الوقت والتاريخ والانقياد الأعمى

الوقت والتاريخ والانقياد الأعمى

التحرير

ذات مرة سألني صديق مازجاً الجد بالهزل فقال: ألم يقم الإمام المهدي بتعديل موعد صلاة الفجر؟ ألا ترى أن الذي يعمل موظفاً يكون من الشاق عليه أن يصحو قبل موعد عمله بثلاث أو أربع ساعات ليصلي ثم لا يعرف ماذا يفعل أينام مرة أخرى أم يبقى مستيقظاً فما أن ينتصف النهار حتى يبدو عليه الإرهاق وهو في عمله ويصبح يغالب النعاس وكثيراً ما يغلبه النعاس فيلقى من رؤسائه التوبيخ والتقريع وقد يطرد من عمله أحياناً؟.

أردا صديقي أن يلبس هذا السؤال بالهزل لأنه لا يجرؤ على البوح به أمام أي كان، ففي ثقافتنا الموروثة من الصعب أن تناقش أمور الفرائض والعبادات أو أن يبدي أحد وجهة نظره حولها، ولربما توقع صديقي هذا التعديل لقناعته بأن فكر الجماعة قد أزال الكثير من الجوانب التي لا تطمئن لها النفس فوجد في نفسه شيئاً حول موعد صلاة الفجر فأراد أن يعبر لي عما في خاطره، وفي حينها أجبته بالطبع بأن لا تعديل على موعدها وأخذت أبين له بأن صلاة الفجر لا بد أن تكون في وقت يعز على المؤمن فيه أن يترك الفراش ولكنه يجاهد نفسه ويتغلب عليها ويهب إلى الصلاة طاعة لله تعالى، ولكن هذا السؤال وهذا الموقف ما برح يداعب خاطري ويشغلني، فصديقي هذا في واقع الأمر وإن كان قد مال قليلا فلقد عبر عن مشكلة قائمة تواجه المصلين الحريصين على أداء صلواتهم في أوقاتها، والذين لا يستطيعون أن يتحكموا بأوقات عملهم كونهم من صغار الموظفين وهم يشكلون نسبة كبيرة من الناس، ولا شك أن هذه المشكلة لم تناقش يوماً ولم تلق العناية المناسبة من الجهات الرسمية والحكومات في البلاد الإسلامية.

ولكن كان من المفترض أن يكون هذا السؤال معكوساً فبدلاً من أن يسأل صديقي الله أن يغير موعد صلاة الفجر لماذا لا نسأل أنفسنا لماذا نذهب إلى أعمالنا في وقت شاذ لا يتوافق مع سنة الله في الليل والنهار؟ ولماذا يبدأ الدوام في الساعة الثامنة؟ وما معنى هذه الساعة وهل هي موعد مقدس للعمل ينبغي أن يلتزم به المسلمون؟ وهل توزيع ساعات العمل بهذه الطريقة يكفل للناس حياة سعيدة يمارسون فيها نشاطاتهم ويؤدون عباداتهم بالطريقة الصحيحة؟

إن الله تبارك وتعالى الذي خلق الليل والنهار إنما أرشد الناس إلى الطريقة المثلى للانتفاع منهما بما يحقق الراحة والسعادة، فلقد أوضح جل وعلا أنه قد جعل الليل لباساً والنهار معاشاً، جعل لنا الليل لنسكن فيه وجعل لنا النهار لنبتغي فيه من فضله، جعل لنا الليل مظلماً وجعل لنا النهار مبصراً، فلماذا لا نتبع ما أنزل الله الذي سخر لنا الليل والنهار ونمارس نشاطاتنا بما يتلاءم مع طبيعتهما؟.

فماذا لو بدأنا العمل بعد صلاة الفجر بساعة تقريباً وتم تعديل التوقيت مرة أو مرتين في السنة ليتلاءم مع وقت الصلاة، ألا ترون أن ذلك يعني ابتداء النهار من أوله فنتوجه إلى أعمالنا مع أول خيوط الشمس، وفي تلك الفترة يكون الطقس لطيفاً لأن الشمس تكون في أول شروقها ونبدأ عملنا بهمة ونشاط، وعندما تنتهي ساعات العمل عند الظهيرة نعود إلى بيوتنا مبكرين والنهار يكون قد انتصف فنتناول غداءنا في موعده وننام القيلولة لساعة أو ساعتين، ثم نصحو ونذهب لنصلي العصر جماعة في المساجد، ومن انتهت ساعات عمله فيستطيع يعد ذلك أن يفعل ما يشاء وأن يروّح عن نفسه وعن عائلته وأن يؤدي الواجبات الاجتماعية وأن يصل رحمه، ومن كان عنده عمل في المساء فيستطيع أن يذهب لعمله نشيطاً بعد أن أكل وشرب وأخذ قسطاً من الراحة والنوم، كل ذلك والنهار في أغلب الفصول لم ينته. وعندما يبدأ الليل يبدأ السكن وتبدأ الراحة ويخلد الناس إلى النوم مبكرين ومن شاء منهم أن يسهر قليلاً في القيام فله ذلك فأمامه ساعات الظهر في اليوم التالي يستطيع أن ينام فيها ويعوض ما فاته من ساعات الليل.

كذلك فإن هذا النظام لو اتّبع فإنه سيشجع الناس على أداء صلاة الفجر ويتيح لهم أن يصلّوا معظم صلواتهم في المساجد فترتفع سويةً التقوى بأداء العبادات ويصلح حال الناس ويصلون أرحامهم ويسعدون عيالهم، ويصبحون على اطلاع بأحوال أبنائهم فتتاح لهم الفرصة أن يعتنوا بهم ويصححوا مسارهم وأن يربوهم تربية إسلامية صالحة تجعلهم أمة صالحة في المستقبل.

كذلك فإن توفر يعض الساعات من النهار قد تتيح الفرصة للناس كي يتبادلوا أفكارهم وكي يتدبروا ويتفكروا بما ينفعهم، وشيئاً فشيئاً يرتفع وعيهم وتزدهر ثقافتهم .

ومن المعروف أن نظام وقت العمل الحالي إنما هو النظام الذي ابتكره الغربيون وطبقوه في البلاد الإسلامية عندما كانت معظمها مستعمرة من قبلهم، وإن كان هذا النظام يناسبهم فهو لا يناسبنا مطلقاً، فهم لا صلاة فجر عندهم ولا يوجد عندهم ترابط أسري كما ينبغي ولا يعرفون صلة الرحم وليسوا معنيين بأن يربوا أولادهم وفق عقيدتهم ربما بسبب إدراك معظمهم سخف هذه العقيدة وبطلانها، وهم يعيشون حياة مادية صلبها الكسب في النهار واللهو في الليل ولا يعنيهم ما يدور في العالم حولهم إلا بالقدر الذي يؤثر على كسبهم ولهوهم ومتعتهم، ولذلك ابتكروا هذا النظام لكي يتناسب مع احتياجاتهم واهتماماتهم، أما نحن فلقد خسرنا باتباعنا هذا النظام كثيراً من قيمنا وعاداتنا الحميدة وقصّرنا في واجباتنا وعباداتنا، والحل بأيدينا إن أردنا أن نسترشد بالهدي القرآني في إدارة أوقاتنا وبذلك نربح ونكسب في جوانب متعددة مادية وروحية.

وفي معرض الحديث عن نظام الوقت الذي لا يناسب ثقافتنا وديننا ينبغي أن نستذكر نظام التاريخ والتقويم الي نتبع فيه الغرب اتباعاً أعمى أيضاً، ففي كثير من البلاد الإسلامية نرى أن المسلمين يتبعون التاريخ الميلادي والذي يعني بالنسبة للغربيين حدثاً هاماً ألا وهو ميلاد إلههم المزعوم، وكما نعلم فإن هذا الموعد هو مغلوط كما تبين لاحقاً وعلى كل الأحوال فهو لا يعني بالنسبة لنا نحن المسلمين شيئاً، وهكذا فقد اتبعناهم أيضاً في تقويمهم وتاريخهم وتركنا التاريخ الهجري إلا في بعض البلاد.

وربما يكون سبب إهمال التاريخ الهجري هو أنه تاريخ قمري يتحرك على مدار السنوات وغير مرتبط بفصول الطقس ونظام العمل والتجارة والاقتصاد في العالم مبني على التقويم الشمسي الميلادي، فأدت هذه المعضلة بالمسلمين لأن يتبنوا هذا النظام لتبعيتهم للغرب في كل مناحي الحياة وأصبحوا يؤرخون بمولد المسيح وأهملوا تاريخ هجرة نبيهم خاتم النبيين .

وإن كانت السنة القمرية تسبب معضلة بسبب عدم توافقها مع السنة الشمسية بسبب حركتها ودورانها بحيث تدور أشهرها على فصول السنة كلها على مدار السنوات إلا أن في ذلك حكمة إلهية لكي يكون شهر رمضان وموعد الحج تارة في الشتاء وتارة في الربيع وتارة في الصيف وتارة في الخريف فينال الناس على اختلاف بلدانهم نصيباً متساوياً في اختلاف الفصول في تأدية عباداتهم فمن غير المعقول أن يكون الصيام في بلاد باستمرار لمدة ما يقارب الست عشرة ساعة وفي أخرى ثمان أو تسع ساعات.

كذلك فإن مسألة عدم التوافق بين التقويمين يمكن حلها بكل بساطة باعتماد تقويم هجري شمسي، وهذا ما اجتهدت فيه جماعتنا، بحيث يكون التقويم الشمسي لتنظيم الحياة والعمل والتقويم القمري للعبادات من صوم وحج، وتبدو الفرصة سانحة للمسلمين في السنوات المقبلة للتحرر من التاريخ الشمسي الميلادي واعتماد التاريخ الهجري الشمسي إن أرادوا ذلك حيث يصادف عام 2001 في التاريخ الميلادي الشمسي العام 1380 في التاريخ الهجري الشمسي وفي هذه السنة يمكن أن يتم اعتماد التاريخ الهجري الشمسي ويتم اعتماد السنوات التي تسبق هذا العام على التاريخ الميلادي المسيحي وبذلك يكون عام 2000 هو نهاية العهد المسيحي، وكأن الله قد جعل هذه السنة مناسبة لإنقضاء العهد المسيحي وبداية العهد الإسلامي الحديث بجمع التوقيت الهجري الشمسي والهجري القمري أحدهما للدين والآخر للدنيا، وما أن تنقضي العشرون سنة التي تلي تلك السنة حتى نكون في القرن الخامس عشر الهجري على التقويم الشمسي والقمري فلعل الله ينصرنا عند ذلك ببدر ونحن أذلة ويتجلى بدر الإسلام في ظلمة ظلم الدنيا وجورها ويتم الله وعده والله لا يخلف الميعاد.

ولقد أخبر المصطفى بأننا سنتبع سنن اليهود والنصارى حذو النعل بالنعل حتى ولئن دخلوا حجر ضب لدخلناه وراءهم أي أننا سننقاد لهم دون بصيرة ولقد مكثنا في هذا الحال عقوداً طويلة، فهلا بحثنا في حياتنا وتخلصنا من كل ما لا يناسبنا من سنن مَن كانوا قبلنا فنفوز ونسعد بحياتنا وننال في دنيانا حسنة وفي آخرتنا حسنة، فيا حبذا لو استمع القادة المسلمون إلى هذه الصيحة وسعوا إلى فرض نظام الوقت والتاريخ الذي يناسبهم لعل ذلك يكون أول الطريق للعودة إلى المجد ولظهور الإسلام على أكمل وجه، على الوجه الذي أراده الله تعالى له ظاهراً على الدين كله ولو كره الكافرون، رب اجعل هذا اليوم قريباً وانصرنا إنك أنت القوي العزيز.

Share via
تابعونا على الفايس بوك