أي وحي تلقى مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية؟

أي وحي تلقى مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية؟

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

 

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتّاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئِلَتكم ستكون الزاد الذي يُغني هذا الباب ولذلك فصدْر التقوى الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يُجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر  (داعية إسلامي أحمدي)

السؤال: هل توقف نزول الوحي بعد رسول الله؟ وإن كان هذا صحيحًا فكيف تلقى مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية وحيًا من الله تعالى؟

الجواب

لقد سمع الناس من مشايخهم وعلمائهم ممن يعارضون الجماعة الإسلامية الأحمدية أن نزول الوحي قد توقف بعد سيدنا محمد المصطفى وأن باب الوحي قد أُغلق، فلا يمكن أن يتلقى أحد من العباد وحيًا من الله تعالى. وتؤمن الجماعة الإسلامية الأحمدية إيمانًا راسخًا أن الوحي الذي توقف نزوله بعد محمد هو الوحي الذي يتناقض مع ذلك الذي أنزل على رسول الله ، وأن باب الوحي الذي أغلق إلى يوم القيامة هو باب الوحي التشريعي الذي يضيف إلى الشريعة الإسلامية الكاملة أية أوامر أو نواه، وإنه لا يمكن أن يتلقى أحد من العباد وحيًا ينسخ الشريعة الإسلامية أو ينقض حرفًا منها، فإن هذا الوحي لم ولن ينزل على أحد بعد سيدنا محمد المصطفى ، وعلى ذلك فإن نزول هذه الأنواع من الوحي منقطع حتمًا إلى يوم القيامة.

ولكن الجماعة الإسلامية الأحمدية تؤمن في نفس الوقت بقوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (فصلت: 31-32)،

وتعتقد الجماعة أن الله تعالى كان ولا زال يبشر أولياء الأمة الإسلامية بوحيه ويطمئنهم من الخوف بإلهامه، وأنه كان يخبرهم ولا يزال يخبر عباده ويشرح لهم بعض الأحكام في نطاق الشريعة القرآنية. وكلمة تَتَنَزَّلُ في قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ

تدل على الحال والاستقبال، وتخبرنا بأن المؤمنين الذين يقولون رَبُّنَا اللَّهُ يتلقون وحيًا وإلهامًا من الله سبحانه وتعالى بطريق الملائكة في هذه الحياة الدنيا، والملائكة يقولون لهم حسب ألفاظ القرآن المجيد: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا. ومن المعروف أن الملائكة لا يقولون هذا إلا بالإلهام أو بالوحي.

وقال الإمام الفخر الرازي في تفسيره شرحًا لهذه الآية الكريمة: إنه تعالى أخبر عن الملائكة أنهم قالوا للمؤمنين: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.. ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية بالإلهامات والمكاشفات اليقينية (التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ج 27 ص 123 سورة فصلت)، وورد في تفسير روح المعاني للعلامة الألوسي البغدادي في شرح معنى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ : يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم ويدفع الخوف والحزن بطريق الإلهام (الجزء الرابع ص 121ـ سورة فصلت)

وبذلك يتضح من هذه الآية القرآنية وشرحها بأن الله سبحانه كان.. ولا زال.. ينزل إلهامًا ووحيًا على المؤمنين القائلين رَبُّنَا اللَّهُ ، وهذا النزول يستمر إلى الأبد. (ثانيًا) إن الله سبحانه وتعالى أنزل وحيًا على النحل وعلى أم موسى وتكلم إلى مريم عليها السلام وإلى الحواريين بواسطة الملائكة. قال سبحانه:

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (النحل: 69)؛ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى (القصص: 8)؛ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (مريم: 20)؛ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ (المائدة: 112)

فإذا كان سبحانه قد أوحى إلى نساء ورجال من الأمة الإسرائيلية.. فليس من المعقول بأنه لا ينزل وحيًا أو إلهامًا على أي فرد من الأمة المحمدية، وهو الذي قال عنها إنها: خير أمة أخرجت للناس، وكان من المفروض أن يبعث فيها المجددون والأولياء والصالحون الذين يتلقون إلهامًا ووحيًا من الله سبحانه وتعالى بفضل طاعة الله واتباع سيدنا محمد المصطفى .

قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي المتوفى عام 638 هـ في كتابه الفتوحات المكية: أما الإلقاء بغير التشريع فليس بمحجور ولا التعريفات الإلهية بصحة الحكم المقرر أو فساده (ج 2 ص 287) يستحيل أن ينقطع خبر الله وأخباره من العالم إذ لو انقطع لم يبق للعالم غذاء يتغذى به بقاء وجوده (ج2) فثبت من كل ما سبق أن الوحي والإلهام والمبشرات والرؤيا الصالحة التي لا تتعلق بالتشريع لم تنقطع ولن تنقطع إلى يوم القيامة.

تلقى صحابة الرسول وأولياء الأمة الوحي والإلهام. يحدثنا تاريخ الإسلام بأن صحابة سيدنا محمد المصطفى وأولياء الأمة والصالحين والمجددين كانوا جميعًا يتلقون وحيًا وإلهامًا من الله سبحانه وتعالى. وإليكم بعض الأمثلة بهذا الشأن:

جاء عن أبي بكر في كتاب اللمع لأبي عبد الله علي السراج القوسي: كانت لأبي بكر جارية حبلى فقال: أُلقي في روعي أنها أنثى وولدت أنثى (باب ذكر أبي بكر الصديق ص 123) وجاء عن علي في كتاب الخصائص الكبرى للإمام السيوطي:

كان علي والفضل يغسلان رسول الله فنودي علي : ارفع طرفك إلى السماء (ج 2 ص 272) وجاء عن أبي بن كعب في كتاب روح المعاني تحت تفسير آية خاتم النبيين: عن أنس قال: قال أبي بن كعب لأدخلن المسجد فلأصلين ولأحمدن الله تعالى بمحامد لم يحمده بها أحد، فلما صلى وجلس ليحمد الله تعالى ويثني عليه إذا هو بصوت عال من خلف يقول: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، لك الحمد إنك على كل شيء قدير، اغفر لي ما مضى من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وارزقني أعمالاً زكية ترضى بها عني وتب علي. فأتى رسول الله فقص عليه فقال: ذاك جبريل . (ج 22 ص 40)

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه:

“يخبرنا في سرائرنا معاني كلامه وكلام رسوله وصاحب هذا المقام من الأنبياء والأولياء.” (اليواقيت والجواهر)

وهناك الكثير من الأمثلة ولكن تكفي هذه العينة المذكورة لمعرفة الحقيقة. إذ يتضح منها أن صحابة رسول الله رضوان الله عليهم وأولياء الأمة كانوا يتلقون وحيًا من الله سبحانه وتعالى. وهذه السلسلة ستظل مستمرة إلى الأبد ولن تتوقف بسبب أقوال المشايخ أو اعتراضات بعض العلماء، ونقول صراحة أن أقوالهم مرفوضة لأنها تناقض القرآن الكريم.

لقد ذكر رسول الله أن الله تعالى سوف يوحي إلى المسيح الذي يبعثه سبحانه وتعالى في الأمة الإسلامية، وجاء ذلك في حديث طويل ذكره الإمام مسلم في صحيحه، فكيف نصدق رأي بعض المشايخ والعلماء الذين يقولون بإغلاق باب الوحي، ونكذب قول رسول الله ؟ كذلك أخبرنا سيد البشر عن الإمام المهدي أنه خليفة الله وأن طاعته واجبة وبيعته مفروضة على كل مسلم ولو اضطر إلى الحبو على الثلج ليصل إليه، فكيف يأتي ذلك الإمام العظيم دون أن يتلقى الوحي والإلهام من الله تعالى؟ وكيف يهديه الله تعالى ليكون مهديًا ويجعله للناس إمام من غير أن يوحي إليه بذلك؟ وكيف يحقق أهدافه ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا وكيف يعرف أنه هو الإمام المهدي والمسيح الموعود بغير أن يخبره الله بذلك؟ لقد رأينا كيف أن الصحابة والأفاضل من علماء الأمة كانوا يتلقون الوحي والإلهام من الله، فكيف يقبل أي مسلم عاقل أن يأتي الإمام المهدي ويبعث المسيح الموعود دون أن ينال الوحي والإلهام؟ لقد ذكر الإمام عبد الوهاب الشعراني رأي الشيخ محيي الدين بن العربي عن الإمام المهدي فقال:

“فيُرسَل وليًّا ذا نبوة مطلقة ويُلهَم بشرع محمد ويفهمه على وجهه” (اليواقيت والجواهر ج2 ص 89)

وهكذا.. كان من المحتم أن يتلقى الإمام المهدي والمسيح الموعود وحيًا وإلهامًا من الله سبحانه وتعالى، وهذا بفضل اتباع سيده وسيدنا محمد المصطفى . ولقد شرف الله سبحانه وتعالى الإمام المهدي مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بمكالمته ومخاطبته فصرح بذلك بكل الوضوح حيث قال:

“وإني أقسم بذاته تعالى وأقول إنه.. شرفني بمكالمته ومخاطبته، ولكن حصل لي هذا الشرف باتباع النبي فقط. وإن لم أكن من أمته أو لم أتبعه، فحتى لو كانت أعمالي تعادل جبال الأرض كلها، لما كان من الممكن لي قط أن أتشرف بالمكانة والمخاطبة الإلهية، لأن النبوات كلها قد انقطعت إلا النبوة المحمدية. فلا يمكن أن يأتي نبي مشرع، ولكن يمكن أن يأتي نبي بدون شريعة بشرط أن يكون ذلك أولاً من أمة محمد ، فلأجل ذلك.. إني من أمته أيضًا ونبي أيضًا. وأعني من نبوتي المكالمة والمخاطبة الإلهية في ظل النبوة المحمدية ليس إلا. (التجليات الإلهية ص 28 ـ الخزائن الروحانية ج 19 ص 247)

وليس من الصعب أن يستنتج المسلم المتقي من هذه الأدلة المذكورة بأن الله سبحانه وتعالى كان وما زال ينزل إلهامًا ووحيًا غير تشريعي على عباده الصالحين وأوليائه المقربين من أمة المسلمين. وفي هذا الإطار تلقى مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية من الله تعالى الوحي والإلهام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك