الإعلام يا أمة الإسلام

الإعلام يا أمة الإسلام

التحرير

أقلعت الطائرة من مطار أمستردام متوجهة إلى بلد أفريقي تحمل فريقًا طبيًا من دول أوروبية عديدة ومن الولايات المتحدة، ويتبع هذا الفريق لمؤسسة خيرية تضحي في سبيل الإنسانية البائسة ولا تبالي بما أصابها ويصيبها، ولا تأبه بعروض مادية مغرية إذا كان الهدف من هذا المال يتعارض مع أخلاقيات هذه المؤسسة. وبطريقة أو بأخرى تنزل طائرة صغيرة أخرى تحمل الفريق في مطار عاصمة هذه الدولة الأفريقية (جومبا) حيث إن المطار لا يصلح لطائرة كبيرة. هذا المطار عبارة عن أرض منبسطة غير معبدة معشبة فيها مبنى صغير أشبه بكوخ يفترض أنه مبنى المطار، وينزل الفريق من الطائرة على سلم لا يصل إلى الأرض فيضطرون إلى القفز لمسافة نصف متر تقريبًا، ويكون في انتظار الفريق مسؤول رسمي يعتمر طربوشًا عثمانيًا وحوله مجموعة من المسلحين، فيرحب بالفريق ويصطحبهم إلى الحافلة. ويركب الفريق الحافلة التي يبدو أنها من طراز يعود لبداية هذا القرن، وتسير الحافلة في ممر غير معبد موحل بين الأعشاب وتتمايل وتترنح بمن فيها، وفوق هذه الحافلة تتوضع أمتعة الفريق واثنان من المسلحين يحرسونها. وعندما يصل الفريق إلى مركز المدينة فإذا بها مجموعة صغيرة من الأكواخ وكثير من الناس بلا مأوي يجلسون في قارعة الطريق. ويتم إرشاد الفريق إلى مقر إقامتهم وهو كوخ لا كهرباء فيه. ويبدأ رئيس الفريق بإعطاء التعليمات لفريقه، ثم يسألهم إن كان عند أحدهم استفسار.. فيبادر أحدهم بسؤال طريف: متى ستصل أجهزة التلفزيون؟ فيضحك الجميع من صميم قلوبهم.

ثم ما أن يبادر الفريق بالعمل، حتى يظهر رجل مقطوع الساق يهرب من العلاج، ويلحق به رجل آخر ويقول له: هل أنت مجنون؟ هل تريد أن تموت؟!، فيقول له المسؤول ذو الطربوش العثماني: دعه فإن الله سيرعاه. ولا عجب أن هذا المسؤول قد أُطلق عليه اسم رشيد، فهو الرشيد في هؤلاء القوم.

هذا جانب من فيلم بثته إحدى القنوات العربية وتمنت لمشاهديها الاستماع والفائدة.

والسؤال هنا: إلى متى هذه الحملة الشرسة التي تشن على الإسلام وتاريخه وحضارته؟ وهل من أمل والعالم قد أصبح الآن قرية صغيرة، في أن تتضح الحقائق للناس، ويتعارفوا فيما بينهم ويدركوا ما هم عليه وما هو عليه غيرهم.

إن الغاية التي أرادها الله من تعدد أعراق البشر وألوانهم وثقافاتهم هي أن يتعارفوا ويتعلموا من بعضهم البعض. والمقياس الذي ينبغي أن يؤخذ في الحسبان عند المقارنة هو التقوى، فلا فضل لقوم على آخرين إلا بالتقوى. والتقوى هي لب الإنسانية والمظهر الأسمى في ثقافات الأمم وحضاراتهم، فبقدر ما تتواجد عادات وتقاليد أساسها وجوهرها التقوى في ثقافة أمة من الأمم بقدر ما تكون هذه الثقافة والحضارة تسمو بالإنسانية. كما أن التقوى هي الماء الذي يروي الحضارات ويعمل على استمرارها وبقائها، وليس للمنجزات المادية من دور في بقاء الحضارات. وهذا ما سجله التاريخ لكثير من الأمم السابقة الذين، وإن بقيت لهم آثار من أحجار فلم يبق لهم وجود على الأرض وليس هنالك من يحمل فكرهم.

إن الغرب الذي يتمتع الآن بسلطان مادي لم تنله أمم على وجه الأرض قبل ذلك، إنما يندرج تحت فئة الحضارات البائدة التي لم يبق منها إلا آثارها، لذلك فلن تختلف نهاية هذه الأمة عن غيرها. ونحن الأمة الإسلامية ولئن وصلنا إلى حال يرثى لها، وليس لنا من السلطان المادي في الدنيا من نصيب، فلم يستطع أعداؤنا القضاء علينا قضاءً مبرمًا، والسبب الوحيد لذلك هو بقاء البركة والتقوى ولو في جزء يسير من هذه الأمة. فبقية التقوى هي التي مازالت رغم الهزائم المتلاحقة تجعل عدونا يحسب لنا ألف حساب، ولا يطمئن إلى فنائنا نهائيًا. وهذا من فضل الله ورحمته على هذه الأمة التي خُلقت لتكون خير أمة أخرجت للناس.

ولكن هل على المسلمين أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام حملة التشهير بهم وبثقافتهم وحضارتهم؟ بالطبع لا. لابد للمسلمين من أن ينشطوا في إظهار صورتهم الصحيحة، ولابد لكل المسلمين أن ينبذوا خلافاتهم ويهبوا لهذه المهمة التي يمتلكون كل الإمكانات ليخوضوا غمارها.

إن هناك نقاطًا رائعة في تاريخنا وديننا لا بد من تسليط الضوء عليها. فلم ير العالم فاتحين منتصرين أكثر تسامحًا من المسلمين مع الملل الأخرى. ولم يشهد العالم فاتحين منتصرين كالمسلمين لم يحاولوا القضاء على الأمم التي هزموها، بل حافظوا على كيانهم ولغاتهم وأديانهم ودور عباداتهم لا بل وأنظمة حكمهم شرط أن يسمح للمسلمين بنشر دعوة الإسلام. بينما ذاق المسلمون ولا يزالون الويلات على أيدي أعدائهم، وهدمت مساجدهم ودمر تراثهم، وهجروا وشردوا من أوطانهم.

كما أن هناك أمثلة على أن هذا الدين إنما انتشر بقوة الروحانية وليس بالقوة أو بالإغراء، فأكبر دولة إسلامية (إندونيسيا) لم يدخلها جندي مسلم واحد، بل كان يتردد عليها بعض التجار المسلمين الأتقياء الذين أظهروا صفاء عقيدة الإسلام التي يحملونها، فاتبعهم الناس في هذه البلاد البعيدة.

كذلك فهنالك أمثلة ملفتة للنظر كمثال المغول. فقد دخل المغول البلاد الإسلامية وقتلوا وسلبوا ودمروا، وبعد ذلك بُهروا بما وجدوا من دين وثقافة وحضارة، وقد كانوا من قبل ليس لهم من التحضر من نصيب. فأصبحوا مسلمين موحدين، وأصبحت لهم دولة عظيمة في الشرق، بعد أن كانوا مجرد غزاة وقطاع طرق. إن المسلمين، منتصرين كانوا أو مهزومين، كانوا على الدوام مثار إعجاب لدى من خالطوهم وأثروا في أصدقائهم وأعدائهم وعلموهم ورفعوا مستوياتهم.

وما دامت الحال كذلك، فلا بد من شن هجوم مضاد على الحضارة الغربية لإظهار مفاسدها ووحشيتها، غايته إحقاق الحق وإزهاق الباطل، إذ إن هذا الصمت من قبل المسلمين جعل العالم يظن أنهم كما يصفهم أعداؤهم. والغرب لن يقدر على الدفاع عن نفسه حيال ذلك. فالخنزيرية التي أصبحت طابع هذه الحضارة، إنما هي مظهر منحط لا إنساني يزج بالإنسان في درجة سفلى من درجات الحيوانات، حتى إن الكثير من الحيوانات تتمتع بطباع تجعلها متحفظة في علاقة الذكور بالإناث، بينما نجد الحضارة الغربية تسوغ النزوات الطبعية بين الجنسين تحت شعارات واهية، كذلك فإن القوانين العوراء التي تنظم الأحوال الشخصية عندهم قلبت الموازين وأدت إلى خلل اجتماعي، كمنع تعدد الزوجات ظنًا منهم أنه يسيء إلى إنسانية المرأة والعلاقة بين الزوجين، كذلك ربط بتسوية مالية يجب أن يوافق عليها الزوجين، فأصبح الزواج شيئًا مرعبًا عندهم كون الطلاق هو خطر يهدد كلا الزوجين بخسائر مالية، كذلك فهو رباط من الصعوبة التخلص منه. كما أن الرجل يتخلى عن ابنه للتبني بكل بساطة، فأين هم من الإنسانية والرقي.

كذلك إن كانوا ينتقدون بعض تصرفات المسلمين الذين يتصرفون عن جهل أو عدم دراية ويلصقون ذلك بالإسلام. فهنالك الكثير من النقاط المضيئة الملحوظة للعيان والباقية عند عامة الناس رغم انحرافهم. بينما الغرب وإن كان قد تخلص من كثير من القيم والمفاهيم الدينية فإن أديانهم المحرفة تحمل الكثير من التعصب والتطرف والرجعية. فالإسلام على سبيل المثال يقبل بتأسيس أسرة أفرادها ينتمون إلى عقائد مختلفة، فيمكن للمسلم أن يتزوج من الكتابية وأن تبقى على دينها، كما يجب عليه أن يرعى والديه ويؤدي حقوقهما وإن كانا على دين غير دينه فعليه أن يصاحبهما في الدنيا معروفًا، بينما لا تجد ذلك في أي دين آخر، وإن كان الغرب يقر بأن ذلك من حقوق الإنسان.

إن النقاط التي يسلّط الغرب الضوء عليها عندنا هي نقاط من السهل الدفاع عنها وإظهار حقيقتها، بينما الغرب لا يمكنه أن يدافع عن نفسه إذا ما شننا الهجوم المعاكس الذي غايته إظهار الأمة الأكثر تقوى دون غش وخداع وتزوير. لا شك أن القيام بهذا العمل يحتاج إلى توحيد توجهات المسلمين ورص صفوفهم، فهلا بحثت هذه الأمة عن الإمام الذي يقودها إلى الأمام في مواجهة كل الذين يتربصون بها. إن هذا الإمام لموجود طالما الخير في الأمة إلى يوم القيامة فطوبى لمن عرفه وتبعه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك