ما كان محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً

اقتباس من أحد دروس تفسير القرآن الكريم

لحضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد المصلح الموعود رضي الله تعالى عنه

(يتحمل المترجم مسؤولية أي سوء فهم، خطأ أو نسيان صدر منه خلال ترجمة هذا المقتبس)

يكتب حضرته مفسرًا الآيات القرآنية:

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (الشعراء: 225-228)

لقد سجّل القرآن الكريم في مواضع عدة آراء كفار مكة التي كانوا يبدونها لدى سماعهم لكلام محمد . فقال: إنهم كانوا يسمونه مجنونًا أحيانًا، ويقولون أحيانًا أخرى إنه ادّعى ما ادّعى بدافع أضغاث أحلامٍ تراوده.. وتارةً يقولون إنه شاعر.

ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء بعض اتهاماتهم، فقال:

بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ (الأنبياء: 6)

أي يظن الكافرون أن هذا الكلام أضغاث أحلام ليس إلا. وقد اختلق محمد هذه الأقاويل من عند نفسه، بل الحق أنه شاعر بالغريزة، وإن مختلف الأفكار كانت تجول في ذهنه، فيتسم كلامه بالفصاحة والبلاغة الشاعريتين بالإضافة إلى بُعد النظر، مثلما يتسم به كلام الشعراء المشهورين والمتمكنين من الشعر. مما يُثبت أنه شاعر هو الآخر وليس رجلاً روحانيًا ( والعياذ بالله).

يفند الله تعالى ادّعاء الكافرين في الآيات التي نحن بصدد تفسيرها، فيقول ما معناه: إن ظنكم هذا لظن باطل محض. والدليل على ذلك أن الذين يتبعون الشعراء ويولعون بهم، ليخلون من التقوى والروحانية ويكونون بعيدين عن التقوى والروحانية بُعد الشيطان عن الجنة.

وبما أن الشعراء يتخذون العشق والحب والأحاسيس الشهوانية موضوعات لأشعارهم، لذلك يتبعهم الذين بينهم وبين التقوى والروحانية بعد المشرق عن المغرب. أما أتباع محمد ، فيمضون لياليهم قائمين ساجدين في حضرة الله عز وعلا، ويقضون نهارهم ذاكرين الله ومساهمين في إعلاء كلمة الإسلام. فإنهم بصدقهم وأمانتهم وعفتهم وطهارتهم قد قدموا أسوة لم يسبق لها نظير.

فكيف يسعكم القول إذن أن نزيهًا مثله يشبه هؤلاء الشعراء الذين يجعلون الغوغاء يلتفون حولهم بتهييج عواطفهم في حين ترون أن أصحابه قد تعففوا بمجرد التحاقهم به..

ثم يقول تعالى:

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (الشعراء: 226)،

أي ألم تلاحظوا أن الشعراء يُطلقون سهام الكلام في جميع النواحي بغية إرضاء الناس؟ فلا هدف لهم ولا غاية. تراهم يضعون كل ما يخطر ببالهم، في قالب شعري. ولكن محمدًا قد جاء لنشر وحدانية الله تعالى في الكون، وكان هذا هو هدفه الوحيد الذي يشغله ليل نهار، وتحمّل من أجله المصاعب والمتاعب، فكيف إذن يمكنكم أن تقولوا بأنه شاعر؟ فلو كان شاعرًا لكان بدون هدف شأن باقي الشعراء، ولسلك مسلك الغالبية من الناس، ولسعى إلى نيل رضاهم بطرق شتّى. ولكن محمدًا قد خاطب الناس كافة، وكان يجتهد دائمًا ليهدي كل إنسان إلى وحدانية الله تعالى. فمن أين له أن يكون شاعرًا إذن؟

ثم يقول تعالى:

وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ

أي أن من صفات الشعراء أن أقوالهم لا تتفق مع أفعالهم ولا يعلمون بكل ما يتفوهون به. ففي حين ينصحون الناس بالتحلي بالأخلاق الحسنة، يتعاطون هم أنفسهم الخمور. وعندما كانوا يأمرون الناس بتقوى الله وخشيته كان سلوكهم يدل على بُعدهم عن الصوم والصلاة.

أما أقوال محمد فهي منسجمة مع أعماله، حيث لم يكن يردد لسانه إلا ما يعمل به. لذلك فإن قولكم أن محمدًا شاعر، هو ناجم عن قلة تدبركم في الحقائق. وإنْ فكّرتم وتدبرتم، لوجدتم أن ثمة بُعدًا شاسعًا بين كلام محمد وخُلُقه وكلام الشعراء وأخلاقهم، ولا تشابه بين هذين السلوكين.

ثم يقول تعالى:

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا…

أي إننا نستثني أشعار أولئك الشعراء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لأن أبياتهم تحتوي على بيان الحقيقة، بحيث لا يذكرون في أشعارهم إلا ما يتفق مع حياتهم العملية.

(التفسير الكبير، المجلد الخامس، الجزء الثاني، ص 491 ـ 494)

Share via
تابعونا على الفايس بوك