آياتي، ووجدتم ذكر زمني في كتاب الله الذي به تؤمنون. والله نكّر الأمر في أعينكم ليبتلي علمكم وتقواكم، فاغترّت فتنتُه وأنتم غافلون. أيها الإخوان! خذوا كتاب الله بأيديكم ثم تدبروا فيه.. هل جاء وقت آخر الزمان أو في مجيئه حقب وقرون؟ إنكم تعلمون أن المسيح يأتي في آخر الزمان، وقد رأيتم بأعينكم علاماته، وشاهدتم النوادر الأرضية التي جعلها القرآن الكريم من آثار الـزمن المتأخر، وأنتم منها تنتفعون. فما لكم لا تؤمنون بالنوادر السماوية التي تدل عليها الآيـة الكريمة.. أعني بذلك قوله تعالى: إذا السماء كُشطتْ ،[1] وتُخلدون إلى الأرض ومن آلاء السماء تبعدون؟

وقد بشر الرب الكريم في هذا الأمر بشارة أخرى بقوله: وإنا لـه لحافظون [2]ولكن تنسون بشارات ربكم وفي آياته تُلحدون.

اعلموا أيها الأعزة.. أن السماء والأرض كانتا رَتْقًا ففتَقهما الله، فكُشطت السماء بأمره وصدعت، ونـزلت نوادر وخرجت، ليبتلي الله عباده إلى أيّ جهةٍ يميلون. وتقدمت نوادر الأرض على نوادر السماء، فاغتر الناس بصنائعها وعجائب علومها وغرائب فنونها، وكادوا يهلكون. فنظر الرب الكريم إلى الأرض ورآها مملوءة من المهلكات، ومترَعة من المفسدات، ورأى الخلق مفتونا بنوادرها، ورأى المتنصرين أنهم ضلوا ويُضِلّون، ورأى فلاسفتهم اختلبوا الناس بعلومهم ونوادر فنونهم، فوقعت تلك العلوم في قلوب الأحداث بموقع عظيم كأنهم سُحروا فجذبوا إلى الشهوات واستيفاء اللذات، والتحقوا بالبهائم والحشرات، وعصوا ربهم وأبويهم وأكابرهم، وأُشربوا في قلوبهم الحرّية، وغلبت عليهم الخلاعة والمجون. فأراد الله أن يحفظ عزة كتابه ودين طلابه، من فتن تلك النوادر كما وعد في قوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لـه لحافظون . فأنجز وعده، وأيد عبده، فضلا منه ورحمة، وأوحى إليّ أن أقوم بالإنذار، وأنزل معي نوادر النكات والعلوم والتأييدات من السماء، ليكسر بها نوادرَ المتنصرين وصليبهم، ويحتقر أدبهم وأديبهم، ويدحض حجتَهم، ويفحم بعيدهم وقريبهم. فمظهر نوادرِ الأرض وفتنِها هو الذي سمي بالدجال المعهود، ومظهر نوادر السماء وأنوارِها هو الذي سمي بالمسيح الموعود. خصمانِ تقابلا في زمن واحد، فليستمع المستمعون.

[1] سورة التكوير: 12.

[2] سورة الحجر: 10.

Share via
تابعونا على الفايس بوك