القرآن الكريم وسنة المصطفى يشهدان على صدق الإمام المهدي

القرآن الكريم وسنة المصطفى يشهدان على صدق الإمام المهدي

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

رداً على بعض الاعتراضات حول إلهامات

حضرة الإمام المهدي

سوف نتناول في هذا الفصل شرح بعض الإلهامات لسيدنا أحمد ، وهي تلك التي يحاول معارضو الأحمدية أن يُقدِّموا لها تفسيراً خاطئاً ومشوَّهاً وفيه الكثير من المغالطة، وذلك بغرض تضليل الناس وصرفهم عن الإيمان بالحق الذي أنزل الله تعالى على عبده الإمام المهدي والمسيح الموعود .

ونودُّ أن نلفت أنظار القارئ الكريم إلى أمرٍ هام، وهو أنّ مجموعة الإلهامات التي وردت عن سيدنا أحمد لا تحتمل إلا أحد أمرين:

أولاً: أنّها فعلاً وحي من الله تعالى وإلهامه، وأنّه سبحانه وتعالى هو مصدرها وهو الذي أوحاها وألهمها لعبده، كما أعلن ذلك واكَّد عليه سيدنا الإمام المهدي .

ثانياً: أنها ليست من وحي الله تعالى ولا من إلهامه، وإنّما هي مجموعة من الأكاذيب والافتراءات التي افتراها – والعياذ بالله – مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ونسبها زوراً وكذباً إلى الله تعالى، وذلك كما أعلن وأكَّد عليه معارضوه.

فما هي الوسيلة المثلى لمعرفة أي الأمرين ينطبق على هذه الإلهامات؟

للإجابة على هذا السؤال الهام لابدَّ لنا من الرجوع إلى القرآن الحكيم، الذي هو القول الفصل، والحَكَم العَدْل، والذي لم يُفرِّط في ذكر أي أمرٍ من الأمور التي تتطلب معرفتها الحق.

يقول سبحانه وتعالى في القرآن المجيد عن سيدنا وسيد الخلق محمد المصطفى :

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (الحاقة: 45-48)

وفيما يلي مجموعة من أقوال العلماء التي أوردوها في تفسير هذه الآيات الكريمة:

كتب الفخر الرازي في التفسير الكبير تحت هذه الآية:

“هذا ذكره على سبيل التمثيل بما يفعله الملوك بمن تقوَّل عليهم، فإنهم لا يُمهلونه بل يضربون رقبته في الحال، وهذا الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب.”

وكتب الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره ج29:

“ولو تقوَّل محمد بعض الأقاويل الباطلة واختلق كذباً، لأخذنا منه باليمين.. يقول لأخذنا منه بالقوة منّا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب، وإنما يعني بذلك أنه كان يُعاجله بالعقوبة ولا يؤخِّره بها.”

وكتب العلّامة الزمخشري في تفسيره الكشَّاف تحت هذه الآية:

“والمعنى ولو ادَّعى علينا شيئاً لم نقله لقتلناه صبراً كما يفعله الملوك بمن تقوَّل عليهم معالجةً بالسخط والانتقام.”

وورد في تفسير ابن كثير ج10 ص71:

“قال شيئاً من عنده فنسبه إلينا وليس كذلك لعاجلناه بالعقوبة”.

وجاء في تفسير روح البيان ج4 ص462:

“في الآية تنبيهٌ على أن النبيّ لو قال من عند نفسه شيئاً أو زاد أو نقص حرفاً واحداً على ما أُوحيَ إليه لعاقبه الله وهو أكرم الناس عليه، فما ظنُّك بغيره”.

تُبيّن كل هذه الأقوال والتفاسير ما قدَّره الله سبحانه وتعالى في تعامله مع الكذبة الذين يفترون على الله الكذب ويدَّعون زوراً أنهم يتلقّون الوحي والإلهام من الله تعالى، فهذه سُنّته التي استنَّها وقرَّرها حتى لا يختلط أمر النبي الصادق بالدجَّال والكذّاب الذي يفتري على الله الكذب. وليست هذه السُنّة أمراً جديداً قدَّره سبحانه وأنزله في القرآن الكريم وحده، بل هي سُنّته في كل آنٍ وأوان، وهي من السُنن التي وصفها الله تعالى بقوله:

فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (فاطر: 44).

لذلك فقد ورد في التوراة أيضاً بأنّ المدَّعي الكاذب يُقتل:

“ذلك النبي أو الحالم ذلك الحُلم يُقتل لأنّه تكلَّم بالزيغ…” (تثنية 13: 5)

“أما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصِه أن يتكلَّم به أو الذي يتكلم باسم آلهةٍ أخرى فيموت ذلك النبي” (تثنية18: 20)

“فقال الرب لي: بالكذب يتنبّأ الأنبياء باسمي، لم أُرسلهم ولا أمرتهم ولا كلّمتهم، برؤيا كاذبة وعرافة باطل ومكرِ قلوبهم هم يتنبّأون لكم، لذلك هكذا قال الربّ عن الأنبياء الذين يتنبّأون باسمي وأنا لم أُرسلهم، وهم يقولون لا يكون سيفٌ ولا جوعٌ في هذه الأرض، بالسيف والجوع يفنى أولئك الأنبياء” (إرميا 14: 15)

فيتّضح من القرآن المجيد ومن التوراة بأنّ المفتري الكذّاب لا يُمهله الله تعالى إلى مدّةٍ طويلة بل يكون مصيره القتل، لكي لا يُضلِّل مخلوقات الله سبحانه وتعالى. ولكن لا ننسى بطبيعة الحال أنّ الله تعالى رؤوفٌ رحيم، وهو لا يأخذ المفتري الكذّاب بالعقوبة فور نُطقه بالكذب والتزوير والافتراء، وإنّما يُمهله بعض الوقت علّه يتوب عن كذبه ويرجع عن افترائه، وهذا ما حدث مع الشاعر أبو الطيّب المتنبي الذي افتتنه الشيطان الذي كان يقرضه، وتملّكه الغرور والإعجاب بالنفس حتى ظنَّ أنّ هذا الشعر من وحي الله تعالى وليس من بنات أفكاره، فأعلن أنه يتلقّى الوحي من الله تعالى، فلما حكم عليه الخليفة بالموت، خاف وعاد إلى رشده، وأعلن توبته وندمه على ما صدر منه، فتاب الله عليه ولم يعاقبه.

وهنا ينشأ سؤال هام.. ما هي المدّة التي يُمهلها الله تعالى للمدَّعي الكاذب حتى يتوب، فإذا لم يتب خلال هذه المدة، وأصرَّ على افترائه وبُهتانه، أنزل الله عليه العذاب والعقاب، وأهلكه في الدنيا أمام الناس حتى يكون عبرةً، ولا يكون سبباً في ضلال خلقه وحيادهم عن طريق الله المستقيم؟

كذلك يتبادر إلى الذهن سؤالٌ آخر.. إذا كان قتل المدَّعي الكاذب وهلاكه هو العقوبة التي يُنزلها سبحانه وتعالى على المدَّعي الكاذب، فما بال أولئك الأنبياء الصادقين الذين ذكر عنهم سبحانه أنهم قُتلوا بأيدي المكذّبين من بني إسرائيل، كما قيل في حق يحيى ؟ فإذا افترضنا أنه جاء شخصٌ ما وادَّعى أنه مرسلٌ من عند الله وأنه يتلقّى الوحي من الله تعالى، ثم أهلكه الله، فما هو السبيل لمعرفة أنه كان من الصادقين أو من الكاذبين؟

للإجابة على هذين السؤالين الهامّين، لا بدّ لنا من دراسة أحوال أولئك الذين ادَّعوا بتلقي الوحي من الله تعالى، سواءً كانوا من الصادقين أو الكاذبين، لنعرف كيف عاملهم الله تعالى، ومتى أنزل الله عليهم عقابه وأهلكهم.

في العصر الحديث نجد شخصين (عدا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ) ادَّعا أنهما الإمام المهدي المنتظر، أولهما كان مهدي أيران المشهور بالباب، الذي ادَّعى أنه هو «الباب» الذي يدخل منه السالك إلى الله تعالى، وقد أعلن دعوته في عام 1844 وهلك في عام 1850 بأن قُتل شرَّ قتلة، إذ حُكم عليه بالإعدام، ونُفِّذ الحُكم رمياً بالرصاص. فكانت المدة التي عاشها بعد ادِّعائه ما يقرب من ست سنوات.

وهناك كان مهديّ السودان الذي حارب الجيوش الإنجليزية وانتهى الأمر بقتله في إحدى المعارك، ولو أنّ اتباعه يقولون أنّه لم يُقتل، وفي بعض الروايات أنه مات مُتأثِّراً بجراحه. وقد أعلن مهدي السودان أنه الإمام المهدي المنتظر في عام 1879 وهلك في عام 1885، فكانت المدة التي عاشها بعد ادِّعائه ما يقرب أيضاً من ست سنوات.

وإذا نظرنا في تاريخ مُدَّعي النبوة في صدر الإسلام.. من أمثال مُسيلمة الكذَّاب وسجاح الكاهنة والأسود العنسي وغيرهم، نجد أنهم لم يُعمَّروا بعد ادِّعائهم النبوة سوى فترةٍ قصيرة لا تعدو ولا تزيد عن بضع سنوات.

وأمّا الإنسان الصادق الذي يُعلن أنه يتلقّى الوحي من الله تعالى، ويستمر على قيد الحياة لمدةٍ طويلة، ويستمر أيضاً على إعلان وترديد دعواه بتلقّي الوحي من الله تعالى، وتُعاديه الدنيا كلها وتتآمر عليه لقتله، ويُفتي علماء زمانه وأكابر قومه بكفره وارتداده وخروجه عن دين الآباء والأجداد، ويتآمرون عليه ابتغاء القضاء عليه، ومع ذلك يعلن هو كل يقين وطمأنينة.. بل ويتحدّى قومه.. بأن الله قد وعده بالحفاظ عليه وأنه سوف يعصمه من الناس، فإن هذا هو الإنسان الصادق الذي لا يمكن أن يشتبه أمره على الناس.

وكما يقول سبحانه وتعالى في القرآن المجيد:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب: 22)

إن كل مسلم يؤمن بأن سيدنا محمداً المصطفى كان نبياً صادقاً، وكان حقّاً رسولاً مبعوثاً من عند الله تعالى، وكان أسوة لنا في جميع مجالات الحياة، وكان مقياساً لاختبار أمور الشريعة وميزاناً لمعرفة دقائق التنزيل، فكم من الزمن عاش بعد أن أعلن أنه يتلقّى الوحي من الله تعالى؟

إنّ أغلب الروايات تؤكِّد أنّه بدأ يتلقّى الوحي وهو في سنّ الأربعين، وتوفّي وعمره 63 عاماً، أي أن مدّة نزول الوحي عليه استمرت 23 عاماً، وخلال هذه الأعوام كلها كان يستمر في الإعلان عن الوحي الذي ينزله الله تعالى عليه. وعلى ذلك فإنّ هذه المدة.. أي مدة 23 عاماً تكون معياراً ومقياساً ومحكَّاً لاختبار صدق أو كذب كل من يدَّعي بتلقّي الوحي من الله تعالى، واستمر في إعلانه هذا وعاش لمدةٍ لا تقلّ عن 23 عاماً مثل ما عاش سيدنا محمد المصطفى ، فليس أمامنا من سبيل إلا أنّ نصدَّقه، ونُقرُّ بأنه نبي صادق ومبعوث من لدن الله تعالى، حيث أن الله تعالى بتأييده له وحفاظته عليه والإبقاء على حياته طوال هذه المدة.. تماماً كما فعل مع حبيبه محمد سيد خلقه.. فإنّه سبحانه قد شهد بذلك على صدقه حسب قانونه وسُنتّه التي ذكرناها آنفاً، والتي تؤكِّد على هلاك المدَّعي الكاذب في بضع سنين.

الأنبياء الصادقون يتحدَّون أقوامهم

يذكر لنا القرآن الحكيم كيف أنّ الأنبياء الصادقين يكونون في مَنَعَة من بطش أقوامهم، وكيف أنه سبحانه وتعالى يحفظهم من أعدائهم إلا من سبقَ في علمه أنّه تعالى قدَّر له أن يكون من الشهداء. ولذلك نرى أنّ نوحاً يتحدَّى قومه بقوله:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (يونس: 72)

هنا يتحدّى نوح قومه بخمسة أمور، فهو يقول لهم أنّه لن يفعل شيئاً تجاه مقاومتهم له ومعارضتهم إيّاه سوى أنه يتوكل على الله، أمّا هم فعليهم أن يُجمِعوا أمرهم ويوحِّدوا كلمتهم في معارضته ومقاومته، وعليهم أيضاً أن يستعينوا بمجهودات ومساعدات شركائهم في هذا السبيل، ويكون أمر مقاومتهم له واضحاً للجميع فلا يكون عليهم غُمّة، ثم يُنفِّذوا كل خُططهم ويقضوا جميع تدابيرهم ثم لا يُؤخِّروا ما توعَّدوه به ولا يُنظروه ولا يؤجلوه بل يُسرعوا بتنفيذه. ورغم كل هذا.. فإنهم لن يستطيعوا أن يقضوا عليه.

وأمّا الإنسان الصادق الذي يُعلن أنه يتلقّى الوحي من الله تعالى، ويستمر على قيد الحياة لمدةٍ طويلة، ويستمر أيضاً على إعلان وترديد دعواه بتلقّي الوحي من الله تعالى، وتُعاديه الدنيا كلها وتتآمر عليه لقتله، ويُفتي علماء زمانه وأكابر قومه بكفره وارتداده وخروجه عن دين الآباء والأجداد، ويتآمرون عليه ابتغاء القضاء عليه، ومع ذلك يعلن هو كل يقين وطمأنينة.. بل ويتحدّى قومه.. بأن الله قد وعده بالحفاظ عليه وأنه سوف يعصمه من الناس، فإن هذا هو الإنسان الصادق الذي لا يمكن أن يشتبه أمره على الناس.

كذلك فقد أمر الله تعالى رسوله الأكرم أن يتحدّى قومه بقوله:

قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (الأعراف: 196-197)

وكذلك أيضاً فعل سيدنا أحمد حين صفع أعداءه ومعارضيه الألدّاء بالتحدّي التالي:

“…إني أنصح العلماء والمعارضين ومن يؤيِّدونهم نصيحةً لوجه الله. إن استعمال الشتائم والسباب ليس طريق الشرفاء. فإن كانت هذه هي فطرتكم وعادتكم فافعلوا كما تشاءون. وإن كنتم تظنُّون أنّي كاذبٌ مُفترٍ فيمكنكم أن تجتمعوا في المساجد وتدعوا عليَّ دعاء السوء، مجتمعين ومنفردين، وأن تتضرَّعوا إلى الله تعالى بالبكاء طالبين هلاكي وتدميري واستئصالي. ألا فاسمعوا أيها المعارضون! إنكم إن تسألوا الله وتبتهلوا إليه حتى تتقرَّح ألسنتكم، ولو تخرَّون في ركوعكم وسجودكم حتى تتجرَّح أنوفكم وتغار أعينكم وتسقط أجفانكم من كثرة البكاء، وتفقدوا أبصاركم من كثرة الابتهال حتى تُصابوا بالصرع والجنون، وتضيع عقولكم ووعيكم من كثرة البكاء والدعاء، فلن يتقبَّل الله أدعيتكم، ولن يُهلكني ولن يُدمِّرني لأنه هو الذي أرسلني من عنده”. (ملحق كتاب الأربعين ص3)

وقال كذلك:

“…إنّي على يقينٍ تام بأنّي لن أحتاج إلى أحدٍ من دون الله حتى أُغادر هذه الدنيا. فهو الذي يعصمني من شرِّ الأعداء، فله الحمد أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، هو ولييّ في الدنيا والآخرة، فنِعمَ المولى ونِعمَ النصير. وإنّي على يقين تام بأنه سينصرني ولن يُضيّعني وإن نهض أهل الدنيا كلهم لمعاداتي وانقضّوا عليَّ كالوحوش الضاريّة والحيوانات المفترسة، فإنّه سبحانه ليأتينَّ لعوني ونُصرتي، وإنّي لن أُدفن في قبري خائباً خاسراً، لأنّ ربّي معي في كل أمري وفي كل زمان ومكان”. (ضميمة ملحق كتاب براهين أحمدية ص128 -129)

فهل سمعنا أو قرأنا في صفحات التاريخ الطويل عن مُدَّعٍ كاذبٍ مزوّرٍ يفتري على الله الكذب ثم يتحدى قومه بمثل هذا التحدي؟ ولو افترضنا أنّ ذلك قد حدث.. رغم أنه لم يحدث أبداً.. فهل من المعقول أن يتركه الله تعالى ولا يُسلِّط عليه من يُهلكه ويقتله ويقطع دابره ليكون عِبرةً لكل الناس؟ لقد أعلن سيدنا أحمد عن جائزةٍ قدرها خمسمائة روبيّة لمن يُثبت أنّ ذلك قد حدث ولو مرة واحدة خلال تاريخ البشريّة الطويل، فقال ما تعريبه:

“… لو أنّ هذا الامر صحيح.. أنّ رجلاً ما ادَّعى النبوّة والرسالة كذباً، أو قال كذباً إنّه مبعوث مِنْ قِبلِ الله سبحانه وتعالى، وقال صراحةً للناس إنّه تلقّى كلمات الله (إلهاماً)، وكان يخبرهم بها أو يُسمعهم إيّاها، ومع هذا ظلَّ ذلك المفتري على الله وعاش على هذا النحو 23 عاماً مثل فترة نزول الوحي على سيدنا محمد المصطفى ، فلو قدَّم أحدٌ (من المعارضين) مثالاً واحداً على هذا النوع الذي يكون مطابقاً لشروط القرآن المجيد وشروطي، فإنّي أدفع له مبلغ 500 روبيّة جائزةً له مني”. (كتاب أربعين رقم 3 ص15)

وبالطبع.. حتى الآن.. لم يتقدَّم أحدٌ لنوال الجائزة!!

إنّ هذا الوعيد الذي جعله الله تعالى نصيب كل كاذبٍ مُزوّر يفتري على الله الكذب ويدَّعي انّه يتلقّى الوحي من الله، لهوَ من حكمة الله العظيمة، وهو الوسيلة الوحيدة التي يظهر بها الفرق بين الصادق والكاذب. فإنّ ادِّعاء النبوة وادِّعاء تلقّي الوحي أمرٌ لا يعرف حقيقته إلا الله تعالى، وهو أمرٌ يحتمل الصدق والكذب، ولو لم يتدخّل الله سبحانه وتعالى بنفسه في هذا الأمر، ويُنزل عقابه على المدَّعي الكاذب، أو يحفظ بقوّته وسُلطانه النبيّ الصادق، لما استطاع الناس أن يُفرِّقوا بين الصادق والكاذب، ولهذا أكَّد الله تعالى على إنزال العقاب في الدنيا على من يتقوَّل على الله بعض الأقاويل، كما جاء في آيات سورة الحاقّة التي ذكرناها في مطلع هذا الفصل. إنّ الكاذب المفتري على الله تعالى لا بدّ وأن ينال العقاب في الدنيا ثم يكون مآله في الآخرة عذاب جهنَّم وبئس المصير.

غير أنّ الله تعالى لم يتوعَّد كل الكذّابين بهذا العقاب في الدنيا والآخرة، فمن يكذب على الناس بغير أن يفتري على الله الكذب وبدون أن يدَّعي زوراً بأنّ الله قد أوحى إليه، فإنّ الله يُعاقب مثل هذا الكذاب في الآخرة إن شاء أو يتوب عليه إن شاء. كذلك فإنّ الذي يختلُّ عقله ويدَّعي كذباً أنّه إله من دون الله، فإنّ الله تعالى يعاقبه في الآخرة، ولا يتوعَّده بعقابٍ في الدنيا كما يتوعَّد المتقوِّل على الله، وذلك لأنّ تلقّي الوحي من الله تعالى أمرٌ جائز، قد يصدُقُ فيه الإنسان وقد يكذِب، فلا بدَّ أن يتدخَّل الله تعالى بالعقاب أو بالتأييد، حتى يتبيّن كذب المرء أو صدقه، فلا يكون الكاذب سبباً في ضلال الناس. وأمّا من يفقد عقله ويدَّعي أنّه إله من دون الله، فإنّ ادِّعاءه نفسه دليلُ كذبه، ومن يصدِّقه يكون هو الجاني على نفسه والمسؤول عن خطئه، فمن غير المعقول أن يكون إنسان مثل بقيّة البشر هو الخالق الذي ليس كمثله شيء. ولهذا فقد توعَّد الله مُدَّعي الألوهيّة بالعذاب في جهنّم فقط، ولم يتوعَّده بعقابٍ في الدنيا:

وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (الأنبياء: 30)

كذلك فإنه من المعلوم أن فعل تَقَوَّلَ هو من باب “التَفَعُّل”، وهذا الباب يدلُّ على التكلّف والتصنُّع.. أي يصنع المتقوِّل قولاً وينسبه إلى الله تعالى قائلاً: هذا ما ألهمه الله تعالى إليَّ. وعلى هذا، فإنّ آيات سورة الحاقّة التي جاء فيها الوعيد بالعقاب في الدنيا للذي يتقوَّل على الله، لا تنطبق على من يدَّعي الألوهيّة، فإنّ مُدَّعي الألوهيّة لا يتقوَّل على الله بل هو يُنكر وجود الله ويزعم أنّه إله من دون الله، ولذلك جعل الله عقابه في الآخرة حسب الآية التي جاءت في سورة الأنبياء.

أما آيات سورة الحاقّة فهي تخصُّ المتقوّلين على الله، ولا تنطبق إلا على الذين يدَّعون كذباً بأنّهم يتلقّون الوحي أو الإلهام من الله تعالى، ولهذا فقد ورد في الكتاب الشهير لدى أهل السُنّة.. شرح العقائد للنسفي ص100، ما نصّه:

“فإنّ العقل يجزم بامتناع اجتماع هذه الأمور في غير الأنبياء في حقِّ من يعلم أنّه يفتري عليه ثم يمهله ثلاثاً وعشرين سنة”.

وفي كتاب زاد المعاد، فصل في قدوم وفد نجران عليه ، ج3 ص42، قدَّم الإمام ابن القيّم رحمه الله هذا البرهان أمام مسيحي لإثبات صدق سيدنا محمد المصطفى فقال:

“..وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثة وعشرين سنة…… وهو مع ذلك يؤيِّده…”.

ويزعم بعض الناس ممن أعماهم التعصُّب المقيت، أنّ الوعيد بالهلاك في الدنيا الذي جاء في آيات سورة الحاقّة، إنّما هو خاصٌ برسول الله وحده من دون الناس، وبالتالي فلا ينطبق على أحدٍ سواه. وإنه لعجيب حقّاً أمر هؤلاء الذين يُعادون الجماعة الإسلامية الأحمدية، فكلما وضعهم كتاب الله العزيز في مأزق حاولوا الخروج منه بأعذار واهية وحججٍ هزيلة لا تقوم على برهان ولا تُثبت بدليل. وإن قولهم هذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدلُّ على ضحالة علمهم بأساليب اللغة العربيّة، وسوء فهمهم لمقام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

أمّا ضحالةُ علمهم بأساليب اللغة العربيّة فلأنّهم لا يعلمون أنّ حرف لَوْ في الآيات المشار إليها قد استُخدم باعتباره حرف شرط، وجاء بعده جواب الشرط، فقال تعالى في الآيات الكريمة:

  وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ

ففي الآية الأولى: “لو” حرف الشرط، وفي الآية الثانية: اللام في “لَأَخَذْنَا” واقعةٌ في جواب الشرط.

ويماثل هذا التركيب اللغوي حديثاً شريفاً لرسول الله قال فيه:

“لو أنّ فاطمة بنت محمد سَرَقت لقَطعتُ يدها”

وهنا أيضاً نجد “لو” حرف الشرط، واللام في “لقَطعتُ” واقعةٌ في جواب الشرط.

ومن الواضح أن التركيب اللغوي في الآيات الكريمة وفي الحديث الشريف متماثل تمام التماثل، فمن ذا الذي يزعم أنّ الحديث الشريف ينطبق فقط على السيدة فاطمة وحدها من دون الناس ولا ينطبق على أحدٍ سواها، كما يزعم المعارضون بأن الآيات الكريمة تنطبق على سيدنا محمد وحده من دون الناس ولا تنطبق على أحدٍ سواه؟؟!

هل ذكاء هؤلاء المعارضين يجعلهم يفهمون من الحديث الشريف أنّ قطع اليد لا ينطبق إلا على فاطمة  الزهراء وحدها، بحيث أنّه لو سرقت عائشة أو غيرها من الناس فلا تنطبق عليهم العقوبة؟ وإذا كان هذا الفهم السقيم لا يستقيم لغوياً من هذا الحديث الشريف، فكيف يستقيم لغوياً الفهم الخاطئ للآيات الكريمة؟

هذا عن ضحالة علم المعارضين لأساليب اللغة العربيّة، وأما عن سوء فهمهم لمقام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فيبدو أنهم لا يعلمون مدى حبّ الله تعالى له لعظم شأنه وعلوِّ مقامه وسموِّ درجته ورفعة مكانته عنده تعالى، ولعلّهم نسوا أن الله تعالى قد أثنى علي حبيبه كما لم يُثنِ على أحدٍ من عامة البشر، فقال في حقّه:

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 5)

لذلك فإن الله تعالى حينما أراد أن يذكر هذا الوعيد الذي وجَّهه لكافة الناس، لم يستخدم من حروف الشرط “إن” أو “إذا” أو غيرها، فاستخدام هذه الحروف يعني احتمال وقوع الفعل من المخاطَب المباشر، مثل قولك: إن نجحت لأُعطينَّك جائزة. أو قولك: إذا نجحت أعطيتُك جائزة. في كل هذه الأمثلة أنت تعلم أن احتمال النجاح من المخاطَب أمرٌ جائز، ولكن إذا كنت تعلم أنه من المستحيل وقوع الفعل من المخاطَب رغم احتمال وقوعه من الآخرين، فإنّك لا بدَّ أن تستعمل حرف “لو” كحرف الشرط. فمثلاً إذا كنت تعلم عن تلميذ أنّه تلميذٌ خائب فاشلٌ لم يستذكر دروسه ولم ينتظم حضوره إلى المدرسة ولم يؤدِّ واجباته المدرسيّة بتاتاً، فإنّك لابدَّ أن تقول له: “لو نجحتَ لأعطيتك جائزة”، بمعنى أنَّ هذا التلميذ بالذات لن ينجح، وإنّما احتمال النجاح قائمٌ لغيره من الناس، وبالتالي فأولئك فقط هم الذين ينالوا الجائزة.

وفي آيات سورة الحاقة التي ذكرناها آنفاً، يعلم الله تعالى أنّ صفيَّه وحبيبه ورسوله الأعظم والأكرم (لن يتقوَّل على الله أبداً)، لذلك لم يقل: وإن تقوَّل علينا بعض الأقاويل…، ولم يقل: وإذا تقوَّل علينا بعض الأقاويل…، بل قال:

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ… ،

وهذا للدلالة على أنّ هذا الفعل.. أي التقوُّل على الله.. لا يمكن أن يصدر عن سيّد الخلق، رغم أنّه من الممكن أن يصدر عن غيره من الناس، وبالتالي فإنّ جواب الشرط:

لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ

لا يمكن أن ينطبق على رسول الله (وإن كان ينطبق على غيره من الناس). ولنفس السبب قال رسول الله (عن السيدة فاطمة الزهراء: لو أنّ فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها. فهو كان يعلم أنّ السيد فاطمة هي سيدة نساء أهل الجنّة، وبالتالي فإنّ فعل السرقة لا يمكن ومن المستحيل أن يصدر عنها، وإن كان من الممكن أن يصدر عن غيرها، وبالتالي فإنّ جواب الشرط لا يمكن أن ينطبق عليها وإنّما ينطبق فقط على غيرها من الناس.

هل ذكاء هؤلاء المعارضين يجعلهم يفهمون من الحديث الشريف أنّ قطع اليد لا ينطبق إلا على فاطمة  الزهراء وحدها، بحيث أنّه لو سرقت عائشة أو غيرها من الناس فلا تنطبق عليهم العقوبة؟ وإذا كان هذا الفهم السقيم لا يستقيم لغوياً من هذا الحديث الشريف، فكيف يستقيم لغوياً الفهم الخاطئ للآيات الكريمة؟

والآن.. بعد هذا الشرح الوافي للمعيار القرآني الذي ساقه الله تعالى وجعله لنا مقياساً نقيس به صدقَ الصادق وكذب الكاذب، فإننا نقول لمعارضي الأحمدية، ولكل الناس الذين يؤمنون بصدق كلام القرآن المجيد.. إنّ عليكم أن تختبروا صدق سيدنا أحمد.. الذي أعلن أن الله قد بعثه إماماً مهديّاً وجعله المسيح الموعود للأمة الإسلاميّة وللعالَم أجمع.. عليكم أن تختبروا صدقه حسب هذا المعيار القرآني والمقياس الإلهي الذي وضعه الله تعالى بنفسه، وعليكم أن تلتزموا بدعائم العدل وأسس التقوى ومبادئ الإنصاف.

لقد تلقّى سيدنا أحمد أول وحي له بتاريخ 2 حزيران (يونيو) عام 1876م، رغم أنّه كان قد تلقّى الكثير من الكشوف والرؤى والإلهامات من قبل ذلك، ولكنه استخدم لأول مرة التعبير “أُوحيَ إليَّ: “والسماء والطارق”، ثم توالى الوحي عليه من بعد ذلك. وحسب التقويم الهجري القمري.. كان أول نزول الوحي يوافق عام 1290هــــ، واستمرت حياته الشريفة بعد هذا الإعلان مدة 35 عاماً، ثم توفّاه الله وفاةً طبيعيّة بتاريخ 24 ربيع الثاني عام 1326هـ المطابق 26 أيار (مايو) عام 1908م، واستمر طوال سنوات حياته الخمس والثلاثين في الإعلان بأنّ الله سبحانه وتعالى يُنزِّل عليه الوحي، ونشر جميع كشوفه وإلهاماته وما تلقّاه وحياً من الله تعالى في آلاف الصفحات من الكتب والجرائد والصحف، وألّف ما يزيد على 80 كتاب كان أكثرها باللغة الأُرديّة وبعضها بالفارسيّة والعربيّة، وتُرجم بعضها إلى اللغة الإنجليزيّة، ونُشرت هذه الكتب على أوسع نطاق أثناء حياته الشريفة، في مصر والشام والحجاز والعراق والهند وأفغانستان وغيرها من الدول حتى أنّ بعضها وصل إلى بريطانيا وأمريكا، وتحتوي هذه الكتب على الكثير من الوحي الذي تلقّاه وأعلن عنه في وقته. وألقى كذلك مئات المحاضرات والخُطبات والدروس والعِظات، وذكر فيها هذه الإلهامات والوحي الذي أنزله الله تعالى عليه، ودعا الكثير من الناس أن يذهبوا إليه ويشاهدوا بأنفسهم آيات الله والمعجزات التي يُنزِّلها الله عليه، وقد ذهب إليه بالفعل ألوفٌ من الناس وشاهدوا بأمِّ أعينهم تلك الآيات والمعجزات وآمنوا به.

وهنا لابدَّ من طرح هذا السؤال الهام: لو كان سيدنا أحمد مُفترياً على الله ومتقوِّلاً عليه ويدَّعي كذباً أنّه يتلقّى الوحي من الله كما يزعم معارضو الجماعة الإسلامية الأحمدية، فلماذا لم يُعامله الله تعالى حسب وعيده الذي ذكره في القرآن وفي التوراة كما توعَّد الكذّاب المفتري الذي يتقوَّل على الله الأقاويل؟

إنّ على مُعارضي الأحمديّة أن يقبلوا أحد أمرين:

أولاً: إنّ هذا الوعد القرآني ليس من عند الله (والعياذ بالله) وعلى ذلك فليس له أي تأثير على مؤسّس الجماعة الإسلامية الأحمدية، الذي ظلَّ يفتري على الله الكذب – في زعمهم – ليلَ نهار طيلة خمسة وثلاثين عاماً، ومع ذلك تركه الله سبحانه وتعالى ولم يأخذه باليمين، ولا قطع منه الوتين، ولا سلّط عليه من يقتله، ولا أهلكه بشرِّ قتلة كما يُهلك الكذّابين المزوِّرين المتقوِّلين على الله كذباً.

ثانياً: إن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية هو صادقٌ في كل ما أعلنه وفي كل ما قاله وفي كل ما ذكره، ولذلك فقد حفظه الله تعالى من شرِّ أعدائه وصدق وعده له بأنه سوف يعصمه من الناس، تماماً كما صدق وعده لرسوله الأعظم حين أوحى إليه بقوله: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . ولهذا فإنه مدَّ في عمره وعاش لمدة 35 عاماً إلى أن توفَّاه الله بنفسه دون أن يُسلِّط عليه أحداً ليقتله ويهلكه، تماماً كما مدَّ في عمر رسوله الأعظم الذي عاش لمدة 23 عاماً إلى أن توفّاه الله بنفسه دون أن يُسلِّط عليه أحداً ليقتله ويهلكه.

إن لم يرضَ معارضو الأحمديّة وأولئك الذين يختلفون معها وأولئك الذين ينتابهم الشكّ في أنّ مؤسّس الجماعة الإسلامية الأحمدية كان بالفعل يتلقّى الوحي من الله تعالى.. بأحد هذين الأمرين، فإنّ الأمانة والشرف والموضوعيّة تقتضي منهم أن يُقدِّموا لنا دليلاً واحداً.. واحداً فقط ولا أكثر.. في كل التاريخ الإسلامي، منذ قام رسول الله بدعوته المباركة إلى يومنا هذا، وليُبيّنوا لنا.. وللعالم أجمع.. أنّ هذا الرجل الذي يقدِّمونه، قد ذكر بكل وضوح وبدون مراوغة أنّه كان مرسلاً من عند الله، وأنه كان يتلقّى الوحي من الله تعالى، وأنّ الله سبحانه قد وعده في وحيه الذي أوحاه إليه بأنه سوف يعصمه من الناس، وأنّه لم يكن صادقاً في كل هذه الادّعاءات التي ادّعاها، ومع ذلك فقد أمهله الله وتركه على قيد الحياة بعد ادِّعائه هذا لمدة 23 عاماً على الأقل، وأنّه استمر طوال حياته تلك وهو يكرِّر ويُعلن ويصرّ على تقوّلِه على الله، ورغم ذلك فإنّ الله لم يُسلّط عليه من يقتله ويهلكه ويدمِّره تدميراً.

إن لم يستطع معارضو الأحمدية أن يُقدِّموا لنا هذا المثال الواحد الذي نطلبه، وهم حتماً لن يستطيعوا أن يُقدِّموه ولو قضوا عمرهم بحثاً وتنقيباً، فإننا لا نطلب منهم سوى أن يتّقوا الله تعالى ويقبلوا الحق، ويقبلوا حكم الله تعالى الذي حكم به في حقِّ مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية . لقد دعا سيدنا أحمد ربّه ومولاه خالق السماء والأرض أن يقضي عليه إن كان كاذباً، ويُقطِّعه إرباً إرباً، ويدمِّره تدميراً، وذلك حتى تتضح حقيقة أمره لكل الناس، فقال في ابتهاله ودعائه ما تعريبه:

“اللهم أنت القدير وخالق الأرض والسماء، والرحيم والرؤوف والهادي، وأنت ترى ما في القلوب ولا تخفى عليك خافية، فإن كنت تراني فاسقاً شريراً، وتعرف أني صاحب فطرة سيئة ودخيلةٍ رديئة، فقطّعني إرباً إرباً، وفرِّح بهلاكي زمرة أعدائي، واجعل قلوبهم مهبط رحمتك واقضِ حاجتهم، وسلِّط النار على بيتي وجدراني، وكُنْ عدوّي ودَمِّرْ ما أُعمِّرهُ تدميراً…” (حقيقة المهدي ص8- الخزائن الروحانية ج14 ص434)

إنّه لمن المدهش حقّاً أنه كان يبتهل إلى الله أن يكون عدوّه فيقضي عليه ويقتله ويُقطِّعه إرباً إرباً، وكان يطلب خراب بيته وتدميره بل وحرقه بالنيران، إن كان الله يعلم أنّه كان فاسقاً شريراً، ومع ذلك فإن الله تعالى لم يكن عدوّه ولا لِلُحيظة واحدة من حياته الشريفة الطيّبة، بل كان وليّه وحبيبه وكان يكرّر وحيه له بقوله تعالى: (يا أحمدي أنت مُرادِي ومَعي – أنتَ منّي بِمنزِلةٍ لا يَعلمُها الخَلق – يا أحمد اسكُنْ أنتَ وزَوجُكَ الجنّة).

أليس من العجيب حقّاً انّ الرجل الذي كان يدعو الله أن يُدمَّر كل ما يُعمِّره إن كان الله يعلم أنّه من الفاسقين الشريرين، ثم تقوم الدنيا بأكملها ضدَّ هذا الرجل، وتقضي بعضُ الدول بإخراجه هو وأتباعه من الإسلام، ويَسعوا كل مسعى للقضاء على دعوته واقتلاع شجرته وتدمير بيته وجدرانه، ومع ذلك تنتشر دعوته في أكثر من مائة وخمسين دولة من دول العالَم، وتتفرَّع شجرته الطيّبة بأغصانها وأثمارها حتى لتكاد تُظلّل كل مكان على ظهر الأرض. وحتى بيته.. وجدرانه.. وكل ما عمَّره أثناء حياته.. كل ذلك بقيَ محفوظاً بأمر الله تعالى، حتى بعد وفاته، وبعد مرور أكثر من مائة عام على إعلان دعوته.

لَكَمْ من البيوت قد دُمِّرت في البنجاب حين تمَّ تقسيمها سنة 1947 بين الهند وباكستان، و لَكَمْ من البيوت والجدران قد احترقت واشتعلت بالنيران كما حدث لبيت «ثناء الله الأمرتسري» الذي أتت النيران على بيته وعلى جدرانه وعلى مكتبته وأحرقت كل كتبه وأوراقه أمام عينيه، ومع ذلك فإنّ بيت مؤسّس الجماعة الإسلامية الأحمدية، وكل جدارٍ أقامه ظلَّ قائماً شامخاً. كل مكان كان يعمِّره بالصلاة والذكر مثل المسجد المبارك، والمسجد الأقصى، وبيت الدعاء، وبيت الفكر، والحُجرات التي كان يكتب فيها كتبه، والأماكن التي كان يُسطّر فيها الوحي الذي تلقّاه من الله تعالى، ومنارة المسيح التي بدأ بناءها، وكل ما شيَّده وعمَّره حتى المقبرة التي دُفنَ فيها، كلها ظلَّت بفضل الله تعالى محفوظةً وكأن ملائكة الله تقف لحراستها وحفاظتها حتى في أصعب وأحلك الظروف التي مرَّت بها البنجاب (الهند). ألا يدلُّ كل هذا على تأييد الله تعالى لعبده الصادق؟ ألا يُبيّن كل هذا أن سيدنا أحمد لم يكن متقوِّلاً على الله تعالى؟ ألا يُبرهن كل هذا على أنّه كان فعلاً مرسلاً من عند الله؟ ألا يوضِّح كل هذا مدى محبّة الله له وحفاظته عليه؟

لقد أثّر هذا الدليل القرآني على قلوب آلاف الناس، فانضمّوا إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية وكانوا من جنودها المباركين. وكان والدي المرحوم جودهري محمد شريف الكُجراتي واحداً منهم. ففي بداية سنوات شبابه لم يكن أحمدياً، ولكنه لما سمع هذا الدليل القرآني، وتأمّل في برهانه، وتعمَّق في بحثه، واستخار الله سبحانه وتعالى وطلب الرشد منه، هداه الله تعالى إلى الحقّ، واقتنع بهذا الدليل فانضمَّ إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية. وكان يقول بأنّ هذا الدليل أثَّر عليه تأثير السحر. وكما أسلفتُ الذكر.. لم يكن هو الوحيد الذي تأثّر بهذا البرهان، بل هنالك الألوف من الأفراد الذين آمنوا بسيدنا أحمد ، بفضل هذا الدليل القرآني.

أيُّها القارئ الكريم!! لقد تلقّى سيدنا أحمد الوحي من الله تعالى مئات المرّات، وتلقّى الكثير والعديد من الكشوف والرؤى والإلهامات خلال 35 عاماً، وكان الكثير من الوحي الذي تلقّاه يحمل في طياته أنباء غيبيّة، تحقّقت منها المئات أثناء حياته الشريفة، وما زال البعض منها يتحقّق في زمننا، وسوف يتحقّق منها أيضاً في المستقبل، خاصةً تلك الأنباء التي تتعلّق بظهور الإسلام وانتصاره وانتشاره في جميع أنحاء الأرض، ولكن بكل الأسف والأسى.. ما زال أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية يتجاهلون النبوءات التي تحقّقت، ويستنكرون بعض كلمات الوحي التي لم يفهموها، والتي قد تتطلّب بعض الشرح والتفسير. ومقل هؤلاء المعترضون كمثل أولئك الذين كانوا يعترضون أيضاً على آيات القرآن المجيد ويجعلونها هدفاً لاستنكارهم واعتراضاتهم، فردَّ الله عليهم بقوله:

هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (آل عمران: 8)

Share via
تابعونا على الفايس بوك