هل مَرَض الإمام المهدي دليل غضب الله عليه؟

هل مَرَض الإمام المهدي دليل غضب الله عليه؟

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

 

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهداً لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر

 

السؤال

يقول معارضو الأحمدية أنّ مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية كان يُعاني من مرض الهستيريا وأمراض أخرى مما يدلُّ على غضب الله عليه، فما حقيقة الأمر؟

الجواب

جاء في أحاديث رسول الله أنّه قال عن المسيح الموعود الذي ينزل في آخر الزمان: “… إذ بعث الله المسيح عيسى بن مريم، فينزل…. بين مهرودتين” (صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه). والمهرودتان هما حُلّتان صفراوتان مصبوغتان بالهُرد وهو الزعفران.

ومن المعروف أنّ النبي قد منع الرجال من لبس الثوب الأصفر المعصفَر، حيث جاء في أحد الأحاديث:

“… أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص أخبره قال: رَأَى رَسُولُ اللهِ عَلَيَّ ثَوبَينِ مُعَصفَرَينِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلبَسهَا” (صحيح مسلم كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر).

وحيث إنّ رسول الله قد نهى عن لبس الثوب الأصفر، واعتبر تلك الملابس الصفراء لباس الكفار، فمن غير المعقول أن ينزل المسيح الموعود وهو يلبس ثوبين أصفرين. وحيث إنّ كلمات الحديث عن نزول المسيح الموعود تتعلَّق بأنباء في الغيب، فيجب ألا تؤخذ حرفيًّا، وإنّما يمكن تفسيرها كما تُفسَّر الرؤيا، لأنّ رؤيا الأنبياء تُعتبر من الوحي، وهي تُشير كذلك إلى أنباء غيبيّة.

وقد ورد في كتاب “تعطير الأنام في تعبير المنام”: “الصُفرة في الثياب كلها مرضٌ وضعف لصاحب الثوب الذي يُنسب ذلك الثوب إليه”. وعلى ذلك يكون معنى المهرودتين.. أي الثوبين الأصفرين الذين يلبسهما المسيح الموعود .. هو مرضان يُصيبانه. وقد أشار رسول الله تأييدًا لهذا المعنى بأنّ المسيح الموعود سوف يُعاني من مرضين.

وقد تحقَّق ما أشار إليه النبي ، وكانت هذه أيضًا من الآيات التي تُثبتُ صدق سيدنا أحمد ، إذ أنّ الكذاب المفتري على الله، لن يُصيب نفسه بمرضين حتى يُحقِّق أنباء رسول الله . وبطبيعة الحال.. فإنّ مُعارضي الأحمديّة سيُهوِّنون من شأن هذه الآية ويقولون أنّ كل إنسان قد يُصاب في حياته بمرضين أو أكثر، فإصابة سيدنا أحمد بمرضين، لا تعني شيئًا. ولكن هذين المرضين بالذات سوف يُلازِمان المسيح الموعود طوال حياته، حيث يكونان دائمًا شاهدين على كونه المسيح الموعود.

كان المرض الأول الذي لازم سيدنا أحمد هو مرض الصُداع المـُزمن، وكان المرض الثاني هو مرض سريان البول، إذ كان سيدنا أحمد يضطر إلى التبول عديدًا من المرات بلغ بعضها مائة مرة في اليوم. ولكن الله سبحانه وتعالى عصمه من النتائج السلبيّة لهذه الأمراض، فلم تؤثِّر على أنشطته ولم تعوِّقه عن تأدية رسالته. ولا شكَّ أن سيدنا أحمد كان يُعاني من بعض الأمراض الأخرى في مختلف أدوار حياته، وخاصةً في شيخوخته.. تمامًا كما يُعاني كل بشر وكل إنسان. ولكن حتى في شيخوخته لم تكن تلك الأمراض عائِقًا له في أداء مهماته أبدًا. بل استمر في الجهاد لإحياء الإسلام والدفاع عنه، وبذل كل الجهد لإقامة الشريعة الإسلاميّة والذود عنها، واستمر في تأليف الكتب التي بلغت أربعة وثمانين كتابًا منها ثلاثة وعشرون باللغة العربيّة، والبعض منها بالفارسيّة وبقيّتها باللغة الأُرديّة، وعند وفاته كان قد بدأ في تأليف كتابه الأخير “بيغام صلح” الذي تُوفيَّ ولم يستكمله.

وإذا كان معارضو الأحمدية يدَّعون أنّ إصابة سيدنا أحمد بالأمراض تدلُّ على غضب الله تعالى عليه، فإنّ هذا يدلُّ على جهلهم.. أو تجاهلهم القائم على الخُبث، فقد ذكر كتاب الله الحكيم أنّ الكثير من الأنبياء قد أصابهم المرض، وفيما يلي بعض الأمثلة:

مرض إبراهيم :

قال سيدنا إبراهيم مُعدِّدًا نِعمَ الله تعالى عليه: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (الشعراء: 81)

مرض يعقوب :

جاء في القرآن المجيد عن سيدنا يعقوب قوله تعالى:

وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (يوسف: 85)

وقد ورد في تفسير “روح المعاني” عن ابيضاض العين: “والابيضاض قيل أنه كناية عن العَمَى، فيكون قد ذهبَ بصره بالكُليّة”. وكتب مؤلف كتاب: “مع الأنبياء في القرآن الكريم” تحت هذه الآية فقال: “وابيضَّت عيناه من الحُزن.. ينشأ عن الحُزن العميق حالةٌ نفسيّة يزداد بسببها الضغط على العينين وتحدث الجلوكوما، أو ما يُسمّى عُرفًا بالمياه الزرقاء، فيزول صفاء القرنيّة وبريقُها، ويضعف البصر شيئًا فشيئًا حتى يزول نهائيًّا وتبدو العين بيضاء”. (ص182)

مرض أيوب :

قال الله تعالى في القرآن الكريم عن مرض سيدنا أيوب :

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء: 84)

وورد في تفسير “روح المعاني” عن مرض أيوب : “ما كان بقيَ من أيوب إلا عيناه وقلبه ولسانه…. إنّ الدودة لتَقعُ من جسد أيوب …”، وقال الشيخ المراغي في تفسيره: “وفي هذا إيماءٌ إلى نوعِ المرض الذي كان به، وأنّه من الأمراض الجلديّة غير الـمُعدية كالأكزيما والحكّة ونحوهما مما يُتعب الجسم ويُؤذيه أشدَّ الإيذاء”.

مرض يونس :

يُشير الكتاب العزيز إلى مرض سيدنا يونس في قوله تعالى:

فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (الصافات: 146)

ويتضح من هذه الآية أن المرض قد أصابه فصارَ سقيمًا.

مرض سيدنا محمد :

من المعروف تمامًا أن الله تعالى أوصى نبيّه الأكرم أن يؤكِّد للناس على بشريّته وأنّه يُماثلهم تمامًا في كلّ مُقتضيات البشريّة فقال: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ.. (الكهف: 111)، ولذلك فقد كان النبيّ يشعر بالجوع والعطش كغيره من الناس، وكان يمرض أيضًا كما يمرض غيره، وإن كان يتحمل من الأمراض أكثر مما يتحمل غيره حتى يكون قدوةً في الصبر لغيره من الناس. وجاء في إحدى الروايات: “عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “أَجَلْ. إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ” قال فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “أَجَلْ”، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى من مَرَض فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا”. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك). ويتضح من هذا الحديث ان سيدنا محمدًا المصطفى كان يُعاني من الوعك الشديد أكثر مما يُعاني غيره من الناس.

عن مسروق، قال: قالت عائشة: ما رأيتُ رجلاً أشدّ عليه الوجع من رسول الله . وقال العلماء أنّ معنى الوجع هنا هو المرض، والعرب تُسمّي كل مرض وجعًا. عن أنس قال: لمـّــَا ثَقُلَ النبيُّ جَعَلَ يَتغشَّاهُ. (صحيح البخاري كتاب النبيّ إلى كسرى وقيصر باب مرض النبي )

عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ ؟ قَالَتْ: بَلَى. ثَقُلَ النَّبِيُّ فَقَالَ: “أَصَلَّى النَّاسُ؟” قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: “ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ”، فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ. (صحيح مسلم كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر)

… أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: ” أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا (أي بيت عائشة) وَأَذِنَّ لَهُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ وَيَدٌ لَهُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَيَدٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، وَهُوَ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ فِي الْأَرْضِ. (يخط برجليه أي لا يستطيع أن يرفعهما ويعتمد عليهما – المرجع السابق)

ورد في حديثٍ آخر: “فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ. (المرجع السابق)، وقال الإمام النووي: “يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ” أي يمشي مُتكِئًا عليهما يتمايل إليهما (شرح الإمام النووي ج4 ص139 -142)

وتدلُّ هذه الأحاديث على أنّ النبيّ أُصيب بوعكٍ شديد، وأُغميَ عليه بسبب شدّة المرض، وأنّ المرض قد ثقُلَ عليه وغشَّاه، وأنّه لم يكن يقوى على السير بسبب المرض فكان يتحامل على رجلين يجرَّانه حتى أنّ رجليه كانا يخُطَّان في الأرض، ثم إنّه تُوفيَّ بسبب مرضه. فهل يدلُّ هذا -والعياذ بالله- على أنّه كان بسبب غضب الله عليه كما يدَّعي مُعارِضو الأحمدية في أمر سيدنا أحمد ؟ ألا ساء ما يحكمون!

رأي الإمام النووي في مرض الأنبياء

ذكرنا آنفًا  أنّ الأنبياء جميعًا من البشر، وأنّهم يمرضون ويُعانون من الألم كبقيّة الناس، ولا يُنقِص هذا شيئًا من نبوَّتهم ورسالتهم ومكانتهم عند الله تعالى. وكتب الإمام النووي عن أمراض الأنبياء والرسل في شرح صحيح مسلم تحت الحديث الذي ذكر أن سيدنا محمد قد أُغميَ عليه فقال:

“… وقوله: (فأُغميَ عليه) دليلٌ على جواز الإغماء على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا شكَّ في جوازه فإنّه مرض، والمرضُ يجوز عليهم بخلاف الجنون، فإنّه لا يجوز عليهم لأنّه نقص. والحكمة في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثيرُ أجرِهم وتسليةُ الناس بهم لئلا يُفتتنَ الناس بهم ويعبدوهم لما يظهر عليهم من المعجزات والآيات البيِّنات والله أعلم.” (صحيح مسلم بشرح الإمام النووي، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرضَ له عذرٌ من مرض ج4 ص136).

بقيَ أن نذكر أنّ مُعارِضي الأحمدية يذكرون دائمًا الرواية التي دوَّنها ميرزا بشير أحمد في كتابه: “سيرة المهدي”، ومؤدَّاها أن حَرَمَ حضرة الإمام المهدي قالت أنّه قد أُصيب بمرض الهستيريا في سنة 1888.

ونودُّ أن نُذكِّر القارئ الكريم بأنّ اللغة الأُرديّة بها الكثير من الكلمات العربيّة، كما أنّ بها الكثير من الكلمات التي تُشابه الكلمات العربيّة في الشكل ولكن تختلف عنها في المعنى، مثل كلمة “شراب” التي لا تعني إلا “الخمر” في اللغة الأُرديّة، ولكنها تُطلق على كل مشروب في اللغة العربيّة. وكذلك كلمة “مكر” التي لها في اللغة الهنديّة استعمالاً سلبيًا فقط وهي تعني الخداع والغش، ويطلق لفظ “مكار” على الشيطان، ولذلك انتقد الهندوس وخاصة طائفة “الآرية” القرآن المجيد انتقادًا عنيفًا بسبب وصف الله سبحانه وتعالى بأنه خير الماكرين في قوله:

وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (آل عمران: 55)،

والكلمة معناها في اللغة العربيّة الحيلة والتدبير، فالمقصود بها في الآية أنّ الله خير المدبِّرين.

ونفس هذا التشابه بين الكلمات مع اختلاف المعنى ينطبق على كلمة “هستيريا”، إذ معناها في اللغة الهنديّة “صُداع الرأس الشديد”، ويستعمل هذا الأسلوب في اللغة الهنديّة بشكل عادي. وعلى سبيل المثال.. إذا كان أحدٌ يُعاني من ألمٍ شديد فيُقال أنّه يموت ألمـًا وأنّه أُصيب بهستيريا الألم. ولكن معنى الكلمة في اللغة العربيّة واللغات الأجنبيّة يختلف عن معناها في اللغة الهنديّة. ومما يدلُّ على خُبث مُعارِضي الأحمدية أنّهم يعلمون هذه الحقيقة، ومع ذلك لا يكفُّون عن ترديد تلك الرواية التي جاءت في كتاب “سيرة المهدي”، لكي يوحوا للقارئ بأن سيدنا أحمد قد أُصيب بالجنون، وذلك بشهادة زوجته نفسها. وهم لإفكِهم وخُبثِهم يتجاهلون ما كتبه ميرزا بشير أحمد رضيَ الله تعالى عنه، وهو مؤلف هذا الكتاب، شرحًا لكلام والدته فقال:

“… استعملت والدتي المحترمة كلمة “هستيريا” تعبيرًا عن “دوار الرأس” لسيدنا أحمد المسيح الموعود ، ولم تقصد بها ذلك المرض المعروف بالهستيريا في علم الطب، …. وكما شرحنا في الجزء الثاني من كتاب “سيرة المهدي” برقم الرواية 325 و269 أن سيدنا أحمد لم يُطلِق في مؤلفاته كلمة “هيستيريا” على مرضه بتاتًا. وحسب علم الطب لا تُطلَق أبدًا كلمة “هيستريا” على دوار الرأس.

…. وقد شاهدته مرارًا.. أنا مؤلف الكتاب.. عند إصابته بنوبات دوار الرأس ولم أره أبدًا في حالة غيبوبة”. (سيرة المهدي ج1 الطبعة الثانية في عام 1935)

هذا هو خُلق مُعارِضي الأحمدية، وهذه هي أمانتهم في نقل الكلمات والجُمل، وهذا هو الباطل الذي يذكرونه ويدَّعون أنّه الحق. فهم يعلمون تمامًا ماذا كانت زوج سيدنا أحمد تقصد بقولها هذا، ويعلمون كذلك أنّها لم تكن طبيبة ولا خبيرة بشؤون الطب حتى تؤخذ روايتها بمعناها العلمي، ويقرأون في نفس الكتاب ماذا قال المؤلف، ثم يردِّدون للقارئ هذه الرواية وهم يعلمون أنّه سوف يفهمها على أنّها شهادة صادقة من زوجة على أنّ زوجها قد أُصيب بمرض الهستيريا. وهم في مسلكهم هذا إنّما يتصرَّفون تمامًا مثل تصرُّف بعض المستشرقين الغربيّين الخُبثاء الذين نقلوا روايةً عن زوج الرسول فقالوا أنّه أُصيب بالسحر. إذ روت عائِشة رضيَ الله تعالى عنها كما جاء في صحيح البخاري ما يلي:

“باب السحر حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ” (البخاري كتاب الطب باب السحر)

ويتضح من هذه الرواية أنّ السيدة عائِشة زوج رسول الله قد استعملت كلمة “سُحِرَ” تعبيرًا عن مرض سيدنا محمد . واستعملت أيضًا السيدة نصرة جهان بيغم زوج حضرة الإمام المهدي كلمة “هيستيريا” تعبيرًا عن مرض حضرته، وفي كلتا الحالتين فإنّ أصحاب الأهواء البغيضة يتَّخذون من هاتين الكلمتين مطعنًا في كل من سيدنا محمد وسيدنا أحمد .

ونحن نؤمن إيمانًا كاملاً بأن سيدنا محمد المصطفى لم يُصب أبدًا بالسحر الذي يظنُّ الناس أنّه يُسبب اختلال العقل أو يجعل لأي إنسان تأثيرًا وسُلطانًا عليه، فإنّ الله سبحانه وتعالى وعده بقوله: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 68)، وإنّما قصدت السيدة عائشة بكلمة السحر الأمر الخفي، كنايةً عن مرضه. وكذلك قصدت السيدة نصرة جهان بكلمة “هيستيريا” مرض دوار الرأس.

ومن المعروف أنّ هناك العشرات من الأطباء والدارسين لعلوم الطب القديمة والحديثة قد بايعوا سيدنا أحمد وانضمُّوا إلى جماعته، فهل من المعقول أن يُصدِّق هؤلاء رجلاً يعلمون عنه أنّه مُصاب بالهيستيريا؟ اللهم إن هذا معقولٌ فقط في عقول مُعارِضي الأحمدية، فإنّهم هم الذين أصابتهم هيستيريا العداء لسيدنا أحمد حتى فقدوا عقولهم وصاروا كالذي يتخبَّطهُ الشيطان من المسِّ.

رد حضرة الإمام المهدي على هذا الانتقاد

كتب حضرته في كتابه “إزالة الأوهام” في سنة 1891 ردًّا على انتقاد المعارضين ما تعريبه عن الأُرديّة:

“… الانتقاد الثاني الذي وُجِّهَ إليَّ بأنّني ما ادَّعيتُ بِكوني مسيحًا موعودًا إلا بسبب الهيستريا والجنون، فإنّني أقولُ ردًّا على هذا بأنّي لا أغضبُ على أحدٍ يَتَّهِمُني بالجنون أو بإصابةٍ في العقل، بل أفرحُ لذلك لأنّ كُلَّ نبيٍّ ورسولٍ سُمِّيَ بهذا الاسم في زمنِه، ونالَ الـمُصلِحون هذا اللَّقبَ من أقوامِهم منذُ القِدَم. وأنا سعيدٌ لِتَحقُّقِ هذا النبأ عني أيضًا، فقد تَلقيَّتُهُ من الله سبحانه وتعالى ونُشِرَ في كتابي: (البراهين الأحمدية)، وقد جاء فيه أنّ الناس سوف يقولون عني أنّي مجنون…” (الخزائن الروحانيّة ج3 – كتاب: إزالة الأوهام ص 403)

ثم كتب حضرته أيضًا، تعريبًا عن الأُرديّة: “… كان الله سبحانه وتعالى يعلم أنّه لو أصابني مرضٌ خبيثٌ كالجُذام أو الجنون أو العمى أو الصراع.. فيستنتج الناس منه نزول الغضب الإلهي عليَّ، ولأجل ذلك بشَّرنِي قبل فترةٍ طويلة، ونشرتُ بِشارته تلك في كتابي: “البراهين الأحمدية” حيث يقول: «أَعصِمُكَ مِنْ كُلِّ مَرضٍ خبيثٍ وأُتَمِّمُ نِعمتي عليك»…” (الخزائن الروحانية ج17- كتاب: أربعين ص219). وقد استمر تحقُّق هذه البشارة الإلهيّة إلى آخر لحظة في حياته الشريفة، ولم يُصَب بأي مرضٍ خبيث يؤثِّر عليه بحيث يمنعه من أداء مهامه.

الأنبياء السابقون

اتُّهموا بالسحر والجنون

ومن المدهش جدًا أن مُعارضي الأحمدية قد نَسوا.. أو لعلَّهم تَناسوا.. الاتِّهامات التي وُجِّهت إلى الأنبياء من قبل، حيث اتَّهمهم مُعارِضوهم بالسحر والجنون، ويبدو أن مُعارِضي سيدنا أحمد يعيشون في عصرٍ تقدَّمت فيه العلوم والفنون، ولذلك فهم يُحدِّدون نوع الجنون بالهيستريا!!

يقول تعالى في القرآن المجيد:

كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (الذاريات: 53)

وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُورًا (الفرقان: 9)

وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (الصافات: 37)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (القمر: 10)

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (الشعراء: 28)

وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (الحجر: 7)

وهكذا تشابهت قلوب وأقوال مُعارِضي الأنبياء في كل زمان ومكان، وقد زعم بعض المستشرقين الـمُغرِضين الذين هم على شاكلة مُعارِضي سيدنا أحمد أنّ سيدنا رسول الله قد أُصيبَ بالصرع والجنون، وهم يتلمَّسونَ الكلمات التي قد تُفهم على أكثر من معنى، ويتمسَّكونَ بأعراضٍ تبدو في خيالهم المريض أنّها نوباتُ الصرع، فَيَصِمُونَ الرسول الأكرم بأنّه كان يُعاني من الجنون والصرع، وفيما يلي نبذة مما كتبه محمد حسين هيكل في كتابه:

“… أنّ مباحث المستشرقين دلَّتهم على أنّ النبيّ كان يُصابُ بالصرع، وأن أعراضه كانت تبدو عليه، إذ كان يغيب عن صوابه، ويسيلُ منه العرق، وتعتريه التشنُّجات، وتخرج من فمه الرغوة، حتى إذا أفاقَ من نوبته تلا على المؤمنين به ما يقول أنّه وحيٌ من الله إليه، في حين لم يكن هذا الوحي إلا أثرًا من نوبات الصرع” (حياة محمد ص57 – دار المعارف القاهرة)

ونسبَ المستشرق سبرنغر Springer  مرض الهيستريا إلى سيدنا محمد فقال عنه الشيخ عبد الحليم محمود.. شيخ الأزهر الأسبق في كتابه: “محمد رسول الله ” : “… ولا نكاد ننتهي من هدم “نوبات الصرع” حتى يؤكِّد “سبرنغر” أنها نوبات هيستريا اشتهرت باسم شوتلاين” (ص45 الناشر دار الكتاب بيروت لبنان)

وهناك الكثير من التعليقات والاتِّهامات والافتراءات التي أطلقها المعارِضون على سيدنا محمد المصطفى والتي سلك مسلكهم فيها معارضو حضرة الإمام المهدي ، ولكننا نُنزِّه مجلتنا عن ذكرها، ونرى أنها بسبب قذارتها وبذاءتها لا تليقُ إلا بهؤلاء الذين خرجت من أفواههم أو خطَّتها أقلامهم. وكما أنّ سيدنا محمد المصطفى أعظمُ وأجلُّ من أن تناله بعض الكلاب التي تعوي كذبًا وافتراءً، فكذلك سيدنا أحمد أعلى وأكبر من أن تناله صاصأة بعض الثعالب التي تعوي زورًا وبُهتانًا. وكما خابَ المستشرقون والمغرضون في الماضي والحاضر، فسيخيبُ من هم على شاكلتهم من مُعارِضي سيدنا أحمد ، وسيعلم الذين ظلموا ايَّ مُنقلبٍ ينقلِبون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك